التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,835
عدد  مرات الظهور : 162,269,390

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > على مرافئ العروبة وفي ساحات الوطن > أحداث وقضايا الأمّة > القضايا الوطنية الملحّة
القضايا الوطنية الملحّة منتدى خاص بالقضية الفلسطينية العاجلة و كل قضايا الأمة الوطنية الملّحة لتسليط الضوء والتفاعل على وجه السرعة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 14 / 03 / 2009, 06 : 09 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

نتائج الانتخابات في الكيان الصهيوني وانعكاساتها على القضية الفلسطينية والواقع العربي

[align=justify]
[align=justify]
أُلقيت هذه المحاضرة في مركز الشهيدة حلوة زيدان، يوم الثلاثاء الواقع في 3/3/2009


أيتها السيدات.... أيها السادة....
ما أصعب أن يحاضر المرء في موضوع أمام مختصين فيه... فإن اضطر، فحسبه إن لم ينلْ مدحاً ألا يُذمّ...
أمرٌ آخر أودُّ لَفْتَ الانتباه إليه، هو أن مادة هذه المحاضرة ترتكز، بالدرجة الأولى، على الاستقراء والتوقع، لأن نتائج موضوعها ما تزال ضبابية، حتى بالنسبة للمحللين الإسرائيليين.. فحتى هؤلاء ما زالت توقعاتهم للقادم الإسرائيلي عرضة للتخبط والتضارب. هذا يتوقع شيئاً وذاك يتوقع خلافه، وثالث هو بين بين... لذا، أعتذر منذ البداية، إن لم تُسفر قادمات الأيام عما يوافق توقعاتي، فتمخضت عما يقاربها أو يخالفها، لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، وما أنا وغيري سوى قارئين في معطيات توفرت لنا، كلٌّ حسب اجتهاده، فإن أصاب أحدنا، فبها ونعمت، وإن أخطأ، فحسبه أنه حاول.
موضوع هذه الدراسة هو نتائج انتخابات الكنيست الثامن عشـر الإسرائيلي التي جرت يوم 10/2/2009، أي بعد توقف العدوان الوحشـي على غزة بفترة وجيزة.... إذن، هي انتخاباتٌ أعقبت حرباً توهَّمَ مخططوها ومنفذوها وداعموهم، سراً وعلانية، أن يُرضيَ سفكُ الدمِ الفلسطيني الناخبَ الإسرائيلي الذي ازدادت يمينيته، وأن يُقنعه بأن قادته الذين شنُّوها، عند حسن ظنه بإرهابهم وقدرتهم على ارتكاب جرائم لم يسبق لشناعتها مثيل، عساهم يحظون بصوته في انتخابات الكنيست الثامن عشـر، فيُبقيهم حكاماً له، لثقته بأنْ لا رأفة تأخذهم بالفلسطينيين ولا رحمة، ولا يريدون السلام معهم أو مع غيرهم من العرب، مهما تحدثوا عن رغبتهم في تحقيقه، حول طاولات المفاوضات وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفزة.
لكن رياحَ العدوان على غزة لم تجرِ كما اشتهى قادتُه وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون، فقد نصـر الله الفئة القليلة المؤمنة به المخلصة لوطنها وشعبها، وبأسلحتها شبه البدائية، على جيش يعدُّ من أكثر جيوش العالم امتلاكاً للأسلحة المتطورة. وبانتصارها بدلاً من كسر شوكتها، كما وعد قادة العدوان قبل شنه، سقط أولئك القادة في نظر معظم الجمهور الإسرائيلي، فعاقبهم في صناديق الاقتراع، بإعطاء قسط كبير من أصوات أفراده لمن ظنهم أكثر تطرفاً وكراهية للعرب والسلام.. إلى نتنياهو وليبرمان ومن على شاكلتهما.
وبقدر تضاؤل فارق التطرف اليميني بين الأحزاب الصهيونية التي شاركت في تلك الانتخابات تضاءل فارق عدد المقاعد التي حازها كل منها، لتغدو نتائجها، في المحصلة، غيرَ مسبوقة في قدرتها على إرباك جميع الفائزين فيها، قلَّت مقاعدهم أو كثرت.
فخلافاً لمألوف الانتخابات الإسرائيلية السابقة التي كانت تنتهي بإفراز كتلتين كبيرتين تسيطران معاً على 67% إلى 75% من مقاعد الكنيست، ويكون بقدرة أيٍّ منهما ضمَّ كتل صغيرة إليها لتشكيل حكومة مستقرة، أفرزت الانتخابات الأخيرة كنيست متعدد الرؤوس، ليس فقط لأن عدد الكتل التي فازت بمقاعده بلغ اثنتي عشـرة كتلة، بل لأن مجموع مقاعد الكتلتين الكبيرتين فيه، (كديما والليكود)، لم يتجاوز 55 مقعداً، ما يعني أن مجموعهما معاً لا يحقق أغلبية برلمانية تؤهلهما لتشكيل حكومة ائتلاف تضمهما فقط، حتى وإن اتفقتا على ذلك. بل لابد للكتلة التي تُكلَّف بتشكيل الحكومة منهما أن تضمَّ إليها أربعاً أو أكثر من الكتل متوسطة الحجم والصغيرة، لتؤلف معها أغلبية برلمانية. وهذا تطور سلبي آخر تمخضت عنه الانتخابات الأخيرة، بإفرازها ثلاث كتل (متوسطة الحجم) تملك دوراً حاسماً في تشكيل أي حكومة، هي (يسـرائيل بيتينو/15 مقعداً، والعمل/13 مقعداً، وشاس/11 مقعداً)؛ بالإضافة إلى أربع كتل صغيرة، واحدة "يسارية" هي (ميرتس/3 مقاعد)، وثلاثٌ يمينية متطرفة هي (يهدوت هتوراة/5 مقاعد، الوحدة الوطنية/4 مقاعد، البيت اليهودي([1])/3 مقاعد).
في ضوء ما سبق، يمكن أن نفهم لماذا تمَّ تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة القادمة وليس ليفني، مع أن حزبها تقدَّم حزبَه في نتائج الانتخابات الأخيرة بفارق مقعد واحد، إذ لم يحظَ الليكود إلا بسبعة وعشرين مقعداً، مقابل ثمانية وعشرين حظيَ بها كديما، بزعامة ليفني التي لم ينفعها تقدم حزبها على الليكود بهذا الفارق الضئيل، بل جعل نصرها كالخسارة أو أشدَّ قسوة، لأن قوى اليمين وأحزابه التي تمتلك مجتمعةً (خمسة وستين مقعدَ كنيست)([2])، فضلَّت نتنياهو رئيساً لحكومتها القادمة، مما اضطر الرئيس الإسرائيلي "شمعون بيرس" إلى تكليفه يوم 20/2/2009، بتشكيلها، وهو يعلم تمام العلم أنه ينتزع، بهذا التكليف، الفوز الهزيل من يد زعيمة حزب "كديما" الذي انتمى إليه بعد تركِه حزب العمل.
وهكذا، بدلاً من أن تُحقق ليفني حلمها بأن تكون ثاني امرأة تشغل منصب رئيس وزراء إسرائيل بعد (جولدا مئير)، وجدت نفسها أول رئيس حزب إسرائيلي يفوز حزبُه في الانتخابات ثُم لا يحظى بكرسي رئاسة الوزارة. وبين مُصدِّق ومكذِّب لهذه النتيجة غير المتوقعة، وجدت نفسها تتخبط في دائرة العجز عن اتخاذ قرار، أتقبل بمنصب ثان وثانوي تحت قيادة نتنياهو، فتمسخ مكانتها كزعيمة لكديما، وتخسـر ثقة أعضائه بها، أم تذهب إلى المعارضة لتضيف إلى خسارتها الانتخابات احتمال خسارة عدد من أقطاب حزبها الرافضين مقاعد المعارضة والراغبين بحقائب وزارية في حكومة برئاسة نتنياهو. وأخيراً، حزمت أمرها، واتخذت قرارها بالذهاب إلى المعارضة، مجازفة بخسارة عدد من أقطاب حزبها، بعد أن خسرت بتقربها إلى ليبرمان تأييد ميرتس والعمل، دون أن تربح توصيته لبيرس بتكليفها تشكيلَ الحكومة.
أما نتنياهو الذي فاز بتكليف تشكيل الحكومة القادمة، رغم خسارته الانتخابات، فما كاد يتلمس فرحته بالفوز حتى فوجئ بها تتبخر على نار تعثره في تشكيل حكومة طالما حلم بأن تكون طويلة العمر جيدة الأداء. فبعدما رفض سيناريو حكومة رأسين، يتناوب وليفني على رئاستها بالتساوي، فتكون لكل منهما سنتان من عمرها البالغ أربعاً، وبعدما بادلت ليفني رفضه مشاركتها رئاسة الحكومة القادمة، برفضها الانضمام إلى حكومة موسعة برئاسته فقط، وجد نفسه أمام خيار الحكومة اليمينية الضيقة فقط. وهنا، لابد من التساؤل: لماذا رفض نتنياهو سيناريو حكومة الرأسين، ورفضت ليفني الانضمام إلى حكومة وحدة موسعة برئاسته، وما مستقبل الحكومة الضيقة التي سيشكلها؟
أتصور أن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب التعرُّف على المؤتلف والمختلف من طروحات الأحزاب التي فازت في الانتخابات، وعلى مواقفها تجاه القضايا الرئيسة في السياسة الإسرائيلية، داخلياً وخارجياً، ولاسيما القضايا الإشكالية ذات الصلة بالصراع مع العرب عموماً والفلسطينيين منهم خصوصاً. وأظن أن تحصيل هذا النوع من المعرفة يتطلب ما يلي:
1) استقراءٌ متأنٍ للبرامج الانتخابية الخاصة بالأحزاب التي فازت بمقاعد الكنيست الحالي، ولاسيما الأربعة الأولى منها.
2) دراسةُ إمكانيات تحقيق ما تضمنته هذه البرامج من طروحات ومواقف، في ظل ما طرأ من متغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية، حتى الآن، وما هو متوَقَّعٌ أن يطرأ عليهما قريباً.
3) دراسةُ احتمالات تنفيذ قرارات أي حكومة إسرائيلية يتم تشكيلها، في ظل تجاذب المصالح الفردية والحزبية لأعضاء الكنيست الحالي، خصوصاً بعدما صار للأحزاب المتوسطة الحجم والصغيرة فيه دوراً حاسماً، في تنفيذ ما يتفق من قرارات الحكومة مع مصالح تلك الأحزاب، ولاسيما الدينية منها، أو تعطيل ما لا يتفق مع مصالحها، عن طريق التهديد بالانسحاب من الحكومة وفرط عقدها.
4) تحوُّل المعارضة إلى كتلة كبيرة في الكنيست، بعد انضمام كديما إليها، الأمر الذي سيزيد في تعقيد سير الحكومة الضيقة القادمة، وربما سيقصر عمر ولايتها.

أبرز طروحات أحزاب الكنيست الحالي ومواقفها:
على الرغم من تعددية الأحزاب الداخلة في تشكيل الكنيست الحالي، يبدو من اللافت غلبةُ التطرف اليميني على توجهات غالبية أعضائه. فحسب بعض الدراسات الإسرائيلية، يصل عدد المتطرفين منهم إلى ما لا يقل عن /83/ عضواً، ما يعني أن مَن بقي خارج دائرة التطرف اليميني هم أعضاء ميرتس والأحزاب العربية الثلاثة فقط..
ومن اللافت أيضاً، التقارب الشديد بين طروحات الأحزاب الفائزة بالانتخابات الأخيرة ومواقفها تجاه عدد من القضايا الرئيسة، وفي مقدمتها: قضية اللاجئين، والقدس الشـرقية، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، في إطار تسوية سياسية تشمل الفلسطينيين ولبنان وسوريا. إذ يقود استقراء البرامج الانتخابية لهذه الأحزاب إلى الاستنتاج بأن بينها، وخصوصاً كديما والليكود والعمل وإسرائيل بيتنا، شبه إجماع على (اللاءات) الإسرائيلية التقليدية، مع فروق طفيفة لا تصل إلى حد الاختلاف الذي يمكن أن يُخرج أي حزب منها خارج دائرة اليمين المتطرف. فثمة لا للاعتراف بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، ولا للانسحاب من القدس الشـرقية، ولا للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967. وتُبيِّن الإطلالة التالية الذرائع التي يُسوِّغ بها كل حزب طروحاته ومواقفه، تجاه كلٍّ من القضايا الثلاث الرئيسة آنفة الذكر التي تخصُّ مستقبل العلاقة مع الفلسطينيين، ومواقفه تجاه سوريا وإيران.

الطروحات والمواقف الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين:


أولاً، تجاه حقِّ عودة اللاجئين الفلسطينيين:

يعارض كل من كديما والليكود والعمل معارضة تامة عودة أي لاجئ فلسطيني. وبينما يكتفي نتنياهو بمجرد إعلان رفض حق العودة، من قبل أي حكومة يقودها الليكود، تحاول ليفني تسويغ رفضها ورفض حزبها لهذا الحق بتقديم ما تراه بديلاً أفضل، وهو حلُّ (الدولتين للشعبين) الذي سيوفر للفلسطينيين إمكانية استيعابهم في دولتهم الفلسطينية الخاصة. ثم تؤكد أن رفضها لحق العودة هو شرطُها الرئيس للموافقة على أي اتفاق سلام، حتى لو كان تطبيقه يعني عودة لاجئ واحد فقط. وإذا كان على الفلسطينيين الانتظار نحو عشرين سنة لتظهر دولتهم المستقلة، في تصور ليفني، فإن حزب العمل يعد بالسعي إلى التوصل لاتفاق معهم خلال سنتين. وأما ليبرمان، فلا يرفض حق عودة اللاجئين فقط، بل يخطط ويدعو إلى طرد عرب 48 وتحويلهم إلى لاجئين أيضاً. ويبدو أن موقف ليبرمان هذا لم يرُقْ لحزبي المستوطنين فقط، بل لأحزاب المتدينين أيضاً.


ثانياً، تجاه الانسحاب من القدس:

يرفض الليكود رفضاً مطلقاً الانسحاب من أي جزء من القدس الشـرقية التي يؤكد نتنياهو أن حكومة ليكودية برئاسته، ستحافظ عليها موحدة كعاصمة لإسرائيل وتحت حكمها، مع منح جميع أبناء الديانات حرية تطبيق شعائرهم فيها.
أما كديما، فيؤيد المفاوضات اللامجدية مع الفلسطينيين، بشرط الحفاظ على ما يسميه "المصالح الوطنية لإسرائيل"، وفي مقدمتها الحفاظ على وحدة القدس كعاصمة للشعب اليهودي، وعدم التنازل عنها أبداً أو الانسحاب، وخصوصاً من منطقة البلدة القديمة، في القدس الشرقية.
وأما العمل، فيؤكد أن القدس، بجميع أحيائها اليهودية التي بينها الأحياء الاستيطانية في القدس الشرقية، هي (العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل وستبقى كذلك). وسيتم إنشاء نظام خاص في البلدة القديمة، ليحقق تعبيراً عن خصوصية المكان بالنسبة للديانات الثلاث. أما الأماكن اليهودية المقدسة فيها فستبقى تحت حكم إسرائيل.
ويبدو من مقارنة المواقف الثلاثة أن لا خلاف يُذكر بينها، إلا في الصياغة.


ثالثاً، تجاه التسوية والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 67:

يرى الليكود أن الظروف الحالية لا تسمح بالتوصل إلى تسوية للنزاع الإسرائيلي/الفلسطيني. وبالتالي، فجلَّ ما يستطيع أن يقدمه كتنازلات مقابل السلام، يتمثل فيما سماه نتنياهو (السلام الاقتصادي) الذي يعني مساعدة الفلسطينيين على تحسين (مستوى) حياتهم اليومية بتطوير سريع لاقتصادهم. أما بالنسبة للانسحابات الأحادية الجانب فيرفضها نتنياهو، مشدداً على عدم القيام بها الآن أو في المستقبل، مسوغاً ذلك بالزعم أن أي منطقة يخليها الجيش الإسرائيلي ستسيطر حماس عليها، وأن أي انسحاب أحادي الجانب سيبث رسالة ضعف واستسلام، تشجع الفصائل الفلسطينية على التمادي في الإرهاب الذي يؤكد أن حكومة الليكود برئاسته ستواجهه وترد عليه بوضوح وحزم.
أما كديما، فيتحدث عن إجراء مفاوضات مع جهة فلسطينية ويستثني أخرى، دون أن يطرح أي أفق سياسي، لأي تسوية محتملة، قبل خمسة عشر إلى عشرين عاماً قادمة، تتشكل خلالها الدولة الفلسطينية التي لا تمانع ليفني إقامتها على أجزاء من أرض الضفة الغربية، تتنازل عنها الدولة اليهودية المجاورة، شرط اعتراف الفلسطينيين بما أسمته (حقوق اليهود القومية في أرض إسرائيل)، وتوقفهم الكامل عن تنفيذ (العمليات الإرهابية التي تهدد أمن مواطنيها وسلامتهم). وإلى أن تظهر تلك الدولة الموعودة، بعد عشرين سنة، تقترح ليفني (تنفيذ حلول وتحسينات متواصلة، في الأوضاع الأمنية، وفي جودة حياة الفلسطينيين، من خلال الوضع القائم).
أما لماذا "تُضحي" ليفني وحزبها بالانسحاب من أجزاء في الضفة الغربية، وتسمح بإقامة دولة فلسطينية عليها، فلكي تمنع تحوُّل إسرائيل إلى دولة ثنائية القومية. وهذا سرُّ إصرارها على تفعيل العمل بمبدأ (دولتين لشعبين) الذي يعارضه نتنياهو.
أما حزب العمل فيزعم أن السلام مصلحة وطنية عليا لإسرائيل لأنه يجلب، مع الأمن، نمواً اقتصادياً، يؤدي إلى تحقيق الرفاه، ولذلك يعد بأن يعمل على إنهاء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية بسرعة، ووضع حد للصراع، والتوقيع على اتفاق يستند إلى مبدأ (دولتين لشعبين)، ويضمن التزام السلطة الفلسطينية بالحفاظ على الأمن والاستقرار والهدوء، حتى في غزة.
وبخصوص الحدود التي يبدو أن جدار الفصل العنصري قد حددها فعلاً، يتحدث كديما والعمل عن إمكانية ضم الكتل الاستيطانية الكبرى إلى إسرائيل؛ كما يتحدثان عن إمكانية إخلاء المستوطنات الواقعة خارج تلك الكتل، وتفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية، بعد إخلائها. أما الليكود ويسرائيل بيتينو، فلا يتطرقا إلى قضية الحدود والبؤر الاستيطانية أبداً، لكيلا يفقدا أصوات المستوطنين.
وبخصوص مبادرة السلام العربية، يرى كديما والعمل أنها نقطة انطلاق لمفاوضات تسعى إلى تسوية الصراع مع العرب الذين اعترفت جميع دولهم، ولأول مرة، بإسرائيل وتحدثت عن السلام بدلاً من الحرب لإنهاء الصراع معها. لذا، فمن غير الصائب رفض المبادرة لمجرد الرفض، خشية أن تُفوِّت إسرائيل بذلك فرصة تاريخية. لكن بالمقابل، لا يجوز أن تتناقض الموافقة عليها (مع مصالح إسرائيل). أما الليكود، فيرى أن معطيات الوضع الراهن لا تسمح بإنجاز تسوية شاملة. وأما شاس، فيتجاوز في تطرفه الجميع، باشتراط وقف المفاوضات السياسية حتى مع الفلسطينيين، للدخول في أي ائتلاف حكومي. وهذا كله يعني في المحصلة، أن احتمالات التوصل إلى اتفاقات سلام، مع الفلسطينيين أو سورية، وهما الطرفان اللذان فاوضتهما إسرائيل طويلاً، إلى ما قبل شهور قليلة، لا يبدو أن أياً من الأحزاب الإسرائيلية التي فازت بالمراتب الأربعة الأولى، ولا حتى التي تليها، معنية بالتوصل إلى اتفاق سلام مع أي منهما.

الطروحات والمواقف الإسرائيلية تجاه سوريا:
يُبدي كديما والعمل استعدادهما لمفاوضة سوريا، شرط أن تقطع علاقاتها مع إيران، وتُوقف تسليح حزب الله، وتطرد قيادة حماس وباقي قيادات المقاومة من دمشق. لكنهما لا يُوضحان مدى استعدادهما للانسحاب من الجولان المحتل، متذرِّعَين بأن هذا الموضوع لا يمكن تحديده إلا من خلال المفاوضات، غير المحددة بزمن. أما الليكود فيتجاهل مسار المفاوضات مع سورية تماماً.
وتجدر الإشارة إلى أن ما تعرضه هذه الأحزاب ليس برنامجاً سياسياً بل برنامجاً أمنياً/اقتصادياً، الأمر الذي يدل على عمق الجانب الأمني واستحواذه على أية عملية سياسية محتملة.

الطروحات والمواقف الإسرائيلية تجاه إيران
يتفق كديما والعمل ومعظم الأحزاب الصهيونية الأخرى في الكنيست، مع تخوفات الليكود من إيران والتحذير من سعيها لامتلاك سلاح نووي. بل إن نتنياهو الذي لا يملُّ الحديث عما يسميه "الخطر الإيراني"، يكاد يكون الناطق الرسمي باسم جميع الأحزاب الصهيونية في هذا الشأن. وتحذيره من خطر إيران لا يخص به الإسرائيليين وحدهم، بل يعممه على العالم كله. فها هو يذكر أنه حذر منه الكونغرس الأميركي، حين كان رئيسًا للحكومة عام 1996، داعياً الولايات المتحدة إلى مواجهة إيران التي صارت قريبة من امتلاك سلاح نووي أكثر من أي وقت مضى، وحصولها عليه يعني تحولها (إلى خطر وجودي داهم على دولة إسرائيل والعالم كله، لأن هذا التحول سيخرق، بشكل حاد، توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط.... وقد تدعم بقوتها النووية مجموعات إرهابية، فتتزايد كميات السلاح النووي في العالم، وبتزايدها تواجه موارد النفط العالمية خطراً متسارعاً).
ثم يحاول نتنياهو توسيع دائرة تحذيره من الخطر النووي الإيراني، فيؤكد أن إسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تواجهه، بل أوروبا معها والولايات المتحدة، لأن الإيرانيين يعملون على تطوير صواريخ طويلة المدى تصل إلى دول الاتحاد الأوروبي والقارة الأميركية. لذا ينبغي أن يكون على رأس سلم أولويات الحكومة الإسرائيلية المقبلة، منع إيران من إمكانية اقتناء سلاح نووي، سواء بتجنيد الرأي العام العالمي لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها أو بالاستعداد لعمل عسكري مناسب ضدها، في حال فشلت جميع المحاولات الأخرى). وفي الآونة الأخيرة، يسعى نتنياهو إلى الضغط على روسيا والصين والهند لوقف تعاونها مع إيران في مجال الطاقة النووية.

سيناريوهات تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة:
في ضوء مجمل ما سبق من مواقف طرحتها الأحزاب التي شكلت الكنيست الحالي، في برامجها الانتخابية، ما هي فرص نتنياهو لتشكيل حكومة قادرة على مراعاة ما جاء في تلك البرامج من طروحات، والتوفيق بينها وبين تحديات المرحلة الراهنة التي يبدو واضحاً أنها مرحلة تغيرات إقليمية ودولية هامة، لابد أن تفرض نفسها على إسرائيل؟
إن الإجابة عن هذا السؤال الهام، تستوجب إطلالة سريعة على أهم الخيارات المتاحة أمام نتنياهو، في ضوء عدد من الثوابت التي لا يمكنه تجاهلها، وأهمها:
1) اختلاف طروحات الأحزاب المحتمل أن ينجح بضمها إلى ائتلاف حكومي برئاسته، تجاه مختلف القضايا الداخلية والخارجية، وهو اختلاف إن خفَّت درجة حدته في هذا الجانب أو ذاك، نراها تبلغ حدَّ التضادِّ في جوانب أخرى يطال بعضها معظم المسائل الإشكالية الداخلية والخارجية. الأمر الذي يتطلب محاولة توفيق مستمرة بين هذه الطروحات مع بعضها، ثم بينها مجتمعة وبين المتغيرات المتسارعة، إقليمياً ودولياً، لإطالة عمر الحكومة القادمة وضمان حد أدنى من قدرتها على الفعل، ولو فوق مستوى الشلل بقليل.
2) طبيعة الثمن الذي يطلبه كل واحد من الأحزاب التي يسعى نتنياهو لإشراكها في ائتلافٍ برئاسته، وحجم هذا الثمن، والنظر إن كان من مصلحة الائتلاف تأديته له، الآن أو مستقبلاً، وما حجم الخسارة التي يمكن أن يتكبدها هذا الائتلاف إنْ رفض التأدية.
3) عرضُ طروحات الأحزاب التي ستدخل الائتلاف ومواقفها على شبكة مصالح القوى المؤيدة لإسرائيل، في المنطقة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ومصالح القوى الإقليمية الصديقة لإسرائيل أو المعادية لها. ذلك أن معرفة مدى تقارب تلك الطروحات ومدى تعارضها مع مصالح سائر الأطراف الخارجية، توضح مدى انعكاس مراعاة هذه المصالح أو التضادّ معها، على مصلحة إسرائيل.
إن وضوح مجمل المعطيات الآنفة، ولو بشكل مقارب، قد يُساعد في إيضاح سبب اضطرار نتنياهو لتشكيل حكومة يمين ضيقة بدلاً من حكومة موسعة أو برأسين، وربما ساعد أيضاً في رسم تصوُّر، ولو مقارب، لكيفية أداء الحكومة الجديدة، وخصوصاً تجاه قضايا الصـراع العالقة سواء مع الفلسطينيين أو مع العرب عموماً، في ظل المتغيرات الدولية الحادثة والمتوقعة.

أولاً، لماذا اضطر نتنياهو إلى تشكيل حكومة يمين ضيقة؟
أول السيناريوهات التي استبعدت لتشكيل الحكومة القادمة كان سيناريو حكومة الرأسين، لرفض نتنياهو وليفني لها، مع أنها، كما يرى محللون كثيرون كانت خياراً أفضل لنتنياهو من تشكيل حكومة ضيقة، وأفضل لليفني من الذهاب إلى المعارضة. فلماذا رفضها الطرفان إذن؟

1) لأنه رفض وليفني حكومة الرأسين:
حسب الظاهر، لا ينبع رفض نتنياهو من رغبته في الاستئثار برئاسة الحكومة طيلة فترة ولايتها فحسب، بل من اعتقاده بأن حكومة الرأسين قد تقيد قراراته بشروط شريكته وحزبها، وربما جعلت تطلعاته السياسية ذات استراتيجيات قصيرة الأمد، محدودة بطول حصته الزمنية في رئاسة الحكومة.
أما ليفني، فعلى الرغم من أن حكومة الرأسين تمنحها تعويضاً، ولو بسيطاً عن خسارتها الاستئثار برئاسة الحكومة لوحدها، بعد فوزها في الانتخابات، فقد رفضتها، كما يبدو، خشية أن يُؤثر ما يتخذه نتنياهو من قرارات، في النصف الأول من مدة هذه الحكومة الذي لابد أن يستأثر به لنفسه، على ما ستتخذه ليفني من قرارات خلال توليها النصف الثاني من المدة، أو أن يتخذ قرارات لا تريدها، ثم تضطر إلى الالتزام بتنفيذها عندما تخلفه. وعلى هذا، بدا لها الذهاب إلى المعارضة أكثر انسجاماً مع طروحات حزبها الانتخابية من جهة، وأكثر إقداراً لها على مواجهة حكومة الليكود الضيقة ومحاربتها وتقصير عمر وجودها، خصوصاً وأن كديما مع العمل وميرتس صاروا يشكلون كتلة معارضة فاعلة يمكنها تقييد سياسة حكومة الليكود، أكثر مما يمكن أن يقيدها نموذج حكومة الرأسين.

2) لعجز نتنياهو عن تشكيل حكومة وحدة موسعة:
مباشرةً، إثر تكليفه بتشكيل الحكومة، دعا نتنياهو تسيبي ليفني إلى الدخول معه في حكومة وحدة موسعة، الهدف المعلن لسعيه وراء تشكيلها، أنها ضرورية لمساعدة إسرائيل على مواجهة ما أسماه التحديات الكبيرة التي تقف أمامها، وفي مقدمتها: (إيران والإرهاب والأزمة الاقتصادية والموجة الواسعة التي تشهدها إسرائيل في فصل المستخدمين من أعمالهم). أما الأهداف غير المعلنة لدعوته إلى تشكيلها فأهمها:
أ) أنه لا يريد أن يرأس حكومة يكون بقاؤها خاضعاً لأطماع الأحزاب اليمينية المتطرفة وعلى رأسها "يسرائيل بيتينو" وأطماع الأحزاب اليمينية. مؤكداً أنه لن يكرر الخطأ السياسي الذي ارتكبه، في فترة ولايته الأولى، بتشكيل حكومة يمين ضيقة، بين السنوات 1996 و1999، والتي تفككت قبل انتهاء ولايتها القانونية، واضطر إلى إعلان حلها والذهاب إلى انتخابات مبكرة، فاز فيها حزب العمل بزعامة باراك.
2) يخشى أن يفرض تعنت قادة الأحزاب اليمينية، ولاسيما ليبرمان، على حكومته شللاً سياسياً من جهة، ويعقّد علاقته مع إدارة أوباما من جهة أخرى. وبهذا الصدد، يُجمع المحللون الإسرائيليون على أن نتنياهو يهدف من ضم كديما لحكومة موسعة برئاسته إلى إسباغ لون من الاعتدال على حكومته، أمام الأمريكيين والأوروبيين بشكل خاص، خشية أن يؤدي تشكيل حكومة يمين ضيقة متطرفة إلى إحداث تراجع في علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، وتدهورٍ في علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، خصوصاً بعدما أعلن الاتحاد مؤخراً، عن تجميد قراره تحسين مستوى علاقاته التجارية بإسرائيل، إلى حين تشكيلها حكومة جديدة تستأنف العملية السياسية مع الفلسطينيين.
3) عدم قدرته على التراجع عن وعوده المتطرفة أمام أعضاء حزبه وناخبيه، وخصوصاً وعوده بخصوص رفض فكرة الدولتين للشعبين وإعادة الجولان وغيرهما من القضايا التي قد تُعرض حكومته لضغوط دولية شديدة، وعندها سيحتاج إلى طرف أكثر ليناً منه ليقوم بخطوة التراجع الأولى، وليس مثل كديما يمكنه ذلك، فإن احتج شركاؤه اليمينيون في الحكم على تراجعه برره بالخوف من انسحاب كديما من الائتلاف وتعريضه للانفراط، أو قام بطرد المعترض من الحكومة لاستناده إلى حجم كديما الكبير في الكنيست الذي يتجاوز حجم الأحزاب الصغيرة التي قد تعترض، فيطردها.
والآن، وعلى الرغم من صيرورة تشكيل حكومة موسعة احتمالاً بعيداً، إثر رفض ليفني المشاركة فيها برئاسة نتنياهو، وتفضيلها الجلوس مع حزبها في المعارضة، يظلُّ من المفيد معرفة أسباب الإخفاق في تشكيلها، راهناً على الأقل، مع بقائه احتمالاً قائماً، كما أتصوَّر، لاستمرار خشية ليفني من أن يؤدي رفضُها المشاركة في ائتلاف موسع، إلى انفراط عقد حزبها، إن نفَّذ ثلث أعضائه تلويحهم بالعودة إلى صفوف الليكود الذي كانوا من أقطابه، وتركوه جرياً وراء بريق المناصب والمصالح التي منَّاهم بها شارون، حين أسس كديما. وليفني تدرك أن هؤلاء، إذا تيقَّنوا أنهم سيخسـرون مصالحهم الشخصية، بالبقاء في كديما، لن يترددوا في تركه والعودة إلى حزبهم الأم/الليكود، إن تيقنوا أن زعيمه سيضمن لهم مصالحهم.
في ضوء هذه الخشية، يبدو واضحاً أن كديما ليس حزباً أيديولوجياً كالليكود، بل مجرد تجمعٍ لعدد من السياسيين أصحاب المصالح. وإلا ما الذي يجمع قطباً قديماً من حزب العمل، مثل شمعون بيرس، مع قطب من الليكود مثل شاؤول موفاز، في حزب واحد؟
وربما لأن نتنياهو يعي حقيقة كديما هذه تماماً، لم ييأس بعدُ من انضمام ليفني إلى ائتلاف بزعامته، رغم كل شروطها وتصريحاتها المناقضة لهذا الاحتمال. وذلك لأنه على يقين من أن أقطاب كديما الكبار يفضلون المناصب الوزارية أكثر من مقاعد المعارضة. وهذا ما أكدته وسائل الإعلام الإسرائيلية في سياق إشاراتها المتكررة إلى معارضة كبار قياديي كديما لرفض ليفني الانضمام إلى حكومة موسعة برئاسة نتنياهو، ومطالبتهم لها بإجراء مفاوضات معه بهذا الشأن. ومن هؤلاء قياديون لهم تأثير كبير على قرار ليفني النهائي، أمثال: الوزير "شاؤول موفاز" والنائب الأول لرئيس الحكومة "حاييم رامون"، والوزير "زئيف بويم" ورئيسة الكنيست "داليا ايتسيك"..
وربما لتغطي ليفني افتقار كديما لهوية أيديولوجية تُوحِّد أعضاءه أطلقت، بعد تكليف نتنياهو بتشكيل الحكومة، سلسلة من التصريحات، حاولت فيها الإيهام أن لكديما أيديولوجية أيضاً، سمَّتها (طريق كديما)... وتتمثلُ هذه الطريق، كما تقول ليفني، (بسلسلة أمور تحتاجها إسرائيل، بدءاً من دفع السلام، إلى محاربة الإرهاب، حتى القضايا الداخلية التي ينبغي تصحيحها). ولأن ليفني، كما أكدت منفعلة، تُمثل تلك الطريق وتقودها، فإن مسوغ رفضها الانضمام إلى حكومة موسعة بزعامة نتنياهو، ينبع من تمسكها بطريق كديما من جهة، ومن عدم رغبتها بأن تكون (غطاء لحكومة شلل سياسي) من جهة أخرى. لكن ليفني تدرك قبل غيرها أن كلامها هذا ليس صحيحاً، بل هو مجرد (فش خلق) تُنفس به عن غيظها من الاضطرار إلى الاختيار بين نقيضين أحلاهما مرٌّ:
أ) إدراكها أن انضمام حزبها إلى حكومة موسعة بزعامة نتنياهو سيضفي على هذه الحكومة قسطاً من الاعتدال قد ينجح في الإيهام بأنها حكومة وسط سياسي.
ب) الذهاب إلى المعارضة، لعجزها عن تشكيل حكومة بدون الليكود، حتى وإن انضم ليبرمان والعمل وميرتس إليها، لأن مجموع مقاعدهم مجتمعين لا يصل إلى واحد وستين مقعداً.
إن جملة هذه الحقائق التي يعيها كل من نتنياهو وليفني معاً، ستُبقي الباب مفتوحاً، أمام احتمال تشاركهما في ائتلاف حكومي موسع، كما يرى محللون إسرائيليون كثيرون، ليس تلبية لرغبة صادقة لدى أيٍّ منهما في شراكة كهذه، ولكن لأنه ناتج الاضطرار إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ. فحكومة يمينية ضيقة قصيرة العمر تظل احتمالاً أسوأ، في نظر نتنياهو، من أي سلبيات قد تنجم عن مشاركة كديما في حكومة موسعة. كما يظلُّ جلوس كديما في صفوف المعارضة، بعد أن ربح الانتخابات، احتمالاً أسوأ، في نظر بعض أقطابه، من المشاركة في حكومة بزعامة نتنياهو.وهذا نقيض ما يراه أقطاب آخرون، من أبرزهم وزير الداخلية "مائير شيطريت" الذي يعتقد أن (انضمام كديما إلى تحالف حكومي برئاسة الليكود سيؤدي إلى انهيار كديما).
ولعل من اللافت أن يصدر عن ليبرمان نفسه ما يفيد تحبيذَه تشكيلَ حكومة وحدة موسعة، لاعتقاده أنها ستكون أطول عمراً وأكثر فاعلية من حكومة يمين ضيقة لابدَّ أن تواجه صعوبة في الحكم، تضطرها إلى توجيه معظم طاقتها للصراع حفاظاً على بقائها..
وهنا ثمة سؤال: إذا كان نتنياهو وليبرمان يريان أن حكومة وحدة موسعة أفضل لهما ولإسرائيل، وإذا كانت ليفني، تحت ضغط بعض أقطاب حزبها، قد تضطر للمشاركة في حكومة كهذه، فما الذي يؤخر نتنياهو عن إعلان تشكيلها إذن؟
من الواضح أن العائق الرئيس يكمن في تضارب الطروحات والمواقف بين الأحزاب المراد ضمها إلى حكومة وحدة موسعة، وذلك تجاه أكثر من مسألة، وعلى أكثر من صعيد.

ثانياً، سيناريو تشكيل حكومة يمينية ضيقة ونتائجه المتوقعة:
إذا أصرت ليفني على الذهاب إلى المعارضة، فإن ما ستتمخض عنه جهود نتنياهو حكومة يمينية ضيقة ستعاني، كما يتوقع عديدون، من كثرة التناقضات بين أعضائها، خارجياً وداخلياً، وعلى مختلف المستويات السياسية والعقيدية والاقتصادية والاجتماعية. وهو ما سيجعلها، بالتالي، قصيرة العمر. ولتأكيد صحة هذا الاستنتاج، قد تكفي الإشارة إلى التناقض العقيدي بين "يسرائيل بيتينو" العلماني، و"شاس" الديني، على خلفية محاولة الأول سنَّ قوانين تتعارض مع الشـرائع اليهودية، كإقرار الزواج المدني مثلاً، ومعارضة شاس لهذه المحاولة بشدة. وهنا أربعة أسئلة لابد من طرحها:

1) ماذا تعني حكومة يمين ضيقة بالنسبة لإسرائيل؟
إنها، وقبل كل شيء، تعني أن معظم الإسرائيليين يمينيون. وأن إسرائيل الآن كيان يعارض السلام لأنه ذو نزعات عنصـرية وعسكرية متطرفة جداً. كما يعني أن دور ما يسمى باليسار الإسرائيلي قد انتهى، منذ أن وافق على كذبة باراك، قبل سنتين، بأنه لا يوجد شريك فلسطيني. بل انتهى دوره منذ تسع سنوات، شهدت حملة السور الواقي والحربين على لبنان وغزة، دون اعتراض فاعل من قبل اليسار. بل إن حزباً يسارياً كميرتس قد مات فعلاً، وإلا كيف هو حزب يسار وسلام، ويؤيد شن حربين لم تكن لإسرائيل بهما حاجة؟

2) كيف سيكون أداء حكومة نتنياهو الضيقة، تجاه الفلسطينيين؟
من المؤكد أن نتنياهو لا يريد صنع سلام مع الفلسطينيين أو غيرهم من العرب، لكنه من المؤكد أيضاً لا يريد الاصطدام مع الأوروبيين والأمريكيين الذين يزعمون الآن بأنهم راغبون في صنع سلام كهذا، لذا، فمن المتوقع أن يعقد نتنياهو لقاءات مع سلطة رام الله، لنيل إعجاب الأوروبيين والأميركيين. ولكن سيتحدث مع ممثلي تلك السلطة عن السلام الاقتصادي فقط.
بالمقابل، يُستبعَد أن يشنَّ نتنياهو حروباً كتلك التي شنتها حكومة أولمرت، ليس فقط لأنه لم يشن أي حرب في الماضي، حين كان رئيساً للحكومة، بينما شن أولمرت حربين، بل لأن إدارة أوباما لن تمنحه ضوءاً أخضر لشن حرب ضد الفلسطينيين أو غيرهم، لتعارض الحرب مع توجهاتها في هذه المرحلة من جهة، ومع مصالحها التي تضررت إلى درجة كبيرة، في المنطقة، من جهة أخرى، بعد حروب العراق ولبنان وغزة.

3) كيف سيكون أداء حكومة نتنياهو الضيقة على الصعيد الإقليمي؟
من الصعب التوقع الآن، وإن كان مؤشر الحدس يرجح أن يكون الرئيس الأمريكي أوباما وليس نتنياهو هو اللاعب الأهم في المنطقة خلال المرحلة القادمة، وأن لا يكون بوسع نتنياهو سوى التجاوب طوعاً أو كرهاً، مع رغبات الإدارة الأمريكية الحالية وتوجهاتها ومصالحها. لكن هذا لا يعني حتمية اصطدام نتنياهو بقطار السياسة الأمريكية الشرق أوسطي، في ظل تأكيد أوباما التزامه بأمن إسرائيل ومصالحها، الأمر الذي يبقي سقف احتمال أن تصدر عن أوباما مواقف نقيض مواقف إدارة سلفه بوش تجاه العلاقة مع إسرائيل، سقفاً واطئاً للغاية، وهو ما يعني أن التوقعات حتى من جهة أوباما محدودة للغاية أيضاً.
لكن، وحسب المتوفر من المعطيات الظاهرة، على الأقل، لن يجرؤ نتنياهو، رغم تهديداته المستمرة لإيران، أن يشن حرباً ضدها دون إذن من إدارة أوباما، وهي لن تمنحه مثل هذا الإذن، بينما تغازل إيران لتسوية ملف الخلاف معها. لذا، أشارك المحللين الكثر الذين يعتقدون أنه لا ينبغي التخوف من حكومة نتنياهو الضيقة، بخصوص شن حروب قادمة، لكنني أخالفهم الاعتقاد بأنه قد يخرج شيء جيد من حكومة كهذه، لأن محور تفكير رئيسها وأعضائها سوف يتمحور حول السعي لإطالة عمرها ما أمكن، وهو ما يمكن ترجمته عملياً بإهدار الوقت في مفاوضات لا جدوى منها، سواء مع الفلسطينيين أو السوريين، لكسب رضا الأمريكيين فقط، ثم استغلال انشغال العالم بنتائج هذه المفاوضات، في بناء المزيد من المستوطنات. حتى لأظنُّ أنه ليس من الخطأ وصف حكومة نتنياهو القادمة بأنها ستكون حكومة استيطان بامتياز.
ومن المفيد الإشارة هنا إلى أن نتنياهو يختلف، في هذا المجال، اختلافاً جوهرياً عن كلٍّ من ليفني وباراك، بمعنى أنه سينجز ما يشاء بناءه من مستوطنات جديدة، وما يشاء توسيعه من أخرى قديمة، ولاسيما في القدس الشرقية، بسرعة ودون ضجيج زائد، تماماً كما فعل حين أنهى أحداث النفق تحت الأقصى بسرعة، في فترة رئاسته السابقة، ولم يجعل أزمتها تتفاقم.

4) كيف سيكون أداء حكومة نتنياهو الضيقة على الصعيد العربي؟
في ضوء سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة الراغبة في إعادة بناء العلاقات مع العالم الإسلامي، وقد بدأت بإعادة العلاقات مع سوريا فعلاً، وبفتح قنوات الحوار مع إيران على نقيض ما يطرحه نتنياهو تجاهها بوصفها الخطر الداهم على إسرائيل، والتغيرات في أوروبا ولاسيما بعد حرب غزة وانعكاساتها السلبية على الشارع الأوروبي تجاه إسرائيل، ونهوض حركة المقاومة العربية واشتداد عودها وتحولها إلى خيار في مواجهة خيار السلام إن فشل، من المستبعد أن تمنح إدارة أوباما لنتنياهو ضوءاً أخضر لفعل ما يريده، كما فعلت إدارة بوش مع شارون وأولمرت. وبالتالي، سيضطر نتنياهو إلى الحذر أكثر في التعاطي مع قضايا المنطقة، ليضمن ألا تسوء علاقات إسرائيل مع الإدارة الأمريكية الحالية بشكل كبير. وإن كان هذا يعني أن علاقات الطرفين ستكون أقل دفئاً، لكنها لن تصل إلى حد ممارسة ضغوط حقيقية على حكومة نتنياهو، إلا إذا فكر في شن حرب دون علم الأمريكيين، أو ضد رغبتهم، وهذا يعني أن معظم ما سيحدث في المستقبل القريب، بخصوص التسوية مع العرب أو حتى الموقف تجاه إيران، سيتم إقراره في واشنطن وليس في القدس. لأن نتنياهو لن يتمكن من عمل أي شيء بدون دعم أميركي.
وبالنسبة للمتوقع تجاه سوريا خصوصاً، فالأغلب أنه لن يكون إيجابياً، على صعيد عودة المفاوضات أو تقدمها، خصوصاً بعدما أعلن نتنياهو أن الجولان ستبقى في يد إسرائيل، وعزز إعلانه هذا بغرس شجرة في الجولان، عشية الانتخابات الأخيرة، مؤكداً أن إسرائيل بقيادته لن تنسحب منه أبداً. فعلامَ يفاوضه السوريون إذن؟ صحيح أن شارون قال مرة إننا لن نخرج من غزة، وخرج، لكن نتنياهو ليس شارون، وبالتالي لن يخرج من الجولان، ولن يصنع سلاماً مع سوريا، يفاجئ به الإسرائيليين والعالم.

خلاصة وخاتمة

من مجمل ما مر في هذا البحث، يمكن استخلاص ما يلي:


1) الحكومة القادمة يمينية التوجه والخطوات، ضيقة كانت أم موسعة:

أياً كان شريك نتنياهو في تشكيل الحكومة القادمة، كديما أو يسـرائيل بيتينو، فإن التطرف اليميني سيكون السمة الغالبة على هذه الحكومة، إذ لا فرق بين هذين الحزبين من ناحية المبادئ، وهذا ما يفسر عدم ممانعة ليفني، قبل اتخاذها قرار الذهاب إلى المعارضة، أن تشارك في حكومة موسعة مع حزب ليبرمان([3]). لأن مقارنة ما جاء في وثيقة مبادئ هذا الحزب التي سلمها إلى الليكود، متضمِّنة شروطه للانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو، مع ما تضمنه البرنامج السياسي لكديما من مبادئ وطروحات، تقودنا هذه المقارنة إلى وجود تطابق بين مبادئ الحزبين بنسبة 90% تقريباً، وهذا ما أكده (حاييم رامون) أحد قياديي كديما البارزين، غير عابئ بما أثارته موافقة حزبه على شروط ليبرمان العنصرية، من انتقادات وجهها قياديون في حزب العمل والأحزاب العربية.
فقد تضمنت تلك الوثيقة خمسة بنود هي: (إسقاط "حكومة حماس" في قطاع غزة، طرح مشروع قانون المواطنة على جدول أعمال الكنيست لتعديله بموجب الولاء والمواطنة، تغيير طريقة الحكم في إسرائيل، تشكيل مجلس وزاري مصغر لشؤون تشجيع واستيعاب هجرة اليهود إلى إسرائيل، منح حرية التصويت لأعضاء التحالف الحكومي على قضايا دينية مثل سن قوانين لتسهيل عملية التهود وإقرار الزواج المدني).
والغريب أن ينتقد قياديو حزب العمل هذا التوافق بين كديما ويسـرائيل بيتينو، لأن مقارنة مبادئ هذين الحزبين، مع ما تضمنه البرنامج الانتخابي لحزب العمل، ستنبئنا بوجود تطابق غير قليل بين أطروحات الأحزاب الثلاثة، ويشاركهم هذا التطابق على نحو ملحوظ الليكود أيضاً، وغيره من أحزاب اليمين والمتدينين، حين ننظر إلى طروحات الجميع من زاوية الموقف تجاه السلام مع الفلسطينيين والعرب عموماً، أو تجاه موضوعات الاستيطان وتشجيع الهجرة ونقاء الدولة اليهودية وغير ذلك من موضوعات عنصرية الوجه واليد واللسان. ولذلك، فأياً كانت التشكيلة التي ستتكون منها حكومة إسرائيل القادمة، ستكون يمينية الهوى والتوجهات والممارسة.


2) لا اتفاق سلام يبدو في الأفق القريب

إن إجماع الأحزاب الإسرائيلية، وخصوصاً الأحزاب الثلاثة الكبرى، على الربط بين الحل السياسي والترتيبات الأمنية من جهة، ومعارضتها البالغة للمطالب الفلسطينية فيما يتعلق بقضايا الحل الدائم، وخصوصاً اللاجئين والقدس والحدود، من جهة أخرى، يُبعد احتمالات التوصل إلى اتفاق أو حل قريب لإنهاء الصراع.
وبوصول الليكود، برئاسة نتنياهو إلى الحكم، بات احتمال التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل والفلسطينيين أمراً غير متوقَّع. وما كان ليختلف الوضع كثيراً لو كان الذي وصل إلى الحكم كديما بزعامة ليفني. فإذا كان نتنياهو يدير ظهره للمفاوضات، أَجْدَتْ أم لم تُجدِ، فإن ليفني تتحدث عن حل للصراع لن يتجسد واقعاً، إلا بعد 15 أو 20 عاماً، وهو ما يعني عملياً، أن لا حل لديها ولا اتفاق في جعبتها، بل مجرد حرص على مفاوضات لا مجدية. وربما هذا ما دفع أحد المحللين الإسرائيليين إلى القول، وهو مصيب في قوله: (إن لدى ليفني إستراتيجيةَ مفاوضات ولكن ليس لديها إستراتيجية للتوصل إلى اتفاق).
لكن، ينبغي التنبه هنا، إلى أن كلَّ المواقف المتعنتة، آنفة الذكر، التي ضمَّنتها الأحزاب الإسرائيلية الفائزة بمقاعد الكنيست الحالي، في برامجها الانتخابية وتصريحات قادتها، لا تعني أن الحكومة الإسرائيلية القادمة، أياً كانت تشكيلتها، لن تجري مفاوضات سياسية، وخصوصاً مع الفلسطينيين. بل على العكس تماماً، ذلك أن القناعة الراسخة في إسرائيل، والمستندة إلى تجربة السنين الماضية، تبيِّن أن إسرائيل حين تكون في خضم عملية مفاوضات، لا تتعرض لضغوط دولية، وخصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وفي ضوء هذا المعطى، يمكن المراهنة على أن حكومة إسرائيل القادمة، موسعة كانت أم ضيقة، أم برأسين، ستحرص على الاستمرار في لعبة المفاوضات اللامجدية مع الفلسطينيين، وربما مع سورية، لتفادي ضغوط الإدارة الأميركية الجديدة عليها، بالدرجة الأولى، خصوصاً بعدما أعلن رئيسها أوباما اعتزام إدارته السعيَ بصورة "نشطة وقوية" لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.

([1]) وهو الاسم الجديد لحزب المفدال.

([2]) (سبعة وعشرون لليكود، وخمسة عشـر ليسـرائيل بيتينو، وستة عشـر للمتدينين، وسبعة للمستوطنين).

([3]) (بينما رفضت مشاركة شاس الديني لرفضه استمرار المفاوضات مع سلطة رام الله)

[/align]

[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
نقاشات مفتوحة -القضية الفلسطينية والوطن العربي إلى أين ؟! هدى نورالدين الخطيب قاعة الندوات والمحاضرات 42 11 / 01 / 2015 42 : 12 PM
المرأة الفلسطينية والسياسة، الدور.. والواقع.. والعوائق مازن شما فلسطين تاريخ عريق ونضال شعب 0 21 / 06 / 2014 36 : 04 AM
علم الكيان الصهيوني بجهازك فقم بحذفه جمال سبع علم الحاسوب و تصميم المواقع والانتشار 1 21 / 06 / 2011 47 : 12 AM
الكيان الصهيوني عزت الخطيب الشعر العمودي 4 23 / 05 / 2011 42 : 04 PM
دولةالعدو الصهيوني تفرض الحضور الأكبر في الانتخابات الأميركية هدى نورالدين الخطيب المقــالـة الأدبية 0 16 / 09 / 2008 08 : 09 AM


الساعة الآن 24 : 07 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|