[align=right]
لا شك أن تيار المعتدلين العرب الذي حصل على التسمية و خارطة الطريق من الولايات المتحدة يحتاج إلى مثقفين يتحملون مسؤولية نشر ثقافته، من خلال كل الوسائل المتاحة لتمرير الخطاب إلى الجماهير، فقد تنامت الكتابات العربية المنادية بالإمتثال للواقعية من أجل حل المسائل الجوهرية. و تختزل خطة المعتدلين العرب، المعدلين في مختبرات التأهيل السياسي في واشنطن و طهران، في محاصرة قوى المقاومة العربية بكافة أشكالها و بخاصة المقاومة المسلحة التي تحاول الولايات المتحدة و أتباعها في المنطقة العربية تقويضها بأسلوب تجفيف المنابع بعد تطبيق الحل الإستئصالي المباشر ضدها في العراق. و رغم الصعوبات الوخيمة التي تواجهها أمريكا إثر تصاعد عمليات المقاومة العراقية و يقظة الجنوب العراقي، فإن الفعل المقاوم في العراق ذاتي، يهدف إلى الإستقلال، بعد أن كان مؤثرا على كل الوطن العربي زمن النظام الوطني السابق.
ويحاول تيار المعتدلين أن يبين أن المقاومة المسلحة مخرج لاواقعي، بل تعدى اللاواقعيةإلى مناقضة العهد الإنساني الجديد، الشعوب و المثقفون المؤمنون بالمقاومة الإجرائية متهمون بالجهل المزمن في فهم كلمات الفترة التاريخية الراهنة، التي قيل عنها أنها نهاية التاريخ و أقصى تطور يمكن للعقل أن ينجزه. فالعقل البشري: أي الإنسان المقتنع بمنظومة قيم يجددها كلما بدا له التجديد مؤسسا، في مواجهة مسألة الإستعمار، التي اتضح زيف خلو الزمن الجديد منها مثلما بشر به السابقون، عليه أن يستخدم الأسلوب السلمي. المفارقة المركزية في هذه النظرية تتراءى في الشكلين المتطابقين للإستعمار، العتيق و العولمي،فالجرائم المروعة التي اقترفتها الإمبريالية الأوروبية يعاد ارتكابها بأقسى المشاهد في العراق و من ضمن هذه الجرائم: تنصيب أنظمة فاشلة و عاجزة عن التكيف مع القرارات التي تمليها أحداث المجتمع مثلما تقول به الديمقراطية. غير أن أخطر دور تنفذه حكومات الإحتلال، نقلها للدين على شكل الفكر و السلوك المريضين إلى المجتمع بواسطة استثمار رديء لبنيته الطوائفية. لقد كانت الطوائفية في العراق متسمة بالإنتهازية، غير أن الحكم السياسي السائد يمنع اتفجارها، إلى أن تأسست حكومات ما بعد 2003، حيث بلغ الإلتهاب الطائفي و القومي ذروته.
على الكاتب و الأديب و المثقف العربي بصورة شاملة أن ينادي بالمنهج السلمي في تعاطي الجمهور العربي مع قضاياه الرئيسة، التي لا تتفاوت من حيث الأهمية الموضوعية و تختلف وجدانيا تبعا للمستجدات و تطورات اللحظات الأخيرة، عليه أيضا، أن يظهر للقارىء العربي أن مبدأ المقاومة المسلحة و التعبئة المعنوية و السلوكية المتواصلة يتنافى مع الواقعية. يجب على المثقف العربي الذي يعترف به المجتمع الأورو-أمريكي المسمى بالمجتمع الدولي و يحظى بتزكيته التامة أن ينتقد المنظومة الدينية الإسلامية و يعرضها للإستهتار رغم ادراكه بمهاجمته لتأويلات و مواقف لا تعبر عن الحقيقة الإسلامية. لقد امتلأ العهد الإسلامي الماضي بعلماء الدين من كل التخصصات الممكنة، و عهد الإنحطاط و العجز المعيش متميز بعلماء الدين و الوعاظ و المرشدين المتصلين به، لكي نفهم أن الخطاب المتنور المتماهي مع الدين يجب أن يوجه مباشرة إلى الإنسان العربي الذي يمنح للمواقف الدينية الطائفية التطبيق و القوة اللازمين لاستشرائها و فرضها كخيار و قناعة.
المجتمع الدولي أو المبرر التقليدي لأفظع الأخطاء الإنسانية لا يحدد الرؤية الشمولية لسكان الأرض، فقد تشكلت الأمم المتحدة و تفرعاتها لتحقيق أكبر قدر من الإجماع حول المواقف المؤثرة على العلاقات الدولية، غير أن قوى سياسية عظمى تحتلها الآن و توجه العالم من خلالها. و تبعية الأمم المتحدة للنادي الغربي مسألة بديهية، أصبح المواطن العربي و العالمي البسيط في رقعة البلدان المتخلفة يدركها. و رغم أن المثقف العربي المنادي بالعالمية يفقه الوضع السيء لأطروحة نهاية التاريخ و مرادفاتها الكثيرة في الكتابات السياسية المتقنة لتقنيات عكس الواقع، فإنه يحتفظ بالإعتراف الأورو-أمريكي عندما يصف استعمال العرب للمؤسسات الدولية بالإلتزام الناضج بما يوفره المستطاع العربي.أ لا يكفي اتفاق كل شعوب العالمين المنهوب و الناهب على إدانة مواقف الأمم المتحدة في العديد من المفاصل التاريخية؟ ما لا يفهمه المثقف العربي المعترف به و المواطن الغربي المستهجن للسياسة الخارجية الأمريكية و معها بلدان أوروبية أخرى، أن حالة النهب المتتابع لبقية أجزاء العالم التي مكنت الإنسان الغربي من الإستمتاع بمناخ متطور من الحقوق البيولوجية و الأخلاقية يعرضها لخطر التبدد الوخيم لدى اصطفافه في التظاهرات المليونية الرافضة للعولمة؟
هل يدرك الإنسان الغربي هذا الخطر المرعب؟
أم أنه يثق بالديمقراطية المتكافئة التي سيرسيها الإنسان العربي إذا ما تحكم في العالم؟
يظهر لي أن الإجابات التي يسوقها المثقف العربي لهذين السؤالين تمكننا من تحديد نوعه: هل ينتمي إلى طائفة المعترف بهم،دوليا و عولميا و راسماليا و...، أم إلى طائفة الإنسيين العرب، أولئك المؤمنين بهموم المواطن العربي كإنسان، بين أناس، يعاني و يتألم.
[/align]