26 / 04 / 2008, 19 : 12 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
فنان وناقد تشكيلي وصحفي
|
الفنان زكي سلام
[frame="10 98"]
النحات زكي سلام الفكرة هي الشحنة المحرضة على العمل
فتحي صالح
حينما تدق بوابة الفن لدى النحات زكي سلام و تجد أن الإنسان هو المفردة الأساسية التي تتنازعها أعماله ، يطالعك الفن الفلسطيني من خلف الحدود التي لا تنتهي للتراكمات الإنسانية و هي تبحث عن ذاتها و تسعى لترسيخ جذورها . و عندما يتحول الإنسان إلى حجر ، فإن الحجر يصبح عجينة مطواعة بين يديه يسبغ عليها رداءه الإنساني ، و يغدو الخشب كقطعة قماش تتلوى كيف شاء ، و يمتزج البرونز بعرق البحث المتواصل .
و إذا كانت تجربته لا تقتصر بل تتعداه إلى الخزف ، و هي تجربة لها أهمية خاصة ، فسنتجاوزها و نحاول قليلاً التطرق إلى مسيرته النحتية التي تمثل الوجه الأكثر حضوراً في النحت الفلسطيني ، فعندما نأتي على سيرة النحت الفلسطيني يطل في البال بابتسامة لا تخفي ملامحها لحيته الكثة ، و من هذه الصورة يتشكل الفضول للتعرف إلى ما يكمن في ثنايا شخوصه المفعمة بالانفعالات .
فنبدأ أولاً بالظروف المحيطة التي نشأ بها و كانت وراء ميله للفن ، فإذا كانت الموهبة أمراً مسلماً به و هي الركيزة الأساسية لتجربته الفنية فإن البيئة رسخت اللبنات الأولى كتأصيل لهذه الركيزة ، فهو ابن رجل كان لديه محترف صغير لاستنساخ النحت " الأعمال الأشبه بالتجارية " بالإضافة إلى أنه كان من الدهانين المتبنين الرقش الدمشقي القديم ، و قد ساهم في ترميم المسجد الأموي في السبعينات . كما أن نشأته في " جوبر " هذه المنطقة التي تتوضع حولها مجموعة كبيرة من الحرف كما يقول : ( ... ساعدت في بلورة رؤية خاصة بالبحث التقني حيث تسنى لي ممارسة عدد غير قليل من الحرف ، و مشاهدة عدد آخر عن قرب، و خاصة فيما يتعلق بالحرف المقتربة من النحت ، كمصانع النجارة ، و مسابك المعدن ، و مصانع الزجاج ، ...الخ ) .
كل هذا ساهم في توجهه للفن التشكيلي فيما بعد ، فأصبح في مرحلة دراسته الثانوية يواظب على دراسة فروع الفن من تصوير و نحت و خزف في مراكز وزارة الثقافة بدمشق .
و تأتي الحياة الجامعية و يصبح النحت هو المسار الأكثر جذباً حيث الكتلة و الفراغ كما يقول : ( إمكانيات النحت كانت آسرة بالنسبة لي ... ) .
و هنا تتوضح خيوط تجربته التي لا تقف عند الحد التقني ، بل تحمل فلسفة و عمقاً إنسانياً جارفاً ، ففي السنة الثانية من دراسته التخصصية في كلية الفنون الجميلة صنع عملاً أحب أن أتوقف عنده قليلاً كونه يمثل صورة واضحة عن فلسفته المبكرة و رؤيته الإنسانية ، هذا العمل يمثل امرأة جالسة على مكعب و خلفها قط ، لو تأملنا نما يجري على سطحه ، لوجدنا أن المرأة بهيكلها التعبيري العاري و الخالي من التفاصيل الكلاسيكية الدقيقة قد أنهكه التعب و أصبح مهدلاً ، و القط بتمحكه و تبرمه يبدو بهيئته الوادعة كالوحش الذي يتفرس ضحيته بانتظار الفرصة السانحة لإرضاء غرائزه الحيوانية ،/ هذا العمل يحمل الكثير من المفارقات الإنسانية و يحوي في طياته الكثير من الأسئلة ، و الإجابة عنها لا تكمن على سطح العمل بل تدخل في أعماقنا ، و تمس كياننا البشري مباشرة .
أتوقف هنا و أقول : إن هذا العمل هو بداية سلسلة من الإبداعات المتواصلة حصيلتها مرحلتين متداخلتين في مضمونهما الإنساني ، و متباينتين في تركيبهما الشكلي :
- مرحلة البناء الانفعالي : و تبدأ بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 ، حيث هذا الحدث كان له وقع في رؤيته الإنسانية كمادة غنية بالتعبير الذي أكثر ما يظهر على الوجه ، فالرأسهو الصفحة التي بنى عليها فلسفته التي اعتمدت على تحطيم الشكل و إعادة بنائه بصيغة تعبيرية حادة ، فيبدو العمل لديه كمادة عجينية يلويها و يمطها و يحرك أجزاءها وفق انفعالات جامحة . و عن هذا يقول : ( .. في هذه المرحلة كنت أشعر أنه من المفترض أن يكون هناك توجه إلى الناس ، باتجاه معرفة الناس ، فوجدت أن الوجه و الرأس كانا أكثر جزأين تسهل قراءتهما ، و قد بنيت تجربتي على تحطيم الشكل و بنائه بناء دراماتيكياً يعتمد على تعبير قاس و حاد يصل أحياناً حد الكاريكاتير .. ) .
- مرحلة التوتر الداخلي : و تبدأ منذ العام 1993 حينما أخذ سطح العمل بالهدوء النسبي و بتعبيرية أقل حدة في الشكل مما أفرز توتراً داخلياً للكتلة الإنسانية التي بدت أكثر رشاقة و أكثر عمقاً ن و هنا ينتقل الانفعال من سطح العمل إلى جوف الإنسان فيظهر مشحوناً بطاقته الإنسانية ، و عن هذه المرحلة يقول : ( .. بدأ التعبير الداخلي للكتلة عندي يأخذ أهمية أكبر من التعبير على السطح ن فبدأ السطح يعتمد على الهدوء الخارجي لكن بوجود حركة داخلية بالتعبير .. ) .
هذه الانفعالات في مراحل تجربته لم تكن بهذه البساطة :
- فهي أولاً نتيجة تراكمات كبيرة من ثقافة و مخزون بصري يمتد لسنوات طويلة ، لأنه يتناول الإنسان بشكله المباشر ، فإن هذا الإنسان يخرج من الذاكرة غير المباشرة ممزوجاً بالانفعال المحرك و المنتج لماهية التعبير ، و هذا ما يفسره قوله : ( بعد فترة كنت أكتشف أنني أعرف هذا الشخص ، لا أقصد أن أعمل فلاناً من الناس ، لكنه يخرج بالأساس من المخزون البصري ، فتقول إن هذا أبو معروف ، أبو معروف جارنا كان بائع خضر .. و غالباً ما تجد الصورة على التعبير ... ) .
- و هي ثانياً نتيجة جهد متواصل في البحث التقني ، و التقنية في النحت لها فرادة تجعلها تتميز عن سائر الفنون التشكيلية الأخرى ، فحتى ينجز العمل يحتاج إلى جهد عضلي و فكري . و الفكرة هي الشحنة المحرضة على العمل و هنا البداية ، لكن الانفعال لا يتفرغ كشحنة متحدة ، فالوقت الطويل و البناء التقني يشذب الانفعال و يجعله يتبدل في مراحل التنفيذ ، و ما بين بداية العمل و نهايته تلعب الحرفة دورها ، و عن هذا يقول : ( .. النحت له خصوصية من بين الفنون التشكيلية الثانية ، لأنك بحاجة لوقت طويل حتى تنجز ما دار بذهنك ، و هذا يجعل النحت يتغير دائماً ، يعني فيه حرفة تفرض صيغتها .. ) .
و هي ثالثاً نتيجة قدرات غير عادية لموهبة خلاقة جمعت بين ما هو تقني و ما هو فكري ، فكان الأول في خدمة الثاني ، والثاني محرضاً لتسريع وتيرة الأول ، و كلاهما شكل تجربته الأكثر حضوراً في النحت الفلسطيني .
* مابين قوسين في المقال من حوار خاص أجريته مع الفنان زكي سلام .
• بطاقة :
- زكي سلام / 1951 .
- خريج قسم النحت / كلية الفنون الجميلة بدمشق .
- عضو اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين .
- عضو اتحاد الفنانين العرب .
- عضو نقابة الفنون الجميلة .
- شارك في جميع معارض و نشاطات اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين المحلية و العالمية .
- أقام معرضين شخصيين للخزف .
- أقام ثمانية معارض شخصية للنحت .
- مجموعة معارض مشتركة .
- متفرغ للعمل الفني ، و يدير مشغلاً للخزف و النحت .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|