التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,846
عدد  مرات الظهور : 162,306,594

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04 / 08 / 2008, 22 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
حمزة بلعباس
كاتب نور أدبي

 الصورة الرمزية حمزة بلعباس
 




حمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond reputeحمزة بلعباس has a reputation beyond repute

القصة القصيرة ( Nana

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصة القصيرة
القصة القصيرة ليست أقصوصة، وليست حكاية قصيرة، أو ملخصا لرواية؛ فالقصة القصيرة تكثيف للحدث وليس تلخيصه فهي تشبه الغاز المضغوط، فلا مجال للسرد والإطناب ولا للوصف والتحليل، ولا تعتمد على البناء التقليدي للرواية، كما أن لكـــل كـــاتب خصوصيته في كتابتها، وعند كاتب القصة القصيرة يسقط الكثير من المنطقيات، كالزمان المنطقي والمكان المنطقي وتذوب الفواصل بين المعقول واللامعقول والعقلي والميتافيزيقي، إنها كشف عن حالة ما في لحظة ما، وإن كان لها عمل آلة التصوير الفوتوغرافي إلا أنها تحرك الصورة في تتابع وتكثيف. " إن القلم الذي تكتب به يمكن أن تخبر به رواية طويلة ، فإن أفرغت محتوياته ، يمكن أن تخط بإصبعك قصة قصيرة "
أين نشأت القصة القصيرة..؟
القصة العربية في العصر الحديث
كانت المقامة هي الإرهاصة الأولى لفن القصة القصيرة العربية بشكلها المتعارف عليه الآن. وبعد فترة خفت صوت الحضارة العربية ليتلقف الغرب منجزها الفكري/ العلمي، فأضاف إليه بعد أن عكف على دراسته وتحليله، وكان لهذا الفكر دور مهم في النهضة الغربية الحديثة، وفي منتصف القرن التاسع عشر بدأت موجة من الترجمات عن الغرب -وإن كانت قد بدأت قبل ذلك وتحديدًا في الثلاثينيات، على يد رفاعة الطهطاوي- فحدث تفاعل وتلاقح نتيجة الاطلاع على هذا المنجز الذي أضاف ولا شك للبنية الفكرية العربية التي كانت تعيد تشكيل وعيها بعد فترة طويلة من السكون.
ظهرت القصة كفن أدبي في بداية القرن العشرين، وكان لها ذيوع كبير، وتذهب بعض الآراء إلى أن أول قصة قصيرة عربية بالشكل المتعارف عليه كانت قصة "في القطار" لمحمد تيمور، والتي نشرت في جريدة "السفور" سنة 1917، بينما هناك آراء أخرى تقول بأن أول قصة قصيرة عربية تظهر في العصر الحديث كانت لميخائيل نعيمة، وهي قصة "سنتها الجديدة" التي نشرت في بيروت عام 1914.
مصر نموذجا
كانت ثمة جهود ومحاولات للاقتراب من كتابة القصة القصيرة العربية، واضطلع بالقيام بهذه المحاولات من خلال مجلته "التنكيت والتبكيت"؛ حيث كان يلجأ إلى الشكل القصصي في انتقاداته اللاذعة التي اشتهر بها، كذلك تجربة لبيبة هاشم ومنصور فهمي وخليل مطران، وإن كانت كلها لم تتعدَّ الإسهام في الشكل الهيكلي للقص، ثم كانت تجربة "محمد المويلحي" في "حديث عيسي بن هشام"، والتي اقتفى فيها أثر المقامة العربية القديمة، وأيضًا كتابات "مصطفى لطفي المنفلوطي" التي كانت وعظية انتقادية في المقام الأول، لكن كان لها دور مهم في هذه المرحلة؛ ما وفر لها فرصة الذيوع والانتشار، وجاءت مرحلة أخرى مهمة وهي مرحلة الرواد الذين ضربوا بحماس وقوة في أرض ذلك الفن الجميل، والذين أنتجوا بالفعل تجارب قصصية لها كيانها الفني والفكري، طبقا لعصرهم وظروفه، وهؤلاء هم: محمد تيمور، عيسى عبيد، شحاتة عبيد، محمود تيمور، محمود طاهر لاشين.
في هذا الوقت كانت ثورة 1919 قد فتحت وعي الكثيرين على ضرورة التجديد والثورة على القديم، وظهر إلى النور ما سمي "المدرسة الحديثة في القصة" والتي قادها "أحمد خيرت سعيد" من خلال مجلة "الفجر" التي كان شعارها الهدم من أجل البناء. ومن أبرز أعضاء هذه المدرسة: حسين فوزي، يحيى حقي، إبراهيم المصري، حسن محمود، سعيد عبده، محمود البدوي.
ولقد قدمت المدرسة الحديثة إنجازات مهمة توازت مع حركة الترجمة التي كانت نشيطة في هذا الوقت، وأصبح للقصة القصيرة مكانة هامة، وصارت محط ترحيب كافة الإصدارات والدوريات.
ثم جاء جيل الخمسينيات كما اصطلح على تسميته. ومن أبرز كتاب هذا الجيل: يوسف الشاروني، يوسف إدريس، أبو المعاطي أبو النجا، عبد الرحمن الخميسي، محمد صدقي…
وكان للحركة التحريرية التي شبت في العالم العربي إبان النصف الثاني من القرن العشرين دورًا هامًا في تبني هذا الجيل لشعارات وتوجهات الأنظمة السياسية، ولم ينجح منهم إلا القليل الذين ظلوا مخلصين للقصة كفن يعبر عن ذواتهم وعن مجتمعاتهم.
تعد حقبة الستينيات من أكثر الفترات غليانا على مستوى المحيطين العربي والعالمي، فقد كانت هناك حرب باردة بين قطبي العالم وقتها: أمريكا الاتحاد السوفيتي.
وكان للعالم العربي وضعيته الخاصة؛ فهو يموج بالكثير من حركات التحرر والتغيير، ومحاولة إيجاد شكل ديمقراطي للحياة السياسية، وبهذا كان جيل الستينيات كالقذيفة التي انفجرت. وبرز في هذا الجيل أسماء عديدة كان لها تواجدها ودورها الهام على الخريطة الإبداعية العربية، فلقد قفز هذا الجيل بكتابة القصة قفزات واسعة، وأصبحت أقلامه مرايا مخلصة لمجتمعها تعري عيوبه، ومن أبرز هذه الأسماء: محمد حافظ رجب، يحيى الطاهر عبد الله، إدوار الخراط، سليمان فياض، محمد البساطي، جمال الغيطاني، يوسف القعيد، إبراهيم أصلان، عبد الحكيم قاسم، مجيد طوبيا، محمد إبراهيم مبروك، بهاء السيد، عز الدين نجيب، محمد جاد الرب، محمد عباس، الدسوقي فهمي، خيري شلبي، محمد مستجاب، محمد جبريل...
السودان نموذجًا *
*باختصار من مقال "ملامح من تاريخ القصة القصيرة في السودان" عن البيان الإماراتية
بقلم: الشفيع عمرحسنين
مؤثرات على نشأة القصة القصيرة السودانية:
- التغييرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى خلخلة النظام القبلي الموروث، ونمط الحياة المستقرة.
- التأثر الواضح بالموروث من التراث الشعبي والأسطورة.
- حركة الأدب في كل من مصر وسوريا ولبنان وبريطانيا، والكتب المترجمة من الأدب الروسي إلى اللغتين العربية والإنجليزية، والتي كانت في أوج مجدها في تلك الفترة.
دور معاوية محمد نور
شهدت فترة الثلاثينيات نشاطا واسعا للناقد والقاص معاوية محمد نور، من كتابة للقصة، ودراساته في النقد الأدبي، وإسهاماته المتعددة في الصحف والمجلات الإنجليزية والمصرية واللبنانية أثناء دراسته بجامعة بيروت.
ويعتبر معاوية نور أول من كتب القصة القصيرة بمعناها المحدد والمعروف. وساهمت مقالاته في النقد بصحيفة السياسة الأسبوعية في اتجاه الكتّاب نحو الواقعية وتصوير الشخصيات الحية ودعاها إلى تبني القصة النفسية الاجتماعية، وقدم أمثلة حية بكتاباته للقصة القصيرة، وإن اعتمدت على طريقة التحليل النفسي. وأدى ظهور مجلتي "النهضة" و"الفجر" إلى المساهمة في استقطاب وتشجيع الكتّاب ونشر أعمالهم ودراساتهم عن فن القصة. فظهرت في تلك الفترة أسماء: عبد الحليم محمد، السيد الفيل، حسن أحمد ياسين، ومحمد عشري الصديق كأول من اهتموا بالقصة القصيرة ووضع لبناتها الأولى لتسير جنبا إلى جنب مع الحركة الشعرية التي ازدهرت في تلك الفترة. ودارت أغلب قصصهم عن الزواج والحب والنزوح من القرية والسفر. وأخذت الأسطورة والتراث حظهما الجيد من اهتماماتهم التي لم تخرج من نطاق فكر المجتمع آنذاك. ونال الاستعمار أيضا قدرا لا بأس به من الاهتمام لديهم ليعبروا بذلك عن مشاعر الأمة، وليستحقوا لقب جيل الرواد.
فترة الأربعينيات
أما فترة الأربعينيات فقد جاء التأثر فيها واضحا بالمذاهب الفكرية التي ظهرت في السودان، ومن أبرزها ما سمي بالواقعية الاشتراكية. وعرفت القصة تطورا نوعيا في نمط وأشكال القصة إلى التعبير عن قطاعات المجتمع الدنيا، وأصبحت القصة أكثر ديناميكية، واكتسبت صفة الحيوية باستيحائها للشخصيات والحواريات من عمق المجتمع ورصد حالاته وتحليلها. ومن أبرز الأسماء في هذه الفترة: خليل علي، أبو بكر خالد، وعثمان علي نور الذي أصدر مجلة «القصة» كأول مجلة سودانية متخصصة تعنى بالقصة القصيرة. وظهرت أسماء تركت بصماتها الكبيرة في الأدب السوداني الحديث كله أمثال البروفيسور علي المك، د. إبراهيم الشوش، الشاعر صلاح أحمد إبراهيم، الزبير علي وغيرهم.
وتعتبر هذه الفترة من أخصب الفترات وأكثرها تأثرا بحركة الأدب والنقد العالمية، وبانتشار فن القصة على نطاق واسع. وأفاد كتّاب هذه الفترة كثيرا من هجرتهم ودراساتهم بالخارج. وتزامن هذا الثراء في القصة مع حركة الشعر الكبيرة التي انتعشت في تلك الفترة.
الجزائر نموذجا
من بحث: "تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة 1947 - 1985 - شريبط أحمد شريبط
نشأت القصة الجزائرية على يد رجال الإصلاح ومقاومة المحتل مثل: محمد بن العابد الجلالي، ومحمد سعيد الزهراوي. وكانت تسمى القصة الإصلاحية وتتناول القيم التي يجب أن تسود المجتمع وضرورة التخلص من المحتل، وأهمية الحرية وكان ذلك في حوالي 1924، لكن التطور والنضج الحقيقي كان على يد جيل الثورة الأدبي‏؛ حيث عرفت الحياة الأدبية والثقافية في الجزائر بعد الحرب العالمية الثانية (1944) تطوراً ملحوظاً، فقد كثر عدد الكتاب ورجع بعضهم إلى أرض الوطن، وتخرج بعضهم الآخر في معاهد جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كما شهدت هذه المرحلة استمرار إرسال البعثات العلمية إلى البلاد العربية، وخاصة إلى تونس، والمغرب الأقصى، مما نتج عنه ازدهار طرأ على مختلف الأنواع الأدبية إثر تأسيس النوادي والجمعيات الثقافية، وانتشار الصحف اليومية والمجلات الدورية التي تعنى بالإبداع.‏
ويعد قيام حرب التحرير الوطنية الكبرى في أول نوفمبر عام 1954 من أهم عوامل تطور الأدب الجزائري المعاصر سواء على صعيد الشكل أو المضمون، "والتحقت القصة بدورها بالجبل تعايش الثورة وتكتب عنها، ومن القصاص من تفرغ للثورة، وتخصص فيها، ولم يكتب عن أي موضوع سواها مثل عثمان سعدي وعبد الله ركيبي، وفاضل المسعودي ومحمد الصالح الصديق.
لارتباط القصة بالثورة الجزائرية أثران: أحدهما إيجابي: ففي الشكل حاول القصاصون استعارة أشكال فنية مختلفة من الآداب العربية والأجنبية لمواكبة التعبير عن الثورة، وعلى مستوى المضمون أثرت الثورة التحريرية في مضمون القصة، بما لا يقل عن أثرها في الشكل، فقد تقلصت الموضوعات الإصلاحية وخلفتها موضوعات جديدة استلهمت الواقع، فكثر وصف صمود الشعب الجزائري أمام قوى المستعمر وتصوير بطولات المناضلين والتعبير عن الحياة الاجتماعية الجديدة.‏
أما التأثير السلبي:‏ فقد اهتم القاص الجزائري اهتماماً كبيراً بتصوير المعارك، وبدافع وطني يمليه إحساسه بالواجب، والتزام بتصوير كفاح الشعب، وقد أدى هذا الالتزام إلى بروز بعض الكتابات الضعيفة، لغياب التركيز أو عنصر التشويق.
أبرز كتاب جيل الثورة (1954-1962): عبد الحميد بن هدوقة، وأبو العيد دودو، والطاهر وطار.
سوريا نموذجا
الإرهاصات 1931-1947:
نُشر في هذه المرحلة اثنتا عشرة مجموعة قصصية، كان فن القصة القصيرة واضحاً في بعضها، وفي قسم آخر ترجح بين الصورة والمقالة والخاطرة، لكنها في مجملها تحمل بذور نضوج فن القصة القصيرة في تاريخ الأدب السوري. إن الجرأة على نشر المجموعات، وطرق موضوعات لم يعتد طرقها من قبل، والاستفادة من الاحتكاك مع الآخر جديرة بالانتباه، بخاصة أن أماكن النشر كانت متعددة، والكتاب كانوا من مناطق متعددة، وقد أسهمت الصحافة إسهاماً فاعلاً، وراح عدد من أولئك القاصين يتابع الكتابة والنشر لاحقاً، وقد طوّر تجربته وقادها إلى مصاف فنية مقبولة: أديب نحوي- مظفر سلطان...
كانت أمام الكتاب آنئذٍ مهام عديدة تتصل بضرورة ترسيخ جذور الفن القصصي؛ إذ أدرك معظمهم أن مفهوم القصة القصيرة غربي الجذور، وعلى الرغم من بدء نشاط الترجمات من الأدب الفرنسي والروسي، وبدء انتشارها سواء أكانت ترجماتها في سورية أم لبنان أم مصر، فإن الأدباء كانت تتناوشهم ناران: نار الصدمة مع الآخر وضرورة الاستفادة مما تقدمه ثقافته، ونار كونه محتلاً لأرضنا.‏
إن الهم الاجتماعي كان من أبرز الهموم التي شغلت القاصين، وتجلى ذلك عبر نقد ما يقوم به الناس وبعض العادات والتقاليد، وكان الديدن الرئيسي لهذا الهم الإشارة إلى الآثار الاجتماعية المأساوية على العلائق بين الناس.‏
مثلما انصرف عديدون نحو معالجة الهموم الذاتية ذات البعد الإنساني التي تتعلق بمدى مقدرة الذات على الانسجام مع المجتمع، وما تكابده هذه الذات نتيجة بعض العادات والتقاليد. وراح قاصون يتحدثون عن هموم تاريخية، فيما انشغل بعضهم بالصدمة مع الغرب وتأكيد الفروقات، وكذلك تأكيد ضرورة الاحتكاك.
استواء الفن 1959- 1968:
وهذه المرحلة أبرز الحلقات في تاريخ القصة السورية من حيث تقديمها وترسيخها لعدد من الأسماء التي لا تزال تعدّ من أميز الكتاب، مثل: زكريا تامر، وليد إخلاصي، حيدر حيدر، محمد حيدر...
تأثرت القصة السورية بانكسار الحلم القومي إثر انهيار الوحدة المصرية السورية وكذلك الصفعة الكبرى في حرب 67، وقد تجلت آثار هذه الصدمة في نفوس الناس وفي مختلف منتوجاتهم من أدب وفن وفكر.
تميزت القصة القصيرة في تلك الفترة بالمقدرة الواضحة في المزج بين القضايا الاجتماعية والقضايا الوطنية والقومية التي أدرك عديدون أنها لا تنفصل عن بعضها، وربما تكتسب جميعها المزيد من المصداقية في ظل تقاطعها.
فيما انشغل بعضهم في تسجيل تجربته الشخصية التي عايشها، غير حريص كثيراً على المسألة الفنية بقدر حرصه على توثيق ما حدث معه، وربما غير آبه بإعطائها الأبعاد الإنسانية أو تعميقها دون أن يغفل المرء عن الأثر البكائي الانفعالي، واللغة الإنشائية العالية في بعض القصص.
يخلط بعض الكتاب بين القصة والقصة القصيرة، وهذا الخلط ناجم في الغالب من الدلالة اللفظية لكلا المصطلحين، وحقيقة الأمر أن القصة بمعناها المطلق تشمل كل الألوان السردية والحكائية وهي ذات جذور متوغلة في عمق تاريخ الأدب العربي، ومنها القصص الـواردة في القرآن الكريم مثل قصص الأنبياء والأقوام والأمم، وكذلك الأساطير الشعبية والحكايات المستمدة من التراث، وهي تشكل رصيداً ضخماً من الإبداع المرتبط بتاريخ الأمة عبر الزمن، لكن القصة القصيرة بمفهومها الحديث فن وافد إلى الأدب العربي المعاصر من الغرب والشرق.
ولا يبرر هذا الخلط بين القصة والقصة القصيرة ما تشهده ساحة الإبداع الأدبي من فوضى نتيجة تداخل الأجناس الأدبية على أيدي المغرمين بتقليد أدباء الغرب، حتى أصبحنا نقرأ ما يسمى شعراً ما ليس له علاقة بالشعر، أو نقرأ قصة ما ليس له علاقة بالقصة، كل ذلك بحجة التجديد، وما هو سوى تقليد أعمى يتجاهل الذائقة الفنية للقارئ العربي الذي تربى على تلقي ألوان أدبية شكلت ذائقته الفنية بل وساهمت في تشكيل شخصيته العامة، وهي ألوان قابلة للتجديد وفق السياق العام للتطور الذي تشهده الحياة في المجتمع العربي المسلم، لا وفق ما يراه الآخرون.
قواعد صارمة
إن الأدب العربي عبر تاريخه الطويل يحمـل كمـاً هـائلاً من القصص التي لا يمكن أن ينطبق عليها مصطلح القصة القصيرة، رغم أن هذا اللون الأدبي ـ أي القصة القصيرة ـ هو أكثر الألوان الأدبية قابلية للتطوير والتجديد، وهذا ما تؤكده النماذج القصصية الجديدة التي بدأت في التخلي عن تلك القواعد الصارمة التي وضعها كتّاب القصة القصيرة الأوائل، أو التي استنتجها النقاد من كتابات أولئك الرواد. وبصرف النظر عن مدى تقبل المتلقي للنصوص القصصية الجديدة، فإن على المبدعين التعامل بحذر مع النص قبل الإقدام على مغامرة التجريب، حتى لا يتخلى النص القصصي نهائياً عن كـل مقومات القصـة القصيرة.. ليصبح لونـاً أدبياً آخر يمكن تصنيفه في أي ( خانة ) من ( خانات ) الأدب باستثناء القصة القصيرة.
فن جديد
وكما قلنا: يعتبر فن القصة القصيرة من الفنون الأدبية الحديثة، التي عرفها الأدب العربي في هذا العصر، وإن كان هناك من يرجع جذورها الأولى إلى بعض الفنون الأدبية القديمة، لأنها تشترك معها في بعض الملامح، لكن حقيقة الأمر أن القصة القصيرة بشروطها الفنية المعروفة هي فن جديد، ليس في الأدب العربي فقط، ولكن حتى في الآداب الغربية الأخرى، إذ لم يظهر هذا الفن إلا منذ حوالي قرن تقريباً وفي هذا المعنى يقول الدكتور عزالدين إسماعيل : ( وأما القصة القصيرة فهي حديثة العهد في الظهور، وربما أصبحت في القرن العشرين أكثر الأنواع الأدبية رواجاً، وقد ساعد على ذلك طبيعتها والعوامل الخارجية.
عصر السرعة
أما من حيث طبيعتها فقد أغرت كثيراً من الشبان بكتابتها رغم أنها في الحقيقة أصعب أنواع القصص، ولذلك يخفق 70% على الأقل في كتابتها. وأما من حيث العوامل الخارجية، فقد تميز عصرنا بالآلية والسرعة، ومئات الصحف والمجلات تحتاج كل يوم لمئات القصص وهي بحكم الحيز والناحية الاقتصادية تفضل القصة القصيرة، ثم يذكر من هذه العوامل الإذاعة أيضاً، والناس الذين سيطرت على حياتهم السرعة في كل شيء حتى فيما يختارون للقراءة، فوجدوا في القصة القصيرة ضالتهم، لأنها تلائم روح العصر بكل تناقضاته وإشكالاته المختلفة. ثم إن (القصة القصيرة لا تزدهر مع حياة الخمول، بل تزدهر مع حياة المعاناة، لأنها تتخذ الومضة النفسية أو الحضارية للمجتمع والإنسان محوراً لها تعالجه وتهتم به، وما اهتمامها بالإنسان إلا اهتمام بالطبقات المسحوقة بشكل خاص).
وفي هذا العصر يعيش الإنسان أقسى أنواع المعاناة، وأشدها وطأة على النفس، وفي مثل هذه الظروف تزدهر القصة القصيرة.
معطف جوجول
ويمكن القـول أن القصة القصيرة ظهرت في وقت واحد في بلدين متباعدين، وعلى أيدي اثنين لم يتفقا على ذلك هما إدجار ألن بو 1809 ـ 1840 في أمريكا، وجوجول 1809 ـ 1852 في روسيا، وقد قال مكسيم جوركي عن جوجول (لقد خرجنا من معطف جوجول) (3) وهو بهذا وضع تحديداً مبدئياً لتاريخ القصة القصيرة في الآداب العالمية، إلى أن جاء جي دي موباسان 1850 ـ 1892 في فرنسا ليقول عنه هولبروك جاكسان: (إن القصة القصيرة هي موباسان، وموباسان هو القصة القصيرة).

مقدمة وعقدة
وهناك شـروط للقصـة القصيرة هي المقدمة والعقدة والحل أو لحظة التنوير، كما أن للقصة عناصر تقليدية أيضاً هي الشخصية والحدث والبيئة ـ الزمان والمكان ـ لكن هذه الشروط أو العناصر لم تعد تشغل بال كتاب القصة الحديثة، إذ تجاوزها الكثيرون ممن يحاولون التجريب فهم يرون أنها (سير نحو هدف ما، ومن معاني السير البحث، ولا سيما البحث عن الوجود، والقصة هي أحسن مثال لهذا اللون من البحث، وهذا السير هو في الحقيقة مجهول، مغامرة منغلقة الأسرار، حركية دائمة ديمومة متدحرجة، وعلاقة القصاص بهذا اللون من البحث غريبة. إذ أن القصة تتبع من نفسه، فيتحملها عند كتابتها ومعايشتها، حتى تتمكن من تقرير مصيرها بنفسها فنياً.
أما القصة التقليدية فهي السـكون والقـرار، إذ هي مشـروحة جـاهزة، مضبوطة الأهـداف.. منطقية قدرية " عاقلة " يصبها باعثها في قالب جامد مجتر ).
وهذا الكلام لا يؤخذ على علاته، فالعملية الإبداعية لا تقتصر في نجاحها على أساليب دون غيرها، سواء كانت هذه الأساليب تقليدية أو تجريبية، فإذا توفر الصدق الفني إلى جانب إشراقة الأسلوب وقدرته على تفجير الأسئلة في ضمير المتلقي، يمكن الحكم للعمل الإبداعي لا عليه. فما الفائدة في أن يقدم على التجريب من لا يملك الأدوات الفنية التي تؤهله لذلك، إن العملية الإبداعية في هذه الحالة لا تتعرض للتجريب بل للتخريب.
شروط غير ملزمة
ومع ذلك فإن شروط القصة القصيرة لم تعد ملزمة، لأنها شروط قابلة للنقض، كغيرها من الشروط العامة التي تخضع حين تنفيذها لظروف مختلفة عن تلك التي كانت حين فرضها. وهي قابلة للتجاوز حسب درجة الوعي التي يتمتع بها المبدع.. ذلك الوعي الذي لا يتيح للمتلقي فرصة الوقوف والسؤال عن لماذا تم تجاوز هذا الشرط أو ذاك. فهو أمام عمل إبداعي متكامل، تم تشكيله وفق رؤية جديدة ومتطورة لا يملك المتلقي حيالها إلا الإعجاب. لكن إذا أمكننا أن نتخلى عن بعض أو كل شروط القصة القصيرة، فكيف لنا أن نتخلى عن كل أو بعض عناصرها ؟. إن هذا التخلي عن هذه العناصر يحيل الكتابة إلى لون أدبي آخر غير القصة. قد يندرج تحت مسمى الخاطرة أو الكتابات الوجدانية أو أي لون أدبي آخر غير القصة، وهذا لا يعني أن هذه العناصر جامدة ولا تقبل التطوير. وأول هذه العناصر الشخصية القصصية:

أولا- الشخصية:
كنا إلى وقت قريب نقرأ الشخصية القصصية فنجدها صدى لكاتبها، إذ أن ثمة علاقة تشبه التوحد بين المبدع وشخصياته القصصية، وهذا التوحد وإن كان يلقي الضوء على المبدع وفكره، إلا أنه يحول بين الشخصية وممارسة تصرفاتها الطبيعية، وفق الدوافع والأجواء التي وجدت فيها، وعندما يطـل المبدع بفكره من خلال شخصياته القصصية، فإن هـذا يكرس النمطية التي تتكرر بشكل أو بآخر، وتلقي بظلالها على ما يأتي بعدها.
لكننا مع تقدم التقنية القصصية، نتيجة فسـح المجال أمام التجارب الجديدة.. أصبحنا نقرأ نماذج متعددة من تلك الشخصيات، لا تظهر فيها سيطرة الكاتب وتحكمه في مصيرها، وأصبح سلوكها مرهون الخطوات بالظروف والعوامل والأجواء التي وجدت بها، دون الشعور بأن الكاتب هو المتصرف بشؤونها، والمتحكم في تصرفاتها والمقرر لمصائرها، وهذا لا يلغي العلاقة بين المبدع والنص، ولكنه يجعل هذه العلاقة متوازنة ومحكومة بضوابط خفية يعرفها المدركون للإشكاليات المتعلقة بالإبداع أو التلقي.
الإبداع والنص
وحين الحديث عن العلاقة بين المبدع والنص علينا ألا نتجاهل أهمية التجارب الذاتية في إثراء العمل الإبداعي، وهذه التجـارب لا تبرر للمبدع فرض رأيه وفكره فيما يتعارض مع قدرة شخصيته القصصية على استيعاب وتمثل هذا الرأي أو الفكر، لأن العديد من العوامـل هي التي تحـدد هذه القـدرة على الاستيعاب والتمثل، وبغياب هذه العوامل تصبح تلك القدرة مفقودة، والتناقض واضحاً بين الشخصية وسلوكها المحتمل والمتوقع. إن إدراك توازن العلاقة بني المبدع والنص يقودنا إلى شيء من التسليم بأن هذه العلاقة طبيعية وغير متنافرة، إذا تقيدت بتلك الضوابط الخفية التي أشرنا إليها آنفاً. أما القول بانعدام العلاقة بين المبدع والنص، كما يزعم المنادون بموت المؤلف، فإنه قول يتجاهل مجمل المعطيات التي تحيل النص من مجرد فكرة هلامية، إلى كائن يتنامى حتى يبلغ أوج نضجه. وهكذا يكون الحال بالنسبة للجزئيات التي يتكـون منها النص في نهاية الأمر.
شخصيات مختلفة
عند الحديث عن الشخصية القصصية سواء في الرواية أو القصة القصيرة، يتبادر إلى الأذهان أن المعنى هو الإنسان، وإن لواء البطولة في القصة لا يعقد إلا لهذا الإنسان، مع أن الأعمال الروائية والقصصية المشهورة تزخر بأبطال حقيقيين يتحكمون في مسار الأحداث، ولكنهم ليسوا رجالا أو نساء، ليسوا بشرا، وإن كانوا هم محور الأحداث، ومركز استقطابها، وعلاقتهم بالناس هي علاقة محكومة بظروفها، لا أقل ولا أكثر.
ونحن أمام عمل إبداعي مثل ( العجوز والبحر ) لهنجواي ننسب البطولة للعجوز، لكن هناك بطولة لشخصيات أخرى أشد ضراوة في مقاومة الظروف وتحدي الصعاب.. وأشد إصراراً على تحقيق هزيمة ساحقة بالعجوز الذي لم ينهزم لأنه يقول في النهاية : إن الإنسان قد يتحطم ولكنه لا ينهزم. فلدينا البحر الذي يشارك العجوز هذه البطولة، وكذلك سمك القرش الذي يشاركه أيضاً هذه البطولة، فنحن في هذا العمل الإبداعي أمام ثلاث شخصيات تتساوى في الأهمية : سانتياغو العجوز، والبحر الذي يقود الأحداث إلى المجهول، وأسماك القرش التي تصر على إلحاق الهزيمة بالعجوز.
الشخصية الإنسانية ليست شرطا
فالشخصية الرئيسية أو البطل في القصة أو الرواية لا يشترط أن يكون إنساناً، قد يكون الزمان، أو المكان، أو الطبيعة، أو أحد المخلوقات التي يستصغرها الإنسان، فإذا هي تقوم بأعمال خارقة تبعث على الحيرة والتأمل في ملكوت الخالق، ونحن عندما نتحدث عن المكان ـ مثلاً ـ كبطل لقصة ما، فإننا لا نتحدث عن فلسفة الزمـن، ولا عن الزمن بمعناه الميكانيكي، بل باعتباره الإطار الذي يمكن أن يستوعب مجموعة من الأحداث والشخصيات.. يتحكم في توجيهها وفق معايير معينة ليصبح هو البطل الحقيقي في النهاية، وكذلك عندما نتحدث عن المكان ـ مثلا ـ فنحن لا نتحدث عن ماهية المكان، ولا عن المكان بمعناه الهندسي، بل باعتباره بعداً مادياً للواقع، أي الحيز الذي تجرى فيه ـ لا عليه ـ الأحداث، والمساحة التي تتحرك فيها ـ لا عليها ـ الشخصيات. بمعنى أن تأثيره يصل إلى حد التحكم في مسار تلك الأحداث والشخصيات، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المقصود بالزمن هنا لا علاقة له بالتاريخ، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة تاريخية.. بطلها الزمن. كما أن المقصود بالمكان هنا لا علاقة له بالأيديولوجيا، حتى لا يلتبس علينا الأمر، ونظن أن كل رواية أو قصة ذات أيديولوجيا محددة.. بطلها المكان.. ويمكن اعتبار بطل قصة ( في ضوء القمر ) لجي دي موباسـان هو الزمن. بينما يمكن اعتبار بطل رواية ( الأرض الطيبة ) لبيـرل باك هو المكان.

ثانيا- الحدث :
لم تعد القصة القصيرة تحتمل حدثاً كبيراً يحتل مساحة زمانية أو مكانية كبيرة، بل أصبحت تكتفي بجزء من الحدث يستقطب حوله مجموعة مـن العناصر التي تتآلف لتكون في النهاية ما نسميه بالقصة القصيرة. وهذا الحدث الجزئي، وإن كان فيه إخبار عن شيء بذاته، لكن هذا الإخبار ينحصر في زاوية معينة، تاركاً المجال لعناصر القصة الأخرى لتتكاتف وتتآزر، فتحقق النجاح للقصة القصيرة، وهذا الحدث الجزئي أو الكلي قد يكون عادياً إذا جرد من العناصر الفنية المكونة للقصة القصيرة، لكنه يكتسب هذه الصفة بمجرد وضعه في دائرة الضوء، ليتشكل منه عمل فني يتنامى حتى يبلغ مرحلة النضج، بشكل متكافئ بين جميع تلك العناصر الفنية، وإن طغى أحد هذه العناصر على غيره أحدث خللا في البناء الفني للقصة، وشوه الهندسة المعمارية لهيكلها العام.
واقع وخيال
قد يكون الحدث من الواقع، وقد يكون من الخيال، لكن هذا الحدث في النهاية يرتهن ـ وبطريقة غير مباشرة ـ بنظرة المبدع الذي حاول استقاءه من الواقع، أو استحضاره من الخيال، معتمداً في ذلك على روافـد ثقافته العامة، بما فيها من مخزون تراثي وتربوي وبيئي، وهذه العوامـل لا تكوِّن إبداعـه فقط، ولكنها أيضاً تكون مجمل شخصيته كإنسان. إن تأثيرها واضـح على أعماله الإبداعية بجميع عناصرها ومنها الحدث. فالمبدع هو الذي يملك حق إطلاق سراح هذا الحدث، أي من مجرد فكرة.. إلى بداية لواقع معاش ولكن على الورق.
تأثير مختلف
والحدث هي وظيفة يقوم بها فاعل معلوم أو مجهول ـ كما يريد المبدع ـ لكن هذه الوظيفة لا يتم أداؤها دوماً بشكل يرضي الجميع، لذلك يكون التأثير مختلفاً من حدث لآخر، أو ـ بمعنى أكثر دقة ـ من مبدع لآخر، وهذا الاختلاف هو التنوع الذي تفرضه الحياة بكل ما فيها من خير أو شر.. من تناقض وانسجام بين الأشياء.. من سلب وإيجاب في النتائج، من هنا يأتي هذا التنوع في المواد التي يبنى منها الحدث، ابتداء من مادته الأولية التي يتشكل منها، وانتهاء بتوحيد جميع مواده في شكله النهائي وإن كان مجرد جزئي، مع ملاحظة التفريق بين الحدث والموضوع في القصة، فالحدث ليس سوى مجرد عنصر من عناصر القصة، بينما الموضوع هو حصيلة مجموعة هذه العناصر بكاملها. وهو ـ أي الموضوع ـ الذي يمكن أن يوصلنا إلى الهدف، وإذا كانت استنتاجاتنا صحيحة، فإن المبدع ليس هو الذي يدلنا مباشرة على هذا الهدف، بل نحن الذين نستخلصه بقراءتنا المتعددة للنص، وهي متعددة بتعدد المتلقين. من هنا قيل إن القراءة هي كتابة جديدة للنص، ولكن من وجهة نظر المتلقي.
عنصر هام
ونحن نتناول الحدث كعنصر من عناصر البناء الفني للقصة القصيرة، علينا أن نرصد وعينا بأهمية هذا العنصر، وعلى ضوء هذا الوعي يمكننا أن نحدد أهمية الحدث بالنسبة للعمل الإبداعي ـ القصة ـ ما دمنا نسـاهم في إعادة كتابة النص مجدداً.
ومع أن الحدث يحتاج إلى الدلالات والإشارات التي تؤدي إلى توضيحه أو تمييزه، بين العناصر الأخرى المكونة للقصة القصيرة.. إلا أننا لابد أن نسـلم بأنه لا يعتمد على السرد ليأخذ شكله النهائي، والتمادي في السرد هو من المآخذ التي يدينها النقاد في العمل القصصي، لكن توظيفه بشـكل ذكي ومتوازن مطلوب لتحديد معالم النص الإبداعي. فالسرد عنصر مهم إذا استخدم وفق مقاييس فنية دقيقة، كلما اقتضت الضرورة الفنية ذلك، ليس بالنسبة للحدث فحسب، بل بالنسبة للقصة ككل.
فراغ في البناء
وتجاهل الحدث أو تهميش دوره في القصة القصيرة، يؤدي إلى وجـود فراغ في بناء القصة، هذا الفراغ لا يمكن أن يسد بمادة أخرى بحجة التجريب، وبحجة أن القصة من أكثر الفنون الأدبية قابلية للتطوير، وهنا لابد أن نفرق بين التطوير الواعي، والتجريب العشوائي، الذي يغري الكثيرين بولوج باب القصـة، فإذا هم بعد فترة، وقد تلاشت أسماؤهم بعد أن تلاشت كتاباتهم نتيجة الفشل.
اختلاف في الطريقة
وما من حـدث إلا وله بداية ووسط ونهاية لكن هذا الحدث كما هو الحال في بقية عناصر القصة القصيرة، يختلف في طريقة طرحه من مبدع لآخر، بحيث لا يمكن وضع قواعد صارمة ينحصر في دائرتها من حيث طريقة الطرح، وتسيير دفته في الاتجاه المطلوب، وهذا الاختلاف في طريقة الطرح تفرضه عوامل عديدة من داخل النص ذاته، ووفق توجهه وأجوائه العامة، حتى لا يبدو طرحاً قسرياً أو متناقضاً مع ما حوله. ومن أوجه ذلك إخضاع الحدث لجملة من المفاهيم الفضفاضة التي لا يستوعبها، ومنها مفاهيم علم النفس، وعلم الاجتماع، والفلسـفة الواقعية، والنظريات العلمية، مما هو فوق احتمال الحدث، ومما هو فوق طاقة القصة القصيرة بصورة عامة.
( وذلك لأن القصة ليست بالدراسة العلمية التي تعتمد في مناهجها على العقل المنطقي، بل هي فن يعرف بواسطة العلامات والرموز والأشكال. أعني الألفاظ والجمل والأسلوب والمعاني.. الخ. عن واقع لا يضارع واقعها الكلي، ولا علاقة للأول بالثاني، لأن واقـع القصـة متفرد، موحـد، مسـتقل بذاته، وكذلك هو الشأن بالنسبة للوقائع الأخرى، كالأحلام والرؤيا والخيال والذكرى، والحياة اليومية والأعمال الفنية والأدبية ) (6).

ثالثا-البيئة
لقد اتضح من حديثنا السابق عن الحدث أن هذا الحدث له بداية ووسط ونهاية، لكن هذا الحدث لا يتحقق في الفراغ، إذ لابد له من بيئة مناسبة تساعده على النمو، وهذه البيئة تتكون من الزمان والمكان في آن واحد، مع ملاحظة أن حجم القصة القصيرة يستوجب بالضرورة الـمحافظة على وحدة الزمان والمكان، حتى وإن تمـدد الزمـان أو المكان فإن ذلك يتحقق عن طريق ( المنولوج الداخلي ) دون أن تتمرد القصة القصيرة على زمانها أو مكانها، فهذا التمرد يودي بها إلى نوع من الترهل غير المستساغ، بل والمرفوض حسب ما يعنيه تعريف القصة القصيرة.
وعاء وبيئة
والبيئة هي التي تحتضن الشخصيات والحدث، وتعطي المعنى للقصـة، فلا الشخصية بمفردها ولا الحدث بمفرده يمكن أن يعطي المعنى للقصة، فكلاهما بحاجة إلى ذلك الوعاء الذي يحتضنها وهذا الوعاء هو البيئة ـ زمانا ومكانا ـ وهنا تتحقق الوحدة العضوية عندما تكتمل هذه العناصر التي لا يمكن تجزئتها لأنها كونت وحدة مستقلة لها كيان ذاتي يؤدي إلى معنى دون سواه.
نقطة ارتكاز
فالبيئة بهذا المعنى هي نقطة الارتكاز التي تتمحور حولها كـل العناصر لتعطي القارئ المعنى، وتصل به إلى (لحظة التنوير) عندما يتضح له الهدف الذي استطاع الوصول إليه، وعند المقارنة بين الرواية والقصة القصيرة نكتشف أهمية البيئة (وذلك لأن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، أما القصة القصيرة فتعتمد على التركيز، والرواية تصور النهر من المنبع إلى المصب، أما القصة القصيرة فتصور دوامة واحدة على سطح النهر، والرواية تعرض للشخص من نشأته إلى زواجه إلى مماته، وهي تروي وتفسر حوادث حياته من حب ومرض وصراع وفشل ونجاح، أما القصة القصيرة فتكتفي بقطـاع من هذه الحياة، بلمحة منها، بموقف معين أو لحظة معينة، تعني شيئاً معيناً، ولذلك فهي تسلط عليها الضوء، بحيث تنتهي بها نهاية تنير لنا هذه اللحظة) (7) وهذا لن يتحقق إلا في بيئة تتوفر فيها كل الظروف الملائمة والمناخ المناسب لتحقيق هذه الغاية.

تحقيق الذات
هناك نوع من القصص القصيرة التي تفـلت مـن البيئة الـواقعية إلى بيئة (فتنازية) يحاول فيها المبدع تحقيق ذاته في أجواء لا يستطيعها في الواقع المعاش، فإذا هذه (الفنتازيا) بيئة يمارس فيها المبدع انطواءه، وتذمره من الواقع، واحتجاجه على الكثير من الأوضاع القارة والسائدة في المجتمع. فهو يسعى إلى تحقيق رغباته في بيئة لا تنطبق عليها مظاهر أو شروط الواقع المعاش، ومع ذلك لا يمكن أن ننكر أنها بيئة صالحة للعمل الإبداعي، إذا توفرت لدى المبدع إمكانيات وأدوات تمكنه من أداء مهمته الإبداعية بالشكل والمضمون المناسبين. خاصة إذا سلمنا بأن المبدع والفنان عموماً ذو شخصية تتمتع بحواس وإمكانيات للإدراك فريدة من نوعها، تؤدي به إلى الالتزام بموقف لا يهتم بقبول أو رفض الآخرين له.
بناء ونسيج
وعندما نتحدث عن بناء القصة، فإننا نعني هذه العناصر الرئيسة ـ الشخصية ـ الحدث ـ البيئة، لكن عندما نتحدث عن نسيج القصة فإننا نعني: اللغة ـ الوصف ـ الحوار ـ السرد، ومن هذه الأدوات يتكون النسيج العام للقصة وهي أدوات لا تستخدم استخداماً عشوائياً، بل لابد من توظيفها لتوضيح ملامح الشخصية وتطوير الحدث، وإبراز البيئة القصصية، لتكون هذه العناصر حاضرة أمام المتلقي بدرجـات متساوية قدر الإمكان، ولن يتحقق ذلك، ما لم تكن الأدوات المتاحة في نسيج القصـة مرتبطة بتلك العناصر ارتباطاً وثيقاً، فاللغة لابد أن تكون مطابقة لمستوى الشخصية أثناء الحوار، بحيث لا يمكن إنطاق ابن الشارع الجاهل بلغة المثقفين، فهذا الإنطاق يبدو متنافراً مع الواقع وغير مقبول على الإطلاق، وهذا لا يعني تحبيذ العامية في هذا النطاق، بل هو تحبيذ للغة بسيطة مفهومة من الجميع، وتكتب دون إخلال بمقومات النطق السليم، وقواعد الكتابة الصحيحة.
وكذلك الوصف لابد أن يقتصر على ما تفرضه العناصر الأساسية للقصة، حتى لا يطغى على هذه العناصر أو يربك إيقاع القصة المتناغم وانسجامها التام.
أما الحوار، فهو مطالب بأن يساعد على توضيح ملامح الشخصية، وجلاء الحدث، وأي حوار لا يضيف جديداً إلى الشخصية أو الـحدث، يندرج تحت مسمى اللغو الذي لا تحتمله القصة القصيرة.
وما ينطبق على اللغة والوصف والحوار.. ينطبق على السرد من حيث ملاءمته لعناصر القصة، وعدم تنافره معها أو إعاقته لنموها، وقد أصبح السرد من المآخذ التي يمكن أن تطلق على أي نص قصصي إذا نظر إليه بعين السخط التي تبدي المساوئ دون غيرها، مع أن القصة لا تخلو من السرد دون أن يكون سمة بارزة فيها، فالكاتب يلجأ إليه عندما تقتضي الضرورة الفنية ذلك كما أشرنا سابقاً.
اتمنى ان تكونواْ قد استوعبتمـ الفرق الشاسع بين كل من القصة والقصة القصيرة من خلال قراءتكم للموضوع،
تقبلواْ خالص تحياتي تحياتي
*ملاحظة: الموضوع منقول للافادة

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
حمزة بلعباس غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 08 / 2008, 18 : 01 PM   رقم المشاركة : [2]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: القصة القصيرة ( Nana

مشكورأخي حمزة على تنويرك لواحة القصة بهذا النص المنقول ، ولا أرى أي كاتب للقصة إلا مستقيدا مما جاء فيه .. تحية لك .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
أركان القصة القصيرة عبد الحافظ بخيت متولى الدراسات 3 05 / 07 / 2020 28 : 09 PM
حول القصة القصيرة جدا عبد الحافظ بخيت متولى نقد أدبي 12 12 / 10 / 2017 34 : 02 AM
تداعيات القصة القصيرة جدا عبد الحافظ بخيت متولى الدراسات 2 09 / 10 / 2012 30 : 05 PM
اجمل نص فى القصة القصيرة عبد الحافظ بخيت متولى أجمل نصوص الشهر 1 23 / 01 / 2012 41 : 05 PM
القصة القصيرة جدا عبد الحافظ بخيت متولى أجمل نصوص الشهر 1 23 / 01 / 2012 40 : 05 PM


الساعة الآن 38 : 09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|