التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,858
عدد  مرات الظهور : 162,355,613

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 29 / 04 / 2010, 52 : 02 AM   رقم المشاركة : [1]
إحسان شرباتي
كاتب نور أدبي
 





إحسان شرباتي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: دمشق

إستراحتي الطويلة

هاهي ذي الأطلال تقف على حاضرنا..تتسلق شرفات


أمسنا تسحق ما بقي منّا .. وإلى الأبد .


نحن أشباه الأحياء ، متناثرين فوق ضفاف الحلم والكوابيس


نعاقر الحرية..ونعاني سكراتها..


لا نستحق البكاء أو حتى الجنون .. أو كليهما معا .


حين ينهار العالم من حولنا نصبح بحاجة للجرأة فقط ..


وبين طعنة وأخرى علينا شحذ ذاكرتنا بسياط مضرجة


بهزائم لا تنتهي ..


أوليس في وقفتي أمامك جنونا..


أتيت إليك بعد أن وصلت خط النهاية .


جئت من الشيء إلى اللاشيء ..


من المجهول الذي عايشته أعواما طويلة ... إلى لحظة


الاستراحة .




وليس في صدري سوى صناديق الماضي ، أحملها..


تتوغل في صمتي ودمي حتى رؤوس أصابعها ..


بعذاباتها وقهرها الذي لم أعد أقوى عليه .


وأنت هنا ... ترقد في قبركَ شهيداً مطمئناً .. تحمل لقباً


كبيراً لم يكن لي شرف الوقوف تحت شمسه الشاسعة ..


وأحمل أنا بكاء يتكوم فوق أهدابي .. يتسلق شوقي


وجموحي لشطآن أغرقتكَ بدمها .. وأقفلت أبوابها دوننا


حتى النهاية.


كان الفرق بيننا لحظة واحدة .. لحظة واحدة لا غير .


فوهة البندقية صوبت علينا معا ... كنا ملتصقين أنت


وأنا ببعضنا .. نجلس على أكوام الحجارة وسط بحيرة


مظلمة من الصمت والرهبة ..


بعد قليل سمعنا دوياً عالياً .. وحجارة بيوتنا تنهار أرضاً ..


و أتربةٌ تعلو الفضاء تحمل في طياتها كل ما نملكه ليتحول


إلى ذرات متناثرة ، بينها وبين حلمنا مسافاتٌ طويلة ..


ووجدتكَ أمامي أشلاءً رسمتها يدُ الشراسة يتفوق ..


لم أعد أدري أين أنا .. وعندما صحوت كانت المأساة


تمتد أمام ناظري سوداء قاتمة ..


وضعوني في زنزانة عميقة .. منعوني من حق الاحتجاج


والصراخ .. حاولوا أن يذّوبوني واستطاعوا نقلي من


إنسان إلى حاله .. كما استطاعوا نقل غيري وجعلهم شيئاً


واحداً متوحداً .. صرنا نحملُ أرقاماً نُعرفُ بها .. و انهالوا


بفؤوسهم على ذاكرتنا لحرقها ، لكني بقيت أغلق عليها روحي بمفاتيح مكابرة كي لا أقتلها على موائد الفراق ..


خذلني كلُ شيء .. وبقيت قتيلاً عذبوه قبل موته .. ولم


يحمل شرف الدفن فيها و لو خلسة ، حاولت كثيراً أن أكون


داخل زنزانتي بطلاً .. و أن أصنع قدري بشجاعة كقدركَ


أنت ..


لكني فشلت .. حكم علينا أن نسقط داخل عقولنا ، فلا نجد


ما نتمسك به ، فبقيت ضائعاً كشمس جاءت تشرق فلم


تجد أفقها ..


تكسرت فوق شفاهي ابتسامة الطمأنينة .. وكل يوم يمر


كان يحفر في تماسكي ورجولتي صدعاً .. كنت أضعف


من أن أقوى على ردمه ..


فشلت يا صديقي في تمثيل دور البطولة خلال أعوام


طويلة ، و أنا منفياً داخل سجني معذباً مسحوقاً ..


وبقيت أنت البطل الذي أضاع علّي فرصتي الأخيرة ..


بقي موتك ماثلاً لناظري كل لحظة ..


كان قدرك الموت .. وقدري المواجهة ..


و من يواجه مسؤولية لا يقدر على احتمالها ، تسلب


رجولته شيئاً فشيئاً ..


وكانت رجولتي تدفع ثمن الإقامة وسط أحزانها ، فضلّت


الدرب إلى مصبها ، وبقيت كنصُبُ تَذكَاري لضعفي البشري


لا أكثر ..


والأيام تمر وغروبي يتلون بحرمان موجع ، ويشرق


صباحه بقلق لا يرحم .


حتى حبيبتي التي كنت يوماً رسولي إليها .. لم تفهم أن


العالم أنهار من حولي .. و أنها بقيت تسكن دمائي رغم


أني أعاندُ قهراً لمن صنعوا حولي جحيماً من


الاتهامات ، لأبقى حياً أتفردُ بصوت روحي لا أكثر ..


بعدها .. هُزمتُ مرغماً من الداخل ..


لم أعد أتعود على نفسي .. بدأت التعود على القلق ..


القلق الذي لم يفارقني من يومها لحظة واحدة ..


أرسلت إليها و أنا في زنزانتي .. استجمعت كل شجاعتي


كي أقول لها أن الدوران في سقف الانتظار مريع ..


و أني أحررها من وعدنا وعهدنا ..


جاءت بعد أكثر من وعد و أكثر من رجاء ، لتمسك بيدي


بلا أصابع .. ولتنظر إليَّ بعيون يسكنها الآخر ..


و بين موجاتي الصمتية و موجاتها الصوتية صرخ حدسي


بأن حبها لي قد خمد ..


بدأت استجمع قوة آلامي لأُحررِهَا .. عندما صفعتني ببرود


عينيها وهي تقول .. ينتظرني الآخر بعد أن مللت انتظارك


لحظة واحدة فقط كان الفرق بيننا .. لحظة واحدة


و كانت زيارتها الأخيرة لتحرر بها خطة اغتيالي ..


و تمنحني شهادة وفاة .


وبقيت سنين لا أدري عددها تفصل حياتي من الشيء


إلى المجهول ، قررت حساب الوقت بمقياس الاستراحة


لأكسر الملل .. وتكون لحظة الانطلاق هي اللحظة الأولى


من انتهاءها .. تلك الاستراحة التي أخذت الكثير من


سنواتي و عمري .. لكنها مرّت .. كيف ؟ لا تسألني ..


كان قد بقي لانتهائها بضعة شهور .. وكلما اقتربت


البداية تباطأ الوقت وصارت الثانية كأنها سنة ، وكلما


اقترب الوقت صارت الثانية عشر سنين ، جسمي كسّره


الانتظار .. و أنا أنتظر زمناً شارف على الانتهاء ..


المهم أن السنين والشهور و الأسابيع مرت وجاءت


لحظة الصفر ..


لحظة الخروج ..


كان همي الأوحد هو الوقوف ، بذلت كل جهدي لأفعل ..


استعنت بعكاز لأتجاوز بصعوبة عتبة السجن ..


وها أنا ذا جئتك من استراحتي الطويلة .. و أمام قَبرِكَ


منذُ أول لحظة سأعلنُ بدايتي المتأخرة ..


ما الذي سأفعله وقبركَ يغلقُ بأجفانه نوافذهُ المعتمة ..


و أنا انتصب على حبال الوهَنِ و الخوف كسحابة تعلو


فوق معاركها و دمارها وقتلاها ..


أغادر موتي بك دون شهادة وفاة .. و سأبقى حتى


يضُمني قبر ما في لحظة استراحتي الطويلة .

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
إحسان شرباتي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 29 / 04 / 2010, 55 : 01 PM   رقم المشاركة : [2]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: إستراحتي الطويلة

هي معاناة على ثلاث مراحل .. تحمل أقسى معاني الألم .. انتقلت بنا بين وطيس نيران المقامة و عتمات الزنازن و أخيرا الوقوف على حافة القبر حيث ترقد الذكريات بعد رحيل الرفيق ..
أحييك أختي إحسان و أتمنى لك مزيدا من التوفيق ..
مودتي .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 05 / 2010, 28 : 03 AM   رقم المشاركة : [3]
إحسان شرباتي
كاتب نور أدبي
 





إحسان شرباتي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: دمشق

رد: إستراحتي الطويلة

صديق الحرف والأبجدية

أشكرك لمرورك على أسطري
وأود أن أقول لم يكتب غسان كنفاني القصة الفلسطينية
بشكل مباشر ، بل كان يقدم لنا قصصه بشكل موارب
وهذا ما جعله مختلفا
أنا لست فلسطينية المولد ولكن بالأنتماء الروحي
أنا ابنة بلد الزيتون وهذه القصة مهداة إلى
أبناء القضية
أردت أن أقول ليس من يستشهد هو فقط
من سلبت منه الروح
هناك أيضاً الذين مايزالون داخل سطوة الألم ..
إنهم يستحقون منا ملامسة أحزانهم ولو ببعض الكلمات .

لك شكري
إحسان شرباتي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 56 : 11 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|