التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,861
عدد  مرات الظهور : 162,368,564

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > جداول وينابيع > الخاطـرة
الخاطـرة فيض الخاطر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 20 / 06 / 2009, 14 : 10 PM   رقم المشاركة : [1]
غسان حورانية
قاص وكاتب

 الصورة الرمزية غسان حورانية
 




غسان حورانية is on a distinguished road

ذكريات معاشية

[align=justify]
عندما صرت واعياً وعارفا لمعنى الأخذ والعطاء ، كان مرتب والدي مقنعاً ومصدر اطمئنان لكافة أفراد الأسرة ، مع أنه يعتبر في ذلك الحين من الرواتب المتوسطة للموظفين الحكوميين ؛ وكان والدي ولا يزال ، يردد على مسامعنا ، وفي كل المناسبات ، أنه عندما طلب الاقتران بوالدتي ، قال لها : إنه يتقاضى نصف المبلغ الحقيقي في ذلك الحين ، وحذرها مما يمكن أن تلاقيه معه في المستقبل من ضيق، وضنك ، ومعاناة ، وذلك تحسباً من تقلبات الزمن ، ودرءاً لاحتمالات ( النق ، والهت ، والنكد ) ولكن والدتي أصرت على ترديد الأسطورة المعروفة بأن المهم الرجل ، والمال يذهب ويأتي ، وهذه سنة الحياة … ومع ذلك فقد كان هذا – المعاش – ينعكس على والدي وعلينا هيبة ووقاراً ممن حولنا ، وكان هذا الوضع يمنحنا الشعور بالأمان والبهجة ، فكثيراً ما كنا ننتظر ما يحمله والدي لنا من مفاجآت ، بعد عودته من العمل المسائي خارج نطاق الوظيفة ، وغالباً ما يكون ذلك طبقاً من الهريسة ، أو الكنافة النابلسية ، أو العوامة ، وأحياناً نفاجأ بأنه يحمل (حبة جوز هند كبيرة ) كانت هذه الجوزة تذكرنا بأفلام – طرزان و شيتا – فنلتف حوله في السهرة نترقبه وهو يكسر قشرتها الصلبة ، لنتدافع بعدها على اقتسام الماء الذكي الذي بداخلها ، أما ( سطل القشدة ) فغالباً ما يتوافق حضوره مع يوم الخميس ، بحيث نمضي سهرة عامرة لا تخلو من الضيوف ، نتوجها ( بصينية المدلوقة ) التي اشتهرت بها عائلتنا بين الجوار ، فأخذوا يتبادلون معنا عملية السكبة أملاً بأن تعاد صحونهم بقطع منها .
_ وعندما فقد والدي عمله المسائي وأخذ راتبه الأصلي يفقد خواصه الفيزيائية والكيميائية ، أخذنا بادئ الأمر نستعين بمدخرات الماضي و خيراته ، نعلل النفس على أنها فترات عابرة، وغيوم دكناء لا بد لها أن تنقشع وتعود الإشراقة من جديد، ولكن كل مالا ينبع ينضب فسرعان ما نفدت هذه المدخرات ووجد هذا الراتب نفسه وحيداً يئن ، ويلهث ، ويجري بالاتجاه المعاكس لمتطلبات الحياة ، ما كان منها معروفاً وما استجد ، ففي كل يوم تنهض ( شلعةٌ ) من الحاجيات التي كانت في عداد الكماليات وتمتد بأعناقها ثم تقفز لتجلس وتتصدر في سدة الحاضر وضرورياته ، وفي كل فترة من الزمن تصدر قائمة ثورية بإلغاء تقاليد بالية (كإجراء الولادة في المنزل عن طريق القابلة ) كما حصل لكاتب هذه السطور المتواضعة ، وكالعلاجات الشعبية التلقائية، كالحقنة والبابونج وزيت النانرج والخشخاش الذي لا أزال أشعر بخشة في رأسي من تأثيراته الضارة … وهذه القرارات الثورية المتمردة على مخلفات الماضي لا بد منها في واقع الأمر بعد أن غدت المشافي أكثر أمناً عند الولادة ، وبعد أن أخذ طبيب العائلة دوره المطلوب ، وبقي الذنب العظيم على الراتب وحده الذي بقي محاصراً من جميع الجهات .
خلال هذا التاريخ الحافل بالطفرات والاستطالات والتهجينات في المتطلبات والنفقات التي رافقت إحالة والدي على المعاش ، أخذت حياتنا المعاشية تتبدل شيئاً فشيئاً ، فكان أول ما فعله هو الكف عن ارتياد المطاعم والمقاهي فاستبدلنا ذلك بالنزهات في الهواء الطلق عبر حقولٍ كانت قريبة منا ( قبل أن يمتد عالم الأسمنت المسلح إليها) فوجدنا فيها لوناً جديداً وعزاءً مقبولاً ، فكنا نصطحب معنا الكرة ، والريشة ، والمضارب ، ثم نعود إلى المنزل متعبين لنجد أنفسنا جميعاً مستغرقين في نوم لا يعتريه أرق ولا قلق ، وكان والدي لا ينفك عن إبداء سروره بهذه النزهات مظهراً بأنه قد استبدلها من تلقاء نفسه ، في محاولة منه للاحتفاظ بتوازنه المعهود أمامنا ، ثم اختصرنا في تبادل الدعوات على أضيق نطاق وقل احتكاكنا بالآخرين فلم يكن ما لدينا من أثاث منزلي وستائر وغيرها مما يشجع على استقبال ضيوف ، وبدأت الإبرة بيد والدتي تفعل فعلها في إصلاح ما يمكن إصلاحه من ثياب وأغطية وستائر وغير ذلك .
- ذات صباح ، أفقت على حوار شجي حزين جرى بين والدي ووالدتي تناول حاجة المنزل لأشياء عديدة، وحاجة الأولاد إلى ألبسة جديدة خاصة وقد قرب حلول العيد الذي لم يعد سعيداً في نظر والدتي … انتظرت خروج والدي ، وتوجهت نحو أمي فإذا بها تمسح دمعة كانت تترقرق على خدها فقلت لها مواسياً ومداعباً : نحن يا أماه بألف خير وعافية … غداً سأشتري لك من راتبي وجوهاً جديدة ( لدواوين غرفة الجلوس) وإنك لتعلمين يا أماه ما كان يبذله والدي من أجلنا جميعاً ، وتعرفين حالته الصحية الحالية … لم يكن لدينا في السابق منزلٌ ولا سيارة كما هو الآن ، وكنا سعداء للغاية فما بالنا اليوم ، كل هذه الأمور المادية بسيطة يا أماه ، تذهب وتعود ، ولكن : كما كنت تقولين لوالدي ( المهم الرجل.. يا أماه )
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
غسان حورانية غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 06 / 2009, 37 : 01 AM   رقم المشاركة : [2]
ميساء البشيتي
شاعر نور أدبي

 الصورة الرمزية ميساء البشيتي
 





ميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: القدس الشريف / فلسطين

رد: ذكريات معاشية

اخي الكريم غسان حورانية

خاطرتك تحوي قصة وقصة ربما عشنا معظمنا ظروفها

وجميل ان اخترت عنوانها ذكريات معاشية

استمتعت بالقراءة لك اخي غسان وفي انتظار المزيد من نتاجك الأدبي الجميل

توقيع ميساء البشيتي
 [BIMG]http://i21.servimg.com/u/f21/14/42/89/14/oi_oay10.jpg[/BIMG]
ميساء البشيتي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 21 / 06 / 2009, 42 : 01 AM   رقم المشاركة : [3]
ناهد شما
مشرف - مشرفة اجتماعية


 الصورة الرمزية ناهد شما
 





ناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond reputeناهد شما has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: صفد - فلسطين

رد: ذكريات معاشية

الأستاذ الفاضل غسان / حفظك الله
ما أروع خاطرتك , هذه الخاطرة التي هي قصة واقعية لأكثر البشر
قصة مليئة بالأحداث التي تحصل لأناس كثيرين
سررت جداً بقراءتها
وهذه هي الحياة يوم لك ويوم عليك
وأنا أؤيد الوالدة الرائعة برأيها وأضم صوتي إلى صوتها

ولكن والدتي أصرت على ترديد الأسطورة المعروفة بأن المهم الرجل ، والمال يذهب ويأتي ، وهذه سنة الحياة

لديك قلم موهوب وهذا النسج يخطو ربما من الخاطرة إلى القصة القصيرة

ننتظر المزيد من هذا الإبداع
دمت بخير
توقيع ناهد شما
 
سأنامُ حتى ساعة القلقِ الطويلِ وأفتحُ العينينِ من أرقٍ
يدي إنْ أقفلتْ كلّ الأصابع كي تشدّ على السرابِ
أعودُ مقتول الشروع بغسل أحلامي الصغيرةِ
كم تمنيتُ الرجوعَ إلى الطفولةِ يافعا ويردّني
صوتُ ارتطامي بالزجاج المستحيل على المرايا
أشتري منكمْ صلاتي فامنحوني ما تبقـّى من زمانٍ
وامنحوني كأسَ أحلامٍ تشظـّى في الظلامِ
عبرتُ نحوي كي أردّ قميص وقتي للزمانِ
فتهتُ في وجع النخيلِ ولمْ أنمْ إلا قليلا ..
الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق
ناهد شما غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
هي ذكريات ميت عبدالحليم الطيطي ابو حذيفة ديوان نور الأدب 0 16 / 07 / 2022 54 : 04 PM
ذكريات رشيد الميموني ملف القصة / رشيد الميموني 6 14 / 09 / 2020 31 : 09 PM
ذكريات زين العابدين إبراهيم قصيدة النثر 5 11 / 11 / 2014 07 : 09 PM
ذكريات ماجد الملاذي الشعر العمودي 2 29 / 04 / 2013 01 : 08 PM
ذكريات محمد حمدي غانم الشعر العمودي 2 06 / 02 / 2012 16 : 03 AM


الساعة الآن 41 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|