رباطة جأش
رباطة جأش
حكاية للأطفال
نزار ب. الزين*
أنعم الله على تاجر الأقمشة عبد الرحمن
، بخير النساء ( و هو اسمها ) ،
زوجة شابة لم تتجاوز الرابعة عشر ، بارعة
الجمال ، لطيفة المعشر ، سيدة
بيت من الدرجة الأولى رغم صغر سنها ؛
فمنحها كل حبه و غمرها بكرمه و
رعايته ، و ظلت أيامهما عسلا ، لولا أن
رأى ذات ليلة حلما جعله دائم
السرحان ، فقد رأى فيما يراه النائم ،
شيخا وقورا بملابس بيضاء ، يأمره
بأن يلبي فريضة ربه الخامسة .
قال له الشيخ : " لقد أنعم عليك ربك بالرزق
الوفير ، و بالزوجة الصالحة
، فما يقعدك عن طاعة ربك و الحج إلى بيته
العتيق ؟" .
أصابته حيرة شديدة ، ما كان يؤرقه ليس
فكرة الحج التي لاقت لديه استحسانا
كبيرا ، ما أرقه هو زوجته الطفلة ، فهي
حامل في أولى أشهرها ، و هي
صغيرة على تحمل مشاق السفر الطويل ، و هي
أيضا يتيمة ، فقد توفي
والداها بعد أن زفت إليه بشهرين إثر
جائحة مرضية ، و ليس لديها إخوة
أو أخوات أو أعمام و عمات أو أخوال و
خالات ، فليس من يودعها عنده من
المحارم.
ثم جاءه الفرج على شكل فكرة لمعت في راسه
، فجاره الملقب بالهندي لأنه
معظم بضائعه يستوردها من الهند ، هو جار
في السوق و جار في السكن ، و
منزله بجوار منزله و لا يفصل بينهما سوى
الجدران ، و هو رجل طيب و متدين
و خلوق ، و زوجتاهما متصاحبتان و
تتزاوران باستمرار ؛ إذاً لماذا لا
يوصيه بزوجته و يتكل على الله ؟!
و هذا ما كان ..
توكل عبد الرحمن على ربه و التحق بقافلة
متوجهة إلى الأراضي المقدسة ،
أما زوجة الجار ، فكانت تقضي معظم يومها
عند خير النساء ، و لا تتركها إلا
مع غياب الشمس ..بينما كان زوجها الهندي
يؤمن لها كل لوازمها من السوق .
و ذات مساء ، انصرفت الجارة ، و نسيت خير
النساء أن تغلق الباب وراءها
بالرتاج ، و بينما كانت تصعد إلى الطابق
الثاني حاملة صينية رصت فوقها
طعام عشائها ، إذا بها تسمع صوت حركة
غريبة مريبة آتية من ناحية باب
الدار ، كانت قد وصلت إلى غرفتها فوضعت
الصينية على الأرض على عجل ، و
هرعت نحو النافذة المطلة على الساحة ،
فشاهدت شخصا فارع الطول ، ضخم
الجثة ، أسود البشرة ، يقتحم الساحة ، ثم
يبدأ بالصعود نحوها .
أصيبت برعب شديد ، و لكنها تمالكت نفسها
، و نادت بأعلى صوتها : " من
هناك ؟ " ، فأجابها صوت أجش : " أنا ابن عمك
مرجان الجوعان ! " ثم
أكمل صعوده الدرج غير هياب ، و ما أن
شاهد صينية الطعام حتى دفع خير
النساء بعيدا و جلس القرفصاء ، و أخذ
يلتهم ما في الصينية بدون استئذان
..
ظلت خير النساء مرتبكة و لا تدري ما تفعل
، حاولت التسلل لغرض الهروب ،
فانتتبه إليها و منعها ، ثم أمسك أحد
الأطباق و أخذ ينقر عليه : و هو
يغني بصوت أشبه بالنهيق ، ثم أمرها بأن
ترقص على إيقاع كلمات أخذ يرددها
:
" طبق .. طبق
ياعيني على الطبق
أكلنا ما فيه
حتى ما فيه انمحق
قُدَّامي منثور و حبق
و بدر بنوره لليل فلق
بنت عمي …
مليانات يديك أساور
مليانات ذانيك حلق
و صدرك بالألماس
عم يبرق برق
و يا الله يامرجان
انفر على الطبق
جاءتك السعادة على طبق "
أحست خير النساء بخطورة ما يقول ، و أنه
طامع في ما تملكه من مصاغ ، و
أنه لن يتورع عن ذبحها لتحقيق مآربه ، و
بصعوبة لملمت شجاعتها ..
ثم …
أخذت ترقص و تغني بأعلى صوتها ، مقتربة
من نافذة غرفتها كلما سنحت لها
فرصة :
" يا جارنا الهندي
تعال شوف شو عندي
عندي عبيد اسود
رايد يقتلني "
لم ينتبه إلى كلماتها ، بل تابع يردد
غناءه القبيح " يا الله يا مرجان …
انقر على الطبق .... جاءتك السعادة على طبق
! " ؛ بينما استمرت خير
النساء ترقص و تغني :
" يا جارنا الهندي
تعال شوف شو عندي
عندي عبيد اسود
رايد يذبحني "
انتبهت زوجة الجار ، إلى صوت جارتها خير
النساء ، اقتربت من نافذتها
أكثر ، فتأكدت مما تقوله خير النساء : " يا
إلهي إنها تستغيث بنا !"
همست في سرها ...
ثم ….
سارعت إلى زوجها تخبره ، الذي اقترب
بدوره من النافذة فسمع ما سمعته ..
فما كان منه إلا أن استل سيفه من غمده ..
ثم …..
صعد إلى سطح داره حافي القدمين، و منه
قفز إلى سطح جاره عبد الرحمن …
ثم ……
تسلل على رؤوس أصابعه ، حتى بلغ موقع
الصخب .
و بينما كان ذلك الوحش الآدمي ، لا زال
منهمكا بالقرع على الطبق ، و هو
يغني " طبق ..طبق .. " ، و قد بلغت به النشوة
مبلغها ، عاجله الهندي
بضربة من سيفه أخرسته إلى الأبد .
===================
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو الجمعية الدولية للمترجمين و
اللغويين العرب
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|