((( وصية قلم عجوز )))
- 1 -
يا من تتصارعُ من أجلِهِ دقاتُ قلبي
الآن وقد عَلِمتُ أنَ حبي لك من طرفٍ واحد
الآن وقد أدركتُ أني لستُ مُلهِمتك
أقولها والألم يعتصر قلبي
فمثلك سيدي
صقرٌ تقتفي أثاره الحمائم
وكنتُ كذلك الأمس حمامةٌ بيضاءَ أُرفرفُ بأجنحتي
أما الساعة فما أنا إلا طير أُصارع الموت بين يديك
ألفظُ أنفاسي الأخيرة في دقاتِ قلبك
يا قاسيَ العينين كان لابد لي أن اعرف ذلك قبل اليوم
لكني كنتُ أمنعُ نفسي من التفكير ولو للحظةٍ واحدة أنك لا تحبني
كنتُ أطبخُ مشاعري على نارٍ هادئة وأتصورُكِ تعشقُني
لم أكن اعلم أني اخنقُ قلبي بيدي
و أُخالفُ قدري الذي أبلغني رسالتي لكني سَخِرتُ منه
واستعجلت الرحيل عن أرضي إلى ارضٍ ترفضني
إلى ارضٍ تمزق فيها قلبي
راحلةٌ أنا عن عالمِكَ لأنك أجبرتني
وأعلمُ أني سأكون بغيابك عني حزينةٌ
لكني ٍاحزنُ أكثر إن طالعتُ عينيك
فأراها تتراقصُ بعيداً عني
كنتُ قد استجمعتُ بحبي لك شراييني كلها
وأوصلتها قلبك سيدي
ولان قلبك قد رفضني سأرفعٌ أكفي إلى آله الحب
ان يغفر لي ما تقدم من حبي
وامضي اسكن الليل ووحدتني
سأمزق شراييني التي أوصلتها لك بمخالبي
واقتل صوت الحمائم في شعري
فاليوم وِلِدَ صقر قلمي ليفترس الكلمات
- 2 -
قبل أيامٍ قليلة ولِدَ صقرُ قلمي ليفترس الكلمات
فوجدته يسحق الكلمات كل الكلمات إلا تلك َ التي كتبتها برفقةِ قلمي القديم
قال عُذراً سيدتي فأنا صقرٌ قد تعودتُ أن أنتزِعَ بمخالبي قلوب صغير الكلمات
أما تلك التي دَوَنتِها بشغافِ قلبكِ وأحبار قلمكِ العجوز
ونثرتها على وريقات الزمان
فلا أقوى على أن افترسُها لأنها صياد أمهر مني
حينها وفي منتصف الليل تأرجح قلمي القديم وهو في رمَقه الأخير
وتسللَ سراً إلى سطورِ مذكرتي ليدون آلاتي واعتقدُ أنها كانت وصيتَهُ الأخيرة لي
قال يا رفيقةَ دربي وخليلتي اليومُ اكتبُ لكِ وصيتي
فقد شارفَ حبري على النفاذ
أكتبُ لكِ من مخيلةِ قلمٍ عجوز أرهقته الكلمات وهو يمضي قُدُماً
يملأُ السطور بأحرفٍ وكلمات شابَ لها رأسي
ولأني أعلمُ انه قد حانَ حَيني ونهايتي
أودُ أن تُخلدي حُسنَ خاتمتي
أودُ ولأولِ مرةٍ في حياتي بل الأخيرة
أن يُودَعَ جثماني في جوف محفظتُكِ الصغيرة
لأني لا أُريدُ للأقدامِ أن تسحق جثتي على قارعةِ الطريق
أو أن تحتضنني سلةُ المهملات فيكون طريقي إلى المزبلةِ حيث
حوافرُ الدوابِ تنهشُ جسدي
أُريدُكِ أن تُكرميني وتحتفظي ببروازِ صورتي
أُريدُ لصقر قلمكِ الجديد أن يتعلمَ مني
كيف يُعامِلُكِ
كيف يَفهَمُكِ
كيف يحبُكِ مثلي
لا أعلمُ إن كنتُ على صواب ما أعلمه فقط انكِ صديقتي
وأنا في أوجُ حزني وحيرتي تفاجئتُ بدموعٍ زرقاء امتلأت بها مُدَونتي
لم اعلم مصدراً لها كنت حينها أقراُ الوصية
نعم كانت تلك دموعُ صقري
بَرُقَت عيناهُ ألماً
استلَ رمشه الحاذقَ ليَكتُبَ في رثاءِ قلمي
رأيتُ الدموعَ وقد تلألأت في أهدابهِ فكتبَ قائلاً :
من وسط المشاعر المبعثرة أكتبُ لكَ رسالة يا معلمي وملهمي بل يا أمي وأبي
حبرها ممزوج بكَ وبدمي
سأقرأُ ما حييت كلمات السنين التي امتلأ بها جوفك وأنت ترتشفُ قهوة الصباح
مع صديقتُك الملكة التي أصبحت الآن صديقتي
و لأن وصيةُ الميت واجبٌ تنفيذُها سأُنفذُ حروفها وأطوي صفحات مراهقتي
فاليومُ أصبحتُ على يديكَ قلماً ناضج
بقلم الملكة ( خنساء )
نصفه من تاريخ قلمي العجوز والأخر من صقر قلمي