رد: (( أنا والليل )) - 1 -
شَقّ الجدار وارتسم
أفاق من نومه باكياً والدموع تُبلّل وسادته على اثر حلم غريب انتهى بموت أمه - مع أنها متوفاة منذ زمن بعيد -
فنهض من فراشه متثاقلا وجلس على حافة سريره مطأطئ الرأس مغمض العينين ثابتا مكانه لا يتحرك،
فالظلام دامس، وصوت المطر يطغى على كل صوت باستثناء صوت الريح التي تشتد مع كل ثانية،
تتقاذف المياه باتجاهات مختلفة ،وتجعلها أقوى من حصى تقذفها مقلاع فيزداد صوت المطر الذي أصبح
أقوى مما كانت عليها الحال في الأيام الخمسة الماضية بما لا يقاس ؛ مع ذلك، بقي جالسا على حافة سريره
يفكر بالحلم الذي كان. تمر المشاهد أمامه كأنها انطبعت على شريط مصور في مكان خيالي وانتقل بها الزمن
إلى لحظة الواقع فألح عليه سؤال ثقيل أجاب عنه في الحال، حدّث نفسه وقال :
" من منا يملك مقياس الزمن الواقع ما بين " موتنا سريريا " وقيامتنا من جديد ؟ "
من منا يعرف طول الزمن وعمقه ذلك الفاصل ما بين الحلم واليقظة :
هل هو لحظة ؟ طرفة عين؟ دهر ربما ؟ زمن نقول فيه : " كنا نياما وصحونا " !
زمن تتحول فيه الأحداث وتنتقل من الحلم ، إلى حقيقة واقعة لا يتوقف أمامها الكثيرون ولكنه فعل؛
فأحداث حلمه التي صنعها عقله الباطن، صارت أمام عينية ذكرى تُلح على عقله الواعي تكرار عرضها،
ليرسّخها ربما ، ويحفر صورها عبر أمر يأتيه ولا يعرف من أين يطالب بتكرار عرض الأحداث ذاتيا !
ولكن لماذا لم يحدث ذلك من قبل وبهذا الإلحاح كهذه المرة مع انه يحلم كثيرا ؟!
كان جالسا وما زال يراها وهو مغمض العينين كأنها مسلسل يعرض قصصا مختلفة لم تكن كلها
في ذلك الحلم ، ولكن على ما بدا كأنه كان الحاوية الحاضنة لتلك القصص المختلفة .. كل قصة لها
عنوان مستقل ، وان أحداث كل قصة كانت تتداخل مع الأخرى تتدافع أمام عينيه المغمضتين بقوة شتت ذهنه.
أحس بعطش شديد ،حاول القيام فعجز، كأنه في سبات ، يسمع ما يدور حوله وغير قادر على النهوض
فالظلام دامس، بتثاقل مدّ يده لمفتاح الضوء فتأكد من انقطاع الكهرباء ! كان يتمنى لو قبض على طرف
سلك كهربائي ليجبره على القيام فقام في اللحظة التي هدر فيها صوت رعد شديد !
.ومْضّ البرق كان يتوالى كما لم تومض من قبل ، تماسك، رفع كلتا يديه ووضعهما على اذنيه تحسبا لصوت
الرعد الذي أتى على غير ما كان يتوقع! برودة الهواء في الغرفة تكاد تخنقه كأنه قد وُضع في ثلاجة،
وأحس بأطرافه تتجلد فاستدار وتحسس غطاءه الدافئ فرفعه على رأسه وظل في مكانه لا يتحرك ،
ملبد الذهن حائرا لا يدري لماذا قام، ولا يعرف ماذا سيفعل في مثل هذا الطقس، جال نظره في الظلام
الدامس قبل أن يخطو خطوته الأولى ففاجأه رسم على أحد الجدران ظهر للمحة ثم اختفى!
كان الخوف لا يعرف الطريق إلى نفسه منذ أن صار في الحادي عشر من عمره ؛ لكنه في تلك اللحظة
شعر بالخوف بعد تكرار ظهور هذا الشيء واختفاءه فجأة .. ما هذا ؟!
هو لا يؤمن بظهور الأشباح وتراقص الأرواح ولكن .. ما هذا ؟!
بدا أن تفكيره قد شُلّ ؛ لا بد وأنه نائم و يحلم !
ربما كان الحلم كابوسا من يدري ! تحسس وجهه ، فرك عينيه ، جحظتا باتجاه ذلك الجدار والبسملة لا تفارق شفتيه؛
ما الذي أصابه؟
تذكر في تلك اللحظة شخصا كان قد روى له حكاية اعتقد حينها انه كان يبالغ في روايتها قال :
" حينما همّمت كعادتي إلى فتح باب المسجد قبل أذان الفجر، وما أن اقتربت لفتحه وفعلت ، حتى تسمرت
في أرضي بعد أن رأيت شبحا كبير الحجم طويل القامة فشعرت في تلك اللحظات بخوف شديد وبقشعريرة
في جسدي لم يوقفها حتى ذكر الله والبسملة إلى أن تبين أن ضوء سيارة قادمة من بعيد، أظهرت خيالي
على الجدار وفوق المنبر تماما ثم اختفى .. !"
صار يضحك وهو يتذكر تلك الرواية وإذا بالرسم قد ظهر من جديد وكانت أنوار السماء تعكس ظلّه
فسخر من نفسه ثم اقترب من الجدار وأخذ يلوح بالغطاء ويحرك جسده
كلما ومض البرق ؛ كان الضوء يرسمه بأشكال مختلفة .. مرة كأنه شبح قادم من بطون حكايات القصور
المهجورة ، أو الأديرة النائية ، هرما قد بدا في لحظة، براس وبلا راس ، مصلوبا مرة ، طائرا مرة ،
وعلى شكل خفاش كان يعلو ويهبط .. وكلما اشتعل البرق ازدادت حركته وعلت ضحكته وأخيرا خطر له
أن يتقمص شكل ذلك الراهب الأرثوذكسي العتيق، فشعر بنفسه في إحدى ردهات قصر مسكون يجري
بخوف ولا يطارده أحد بعدما فشل في طرد الأرواح الشريرة من غرفة امرأة القيصر وظل يجري حتى
ضرب رأسه بشيء صلب وبقوة!
نهض ولملم أطراف غطاءه ، قبض عليها بإحدى يديه وضمها إلى صدره ثم فتح بيده الثانية باب غرفته
وخرج مسرعا بعدما شعر بوجود الأشباح فعليا فيها!
|