كاتب وأستاذ جامعي، يكتب المقالات ، الخواطر والقصة القصيرة
مجرد صورة
مجرد صورة – محمد الفاضل
تكاد الشوارع تخلو من المارة . سكون مطبق لايعكر صفوه سوى مرور بعض المركبات بين الفينة والأخرى . بدأت ندف الثلج تتساقط من السماء تباعاً فاكتست الأرض بحلة بيضاء . الكون يلفه ضباب كثيف يحجب الرؤية ، في مشهد يشي بالوحدة والكاَبة . تهب ريح باردة فتشعر بلسعات البرد وهي تخترق المفاصل عميقاً . الجو شديد البرودة في الخارج . اشتد به السهاد ليلة أمس ولعج الهم بصدره .
دس يده في جيب معطفه في محاولة مضنية للحصول على شئ من الدفء ولكن دون طائل . وبينما كان يهم بالصعود إلى الباص استوقفه مشهد امرأه في عقدها السادس كانت تقف خلفه ، شعر نحوها بعاطفة غريبة !
ياألهي ! كم يشبه وجهها وجه أمي ، كان يتمتم مع نفسه بصوت منخفض . أراد أن يبوح لها بما يعتمل في صدره من مشاعر وأحاسيس ولكنه لم يجرؤ . رمقها بنظرة حانية محبة وكان قلبه يخفق بشدة ، حانت منها التفاتة ، فعلت الحمرة وجنتيه وأطرق برأسه حياءاً .
بعد دقائق قليلة ترجل من الباص وهو مازال يجول ببصره بحثاً عن وجه تلك المرأة . دلف إلى المقهى وطلب فنجاناً من القهوة ، وجلس يتأمل البخار المتصاعد من القهوة . أشعل سيجارة وبدأ ينفث الدخان في الهواء وهو يسرح بخياله بعيداً حيث دفء الشرق.
على مقربة منه كان يجلس شاب ذو ملامح شرقية وهو يحتسي الشاي . بدأت تتراقص أمام ناظريه أجمل الذكريات وكانت ترتسم على محياه ابتسامة ولكن يشوبها حزن عميق لاتخطئه العين .أشعل سيجارة ثانية ، وثالثة وبدأ ينفث الدخان مجدداً بلذة ونشوة غريبة.
بعد لحظات أخرج من جيب سترته شئ ما وبدأ يتأمله بصمت وخشوع . كان يقبض عليه بكلتا يديه مخافة أن يضيع ، ثم أخرج ورقة وبدا أنه يكتب شئ .وفي تلك الأثناء كان الشاب الاَخر يرقب المشهد عن بعد .
فجأة خر مغشياً عليه فوق الطاولة وظلت يده اليمنى ممسكة بذلك الشئ. هرع النادل إلى الطاولة وتحلق حوله بعض زبائن المقهى الذين اعتراهم الفضول ومنهم الشاب الذي كان يجلس بجانبه ، وهم في حيرة . حاولوا اسعافه ولكن دون جدوى . دنا منه الشاب الاَخر ولشدة دهشته وجد فوق الطاولة صورة مهترأة لامرأة ، وبجانبها ورقة كتب عليها عبارة ... سامحيني ياأمي !
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]قـصة لم تقل كل شيء و تركت نوافذ الخيال مفتوحة.
ترى أي ذنب ارتكبه في حق أمه وأي قصة تكمن خلف الصـورة ؟.
جميل سردك أستاذ محمد ، مرحبا بك وبإبداعك في نور الأدب.[/align][/cell][/table1][/align]
عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
رد: مجرد صورة
ليست مجرد صورة أيها السيد الكريم
أطلقت عنان الخيال لدى كل منا ،،ورحنا نبحث عن نهايات ونهايت لسردك
قصة قصيرة اكتنزت الكثير
تحيتي
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مجرد صورة
للمرة الثانية أقرأ للسيد الفاضل حب الأم في كلماته فأشعر به حقيقيا يملأ الصدر والروح والقلب وكل الجوارح..
لعل الشوق للأم بعد الغربة ثم فقدها كفيل بأن يطلب صفحها ..
فلو ظل كل منا خادما لأمه ما كفاها ...
شكرا أمي وسامحيني ست الحناين
موظفة إدارية-قطاع التعليم العالي-حاصلة على الإجازة في الأدب العربي
رد: مجرد صورة
ما بين عتبة النص وقفلته يكمن الحكي المسكوت عنه؛ الحكي الشارد في ذهن الكاتب؛ الذي عبر في سرده السلس عن حالته النفسية في ديار الغربة؛ حيث الشوارع خالية خلو قلبه من حنان أمه في فترة غربته، وحيث قساوة البرد من قساوة البعد، وحيث كثافة الضباب، وحجب الرؤية من حجب القرب إلى الصدر الحنون، والمشهد الطبيعي الذي يشي بالوحدة والكآبة من وحدة نفسه وكأبة قلبه المشتاق إلى الدفء والحب الذي لا يعوض؛ ذاك الحب الذي قبض عليه بكلتا يديه في مشهد معبر، بحرفية متقنة عن خوالج نفسه الضائعة بين الصورة المهترأة وثنايا المختزل في القفلة؛ التي تعد بحق القصة المراد حكيها، والتي ماتت بموت البطل؛ لكنها تفتح نفسية المتلذذ بقراءة هذا النص الرائع بسهولة ألفاظه، القيم بما يحمله من معنى مختزل، و سيكشف عنه بقراءات متعددة.
شكرا لك أستاذ محمد الفاضل على هذا الإبداع الممتع
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: مجرد صورة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ليلى مرجان
ما بين عتبة النص وقفلته يكمن الحكي المسكوت عنه؛ الحكي الشارد في ذهن الكاتب؛ الذي عبر في سرده السلس عن حالته النفسية في ديار الغربة؛ حيث الشوارع خالية خلو قلبه من حنان أمه في فترة غربته، وحيث قساوة البرد من قساوة البعد، وحيث كثافة الضباب، وحجب الرؤية من حجب القرب إلى الصدر الحنون، والمشهد الطبيعي الذي يشي بالوحدة والكآبة من وحدة نفسه وكأبة قلبه المشتاق إلى الدفء والحب الذي لا يعوض؛ ذاك الحب الذي قبض عليه بكلتا يديه في مشهد معبر، بحرفية متقنة عن خوالج نفسه الضائعة بين الصورة المهترأة وثنايا المختزل في القفلة؛ التي تعد بحق القصة المراد حكيها، والتي ماتت بموت البطل؛ لكنها تفتح نفسية المتلذذ بقراءة هذا النص الرائع بسهولة ألفاظه، القيم بما يحمله من معنى مختزل، و سيكشف عنه بقراءات متعددة.
شكرا لك أستاذ محمد الفاضل على هذا الإبداع الممتع
فعلا هذا ما لمسته أيضا في نص الأستاذ الفاضل ولكنك ليلى أبدعت قولا..
فالأستاذ كان يعيش ببلاد الغربة وتوفيت امه وهو هناك فتاثر كثيرا.. هذا ما قرأت له من قبل في نص لا أذكر عنوانه الآن.. ربما كان خاطرة او شعرا