[طلعت سقيرق]

[align=justify]
قد يسأل أحدهم عند قراءة العنوان : هل نترك كل القضايا الأدبية المعاصرة ونعود هكذا دون سابق إصرار إلى السيرة الشعبية ؟؟.. مثل هذا السؤال جائز..ومثله جائز أيضا أن نتحدث عن التراث، أو أي جزئية من جزئيات أدبنا العربي قديمه وحديثه دون حاجة إلى وضع مبررات ، كون الأدب متصل غير منقطع ، والصورة التي نتمثلها في كتاباتنا اليوم لا تعني بأي حال نسف الجسور التي تصل بين أدبي الحاضر والماضي .. لكن غايتي هنا بعيدة عن كلّ ذلك ، ومتعلقة بالحاضر كما بالمستقبل والماضي ..فالسيرة الشعبية ، وهي كثيرة في أدبنا وذاكرتنا ، لم تتركنا في يوم من الأيام بمنأى عنها ، من هذه النقطة منطلقي ، إذ يقول سؤالي ببساطة : ما معنى أن يستمر مثل هذا الأدب بكل جزئياته وتفاصيله حيا متحركا رائعا شديد الجذب حتى اليوم؟؟.. والسؤال المقابل أو المتداخل هنا يقول : لماذا لا نقبل على كثير من أدبنا السردي المعاصر في كل مستوياته مثل هذا الإقبال ؟؟..
حين نفتح كتابا من كتب السيرة الشعبية ونبدأ بالقراءة ننسى الوقت والمحيط والكثير من الأشياء ، مشدودين بقوة إلى صفحات تكاد تغلي بما تحمل .. وفي كثير من الأحيان نترك الكتاب عند صفحة ما دون أن نبتعد عما قراناه ، وكأنه في سطوره ينقلب إلى شيء يسكننا ويسكن تفكيرنا ، فلا ننسى الحدث أو البطل أو الواقعة والمشاهد والامتداد ، مما يشدنا ما أن نتفرغ للقراءة لصفحات الكتاب كي نتابع ما كنا فيه غير متأثرين بالانقطاع الذي حدث ، وإن امتد هذا الانقطاع أياما ، مما يعني أنّ هناك يدا خفية تشدنا إلى هذا الكتاب أو ذاك من كتب السيرة ، التي فيها من السحر ما فيها ..وهنا تكمن النقاط التي قد نطلق عليها الأسرار والمفاتيح وما شابه .. فما هي هذه الأسرار والمفاتيح في مثل هذه الكتب التي تزاحم السرد المعاصر ببساطة وتسبقه ؟؟..
إنّ أهم ميزات هذا الأدب المنسوب إلى مؤلف أو المتروك منتسبا إلى مؤلف أكبر هو الشعب ، أنه يتميز بالبساطة والعمق والأصالة والمتعة والفائدة وحركة الحدث التي لا تكاد تهدأ .. هذه حسب اعتقادي أهم المكونات لهذا الأدب ، وهي مكونات ليست سهلة أو قريبة من يد كل واحد كما يظن للوهلة الأولى ، بل هي شديدة الحساسية عصية صعبة على من لا يملك جوانبها ومعانيها باقتدار ..وطول حياتها ، أو كونها المتواجدة زمنا بعد زمن في ضمير الناس دون أن تبهت ألوانها أو تزول خير دليل على أهميتها من جهة وصعوبتها من جهة ثانية .. ولا ننسى أنّ بعض هذه السير يمتد ليشمل مجلدات كثيرة عديدة ، كسيرة الأميرة ذات الهمة .. مما يعني أيضا أنّ الطول والقصر ، كما ندعي كثيرا فيما نكتب من سرد ، لا علاقة لهما بقوة الشد والجذب وتراخيهما ..فالسر كامن في المحافظة على هذه الخلطة السحرية المكونة مما ذكرت على مدار الصفحات .. وإذا كان السارد " الحكواتي " ممثلا بالفطرة يضيف إلى هذه الخلطة عنصرا آخر ، ويعوض عن غياب التلفاز وسواه اليوم .. فلا ننسى أنّ كل الأدوات التي توفرت وجعلت الثقافة قريبة أشد القرب ، إذا سمينا كل ما يعرض في التلفاز وغيره ثقافة!!.. لم تغير من قيمة السيرة الشعبية عند القراءة رغم غياب السارد والذي كان ركنا من أركان الجذب .. مما يعني أنّ الأدب المتصف بما أوردته يبقى رغم كل جديد يدخل حياتنا حيا حيويا قادرا على الاستمرار في نبض الزمن مهما مر من أيام وسنوات .. فهل نأخذ مثل هذه النماذج لتكون مرجعا أو مثلا يحتذى لما نكتبه؟؟..
باعتقادي ما يكتب بأسلوب ما يكون لمرة واحدة لا تتكرر ..يمكن أن نطبق هذا على السير أيضا ..فلكل سيرة كتلتها ومحمولها وحكايتها وأسلوبها .. وما يمكن الاستفادة منه منوط بما أوردته عن الخلطة السحرية التي على الكاتب أن يستفيد من معانيها فيما يكتب ليعطي كتابته الحياة .. كيف يفعل الكاتب ذلك ؟؟..طبعا الأمر متروك لكل كاتب ليأخذ من معاني هذه الخلطة السحرية ما ينفعه ..
[/align]