[align=CENTER][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/9.gif');border:7px groove gray;"][cell="filter:;"][align=right]
أيها الغالي القريب الصديق
كنت تبكي يا طلعت؟ بكيت .. أقسم أنّي رأيتك تبكي ...
بمشاعري و روحي و كلّ نفسي رأيتك تبكي.. بكيت و أبكيتني...
أبكيتني مطراً
مسحتُ دموعك بكلّ لهفي عليك و ودّي و مسحتُ دموعي بباطن كفّي........
كم أصبحتَ قريباً حتّى لا أحتاج النظر كي أراك؟!
جميلٌ أنت .. جميلٌ بحزنك و دموعك كما أنت جميلٌ بطفولتك و شعرك و ابتساماتك..
جميلٌ في كلُ حالاتك
أي تصويرّ هذا لمعنى الحزن و مرارة الرحيل؟!!.......
هل كنت ترسم على قماش الحزن صورة نفسك أم صورتي؟!
كم أنت تشبهني .. كم أنا أشبهك كم إنسانية الحزن تصهر الأنفس و الأرواح حتّى تذوب و تنعدم تفاصيل أنا و أنت و الآخر..
متى تمطر الدموع؟
اللحظة التي نرى فيها أغلى و أقرب الأحبة و رمز حياتنا و وجودنا جسدا مسجى أنقوى على البكاء؟! كيف و هو المحال؟! أيكون الجسد هو أو نحن ؟
جسدٌ فوق السرير مسجى و جسدٌ آخر ينظر إلى جسده!!
الدموع في مثل هذه الحال تعني أنّ فكرة رمز الحياة الذي تحول أمام ناظرنا إلى جسدٍ مسجى تقبلناها و صدقناها و رضينا بوجعها!!
نبكي فقط حين نصدق و نستطيع أن ننفصل عن الأنا الحبيب المسجى..
يكون حين انفصل الجسد المسجّى لحظة ثم انصهر و أطلّ عليك عبر نوافذ العمر وكلّ نوافذ الحب و الذكريات و أمسى الشوق عطشاً متوحشاً في غربة الغصن المبتور من الشجرة التي غابت.........
حين يكون الموت موت جزء من أرواحنا و أنفسنا وبتر جزء من هذه الأنا التي تسكننا..
كم من القبور و شواهد القبور مسجّاة داخل كيان كلٌ منا؟!!
حين رحل نـور كنت صغيرة و طوال هذا العمر و أنا أحسّ أني أحمل نعشه فوق أكتافي..
حكمٌ بالإعدام على الطفولة و السعادة و على الإحساس بالأمان.. بعمري و في كلّ عمري و منذ ذلك اليوم لم أحس بالأمان ...
عمرٌ انعدم فيه الأمان....و كان الحكم عرفيا لا يقبل الاســتـئـنـاف
كثيراً ما أحسّ أنه لم يمت .. غادر جسـده و انصهر بي و نام في أعماق ذاتي...
كثيراً ما أشفق عليه من الموت و أنسى أنه أبي كأنه بين الضلوع طفلي و أتمنى لو أحميه من الموت و رعشة الموت و أخبئه بين الضلوع من وحشة و برد القبر..
أحياناً أيضاً عند منعطفات الأشواك القاسية في طريق الحياة أغضب من رحيله لكني سرعان ما أستميحه عذراً و أستجدي من القدر لحظة أمان بين ذراعيه ..أبــي
و تهفو نفسي لساعة واحدة أقبّل فيها يديه و قدميه و كلّ مسـاماتـه.....
آه يا طلعت ما أصعب الشوق إلى المسـتحيل !..
الشوق إلى السراب ضيـــــــــاع
و كثيراً ما تتوق نفسي إلى الموت لعلني أجده هناك، به أطفـئ هذا الظمأ المزمن ....
الله أي تعبير هذا التعبيـــر؟! بقدر ما هو بديع و فريد في القدرة على تصوير الفجيعة بقدر ما هو موجـــع، تقول:
" كانت أمّي تدور مثل نافورة ماء مسكونةٌ بالبكاء.. ما معنى نافورة الماء المسكونة بالبكاء؟؟"
معناها أن يكون اسمه نـور ويكون النور الذي انطفأ!! معناها الأخ في قلب أخته والراحل بلا استئذان و لا وداع!
آه يا طلعت لو تدري مقدار ظلم الأيّام لو تدري كم كان موت النـور فاجعاً..
لم يكن موت فرد مهما كان حبيبا.. كان موت عائلة وشقاء عمر......
حتّى في ذلك العمر الساذج كم من الوقت الطويل مرّ قبل أن أبكي؟!تكورت على نفسي و أحطت ساقيّ بذراعيّ كالتمثال ...
لم أبكِ و لم أتحرك حتّى لا ادرك ماذا يحصل من حولي!
كنت لا أريد أن أدرك لأنّ الموقف أكبر من قدرتي على الإدراك،إنه الذعر الذي يشلنا صغاراً كنّا أو كباراً و الفجيعة التي تذهلنا حتّى تغيبنا..
إلى أن رأيت أيد كبيرة و كثيرة تريد أن تحملني بعيداً عن البيت....
بعيداً إلى حيث البرد و الخوف و غربة الحياة........
عندها فقط بكيت و صرخت و قاومت و ركضت بكلّ قوتي نحو جسده المسجى أحتمي به كما تعودت قبل أن يفصلني بوحشية أنيابه المرعبة ذلك اليوم الأسود الأخير عن دفء ذراعي النور و أمان حضنه و حلاوة بسمته وملمس جلده.....
و أمّي تصرخ بالأيدي الكبيرة: " أتركوها.. دعوها تودّعه و تملأ عينيها منه" ، لكنّي لم أكن أريد أن أودّعه كنت أريد أن أحتمي به و أسكن تحت جلده و أفنى معه إن ذهب إلى الفناء..........
و كان جلده بارداً و أنفه متشمعاً على غير عهدي به!!
كان..............[/align][/cell][/table1][/align]