أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
اللعبة
اللعبة
[align=justify]
توسدت فخذ أمها وأطلقت العنان لأفكارها تسبح ، وتصول وتجول في الماضي القريب والبعيد . شيء ما يطبق على صدرها . لا ينفعها في ذلك تنهد . تريد عبثا أن تنام ، وتتطلع إلى عيون أمها الساهمة فيزيد غمها وتتمنى لو أن الأصابع المعروقة لا تتوقف عن تخليل شعر رأسها.
هل كان يجب انتظار عاشوراء ليفيض الكأس ؟.. كم من عاشوراء مرت ؟.. ضاعت لعب وتكسرت أخرى ، واحتفظ ببقاياها على الرفوف . لماذا حصل ما حصل ؟ وهل هي غلطتها أن تقاوم التبذير ؟ ما معنى شراء دزينة من اللعب لطفل وحيد ؟.. يعلم الله أن احتجاجها لم يكن ذا خلفيات ، و ألا هدف من ورائه سوى تجنب الإسراف . لكنه تحايل تارة بحجة شغف الطفل باللعب ، وتارة باستحالة رد بعضها للبائع..
- لكنه أعطاك إياها لاختيار الأنسب منها .
- ربما.. ولكن ثمنها الزهيد جعلني أحتفظ بها كلها .
يفور الدم في عروقها ، وتذهب توا عند البائع الغارق في أكداس الدمى والعربات الزاهية ، ثم تعود أشد هيجانا وتفتح باب الحجرة على مصراعيه لتجده محاطا باللعب.. يرتبها ويتفحصها في شغف .
- هل بلغت بك الوقاحة إلى حد الكذب علي ؟
فغر فاه وحملق فيها مشدوها . حاول الكلام وهو يلملم أجزاء لعبة مركبة . لكن كلماتها انهالت عليه منكرة عليه فعلته ، وتعيره بتصرفاته الصبيانية ، ثم تذكره بفضلها عليه . كانت كلماتها خنجرا يخترق حجاب الماضي فيكشف عن أشياء و أشياء طواها الزمان و فجأة .. تدفقت على شفتيها كالسيل . وحين تسكت ، تحس بجسدها يغلي ، فتغلق الباب بعنف وتخرج غير عابئة ببوادر الثورة على قسمات وجهه.
كيف السبيل الآن لإقناع أمها بسداد رأيها ؟ وكيف تبرر لها تصرفها ؟… على أية حال ، هذه حياتها الخاصة وعليها أن تتصرف كما ينبغي لراشدة . هكذا تعلمت من زميلاتها اللواتي قطعن أشواطا بعيدة في التصدي وعدم الخضوع .. لكن أنى لها التفكير في هدوء وقد تشتت ذهنها ؟.. ثم.. ألم تأت إلى هنا طلبا للنصيحة والتماسا للمشورة ؟
- قلت له إنه طفل ، فثار... لماذا تبتسمين ؟
هزت الأم رأسها ... هكذا هي ، قليلة الكلام حتى في أحرج المواقف ... لا فائدة . انتصبت واقفة و أطلت بحذر على السرير الصغير في ركن الحجرة ، فتمتمت الكهلة :
- لا زال نائما... دعيه يرتاح .
- حسنا ... سأعود بعد قليل .
- إلى أين أنت ذاهبة ؟
- سآتي ببعض حاجياتي ... لا أطيق رؤيته اليوم .
- يا لك من طفلة ... ومتى مكنته من رؤيتك وأنت لا تفارقين ناديك ؟.. الله يهديك ."
تستسلم لخطواتها . ينعشها نسيم البحر وصيحات النوارس تودع أخر أشعة الشمس... " ما أسعد هذه الطيور بعيدا عن هذه الأرض الغارقة في الوحل .. أنا لست طفلة .".. وفجأة تلغي فكرة الذهاب إلى البيت ، لكن خطواتها تقودها إليه دون وعي منها .. ستجده هناك محاطا باللعب ، كعادته . ما العيب في ذلك ؟ ألم تحتفظ هي بدماها ؟.. لكنه يبالغ و.. يكذب.. " لو أنك صارحتني أول الأمر ، هل كنت سأرفض ؟ هو ابني كما هو ابنك ."
تفتح الباب وتتسلل إلى الداخل . لن تكلمه . و إذا لامها على تهجمها ، فلن ترد عليه .. يجب أن يستعطف و يتذلل ويتودد .. عليه أن يبقى هكذا . لن تدعه يخرج " رجليه من الشواري" ... تجلس على الأريكة وتنتظر أن يخرج .. تسعل .. تسقط إسورتها على البلاط .. تزيح الأريكة من مكانها .. أيكون نائما ؟.. تتطلع إلى داخل الحجرة... لا أحد . ربما خرج . خف توترها لكنها أحست بالوحدة والشجن . بكت في صمت وهي تجيل النظر عبر أرجاء البيت . غمرها شعور غريب بالخوف ، فلم تطق البقاء . لملمت بعض الأشياء ثم خرجت وقد سجى الليل .
أين يكون ؟.. ليس من عادته المكوث طويلا خارج البيت . فكرت في الذهاب عند أختها ، لكنها عدلت عن ذلك . فهي لا تطيق انتقاداتها لتصرفاتها و أفكارها ، مثلها مثل زوجها الذي لم تكن علاقتها به قط على ما يرام . فهو لا يكاد يفرغ من التحية و السؤال عن الآخر حتى يبدأ خطبته حول نساء الأمس ونساء اليوم ، وانحرافهن وطيشهن ، والتيه الذي اخترنه سبيلا في حياتهن . هل تذهب عند صديقه القاطن بالحي ؟ لكنه وحيد ، وزيارتها له في هذا الوقت من الليل لا تخلو من مغامرة... ليكن .. هذا شأنها .
وقفت إزاء الباب متصنتة ، آملة أن تسمع حوارا . تحس بالبرد وتطرق الباب بيد مرتعشة ، ثم تجد نفسها قبالة جسد ضخم ملتف بمنامة لم تفلح في ستر شعر صدره الكثيف . تعلو وجهه الدهشة ... فيم يفكر ؟
- عفوا.. الولد مريض و...
- ؟ ؟ ؟
- لقد تأخر .. عن العودة ..
- آه ...- قالها بنبرة ذات معنى - كان هنا منذ قليل .. لم يقل لي أين ذهب ، لكنه حتما سيعود.. فحقيبته لا تزال هنا .
خفق قلبها بعنف وتمتمت :
- حقيبته ؟... هل هو مسافر ؟
ندمت على سؤالها بينما قال الآخر شاردا :
- لا أدري .. لكنها حقيبة من نوع خاص .
زاد فضولها كما اشتد البرد يلسع جسدها :
- هل أستطيع رؤية محتواها ؟
لم يحر جوابا وكاد يرفض ، لكن نظراتها المتوسلة جعلته يفسح لها الطريق .. انتابها إحساس بالقلق وهي تجد نفسها في خلوة مع غريب ، لكن فضولها كان أقوى ، وفتحت الحقيبة لتجد أكواما من اللعب ... انهال الماضي أمام عينيها في لحظة.. كل لعبة تحكي عن فترة.. عن زمن ولى .. خيل إليها أنها تصيح فيردد المكان صداها الآت من ماض سحيق ، فتستفيق ذاكرتها و ينتفض جسدها كالملسوعة :
- الآن فهمت...
- عفوا سيدتي ؟
- قل له... إني أخذت لعبة.. لأني لم أجد الوقت الكافي لشراء غيرها .
ضمت اللعبة إلى صدرها المقرور .. تحس بدفئها .. وتحث الخطى نحو بيت أمها لتعود بالولد..." يا لي من طفلة .. ترى هل فات الأوان أم لا يزال هناك متسع من الوقت للاستمتاع باللعب.. و بالحياة ؟.. أم أن حياتنا نفسها.. لم تعد كونها هي الأخرى لعبة ؟ "
قصة ممتعة، سبحت على شاطئها وفي أعماقها ثم خرجت وقد غمرتني مياهها بالأفكار
في قصتك عبارات تبرر تصرف الأم بحجة تجنب الإسراف، وهو رأي أميل إليه، لكن القسوة الصارخة والإهمال الفاقع يبرزان بجلاء بين الحروف فلا يتركان للأم أي فرصة في كسب ود القارئ
هي، ربما في غمرة انشغالاتها الوهمية، قد غابت عن خيالها ذكريات طفولتها، ونسيت أنها كانت يوماً من الأيام، طفلةً عندها كل لعب الأطفال
تميزت القصة بمشهد بدايتها، الذي يأتي ترتيبه حين عودتها من منزل صديق الزوج... والابتداء بالمنتهى فن يعجز عنه الكثيرون
ويبقى لحرفك سحره الخاص.. وعطره الجذاب
دمت بكل خير
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: اللعبة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد سعيد عدنان أبوشعر
قصة ممتعة، سبحت على شاطئها وفي أعماقها ثم خرجت وقد غمرتني مياهها بالأفكار
في قصتك عبارات تبرر تصرف الأم بحجة تجنب الإسراف، وهو رأي أميل إليه، لكن القسوة الصارخة والإهمال الفاقع يبرزان بجلاء بين الحروف فلا يتركان للأم أي فرصة في كسب ود القارئ
هي، ربما في غمرة انشغالاتها الوهمية، قد غابت عن خيالها ذكريات طفولتها، ونسيت أنها كانت يوماً من الأيام، طفلةً عندها كل لعب الأطفال
تميزت القصة بمشهد بدايتها، الذي يأتي ترتيبه حين عودتها من منزل صديق الزوج... والابتداء بالمنتهى فن يعجز عنه الكثيرون
ويبقى لحرفك سحره الخاص.. وعطره الجذاب
دمت بكل خير
أشعر بسعاةة غامرة لهذا الاهتمام منك أخي محمد سعيد بما اكتبه ..
أتمنى أن أبقى دائما عند حسن ظنك .
لك محبتي .
[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]لأول مرة يلفني الغموض أماما قصة لك أستاذ رشيد فلا أتبينها بشكل جيد وكأن رمزية اللعبة توهتني نوعا ما.
بين سوء الفهم وتيهه يبقى متسع لتصليح المسار والوصول لطريق يتسع للجميع. للنظر بعين الآخر دور ولاشك هام في هذا.قد يكون ماقلته في هاتين الجملتين ماخرجت به من القصة وربما هي تحمل المزيد.
تحيتي لك وكل الخير أتمناه لك.[/align][/cell][/table1][/align]
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: اللعبة
أجل نصيرة .. ما قلته في آخر تعليقك صحيح .. فقد أردت أن تكون القصة رمزية ، لكن بعيدا عن التجريد الذي يفقدها تلك الحميمية المتمثلة في الجانب الإنساني لشغصيات القصة .
يسعدني تجاوبك مع قصصي وأتمنى أن تنال كلها إعجابك .
مع خالص مودتي وتقديري .
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: اللعبة
قصة تغري بالمتابعة.. تجعلنا نعيش الحاضر والماضي في آن واحد.. وصفك للسيدة وهي تتوسد فخذ أمها في البداية حسبتها طفلة .. وتخيلتني مكانها .. قلت من منا لا يشتاق إلى ذلك بأي عمر كان.. لأدرك أنها مثلي سيدة وبحاجة إلى أن تعود لأمها في كل وقت وحين..
أن يكون الزوج شغوفا بالألعاب جعلني أتساءل كثيرا.. وأتوقع نهايات متعددة للقصة... فقد عهدت الأنثى أكثر تشبثا بالألعاب خاصة الدمى وإن كان الرجل كذلك فإنقاص من رجولته..
يبدو أن اللعبة تحيل على الحياة.. الحياة لعبة وكل منا يشكل اللعبة برغبته ويلعب بطريقته..
الجميل في النص هو أنه لا يفقد عناصره ويظل سردا مشوقا بإيقاعه التصاعدي المثير، والأجمل أنه يشغل فكر القارئ ويجعله يغوص في خيالات كثيرة.. ليس النص الناجح هو دائما ما تتوقع نهايته بل الأنجح هو ما يحطم أفق انتظار المتلقي..
أبدعت اللعبة أستاذ رشيد
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: اللعبة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد
قصة تغري بالمتابعة.. تجعلنا نعيش الحاضر والماضي في آن واحد.. وصفك للسيدة وهي تتوسد فخذ أمها في البداية حسبتها طفلة .. وتخيلتني مكانها .. قلت من منا لا يشتاق إلى ذلك بأي عمر كان.. لأدرك أنها مثلي سيدة وبحاجة إلى أن تعود لأمها في كل وقت وحين..
أن يكون الزوج شغوفا بالألعاب جعلني أتساءل كثيرا.. وأتوقع نهايات متعددة للقصة... فقد عهدت الأنثى أكثر تشبثا بالألعاب خاصة الدمى وإن كان الرجل كذلك فإنقاص من رجولته..
يبدو أن اللعبة تحيل على الحياة.. الحياة لعبة وكل منا يشكل اللعبة برغبته ويلعب بطريقته..
الجميل في النص هو أنه لا يفقد عناصره ويظل سردا مشوقا بإيقاعه التصاعدي المثير، والأجمل أنه يشغل فكر القارئ ويجعله يغوص في خيالات كثيرة.. ليس النص الناجح هو دائما ما تتوقع نهايته بل الأنجح هو ما يحطم أفق انتظار المتلقي..
أبدعت اللعبة أستاذ رشيد
كنت ولا تزالين كريمة مع نصوصي خولة
واليوم كان اكرم وأجود مع أربع قصص .
شكرا لك من كل قلبي
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: اللعبة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
كنت ولا تزالين كريمة مع نصوصي خولة
واليوم كان اكرم وأجود مع أربع قصص .
شكرا لك من كل قلبي
حسنا .. أستاذ رشيد.. أمرك سيدي؛
مادمت قلت أربعة فلأجعلها أربعة او حتى خمسة عدد وتري(ابتسامة) لأني يا سيدي قرأت ثلاث قصص فقط..
لكني سأضيف الآن الرابعة.. بعد تأمل العناوين( ابتسامة)
مشرفة / ماستر أدب عربي. أستادة لغة عربية / مهتمة بالنص الأدبي
رد: اللعبة
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
اللعبة
البداية
شكرا طائر النورس
الأبيض والأحمر
هذه القصص التي حظيت بزيارتك اليوم خولة
شكرا لك
البداية يا سيدي نالت حظها وقت كتابتها لا اليوم..
Merci..
على كل أضفت قراءة رابعة وإن استطعت الليلة أضفت الخامسة وإن لم أتمكن أكمل غدا إن شاء الله السابعة ( ابتسامة)