التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,842
عدد  مرات الظهور : 162,292,822

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > جمهوريات الأدباء الخاصة > أوراق الباحث محمد توفيق الصواف > رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف
رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف كتاب (( رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ )) للأديب والباحث الأستاذ محمد توفيق الصواف وهو عن " رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات "

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10 / 06 / 2016, 29 : 06 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

Post رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-المقدمة

(كتاب أنشره للمرة الأولى حصرياً في نور الأدب)

محمد توفيق الصواف









رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ
بين الواقع والتَّطَلُّعات





دمشق 2011

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 39 : 06 PM   رقم المشاركة : [2]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

الإهداء[frame="2 98"]

إلى روح
الدكتور ظافر الصواف
الذي كان تأليفُ هذا الكتاب فكرتَه،
وكان أول مَن شجعني على إنجازه..

[/frame]
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة محمد توفيق الصواف ; 12 / 06 / 2016 الساعة 48 : 04 PM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 17 : 07 PM   رقم المشاركة : [3]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

Gadid رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

مُقَدِّمَةُ الكِتَاب






بسم الله الرحمن الرحيم


(1)
حين اقتُرِحَ عليَّ وضع كتاب عن أسباب ضعف العالم الإسلامي وسبل نهضته من جديد، فكرتُ طويلاً:
ماذا يمكن لكتاب كهذا أن يُفيد، ألم يؤلِّف قبلي، في هذا المجال، كثيرون جلُّهم أعلم مني وأطول باعاً، ثم لم تُفلح كتاباتهم في تغيير أي شيء، في واقع المسلمين، نحو الأفضل؟
فلَكَمْ هي كثيرة المؤلفات والدراسات التي شَرَع مؤلفوها، منذ بداية القرن الماضي، في تشخيص واقع العالم الإسلامي في عصرهم، والتنظير لمستقبل نهوضه، باحثين عن أسباب هذا النهوض وسبل تجسيدها واقعاً.. فماذا كان مصير هذه المؤلفات جميعاً؟ ألم يدخل معظمها، إن لم نقل كلها، مكتبة الإهمال الإسلامي المعاصر، قبل أن يعلوها غبار النسيان، دون أن يستفيد منها معظم المسلمين العاديين ودعاتهم، ولا أقول ولاة أمورهم، لأن بعض هؤلاء لم يكتفوا بمناصبة تلك الكتب العداء، بل صادروا نسخ غالبيتها ومنعوا تداولها، كما غيبوا قسماً كبيراً من مؤلفيها، إما في القبور أو السجون، ليقينهم أن ما تدعو إليه هذه الكتب يعارض نهجهم في الحكم ويهدد استمرار هيمنتهم وسلطانهم المطلق على رعيتهم؟
وإذا كانت حال ما ألَّفه غيري على هذا النحو المؤسف من الإهمال المزري وفقدان الفاعلية، فما جدوى وضع مؤلَّف جديد، يلاقي المصير التعس ذاته؟
سؤال جعلني أتردد طويلاً، بل أميل إلى الإحجام عن بذل جهدٍ، سلبيةُ نتائجه باديةُ الوضوح، حتى قبل الشروع فيه.. لكن، على الرغم من كل ظلامية هذه الرؤية التوقعية، وما تشيعه في حنايا النفس من إحساس باليأس والإحباط وجدتني، لأسباب سأعرض لها لاحقاً، أختار المضي في هذا العمل، لا بسوداوية اليائس من نجاحه، بل بهمة الآمِل أن تؤتيَ نتائجُ جهدِه ثماراً طيبة، إن لم يأذن الله له برؤيتها وتذوقها، خلال ما تبقى له من عمر، فقد لا يُحرَمُ جناها الآتون بعده، من أولاد المسلمين وأحفادهم.. وكفى بهذه النتيجة عزاءً لمسلم يؤمن بقول رسوله الكريم : (إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسَها فليغرسْها)(1).
ثم أنّى لليأس أن يفتَّ في عضد مَن قرَّ في روعه أنه {لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(2)، وكيف للقنوط أن يوهن عزيمة من أيقن أنه لا: {يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(3)؟
وهنا، أدركتُ حافزَ من سبقني إلى التأليف في هذا الموضوع، دون أن يُثبِّطَهم، كما أظن الآن، ما لَقِيَتْهُ مؤلفاتُ سابقيهم من إهمال. فحسب المؤمن المحاولة، أما نتائجها فَبِيَدِ الله وحده. وإذن، فلأحاول بدوري... فمن يدري؟ لعل وعسـى أن أُوتى من الفضل ما لم يُؤتَ غيري.

____________________
( ) هذا الحديث برواية أنس ، أورده الإمام أحمد في مسنده 183/3،184،191، وكذا الطيالسي 2068، والبخاري في الأدب المفرد 479، وابن الأعرابي في معجمه (ق 1/21) عن هشام بن زيد عنه. انظر السلسلة الصحيحة - مختصرة – للألباني، (ج 1/ص 38).

( ) سورة يوسف، الآية (87).

( ) سورة الحجر/ الآية (56).
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 38 : 01 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 30 : 07 PM   رقم المشاركة : [4]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

[align=justify] (2)
لكن، ماذا سأكتب، ولمن؟ وإلى أين أبتغي الوصول؟
يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}( ). إذن، فلماذا لا أترسم ما فعله ، وأتأسى به خطوة فخطوة؟
هذا يعني أولاً، دراسة منهجه في الدعوة التي حقق بنجاحها معجزة لا نظير لها في تاريخ البشـرية، تمثلت بنقل مجتمع بدوي أميٍّ جاهل، مفكَّك متنابذ ومتحارب، إلى مجتمع مثالي، ليس في صنع الحضارة البشرية وتطويرها فحسب، بل في نشـرها، بغية تعليم الآخرين كيفية صُنْعِها، وتشجيعهم على المساهمة معه في تطويرها أيضاً.
وأوهمني ظني بأنني ما إن أفرغ من تَعرُّفِ منهجه
في الدعوة، حتى يصير الأمر سهلاً عليَّ ميسوراً، فآتي بكتاب لم تَستَطِعْه الأوائل.. لكنني ما كدت أنتهي من دراسة منهجه ، وأخطو أولى خطوات التأسي به وبصحابته ، مزهواً بجمع ما دعوا إليه وترديد ما قالوه، ومفتخراً بأن زدتُ عليه عَرْضَ ما فعلوه أيضاً، حتى اكتشفت أنني لم أتجاوز ما فعله غيري ممن أرادوا ما أردت، وسعوا لمثل ما سعيت، ثم انتهى بهم المطاف إلى إنتاج صفحات في التنظير مكررة، عجزتْ عن التأثير الذي نشدوه في قرائهم، قبل أن تؤول إلى الإهمال فالنسيان، كسابقاتها.
(3)
لكن لماذا، وأين الخطأ فيما أزمعتُ محاولَتَه وحاوله من سبقني، على الرغم من صدق النية، واختيار ما بدا لنا أنه نهج رسول الله؟
ولما لم أستطع اكتشاف ذلك الخطأ، مع يقيني أنه مني لا في نهج الرسول ، توقفتُ عن متابعة العمل من جديد، وداخلَني يأس كاد يفترس رغبتي وعزمي، لولا أن مَنَّ الله علي فَنَجَّاني من براثن ذلك اليأس، بأن ألهمني إعادة النظر فيما فعلتُ وما فَعَلَ الذين سبقوني على هذي الطريق، باحثاً مرةً ومرة عما ارتكبناه جميعاً من خطأ، رجوتُ اللهَ ألَّا يَكِلَ كشفَه لقدرتي وحدها، خصوصاً وأنني لستُ ذلك العالم المتبحِّر في العلوم الإسلامية، شأنَ كثيرين من علماء المسلمين السابقين والمعاصرين... بل لا أنكر أن البحث في هذا المجال ليس مجالي أصلاً، وأنني ما كنتُ لأمضيَ فيه لو لم يرزقني اللهُ فضولَ باحث لا يَمَلُّ البحث عن سبب إخفاقه كلما أخفق. [/align]

_________________
( ) سورة الأحزاب / الآية (21).
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 40 : 01 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 59 : 07 PM   رقم المشاركة : [5]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

وهكذا مضيتُ باحثاً حتى توصَّلتُ إلى القناعة بأن سبب عجزِ ما كتبتُه وما كتبه كثيرون قبلي ومن معاصريّ عن التأثير في المسلمين، لم يكن قلةَ إيمان أيٍّ منا، ولا تَنكُبَنا عن نهج رسول الله ، ولا غموضَ ما كتبناه أو صعوبته أو عدم صوابيته، بل كان السببُ مراوحةَ معظم ما كتبناه عند حدود التوصيف والتنظير لا يتعداها، غير منتبهين إلى أن تَعْدِّيها هو شرطُ تمكينِ ذاك الذي كتبناه من تحقيق معجزةِ صيرورته رسالةً يتجسَّد مضمونُها في أفعالنا وسلوكنا، كما تجسَّد في أفعال الرسول وأصحابه وسلوكهم.
ولكم وُفِقَت السيدة عائشة، رضي الله عنها، في وصفِ هذه المعجزة، حين أجابت سائلها عن خُلقِ الرسول
بقولها: (كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآن)( )، أي كان سلوكه ترجمة عملية لتعاليم القرآن. ومعجزة المطابقة هذه بين ما يؤمن به المرء وما يدعو إليه وما يُمارسه سلوكاً حياتياً هي التي حاولها الصحابة متأسِّين به ، أثناء حياته وبعدها، فكان أن أثمرت محاولتُهم معجزةً أخرى تجلت في امتلاكهم تلك القدرة المذهلة على التأثير في الآخرين..
بتعبير آخر: لم يكن سحرُ بلاغتهم
مصدرَ تأثيرهم فيمَن دعوهم إلى الإسلام فاستجابوا لهم، وما كان ذلك المصدر زيّاً مميَّزاً بِلَفَّةٍ وقفطان أو بحُسنَ صورة، بل كان، أولاً وأخيراً، عرضُهم لقيم دينهم وتعاليمه السمحة في سلوكهم مع الآخرين وليس في مخاطبتهم فقط؛ أي إقناعهم بالقول والسلوك معاُ، أنهم بعدما سَكَنَتْهم رسالةُ الإسلام، سكنَهم حبُّ الناس جميعاً، وما عادوا يرون هدفاً لحياتهم غير تبليغ تلك الرسالة لمن أحبوا، حتى وإن كان الثمن فقدانَهم لتلك الحياة.
بصياغة أخرى: إن معجزة التغيير التي أنجزها الصحابة
، خلال فترة قياسية، حتى باعتراف أعدائهم، يكمن سرُّها في يقينهم بأن المخاطَب بوحي السماء لم يكن رسول الله وحده، بل كلُّ واحد منهم أيضاً.. كان كلٌّ منهم يرى في الآيات التي يتلقاها الرسول عن ربه، أنها تعنيه كما تعني الرسول تماماً، لهذا ترى هذا الصحابي أو ذاك لا يتردد في المبادرة إلى تنفيذها وكأنها أوحيت إليه مباشرة. وهو ما يعني أنهم كانوا يُقدِّرون كلام الله حقَّ قدره، ويأخذونه على محمل الجد، لا بوصفه كلاماً مباركاً فقط، بل بوصفه خطاباً إلهياً موجهاً لكلٍّ منهم مباشرة. وهكذا، صار القرآن فعلاً حياً في سلوكهم، يأتون ما أمرهم الله به وينتهون عما نهاهم عنه، فجزاهم الله بما عملوا رِفعةً وعزاً، في الدنيا قبل الآخرة، ونصرَهم على أعدائهم، وجعلَ الفتح المبارك على أيديهم.
في ضوء ما سبق، بدا لي أنْ لا فائدة من تأليف كتاب جديد يُكرِّر تأكيدَ وَصْفِ الإسلام بالدين السماوي الأكمل، ووَصْفِ القرآن بالنهج الإلهي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووَصْفِ سنة رسول الله
بالطريق الأقصـر إلى عزِّ الدنيا والآخرة.. فكل هذا الكلام صحيح، ومعروف مشهور، يُكرره الدعاة في الدروس وعلى المنابر في خُطَبِ الجمعة، منذ قرون، ومع ذلك حال المسلمين في تراجع مستمر، لسبب بسيط جداً، هو أن هذا الكلام لا يعدو كونه كلاماً حلواً تُكرره ألسنة الدعاة، لكن نادراً ما تترجمه أفعالهم وأفعال المقتدين بهم، سلوكاً ملموساً على أرض الواقع، لا يتراجع أصحابه عن التمسك به مهما بلغ الثمن. وإذا أردنا الدليل، فلنتمعن، مثلاً، العلاقة بين درجة توحيدنا لله وكيفيات أدائنا لما افترضَه علينا من عبادات، ونتائج ممارستنا لهذه العبادات على سلوكياتنا... ثم لنقارن، وبحيادية ما أمكن، بين ما شرَعَه لنا ، في نصِّ قرآنه الكريم، وكيفيات تنفيذنا لأوامره ونواهيه في معاملاتنا الحياتية على اختلافها. ولنُحدِّدْ، بعد ذلك، دعاةً وعامة، علماءَ ومتعلمين، درجة إيماننا بالله وكتابه على مقياس مطابقة أعمالنا لأوامره وسنة نبيه الكريم ، ثم لنحكم على أنفسنا بأنفسنا. وللتدليل على صحة ما أقول، قد تكفي معاينة المفارقات التالية.
(4)
لعل أسوأ ما نفعله ترديدُنا شهادة التوحيد عشـرات المرات كلَّ يوم، في صلواتنا وخارجها، بينما أعمالُنا وأفعالنا وممارساتنا يُؤكد جُلُّها أننا أبعد ما نكون عن التوحيد فعلاً وسلوكاً، بل حتى اعتقاداً وتفكيراً واقتناعاً.

_______________
( ) من حديث في مسند الإمام أحمد، الحديث رقم (26044)
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 43 : 01 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 28 : 08 PM   رقم المشاركة : [6]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

[align=justify]نقول (أشهد أن لا إله إلا الله)، ثم ندفع الرشوة لهذا وذاك من أجل تمرير معاملاتنا، بحجة أن الزمن هكذا، وأن ما ندفعه ليس رشوة بل دفع بلاء أو إتاوة! وكأن هذا الذي رشوناه، خشيةَ أذيته، يملك من أمرنا بل من أمر نفسه شيئاً، أو كأن ذاك الذي ظننا أننا يمكن شراء ذمَّتِه وعونِه لنا بمالنا وكرامتنا، هو القادر على أن يُسيِّر أمورَنا وليس الله وحده! وإذا ما أُحصِر بعضنا وأُحرِج، إن ضُبطَ متلبساً بفعلٍ مشين كهذا، نراه بدلاً من أن يعترف بذنبه ويخجل معتذراً، لا يتورع، أحياناً، لتسويغ ما عصا اللهَ به، عن توظيف كلام الله نفسه، في غير محله، فيهبُّ منزعجاً، ويصرخ بنا معنِّفاً ولنفسه معللاً: أَلَمْ تقرؤوا قوله : {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}(1)! ولعل لا غرابة أن أمثال هذا ممن تُردِّدُ ألسنتهم (أشهد أن لا إله إلا الله)، لا يخطر ببال معظمهم أن أهم ما تعنيه هذه الشهادة ألا يخشـى قائلُها أحداً غير الله، وأن لا يطلب عوناً من غيره، بينما مردِّدوها هؤلاء يخشون، في الواقع، كلَّ أحدٍ وكلَّ شيءٍ إلا الله!
ونقول (أشهد أن لا إله إلا الله)، وإذا دقق أيٌّ منا في ما يعبد حقاً وفعلاً، لَوجدَ نفسَه يُشرك مع الله آلهة أخرى كثيرة في مقدمتها: المال، أو الجاه والشهرة، أو الشهوة أو الأولاد، وغير ذلك كثير.. بل إن بعضنا لا يعبد الله مع أيٍّ من هذه الآلهة، بل يمحضُها العبادةَ وحدها! ومن عَجَبٍ أن ترى أمثالَ هذا الموحِّدِ بلسانه، المشركِ بقلبه وفعاله، يمضي بلا تردد ولا تَحرُّج أو أي إحساس بالخطأ، ليتوضأ ويصلي (لله)، كما يزعم! والأدهى أن تعرفَ أن اللهَ لا يخطر على قلبه، أثناء صلاته، لحظةً، لانشغال عقله وقلبه بتجارته أو بزوجته وأولاده أو بمنصبه أو بغير ذلك من شهوات الدنيا ومتاعها وهمومها. فأيُّ توحيد هذا؟!
هذا بعض ما يمكن أن يقال عن فساد توحيد كثير من مسلمي اليوم، أما عباداتهم فليست أقل سوءاً بل ربما أكثر.
فالمسلمون اليوم، بل منذ قرون خلت، يتحدثون، بإعجاب، عن صلاة رسول الله المتأنية الخاشعة، ثم يصلون، إلا قلة منهم، صلاة عجلى لا خشوع فيها، ما يُصدِّقون متى يفرغون منها لينصرفوا إلى مشاغل حياتهم الدنيا ينجزونها، لا تنهاهم صلاتهم التي فرغوا من أدائها عن فحشاءَ أو منكرٍ من قول أو فعل، وكأنهم لم يسمعوا بقوله : {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}(2)!
ويتحدث معظمهم عن الزكاة والصدقات، مستحسناً لهما حاثّاً عليهما غيره، ولفاعلهما مادحاً، ثم تراه تكاد روحه تخرج مع قليل قد يضطرُ إلى دفعه لفقير سائل أو مسكين محتاج! بل إن كثيرين من أغنياء المسلمين المعاصرين قد أضربوا عن تأدية فرضية الزكاة، معللين امتناعهم عن تأديتها بأعذار وحيل لا تقلُّ مكراً عن أعذارهم في إباحة ممارستهم الربا وأكله.
أما الحجّ، فيتحدث عنه جلُّ المسلمين اليوم، لا من زاوية كونه شعيرة التطهُّر من الذنوب بِنِيَّة عدم العودة إلى ارتكابها، بل من زاوية توهُّمهم أنه تلك الشعيرة التي تمكنهم من محوِّ ذنوبهم الماضية. والأدهى أنهم يحجُّون لمحوها، لا بِنيَّة الكفِّ عن ارتكاب ذنوب جديدة، بل بِنيَّة ارتكاب غيرها، فورَ العودة من الديار المقدسة! وما عليهم إن فعلوا هذا، يقولون مُسَوِّغين ما يفعلون، ما دام اللهُ الغفور الرحيم، سيثيبهم، كما يتوهَّمون، على حجهم لبيته بالعودة منه كيوم ولدتهم أمهاتهم، أياً كانت الذنوب التي ارتكبوها قبل الحج، أو التي ينوون ارتكابها بعد انقضائه، حتى لو كان بينها أكل مالٍ حرام أو سفك دم حرام، أو ما إلى ذلك من كبائر لا تسقط عن مرتكبها إلا إذا سامحه من طالهم ضررُها. ألا إن أوهامهم هذه خطأٌ محضّ، لأن الله ـ بعدله ـ لا يُضيع حقَّ مخلوق ظُلِم، وإن حـجَّ ظالُمه كلَّ عام واعتمر، بل يردّ حـجَّ الظالمِ عليه، ويُعاقبه إن أصرَّ على ظلمه، بدليل قوله : {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}(3).
ويتحدثون عن الصيام وفضائله كل عام، قبل رمضان وبعده بقليل، لكن لا يدرك معظمهم من هذه الشعيرة العظيمة سوى الكفِّ عن الطعام والشـراب والنكاح بين الفجر والمغرب، ثم ملءِ البطون، بعد الإفطار، بكل ما لذَّ وطاب، إلى حدِّ التخمة، بينما الكثير من المسلمين يتضورون جوعاً، صائمين ومفطرين.
فإذا قيل لصائمٍ مِن هؤلاء، وقد انتهى توّاً من إبداء إعجابه بكرم رسول الله وصحابته وتابعيهم : جُدْ ببعض ما آتاك الله على صائم جائع، متأسِّياً بأولئك الذين نراك تفيض إعجاباً بهم وبكرمهم، ترى وجهه الذي كان هاشّاً باشّاً قد تغيَّر في ثانيتين، فتمعَّر وتغضَّن، ثم غاضت ابتسامته، ثم تبرَّم غيظاً واستشاط غضباً، قبل أن يُعرِض عنك مستاء حانقاً! حتى ليتهيَّأُ لمن يراه، وقد صار على تلك الحال، أنَّ به وبأمثاله نزل قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}(4).
[/align]

_______________
(1) البقرة/الآية (173).
(2 ) العنكبوت/الآية (41)
(3 ) سورة النساء، الآية (123).
(4 ) يس/الآية (47).

توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 46 : 01 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 18 : 09 PM   رقم المشاركة : [7]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات/ محمد توفيق الصواف

[align=justify]أما الجهاد، فما يكاد يُذكَر حتى تغتم قلوبنا، وتستعيذ ألسنتنا بالله من شرور أعدائنا، ثم نلهج، وقد رفعنا أكفنا، بالدعاء لله نرجوه أن يكفينا شرهم دون حرب أو دم أو بذل للأرواح والأموال، مردِّدين بخشوع الخائفين من أولئك الأعداء لا من الله: {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ}(1)، أو مرددين، بوعي، وربما بدون وعي، أدعية لا يتجاوز مضمونُها أسماعَنا إلى أفئدتنا: (اللهم اكفناهم بما شئت وكيف شئت)، (اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم)، (اللهم نكِّس أعلامهم وزلزل الأرض تحت أقدامهم، وانصرنا عليهم نصراً مبيناً)! وغير ذلك من الأدعية التي نتمنى على الله فيها يقيناً أن يُحارب أعداءنا بالنيابة عنا، وأن يدفع شرَّهم وأذاهم عن بلادنا وأملاكنا وأولادنا دون أي جهد نبذله من قِبَلِنا، لا في مواجهتهم ولا في مواجهة أنفسنا التي صرنا لا نستطيع أن نعصـيَ لها أمراً أو أن نكفَّها عن شهوة حرَّمها علينا اللهُ الذي نستنصره على أعدائنا، مع أنه أخبرنا  أن نصـره لنا مشترَطُ بنصـرنا له، أي بامتثال أوامره واجتناب معاصيه، وذلك بصريح قوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمُ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(2)!
وإذا كان معظم مسلمي اليوم يستثقلون المثابرة على أداء شعائر الإسلام، من صلاة وصيام وحج، حتى ولو لم يكن أداؤهم لها على الوجه الأكمل، فاستثقالهم للجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أشدّ، لكن لو خُيِّروا بين الجهاد بهما والجهاد بالكلمة، داعين لله مخلصين، لا يحرفهم عن إخلاص الدعوة له هوى نفس، أو خوفُ بطش، أو لومةُ لائم، أو سخريةُ مستهزئ، لرأيتَ معظمهم لا يترددون لحظةً في محاولة تجنب هذا اللون من الجهاد! لكن لماذا، وهل لتهيبهم من النهوض بأعبائه ما يسوغه؟
لكي تبدو الإجابة عن هذا السؤال أقرب إلى الاعتذار لله عن موقف التهرب هذا منها إلى تسويغه، ليسألْ كلٌّ منا نفسه، ماذا كان سيفعل لو أن الأوامر الإلهية التالية:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ}(3)،
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ}(4)،
{فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(5)،
قد صدرَت إليه وليس لمحمد بن عبد الله
؟ أكان سيطيع ويلبي، كما لبى رسول الله ، أم كان سيبحث عن أي عذر للتهرب ولتسويغ هذا التهرب؟ وكيف لا يبحث عن العذر وتسويغه، قبل أن يُلبي أمر الله، وهو الذي اعتاد أن يحسِب ألفَ حساب للإِلف والعادات والتقاليد؛ وألف حساب أخرى لمكانته الاجتماعية ونظرة أهله وجيرانه وقومه إليه، وأكثر من الألف بكثير إن كان ذا مال وجاه وسلطان؟
لهذا، ومن نظرة واقعية، لا مماراةَ فيها ولا مكابرة ولا ادعاء، أعتقد أنه لا يمكن لأحد من الناس أن يدرك مدى ثقل المهمة التي ألقاها الله على كاهل نبيه محمد
ومدى صعوبتِها الهائلة، إلا إذا حاول أيٌّ منا، في العصـر الراهن، تجربة الامتثال إلى مثل ما أُلقي عليه من أوامر إلهية، نفَّذها، متحدياً جملة العوائق السابق ذكرها آنفاً وغيرها، مما اعترضه ، وصمَّمَ على تجاوزه، متحملاً كل تبعاته ومخاطره، إطاعة لأمر الله، ورغبة في إيصال رسالة رحمته إلى كلِّ خلقه.
وللعلم، لا يبدأ ثقل هذه المهمة وتتزايد صعوباتها، في المراحل المتقدمة من الدعوة، كما يتوهَّم كثيرون، بل يواكبها الثقل والصعوبات، منذ مرحلتها الأولى التي قد يتوهَّم بعضُهم أنها ربما تكون الأسهل، لتوهُّمه أن ردَّ فعل الناس عليها، قد لا يتجاوز الاستهزاء بها وبصاحبها..
وعلى افتراض أن ردَّ فعل الناس الأوليّ على كلِّ مَن يحاول السير على خطى النبي
في بداية دعوته، لن يتجاوز الاستهزاء به والسخرية منه، وهو افتراض غير صحيح، فلابد من التساؤل: ومتى كان احتمال الاستهزاء سهلاً على نفس أحد، أياً كان؟!.
لذلك، ولعلم الله (سبحانه) بثقل الاستهزاء على نفس نبيه
، سارعَ، مباشرة، بعد مخاطبته آمراً: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}، إلى طمأنته واعداً: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}(6).
(5)
أكتبُ هذا الكلام لأؤكد حقيقةً يعرفها الجميع، وهي أن طريق الدعوة المخلصة إلى الله ليست، ولم تكن في أي عصر من العصور، ولن تكون، مفروشة بالورود، ولا مظللة بآيات الاحترام والتبجيل، ولا مسيَّجة بمشاعر الودِّ والشكر والعرفان بالجميل؛ بل تكاد تكون الوعورةُ صفتَها الأبرز، وكثرةُ العقبات والمصاعب والتحديات سِمتَها المميزة، وتوقُّعُ التعرُّض لشتى ألوان المكارهِ والمخاطر وأقساها، يقيناً قارّاً في وجدان كل من قرر سلوكها، حتى قبل أن يخطو خطوته الأولى فيها.
وقد لا أبالغ لو قلت إن هذه الحقيقة يُقرُّ بها لزاماً كلُّ من حاول الدعوة إلى الله مخلصاً أو جرَّبها، في أيّ عصر وأيّ مِصر، وسواء سار في طريقها حتى نهايتها التي يأمل، أو نكص على عقبيه، في أي مرحلة وصلَها قبل بلوغ تلك الغاية، خوفاً من ترهيب، أو ضعفاً واستسلاماً أمام ترغيب من أيِّ نوع..
وهنا، قد يعترض كثيرون من المعاصرين قائلين: لكم يبدو كلامك هذا خاطئاً، حين نعرضه على الواقع الراهن، بمعطياته الملموسة. إذ كيف يستقيم زعمك بوعورة طريق الدعوة إلى الله، وتخمتها بالصعوبات والمكاره والمخاطر التي تنتظر سالكيها، وهذا عصـرنا يعجُّ بالدعاة من كل حدب وصوب، ومن كل اتجاه ولون ومذهب، تحتضنهم وسائل الإعلام الحديثة، ولاسيما الفضائيات، وتحيطهم بآيات الاحترام والتبجيل، بغضِّ النظر عن درجة علمهم ومستواه وصحته، ويخاطبهم المشاهدون بإجلال لم يحظَ به معظم الأنبياء من أقوامهم التي أرسلهم الله لهدايتها؟
ألا ترى أولئك المشاهدين لا يُوجهون أسئلتهم لهذا الداعية أو ذاك إلا مشفوعةً بكلمة (فضيلة الشيخ)، أو (مولانا العالم)، ثم بعد انتشار تقليعة الدكتوراه كدلالة على الاختصاص المُوجِب للتبجيل والاحترام، صار معظم دعاة المسلمين المعاصرين لا يقبلون أن يخاطبهم مُريدٌ أو طالبُ علم أو مذيعٌ أو مشاهد إلا قارناً أسماءهم بثلاثة ألقاب تتتالى وجوباً هكذا: (فضيلة الدكتور العالم.....)، حتى ولو كان بعضهم لم يحصل حتى على الشهادة الثانوية؟
وبعدما درى بعضهم أن الغربيين يرون لقب أستاذ أكثر تبجيلاً لمَن يُطلَق عليه من لقب دكتور، ما عاد يرضى معظم دعاتنا المعاصرين إلا بإضافة هذا اللقب إلى سلسلة ألقابهم السابقة، دون حذف أيٍّ منها طبعاً؟
وكيف تزعمُ أن طريق الدعوة إلى الله باتت صعبة وعرة، ثم ها نحن نرى وإياكَ، الناسَ كيف صاروا يُقدِّمون، هذه الأيام، رجالَ الدين، في المجالس العامة، على مَن سواهم، وكذلك في مجالس الذكر والنحر على السواء، وفي أماسي الأفراح والأتراح؛ ثم كيف يَخصُّونهم بالهبات والهدايا، يُقدِّمونها لهم وهم يُقبِّلون أيديهم، رجاءً أو رياءً، وأحياناً أرجلهم، تملُّقاً أو احتراماً؟ فأين تلك الصعوبات التي زعمتَ أنها تواجه الدعاة إلى الله، وأين تلك المخاطر لتي زعمتَ أنهم يتعرضون لها، وهذه حالهم، لا يخفى بريقُها على أحد، ولا تُخطئُ فتنتَها وجاذبيتَها إلا عينٌ عميت عن رؤية الشمس في رابعة النهار؟
لا أقصد بهذا الكلام اتهامَ أحد أو التقليل من شأن أحد، لاسيما وأنا مقتنع بأنِّي لا أساوي أقلَّهم قيمةً وشأناً والتزاماً. لكن قناعتي هذه لا تُعفيني من الإشارة إلى خطورة ما أراه وألمسُه، كمسلم عادي، من نتائجَ سلبيةٍ لحرصِ معظم الدعاة على توافه الأمور وتركهم عظائمها؛ كما أن تلك القناعة نفسها لا تمنعني، كما أحسِبُ، من الاعتقاد بأن مَن ينهجُ هذا النهج لم تسكنْه رسالةُ الإسلام، كما سكنتْ أيّاً مِن أنبياء الله وأوليائه، أي إلى تلك الدرجة التي شعرَ بها تخالطُ دمَه ولحمه وعظمه، وتصيرُ شاغلةَ فكره ومالكةَ عواطفه، ليله ونهاره، مُوجِّهَةً أقوالَه، ومُتجسِّدةً بأوامرها ونواهيها في كلِّ أفعاله، لا يرى لحياته الدنيا هدفاً سوى تبليغها للناس، مستعداً لتحمُّلِ تبعات النهوض بمهامها أيّاً كانت، عن رضا، ابتغاء رضوان الله.
(6)
ما القصد من هذا الكلام؟

بإيجاز: إذا لم ينجح أيُّ داعية بتنزيه دعوته إلى الله عن أهداف أناه وتطلعاتها، كأن يتخذ من الدعوة سبيلاً إلى الشهرة مثلاً، أو وسيلةً لنيل الغنى واحترام الناس، وما إلى ذلك من أهداف، لا يمكن أن يصير داعية مؤثِّراً في الناس، ناجحاً في توجيههم إلى صراط الله المستقيم، مهما قال وقال، ومهما حاز من معارف إسلامية وألقاب وأوسمة. لأن الدعوة إلى الله لا تؤتي ثمارها المرجوة، تأثيراً في الناس وفعلاً وهداية، بمجرد نجاح الداعية في فقه الشريـعة وأحكامها، وحفظِ القرآن الكريم كاملاً وتفاسيره، وحفظِ آلافٍ من أحاديث الرسول
وسيرته وسِيَرِ صحابته الكرام ، وما إلى ذلك من معارف أخرى وعلوم، بل تبدأ الدعوة إلى الله بالإثمار حالما يَعْمَلُ الداعية بما عَلِم، وإن قلّ، ثم يأخذُ مسألة تبليغ رسالة الإسلام بجدٍّ وقوة، عازماً على احتمال تبعات تبليغها وأخطاره بالغاً ما بلغ حجمها وقسوتها وشدتها، متأسِّياً، في ذلك كلِّه، بالنبي قولا وفعلاً وسلوكاً، عملاً بقول الله (سبحانه): {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}(6).
[/align]

______________________
(1) سورة الأحزاب/الآية (25).
(2) سورة محمد/الآية (7).
(3) سورة المدثر/ الآيتان (1 و2)
(4) سورة الإسراء/الآية (214)
(5) سورة الحجر، الآية (94).
(6) سورة الأحزاب/الآية (21).
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة هدى نورالدين الخطيب ; 27 / 06 / 2016 الساعة 01 : 02 AM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 06 / 2016, 13 : 10 PM   رقم المشاركة : [8]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-الم

[align=justify](5)

ورحم الله الإمام الشافعي الذي أوجز وصفَ سبيل نجاح أيِّ داعية في دعوته، بقوله:

[align=justify]يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيْرَهُ
.... هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ مِنَ الضَّنَى
.... وَمِنَ الضَّنَى تُمْسِـيْ وَأَنْتَ سَقِيمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ
..... عَارٌ عَلَيْكَ، إِذَا فَعَلْتَ، عَظِيمُ
اِبْدَأْ بِنَفْسِكَ، فَانْهَهَا عَنْ غِيِّهَا،
.... فَإِذَا انْتَهَيْتَ عَنْهُ، فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يَقْبَلُ مَا تَقُولُ، وَيَقْتَدِي
..... بِالقَوْلِ مِنْكَ، وَيَنْفَعُ التَّعْلِيمُ [/align]



(7)
من كل ما سبق، يمكننا التوصل إلى استنتاج حقيقي معروف أيضاً، هو أن العيب ليس في المنهج بل في التطبيق.. وبالتالي، فإن ما ينقصنا ليست المعرفةُ بكتاب الله وسنة نبيه
، بل تطبيقُ ما جاء فيهما في سلوكنا اليومي..
وهنا، أظنني لا أجانبُ الحق والواقع إذا قلت إن معظمَنا اليوم أكثر حفظاً للقرآن من كثير من صحابة رسول الله
، وأكثر علماً بسنته، وأكثر براعة في رواية الصحيح من أحاديثه ، بدليل أن الكثير من أعلام الصحابة (رضي الله عنهم)، قضوا قبل اكتمال نزول القرآن، وتمام الرسالة النبوية. ومع ذلك كانوا أعلاماً ليس في عدد ما حفظوه من آيات القرآن وسوره، ولا في عدد ما رَوَوهُ، عن ظهر قلب، من أحاديث نبيهم ، ولا في تفسير الآيات والأحاديث وفقهها وفقه الأحكام وأصول العدل والتجريح، وما إلى ذلك مما يسمى اليوم بالعلوم الإسلامية، بل كانوا أعلاماً عظاماً صنعوا حضارة ومجداً واستحقوا بشـرى الرسول لكثير منهم بالجنة، بتطبيقهم لما أدركوا نزوله من آيات القرآن قبل وفاتهم أو استشهادهم.
وتريدون الدليل؟
تعالوا إذن لنقارن ما يحفظه أقلنا من القرآن الكريم مع ما كان يحفظه ياسر وزوجته سمية عليهما السلام، أو مع ما كان يحفظه مصعب بن عمير رضي الله عنه
(رضي الله عنه) أول سفير للإسلام، واستطاع به أن يهدي خلقاً كثيراً من أهل يثرب الذين صاروا، فيما بعد، أنصار الرسول . ألم يستشهد قبل اكتمال نزول القرآن؟ فكيف استطاع التأثير إذن، بالقليل الذي أدرك نزوله من آياته؟
لقد استطاع ذلك بصدق العقيدة الذي برهن عليه بتمثُّل ما حفظتْه ذاكرته الإيمانية، من سور القرآن الكريم، في سلوكه الحياتي، لا في عددِ ما استطاع إيداعه، في ذاكرته الحفظية، من سور وآيات. فقد كان، ومثلُه باقي الصحابة رضي الله عنهم
، قرآناً حياً في فعله وسلوكه، وبذلك فقط استطاع إقناع الآخرين بصواب رسالته، وبكسب تعاطفهم معها وبتحبيبهم بها وبأتباعها، قبل إقناعهم باتِباعها.
(8)
بهذه النتيجة التي انتهيتُ إليها، وصلتُ إلى القناعة بأن تأليف أيِّ كتاب يدعو إلى الإسلام، لن يكون مؤثراً وفاعلاً إلا إذا التزمَ مؤلفُه بما يريد دعوة الآخرين إلى التزامه، لا قبلهم فقط، بل حتى قبل أن يشـرع بتأليف كتابه، وإلا كان ممن وصفهم الله في قرآنه الكريم بقوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}(1).
هذا إذن سرُّ التأثيرِ الفاعلِ في الآخرين وهذا هو منهجُه الذي ما إن بدأ يتضح لي، حتى استشعرت عِظم المهمة وثقلها، وصعوبة الطريق ووعورتها، وفداحة الثمن المحتمل للدعوة وهوله. ففترتْ همتي، ووهنتْ عزيمتي، وتملكني التردد طويلاً، حتى بدا لي أنْ قد قاربتُ العزوف عما كنتُ عزمت، بل كدتُ أعزفُ فعلاً لولا أن رحتُ أسائل نفسي متفكراً:
ماذا إن كان الأجل قريباً، وأنتَ الآن على دراية بالدرب وقناعة بالرسالة، غيبها وحضورها؟ فبماذا تعتذر إلى الله إن أحجمتَ عن تبليغها؟
تعتذر؟! أَوَتُراكَ واثقاً من سماحه لك (سبحانه)، يوم القيامة بالاعتذار؟ وماذا لو لم يفعل، ووجدتَ نفسك ممن لن يكلمهم الله يومئذ، {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}(2)؟ بل حتى لو سمح لك
(سبحانه) بالاعتذار، فبماذا عساك تعتذر؟
أَتُراكَ تجرؤ أن تقول له مثلاً: لقد أحجمتُ، وكنتُ أظنني قادراً، عن تأليف كتاب يُبيِّن أسباب ضعف المسلمين المعاصرين وتخلفهم وانحطاطهم، ويُنبههم إلى ما يمكن أنْ يُظَنَّ سبيلاً لنهضتهم، لأنني خفتُ بطشَ غيرك ممن ظننتُ أن يُغضبهم ذلك الكتاب أكثر مما خفتُ غضبكَ وبطشك؟! يا للهول! ألن يكون اعتذارٌ كهذا أسوأَ من أيِّ ذنب؟ وكيف لا يكون كذلك وهو دليل بَيِّنٌ على عدم الامتثال لأمره: {فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(3)، ودليل على الشكِّ في وعده
(سبحانه) لمن امتثلوا أمره هذا، من المؤمنين، بالدفاع عنهم، حين خاطبهم واعداً: {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}(4)؟
أم تُراك تجرؤ على الاعتذار إليه
(سبحانه) بالقول: إنني أعرضتُ، يا ربِّ، عن تأليف كتاب يدعو المسلمين إلى توحيدك وإخلاص الطاعة لك، ليقيني بأنه لن يُؤثِّر فيهم، لعجزي عن إكراه نفسي على الالتزام قبلهم بما أريد دعوتهم إلى التزامه؟! ألن يكون هذا الاعتذار اعترافاً صريحاً باتخاذي هوى نفسـي إلهاً من دون الله؟ فأي اعتذار هذا؟
ثم، حتى لو سمح لي
(سبحانه) بالاعتذار، وجرؤتُ واعتذرت إليه، وقبِلَ (سبحانه) أعذاري، برحمته التي وسعت كل شيء، كيف تُراني قادراً على الفرار من الإحساس بالخزي في حضـرته، لو شاء أن يُلزمني الحجة بتقصيري في فعلِ ما أستطيع، وهو تأليف الكتاب، ثم تركِ ما لا أستطيع لقدرته ومشيئته (سبحانه)، أي ترك ضمان تأثير ما ألفتُ في مَن سيقرأ، مع أنه أخبرني، في قرآنه، بأنه لا يكلف نفساً إلا وُسعها(5)؟
فكرتُ في هذا كله، وفي غيره من أعذار أسوقها أمامه
(سبحانه)، وفكرتُ أكثر في ما يمكن أن يكون عليه مصيري، لو ردَّ أعذاري كلها وعاقبني، وهو عادل في عقابه لي، فخفتُ كثيراً، وخجلتُ منه (سبحانه) أكثر، وكانت النتيجة أن قررتُ متابعة التأليف، راجياً منه (سبحانه)، أن يعينني على أن ألتزم في سلوكي، سلفاً، ما سأدعو المسلمين إلى سلوكه، عساي إن فعلتُ، أصلُ إلى عقولهم وقلوبهم، فأكون بذلك واحداً من أسباب تجاوز ضعفهم وتخلفهم، إلى ما يبتغونه من قوة ونهضة.
(9)
في ضوء مجمل ما سبق وعلى أساسه، عمدتُ في هذا الكتاب، إلى تَجَنُّبِ التنظير ما أمكن، وإلى محاولةِ المزج، في عرضِ مضمونه، بين التوصيف والمقارنة والمحاكمة العقلية والاستنتاج، ثم تقديم ما ظننتُه حلولاً في صيغة اقتراحات تُمثِّل وجهة نظر شخصية مفتوحة على احتمال القبول، إن أفضى نقاشها، موضوعياً، إلى تأكيد صوابيتها، واحتمال المخالفة والردِّ، إن أثبتَ نقاشُها خطأَها وسلبيَّتَها.
ولا أخفي تَقَصُّدي أن يُشكِّل مجموع اقتراحاتي، في النهاية، ما يُقاربُ تصوُّراً أو رؤية خاصة، لا أزعم امتلاكَها القدرةَ على تغيير الحال الراهنة للعالم الإسلامي إلى أفضل، كما لا أزعم امتلاكَها حتميَّةَ التجسُّد واقعاً، لكنني أحسِبُ أن فيها قدراً من التزام الموضوعية والمحاكمة المنطقية، يجعلها مستحقةً الدراسة على الأقل، قبل الحكم بأهليتها للتطبيق أو بعدم جدواها.
وصحيح أن مادة هذه الرؤية مستمدة، بالدرجة الأولى، من القرآن الكريم وسنة النبي
، القولية والعملية، ومن حياة صحابته (رضي الله عنهم)، ثم من تجارب المسلمين على مرِّ عصورهم التي تقلبوا خلالها، بين عزٍّ وذلّ، وقوة وضعف، وغنى وفقر، ونفوذ وتبعية، شأن كل الأمم الأخرى؛ إلا أنها، وفي الوقت نفسه، ليست رؤية منغلقة متعصبة، بل إنسانية مرنة منفتحة على الآخر ومستعدة للحوار معه على أساس الاحترام المتبادل والاحتكام إلى المنطق والواقع، دون آراء ومواقف مسبقة، ودون اتخاذ مواقف معادية إن بقي الاختلاف قائماً، إلا إذا بدأ الآخر نفسه بالعدوان، فعندها لا مناص من ردِّ عدوانه، عملاً بقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}(6).
(10)
في إطار هذه الرؤية وانطلاقاً منها، تمَّ بناء منهج هذا الكتاب الذي، وإن وصفتُه آنفاً بالموضوعي، لا أتصوَّره يخرج عن روح المنهج القرآني الذي أعتقد أنه التطبيق الأول والأمثل للموضوعية المتحررة من عاهةِ المواقف المسبقة، لاسيما في أسلوب حوار المخالفين والمعارضين.. ولا أدلَّ على صحة هذه الرؤية من إيراد الله
(سبحانه)، في نصِّ قرآنه الكريم نفسه، حججَ خصوم الإسلام من مشـركين وكافرين وملحدين ومنافقين وغيرهم، وكذلك حجج المشككين بأطروحاتــه ورافضـي الإيمان ببعضها أو بها كلها، حتى قبل أن يردَّ عليها. بل لعل من أكثر ما يلفت الانتباه، في هذا المجال، أن الله أورد في قرآنه حتى حجج إبليس التي حاولَ بها تسويغَ رفضِه الامتثال لأمر الله بالسجود لآدم، وكيف ردَّ (سبحانه) على تلك الحجج؛ الأمر الذي يُوجِّهنا (سبحانه)، من خلاله، إلى ضرورة حوار من يخالفنا والاستماع لحججه وآرائه، وعدم مصادرة حريته في الرأي والتعبير، ثم عدم إكراهه على تغيير رأيه بالقوة، حتى وإن كنا قادرين على إسكاته فوراً، ودون أي حوار أو نقاش.
على هذا، وتأسِّياً بالمنهج القرآني الذي أظنُّه الأمثلَ موضوعيةً وحيادية في طرح الآراء المختلفة المتعارضة، والأعلى منطقيةً وحرصاً على مخاطبة العقل وتجنبِّ انحرافات الأهواء وزيغ العواطف، سيتمُّ عرض مادة هذا الكتاب، بما تتضمَّنه من معطيات وأفكار وأطروحات ومواقف، عرضاً يتجنَّب الانحياز، ما أمكن، إلى موقف مسبق، أو فكرة معينة أو معطى بعينه يؤيِّدُ أيَّ أطروحة، سلفاً، أو يُضادُّها. وقد انتهت محاولتي التزامَ هذا المنهج، ما أمكن، في تأليف هذا الكتاب، إلى إنجازه مُؤلَّفاً من مقدمة وخاتمة وستة فصول، سأومئ إلى منهجي في تأليفها بالتمهيد التالي.

دمشق في 1/3/2011

[/align]

_______________________
(1) سورة البقرة/الآية (44).
(2) سورة المرسلات/الآية (36).
(3) سورة آل عمران/الآية (175).
(4) سورة الحج/الآية (38).
(5) {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًاً إِلَّا وُسْعَهَا}، سورة البقرة/الآية (286).
(6) سورة البقرة، الآية (194).
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.

التعديل الأخير تم بواسطة محمد توفيق الصواف ; 11 / 07 / 2016 الساعة 06 : 01 PM.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11 / 06 / 2016, 39 : 01 AM   رقم المشاركة : [9]
رأفت العزي
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية رأفت العزي
 





رأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond reputeرأفت العزي has a reputation beyond repute

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-الم

سيدي الفاضل محمد توفيق الصواف تحية طيبة وبعد

جزاك الله خيرا على النية الطيبة وما وراءها القصد
لا أعرف لماذا خطر لي سؤال وأنا " مجبر " على القراءة وأقول مجبرا يا أخي الفاضل لأن هذا الزمن لم يترك لي وقتا للقراءة عموما ولا متسعا لقراءة ما يمكن أن يستجد من كتب كهدف كتابك – وهي بالأطنان – تتناول الحديث كما تفضلت به وأوجزت ؛ ما الذي يمكن إضافته ، أو ما الذي يمكن أن يقال وقد قيل الكثير منذ قرون " والعالم الإسلامي " كما تراه واراه وهو الذي دفعني إلى السؤال : أجوز الزرع في أرض مفلسة ؟! ثم خطر لي سؤال آخر : هل يصح العلاج لجميع المرضى ؟ ثم سؤال استغربت فيه من المتحدثين عن " العالم الإسلامي " والمتحدثين عما يُسمى " الأمة الإسلامية " وقلت عن أي عالم يتحدث الكتاب وهل يحتاج التركي والإندونيسي والإيراني والباكستاني والطاجيكي والأذاري الأصحاء إلى فكرة ، إلى وصفة من مريض عربي خطر له أن يُجمل تلك الدول عنوة مع دول عربية لم تعرف عبر التاريخ خياراتها ؟؟!!

سامحني ايها العزيز .. نحن نتحدث عن عالم يضم مليار ومئة مليون إنسان لا يعانون من مشاكل ظاهرة كمشاكل ال 300 مليون عربي مسلم – إن صح الرقم – إلى هنا قد يبدو كلامي جافا وخارج عن اللياقة ولكن أيها العزيز إن المسألة تعنيني كعربي كمسلم طحنتني كل المقدمات التي تشير إلى صحة مبدأها ونقاء هدفها ولكن في النهاية تزيد في الطين بلّة .. أولي الأجدى يا سيدي الفاضل البحث عن أسباب هذا الحقد الذي دمرنا .. أوليس الأجدى أن نبحث في سؤال مثلا : لماذا ذبح السوري السوري والفلسطيني الفلسطيني واللبناني اللبناني والليبي و و و و .. لماذا هذا الإجرام والاستشراس .. ألم يكن معظمهم من المسلمين ؛ ألا يتخذ أكثرهم شعار الدين ويرفعون راية محمد ابن عبد الله ويذبحون باسم الله .. !
شخصيا وأنا رجل أمي أرجو من أصحاب الشهادات أن يجروا ابحاثا تفتش على الإنسان أولا داخلنا ، أن نُحسن عيشنا على الأرض أولا حتى يصح قول الله المختصر لكل الفلسفات " من عمل صالحا فلنفسه " .

أعتذر أخي الفاضل وكان يمكن لي عدم وضع ما يمكن اعتباره " مشاكسة " وأصمت كما يفعل الكثيرون ولكن هذا أنا كما خلقني الله أبدي رأيا حرا وقد أكون فيه على خطئ .

تحية احترام وتقدير
توقيع رأفت العزي
 "
كل ومضة نور في وسط الظلمة تدفع السائرين إلى الأمام خطوة !
وكل تصويب لمسيرة النضال على الطريق تقدم للنجاح فرصة !
" !!
رأفت العزي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11 / 07 / 2016, 20 : 01 PM   رقم المشاركة : [10]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ بين الواقع والتَّطَلُّعات- محمد توفيق الصواف-الم

أخي الفاضل رأفت العزي، كل عام وأنت بخير أولاً...
وثانياً، أُقَدِّرُ عالياً أنك كنت الأول والوحيد الذي عَلَّق على مقدمة كتابي هذا من بين الذين قرأوه في موقعنا (نور الأدب)..
ولا تظنَّنَ أبداً أنك أزعجتني بما قلتَه في ردِّك، لأنني من الذين يحبون من يُهدي إليهم أخطاءَهم، ويحترمون آراء الآخرين حتى ولو كانت مخالفة لآرائهم..
بل أعتذر منك على التأخر في الرد عليك إلى الآن..
أما بخصوص رأيك في ما جاء بالمقدمة، فلسنا على خلاف، كما أظن، إذ أن المحور الرئيس لهذه المقدمة كان تساؤلي - أنا نفسي - حول جدوى تأليف كتاب جديد عن العالم الإسلامي..
ولكن كثرة هذه الكتب وعدم قدرتها على إحراز أي نتيجة إيجابية فيمن قرأوها، لا ينبغي أن يؤثر سلباً فيُوقِف المؤلفين العرب والمسلمين عن الاستمرار في الكتابة في نفس الموضوع، لقناعتي بأن أياً منا لا يعرف على يد مَن سيكون إحراز النتيجة الإيجابية في النهاية..
وعلى أي حال، أدعوك يا سيدي إلى قراءة باقي الكتاب الذي سأنشر فصوله تالياً، على هذا الموقع الكريم، وأدعوك إلى التعليق على ما ستتضمنه تلك الفصول بما تحب وكيف تحب، وإلى مناقشتي بمضمونها، وأوجِّه هذه الدعوة نفسها إلى كل زوار الموقع وضيوفه وأعضائه..
مرة أخرى أشكرك أستأذ رأفت ولك مني مزيد المحبة والتقدير..
توقيع محمد توفيق الصواف
 لا عِلمَ لمن لا يقرأ، ولا موقفَ لمن لم يُبدِ رأيه بما قرأ.
فشكراً لمن قرأ لي، ثم أهدى إليّ أخطائي.
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
محمد توفيق الصواف, الواقع والتَّطَلُّعات, رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ - تساؤلات بين يدي الكتاب - محمد توفيق الصوّاف محمد توفيق الصواف رَاهِنُ العَالَمِ الإِسْلاَمِيّ / محمد توفيق الصَوّاف 8 25 / 07 / 2016 24 : 06 PM
كلّ عام وأنتَ أخي.. يا طلعت... / محمد توفيق الصواف محمد توفيق الصواف أنا وطلعت.. حكاية عمر 14 02 / 04 / 2016 26 : 10 PM
الإجراءات الإسرائيلية لتهويد القدس / محمد توفيق الصواف محمد توفيق الصواف الأدب الصهيوني وثقافة الاحتلال ( أبحاث ) 4 10 / 07 / 2013 28 : 06 AM
الحب المحرم في الأدب الإسرائيلي / محمد توفيق الصواف محمد توفيق الصواف الدراسات والأبحاث الأدبية والنقدية 1 26 / 09 / 2009 35 : 06 PM
ظاهرة الأدب الصهيوني / محمد توفيق الصواف محمد توفيق الصواف أوراق الباحث محمد توفيق الصواف 6 01 / 06 / 2009 16 : 04 AM


الساعة الآن 51 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|