تسعة شهور كاملة مرت على الحمل .. وجاء اليوم العصيب .. يوم الولادة . وحانت اللحظات التي تعلن عن رغبة الجنين في الخروج إلى علم الدنيا بأمر الله . وتمر الساعات و الدقائق و الثواني مسرعة و متلاحقة .. متباطئة و متباعدة .. بين الألم و الصراخ .. والخوف و الإنتظار لمجئ المولود الجديد .. ذكر أم أنثى ؟ .. ما هو لون بشرته ولون عينيه ؟ .. هل يشبه الأم أو الأب ؟ وأسئلة أخرى كثيرة و مثيرة تدور في أذهان الجميع , خاصة الأم . ويظل الأمل و الرجاء الوحيد في عقل و قلب الأم أن ترى مولودها طفلاً جميلاً موفور الصحة .. وله ملامحها !
بأمر الله .. يبدأ الرحم في الإنقباض و الحركة معلناً بدء مرحلة الولادة .. وتنطلق مراحل الوضع متلاحقة .. وتقترب الفترات بين إنقباضات الرحم .. يزداد ألم و أمل الأم رويداً رويدا. ويضطرب الزوج و الأقارب و المقربون للأم .. ويبدأ الطبيب يمارس عمله في عملية التوليد .
ويأتي إلى الدنيا و إلى العالم الجديد عضو جديد من أعضاء الحياة البشرية .. يحمل إسماً و رزقاً و حظاً من الحياة لا يعلمه إلا الله وحده.
مرحباً بالمولود الجديد
رحلة غريبة وعصيبة قد مر بها هذا المخلوق البشري الجديد إلى عالم الدنيا .. خرج من عزلته وحياته الخاصة وصندوقه المغلق العجيب , إلى أيدي تتلقفه وتضربه على ظهره.. تدفعه للصراخ و البكاء .. يبكي فيضحكون .. ويصرخ فيسعدون !!
" أتركوني ألتقط أنفاسي الأولى !!" .. " أريد الدفء .. أشعر بالبرودة !! " ماهذه الأصوات الصاخبة من حولى ؟ .. ما هذه الأشكال و الصور الغريبة التي أمامي ؟.. أين أمي ؟؟؟
هذه المطالب و الأسئلة المتلاحقة يطلقها الوليد .. يطلب ويسأل .. يستنجد و يستعطف من حوله .. وتبقى رغبته الأكيدة " أريد أن أستريح من عناء هذه الرحلة العجيبة الغريبة الشاقة للخروج إلى العالم الجديد .. عالم الحياة الدنيا . أنا متعب .. إتركوني أنام "!
رسالة إلى أم المولود :
الآن قد جاء إلى الدنيا وليدك الجديد .. قطعة من جسدك .. روح من روحك .. قطعة بشرية تحمل الكثير من صفاتك الجسدية و العقلية و النفسية , الظاهر منها والباطن . انظري إلى طفلك و تأملي عظمة إمتداد الحياة بقدرة الله القادر على الخلق والتكوين و الإبداع ! .. اشكري الله كثيراً على بث الله للروح و الحياة في طفلك. اشكري الله كثيراً على خروجك من تجربة الحمل و الولادة بسلام و خير .. تغلبي على آلامك و تخطي دهشتك .. فلقد مرت أوقات الانتظار , وها هى لحظات الانتصار .
اشعري طفلك بالحنان و الحب و الطمأنينة من أول لحظات الحياة والخروج إلى علم الدنيا .. ضميه إلى صدرك .. إمنحيه حنانك و عطفك .. إجعليه يشعر بدفء جسدك و حرارة بدنك و دقات قلبك ورائحة عرقك .. إنه قطعة منك .. وهدية من الله الخالق الوهاب إليك .
لا تبخلي على طفلك بعاطفة الأمومة النبيلة .. أمطري جبهته ويديه بالقبلات .. تحسسي برفق أعضاء جسمه .. إجعليه يشعر بحنان يديك و نظرة عينيك .. إنظري إليه كثيراً وتأملي فيه طويلاً لتقوى العلاقة الروحية و النفسية و العقلية بينك و بينه وليشتد وثاق الترابط بينكما .
اتركي طفلك ساعة أو ساعتين ليهدأ من رحلته الشاقة .. دعيه ينام و يهنأ و يُعّود جسده على حرارة جو الحياة الدنيا .. و يريح أعضاء جسمه المتعبة لكي تتأقلم على التغييرات الجديدة .
ماذا يحدث عند الولادة .. وبعد الولادة ؟
عند بدء عملية الولادة بإذن الله.. يبدأ الرحم في الانقباض لإخراج الجنين إلى الحياة الدنيا .. وبقطع الحبل السري تنقطع تغذية وحياة الجنين المعتمدة تماماً على دم الأم .. لكن لا تنقطع أبداً الصلة الروحية و العاطفية بينهما !!
يبدأ الوليد في حياته الجديدة المختلفة .. بيئة العالم الخارجي التي تختلف تماماً عن بيئته داخل الرحم .. تختلف طريقة التغذية و التنفس و الشم و السمع و الرؤية ودرجة الحرارة المحيطة به.
في لحظات خروج الطفل من رحم الأم للحياة الدنيا , يتبدل كل شئ .. يبدل الله النظام الداخلي الدقيق العامل في جسم الجنين , إلى نظام آخر يناسب حياة الطفل حديث الولادة .. قدرة إلاهية فائقة و عظيمة محكمة الصنع و التمكن .. يندفع الهواء إلى الرئة و يتغير التنفس الجنيني المعتمد تماماً على المشيمة و دم الأم , إلى تنفس يعتمد على دخول الهواء إلى القصبة الهوائية . و تتمدد أنسجة الرئتين .. وتبدأ عمليات الشهيق و الزفير .. يدخل غاز الأكسجين و يخرج غاز ثاني أكسيد الكربون .وتحدث تغيرات هامة في الدم و الجهاز الدوري و في حركة الدم و في الشرايين و الأوردة المتصلة بقلب الطفل . ويبدأ الجهاز الهضمي يجهز نفسه لإستقبال الرضاعة و التغذية عن طريق الفم بدلاً من إعتماده في الرحم على الغذاء الجاهز عن طريق المشيمة من دم الأم .
هذه التغيرات التي تتم بمشيئة الله, لها الدور الفعال الأساسي في تأقلم الطفل حديث الولادة وتعوده على الحياة الجديدة .
و بداية لحياة صحية سليمة .. وفروا للطفل جواً صحياً ملائماً من حوله .. هواءً نقياً .. وغذاءً صحياً . تعاملوا برفق ولطف و حنان مع جسم الطفل .. إتركوا الطفل يستريح وينام كيفما يشاء .. وفروا له البيئة الصحية الصلحة لحياته الجديدة .. والجو المناسب لنموه ..والعلاقات و الأحاسيس و العواطف الجميلة الملائمة لتطوره و نموه و تكوينه.. ليسعد الطفل بكم و تسعدوا و تفرحوا به .
تحياتي د/ ناصر شافعي