[المطجوج نصيرة]

أقسام التشبيه
من إنجاز الأستاذة نصيرة المطجوج و الأستاذة إيمان اشتيوي
لاحظ البيانيون إلى أحوال طرفي التشبيه : ( المشبه والمشبه به) فظهرت لهم أقسام كثيرة ، وهذه الأقسام ناتجة عم احتمالات كون كلٍّ منهما مفردا أو مركبا فظهر لهم أن تشبيه شيء بشيء قائم على ملاحظة وجود عنصر أو أكثر من عناصر التشابه بينهما وبهذا ينقسم التشبيه إلى قسمين :
القسم الأول : التشبيه البسيط .
وهو التشبيه المشتمل على التشبيه المفرد ، لأن المشبه يشابِه المشبه به بوجه من الوجوه ، أو جانب من الجوانب ، كتشبيه الجاهل بالأعمى ، والعالم بالبصير ، والجهل بالظلمات ، والعالم بالبصير ، والعلم بالنور.
ومن أنواع صور التشبيه المفرد، التشبيه البليغ، والتشبيه المجمل، والتشبيه المفصل .
1 - التشبيه البليغ:
هو كل تشبيه ذكر فيه الطرفان فقط وحذف منه الوجه والأداة، وسبب تسميته بذلك أن حذف الوجه والأداة يوهم اتحاد الطرفين وعدم تفاضلهما فيعلو المشبه إلى مستوى المشبه به وهذه هي المبالغة في قوة التشبيه .
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر أبي القاسم الزاهي يصف حسناوات :
سفَرن بذورا .وانتقبن أَهِلَّةً ومِسْنَ غصونا . والتفتن جآذراً
في هذا البيت أربعة تشبيهات على طريقة التشبيه البليغ , إذ لم يُذكر فيه التشبيه ولا وجه الشبه.
2-التشبيه المفصل:
صورة تشبيهية يُكر فيها وجه الشبه ،فمثل هذا النوع من التشبيه يدعونا للتركيز على وجه الشبه الذي يعد ركنا أساسيا في استكمال صورة المشبه ،كما أنه يمثل الوصف الذي يلحق به المشبه به ليشتركا ويتساويا كتشبيه الرجل الشجاع بالأسد في الشجاعة ،فالشجاعة وصف معنوي وهو وجه الشبه الذي يراد إلحاق الرجل الشجاع به.
3-التشبيه المرسل المجمل :
هي صورة تحتل حيزا كبيرا من بين أنواع التشبيه ،وهي تشَكُّل فني يذكر فيه أداة التشبيه ويغيب وجه الشبه ، كقول العرب "طعن اللسان كوخز السّنان" في هذا المثل ذكرت الأداة وغاب وجه الشبه الذي وهو الألم الناتج عن الكلام الجارح .

القسم الثاني : التشبيه المركب
1- التمثيلي
وهو التشبيه الذي يكون على شكل لوحة تصوِّر أكثر من مفرد ، ووجه الشبه فيه لا يكون مأخوذا من مفردٍ بعينه ، بل يكون مأخوذا منه ومن غيره ، أو من الصّورة العامة.
وهذا التشبيه المركب يكون على وجهين :
１. الوجه الأول : ما كان على شكل عناصر متلاقية تقابل أمثالها في المشبه به ، وهذا التشبيه نجده في قوله عز وجل في سورة البقرة الآية٢٦١ 《مثل الذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبةٍ أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم》هنا نلاحظ أن الإنفاق يشبه عملية الزرع ، وتنمية الله له يُشبه النبت الجيّد ، ومضاعفة الأجر تُشبه تكاثر السنابل من الحبة الواحدة ، وتكاثر الحبِّ في كل سنبلة .
ومنه كذلك قول أبي فراس الحمداني يصف روضتين مزيّنتين بأنواع الزهور ذات الألوان المختلفة الزّاهية ، ويجري بينهما نهر صاف :
والماء يفصل بين روض ال زهر في الشّطّين فصلا
كبساط وشيٍ جرّدت أيدي القُيون عليه نصْلا
إن وجه الشبه في هذا التشبيه منتزع من متعدّد في صورة واحدة ، إلاّ أننا لدى تحليل هذا التشبيه نلاحظ أنّه جاء على شكل عناصر متلاقية تُقابل أمثالها في المشبه به .
فالنهر بين الروضتين يشبه السيف المجرد الصقيل المطروح في وسط البساط الموشّى.
والروضة الواقعة عل يمين النهر تشبه قِسم البساط الواقع على يمين السيف المجرّد.
والروضة الواقعة على يسار النهر تشبه قسم البساط الواقع على يسار السيف المجرد.
ودل تجريد القُيون للسيف على أنه سيفٌ جديد صقيل يتلامع ، وهذا يدل على أن ماء النهر صاف شديد الصفاء ، وأيضا على أنه نهر جارٍ من نبع ، فليس ماءً راكدا ، وليس ماء سيل كدرا.
ومنه قول بشار بن بُرد :
كأن مثار النّقع فوق رؤوسنا وأسيافَنا ليلٌ تهاوى كواكبه .ڜ
وعند التحليل نلاحظ أن التشبيه المركب قد جاء في شكل عناصر متلاقية في المشبه ، تقابل أمثالها في المشبه به ، ويتحصل من ذلك هيئة كليّة في صورة حيث شبه الشاعر الغبار المثار بحركة القتال والذي تتهاوى داخله أسياف المقاتلين على أعدائهم بصورة ليلٍ تتهاوى على الأرض كواكبه.
２. الوجه الثاني : ما كان على شكل وحدة مركَّبة متداخلة تعطي بجملَتها وجه الشبه ، دون مُلاحظة التقابل الجزئي بين المشبه والمشبه به ، كالمثل الذي ضربه الله عز وجل لفريق من المنافقين ، بقوله في سورة البقرة الآية ١٨:《 مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صمّ بكم عمى فهم لا يرجعون 》.
هذا تشبيه من قسم " التمثيل " فوجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد ، والتشبيه قائم على تمثيل صورة ذات عناصر مختلفة بصورة ذات عناصر مختلفة والجامع بينهما وجه شبه يمثّل أيضا صورة منتزعة من عناصر متعددة حيث تضمن هذا التمثيل تشبيها لحالة الصنف الأشد من صنفي المنافقين ، وهو الصنف الذي مرَد على النفاق ، بعد رُؤيته أضواء هداية القرآن ، وسماعه إنذارات عذاب الله لكافرين ، ولما مرَد على النفاق ملتزماً الثبات في موقع الكفر ، طمس الله بصيرته بقانونه القدريّ الذي اتّخد هو أسبابه.
وكذلك قول ابن المعتز : والشمس كالمِرآة في كفِّ الأشَلِ ، هنا شبه الشمس عل طريقة التمثيل في استدارتها وما يُشاهد من حركة الضياء الذي تبُثه بمرآة مستديرة يحملها أشَل بكفه فهي ترتجف تبعا لحركة أكفه.
فوجه الشبه منتزع من متعدد العناصر ، ومع أن المشبه مفرد ، وهي الشمس لكن العناصر التي انتزع منها وجه الشبه متعددة ، يظهر من اللون والاستدارة وحركة الارتجاف التي يُشاهد بها النور .
2- الضمني:
التشبيه الضمني من أقوى أنواع التشبيه يستعمله الشاعر كدليل لإثبات شيء ، وهو تشبيه لا يوضعض فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة بل يلمحان في التركيب.
من هذا التعريف ندرك أنه مضمر في النفس و أنه يؤثر فيه التلميح على التصريح.
من مزاياه:
● لا تظهر فيه الأداة أو وجه الشبه بشكل صريح.
● لا يرتبط فيه المشبه بالمشبه به ارتباطهما المعروف في باقي أنواع التشبيه، بل تلمح العلاقة من خلال المعنى الذي يكاد يخفيه التشبيه.
● يكثر وروده في الحكم والمواعظ و الأمثال...
أمثلته:
قال أبو فراس:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ض فنجد هنا أن أبا فراس لم يقل : أنا إذا اشتد الخطب على قومي كالبدر الذي ينير الليلة الظلماء، بل ترك للمخاطبين أن يستنتجوا ذلك، وسيذهب ذهنهم إلى مثل هذا التشبيه لمجرد سماعهم عجز البيت.
قال المتنبي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
لم يقل المتنبي إن المتهاون بكرامته مرة لا يحس بذل جديد يصيبه لأن كرامته ميتة ، والكرامة الميتة كالجسد الميت لا يتألم إذا جرح جرحا جديدا، لقد مثل الشطر الثاني المشبه به ولم يرتبط بالصدر الذي يمثل المشبه بأي رابط لفظي، لكن الارتباط المعنوي عوض عن الرابط اللفظي.
يقول أيضا ابن الرومي:
قد يشيب الفتى وليس عجيبا أن يرى النور في. القضيب الرطيب
هنا يريد ابن الرومي أن يوضح أن الشيب قد يصيب الفتى في ريعان شبابه، وليس ذلك بالأمر العجيب لأن الغصن الغض الندي قد يظهر فيه الزهر الأبيض قبل أوانه.
فلم يعبر ابن الرومي بتشبيه صريح ولم يقل مثلا: إن الفتى وقد شاب مبكرا كالغصن الغض الرطيب وقد أزهر قبل أوانه، ولكنه أتى بالتشبيه ضمنيا.
بناء على ما تقدم نستنتج أن التشبيه الضمني تشبيه يفهم من المشبه والمشبه به ضمنيا من خلال السياق اللغوي، فهو يفهم من سياق الكلام ، ولا يأتي في صورة من صور التشبيه المعروفة ، بل يلمح من الكلام لمحا من خلال السياق، ليفيد أن الحكم الذي أسند للمشبه ممكن .
المراجع :
-علوم البلاغة ( البديع و البيان والمعاني) .تأليف: الدكتور محمد أحمد قاسم و الدكتور محي الدين ديب .
-البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها تأليف عبد الرحمان حسن حنبكة الميداني الجزء الثاني .