مرافقات القلب في القرآن الكريم:
أولاً: الفؤاد: الفؤاد عند أهل العربية هو الحُمّى وشدة الحرارة، وسمِّي بذلك لحرارته وتوقُّده، وقيل: هو غشاء القلب، أو باطنه، أو حبَّته. وهو إما رَّقيق فتسرع إمالته، أو غليظ لا ينفعل لشيء. وقد اقتصر إطلاق اللفظة على القلب المعنوي، فورد في التنزيل مفردًا في مثل: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾ الإسراء 36 وجمعًا في نحو: ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ﴾ النحل 78 فجعلت كلها حواس لإدراك المعرفة، والفؤاد منها هو قوة القلب الإدراكية. ويوضح هذه الوظيفة قوله تعالى: ﴿مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ النجم 11 ليكون الفؤاد مصدقاً لما رأته العين، أو أن يعمل الفؤاد في الإدراك عمل العين في رؤية الحق. بينما القلب مختص بالبصيرة، يقول تعالى: ﴿وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ الَتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الحج46، فالأبصار ترى حقيقة لكن القلوب التي لا ترى تعدل حاسة الأبصار، فتجعلها، وإن كانت ترى مادياً، عمياء عن الإدراك.
وإذا وقفنا عند قوله: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىى فَارِغًا﴾ القصص 10 وراجعنا المشهد: أم تتلقي نداءاً داخلياً يدعوها لوضع رضيعها في تابوت ثم ترميه في الماء ليلقى مصيراً لا تدري عنه شيئاً، نلاحظ أن فؤادها الذي فرغ هو تغلب عقلها على شعورها الدافيء حيال ابنها حتى غيبه فأفرغ فؤادها من الإحساس.
الإدراك إذاً قواه ثلاثة:السمع والبصر والفؤاد، وهو محلّ الفهم والتفكّر والرَّأي؛ لأنه وصف بالتقلب أي بالحيرة والشك وعدم اليقين، والانتقال من فكرة لأخرى، ومن رأي لمثله.
ومن استِقْراء آي القرآن وكلام العلماء حولهما، يظهر أنَّ الفؤاد جزءٌ من القلب؛ لأسباب هي:
- لدى الفؤاد قوى إدراكية وقد تختص بالمشاعر، بينما للقلب بقوى إرادية من طباع وشهوات.
- يقترن القلْب بالجوارح: الأذن والعين، بينما يقترن الفؤاد بقواها الحسية والإدراكية: السمع والبصر.
- جزاء عدم الإيمان تقليب الفؤاد لكن الإيمان ينسب إلى القلب، وهو يشمل التَّصديق والإقرار والطَّاعة بعد الفهم ثمَّ العمل.
- التَّمكين من العلم يكون بالسَّمع والبصر والفؤاد، لكن الإرادية الإيمانية التي تكمل تمكين العلم من أعمال القلب.
- الختم والطبع والقفل والوقر والأكنَّة، كلها على القلب، وتنطبع على الفؤاد لأنه بالنسبة للقلب جزء من كل.