وظننت أنني حيا
[align=justify]في يوم وفاة جدي.. ضج البيت صخبا..بصوت الأموات..الذين استمر توافدهم..منذ صباح ذلك اليوم ..وحتى المساء..لتأدية واجب العزاء ..كنت ألتف على ذاتي كالهرة المتعبة.. في وسط المقعد.. الإسفنجي الكبير ..الموجود في إحدى زوايا الغرفة..أفكر في جدي..الذي إبتعثه الله من موته..حيث الحياة الجديدة..بالنسبة له..والأزلية..بالنسبة للمشيئة ، والتكوين..إستلقت بجانبي إمرأة.. حضرت للتو ..لتؤدي واجب العزاء..أذكر جيدا ملامحها الطفولية البريئة.. وعمرها الذي ناهز السبع عقود تقريبا..ويدها الحانية..وهي تربت على شعري.. وتلتقط أنفاسها التائهة..إثر صعودها سلم المنزل..وتقول بشيء من اللهاث..لا تحزني يا حبيبتي..إنه إستفاق من الموت فنحن الأموات الحقيقيون..لم أعقب.. سوى بالحمد ..والدعاء له بالرحمة.. والغفران.. شاحت مقدرتي على الكلام..وهي أيضا..وبدأت تتمتم ..وتغمض عينيها.. وكأنها تسترسل الأذكار..وأنا على حالي..لكنني.. كنت بين اللحظة والثانية..أنظر لبراءة وجهها ..ولهالة النور التي أحاطته..قرابة النصف ساعة ..وهي على ذات الحال..ثم فتحت عينيها ..ونظرت لي..وقالت :وهي تربت على كتفي: هيا أدع لجدك بالرحمة ..وأدع لنا بحسن الخاتمة..وكلما سجدت.. أذكريني..وأدع لي أن أقبض ساجدة ..قلت لها أطال الله بعمرك ..وأعزك في الدارين..قالت : إنها أمانة فلا تفرطي..قلت بحزن سأفعل..قامت ..عازمة على الرحيل.. ألقت تحيتها على الحضور.. بخطوات هادئة..ونظرت لي من بينهم ..وقالت: لا تنسيني.. ثم إنصرفت ..يومان فقط ويأتي الخبر.. الذي أحزنني..وأدهشني.. وثبتني أيضا ..على حبل أفكاري المتأرجح..لقد ماتت تلك المرأة..وليست فقط ..بل ماتت وهي ساجدة..كما تمنت..منذ صلاة الفجر..إلى أن إكتشف..أحد أبناءها قبل صلاة الظهر.. بقليل..ولم تستطيع المغسلة.. أن تقيم جسمانها.. فغسلت بوضع السجود ..ودفنت بذات الوضع..وأيقنت أن الله أحياها..على مرادها..ومازلنا نحن الموتى الحقيقيون ..في منازل الحياة..نظن أننا أحياء..[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|