التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,869
عدد  مرات الظهور : 162,407,125

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 05 / 08 / 2009, 57 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
د.يوسف جاد الحق
روائي وقاص

 الصورة الرمزية د.يوسف جاد الحق
 




د.يوسف جاد الحق is on a distinguished road

الصديقة

[align=justify]

(1)

جلست زوجتي في قاعة الانتظار، على الكنبة الجلدية التي تتسع لثلاثة أو أربعة، ننتظر دورنا لمراجعة الطبيب، فيما كانت الممرضة، ذات الرداء الأبيض، تخرج بين الفينة والأخرى لتطلب إلى إحداهن الدخول، إذ حان دورها.
أقبلت في هذه الأثناء شابة أنيقة، ممشوقة القد، تناهز الثلاثين من عمرها، وهو ما يقارب عمر زوجتي يسرى –حسب عقد زواجنا- شرعت أعقد مقارنة بينها وبين زوجتي ولكني احتفظت بذلك لنفسي ابتغاء السلامة، أو قل تفادياً لإثارة الزوابع والرياح الهوجاء..!
اتخذت المرأة الوافدة المثيرة للانتباه، مقعدها إلى جانب زوجتي في الناحية الأخرى، وإن كنت أعترف لك –قد آثرت لحظتئذ لو أنها جلست إلى جواري، وفي المكان متسع لها. –لكنهن- كما لا شك تعرف- حريصات على ألا يتصرفن على النحو الذي يرضي رغباتنا أنا وأنت. لماذا يبيِّتن نحونا –معشر الرجال- سوء النية منذ الوهلة الأولى.. أقسم لك أني لا أعرف..!
مضيت في مقارناتي: زوجتي سمراء جذابة –لابد أن أقول هذا لأنها سوف تقرأ هذه السطور- وتلك شقراء. زوجتي متوسطة الطول وهذه طويلة كالنخلة الباسقة. الشعر ذهبي لكليهما، وإن كانت أسباب تشابه اللونين مختلفة..! لم تلفت المرأة نظري وحدي بل أنظار الأخريات والآخرين، الذين حضروا مثلي بصحبة زوجاتهم الأنيقات.. الحق أن وجودنا نحن الرجال في عيادة خاصة بالشؤون النسائية كان محرجاً لنا، حتى أننا بدونا كالمتطفلين على المكان. النساء كنَّ يقذفننا بنظرات لا سبيل إلى وصفها بأنها نظرات إعجاب.. أو مودة..
لقد خطر لي أنهن، يقلن: "أنتم السبب فيما نحن فيه، أيها السادة، سواء منا الحامل أو المرضع، أو التي تريد أن تحمل أو ترضع، أو حتى تلك الساعية إلى الإجهاض.. (كله منكم) أيها الأوغاد.. نحن نتألم من أجلكم، نحن نعاني، كما ترون، لا لشيء إلا لكي نشبع رغباتكم الـ.." هكذا سمعت أفكارهن داخل رأسي..

خرجت الممرضة من لدن الطبيب، في هذه الأثناء، مرة أو مرتين. لم تعد هي التي تسترعي انتباهي منذ الآن. خرجت لكي تدعو صاحبة الدور إلى الدخول. بعد لأي رأيت المرأة التي وفدت عما قليل تتحرك في جلستها، مزيحة جسدها لكي تقترب من زوجتي ولتهمس إليها بكلمات حرصت، كما بدا لي على ألا أسمعها.
ردت زوجتي بهمس مماثل، وقد بدت على محياها سيما مودة صادقة، وعلى شفتيها ابتسامة رقيقة، أحظى أحياناً بمثلها وإن يكن في مناسبات قليلة، رغم انقضاء سنين طويلة على زواجنا..! يمضي الوقت بطيئاً، لتقترب المرأتان، اللتان كانت إحداهما زوجتي، من بعضهما أكثر فأكثر، وتنغمسان في حديث هامس، تتخلله من حين لآخر ضحكات مكتومة أوشكت أن تلفت أنظار الحاضرين.
تساءلت فيما بيني وبين نفسي: ترى هل كانتا تعرفان بعضهما بعضاً من قبل..؟ من ناحيتي لا أذكر. وحين التقت عيناي بعيني زوجتي في إحدى المرات القليلة التي كانت تلتفت فيها إلي، هممت بسؤالها عما خطر لي، بيد أنها أشاحت بوجهها عني على الفور، كأنها لم تعرفني من قبل قط. تكرر ذلك أكثر من مرة، لا بل إنها أخذت توجه إلي نظرات محذّرة، مصحوبة بتكشيرة صارمة على جبينها الرائع.. تماماً كما تفعل أيّ امرأة أصادفها في أي مكان، وأحاول التفرس في ملامح وجهها.. شعرها.. أو غيرهما..!
ساورني الإحساس بأني وحيد ها هنا.. بل غريب في جلستي، حتى عن زوجتي نفسها. لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ لم تلبث المرأتان أن قامتا، دون استئذان أحد، ثم تمضيان إلى الخارج كي تتمشيا في حديقة المشفى بين أشجار السرو العالية وممرات الزهور، وقد احتدم الحديث بينهما. تضحكان حيناً، وحيناً تضرب إحداهما بيدها الناعمة ظهر الأخرى أو صدرها أو كتفها. ساورني العجب. وددت لو أنضم إليهما أشاركهما الحديث والضحك والتصرفات الأخرى ذاتها، لاسيما بالنسبة للمرأة الأخرى..! لكنني ـ وأنت توافقني يا صديقي ناظم على هذا دونما ريب ـ لم أجرؤ على ذلك. صحيح أنك لم تعهدني جباناً في الأيام الخالية كما تقول. لقد تعرض لي ضبع ذات ليلة حالكة الظلمة تأخرت فيها عن العودة إلى القرية من بيارتنا هناك. واجهت ذلك الضبع يومئذ دون أن يرفّ لي جفن. ألا تصدق؟ أنت وشأنك.. الحق أن شجاعتي خانتني هذه المرة، حيث أنني لبثت في مكاني لا أريم، كتلميذ ابتدائي حذَّره معلمه بألا يأتي بحركة، أو تصدر عنه نأمة (ابحث عنها في لسان العرب للمقريزي إن شئت). المتواجدون في القاعة طفقوا يتهامس بعضهم إلى بعض، أو ينظر هذا إلى ذاك، وهذه إلى تلك، فيما كانت الممرضة تخرج بين حين وآخر كي تنادي إحداهن، ثم تختفيان سريعاً داخل غرفة الطبيب، الأمر الذي يثير انتباه المتواجدين في القاعة، لتصور ما يحدث هناك.
مددت يدي إلى جيبي كي أتناول لفافة تبغ.. بيد أني لمحت في ذات اللحظة اللوحة المانعة للتدخين، كما لاحظت أن أحداً غيري لا يدخن، فأحجمت للتو وقمعت رغبتي الجامحة في التدخين، مما زادني ضيقاً وحرجاً. أدركت عندئذ، وفي تلك اللحظة فقط جدوى التحلي بفضيلة "ضبط النفس"..!

( 2 )

تعودان أخيراً. لقد بدتا تماماً كشقيقتين أليفتين إحداهما زوجتي. اقتربت ـ زوجتي ـ تجلس إلى جواري، وهي تشير إليَّ بيدها بأن ابتعد قليلاً، لكي تفسح للشابة مكاناً إلى جوارها. فيما هي تردد بمودة واضحة:
ـ اقتربي.. تفضلي.. اجلسي هنا يا جانيت.
وما إن جلست الشابة، التي عرفت الآن أن اسمها جانيت، حتى خرجت الممرضة لتدعو زوجتي باسمها ـ حسب ورقة في يدها ـ إلى الدخول. نهضنا معاً بعد أن استأذنت زوجتي رفيقتها. وجدتها فرصة سانحة لأبادل جانيت ولو كلمة استئذان خاطفة، لكن زوجتي رمتني قبل أن أفعل ـ وقد حدست ما انتويت الإقدام عليه ـ بنظرة لم أفهم مضمونها ومحتواها، تماماً كما يحدث لك عند قراءة قصيدة نثر لشاعر مبتدئ..! هل كانت تشجيعاً..؟ استنكاراً..؟ تحذيراً..؟ لا تعني شيئاً..؟ علم ذلك عند علاّم الغيوب. لا تقل لي أنك لا تعرف أن للنساء نظرات وابتسامات وإيماءات فيها من الغموض ما يستعصي علينا نحن الرجال وحدنا، إدراك مغزاها ومرماها، في حين أن المرأة ـ أي امرأة ـ تدرك على الفور المغزى والمعنى الذي تنطوي عليه نظرة زميلتها المرأة الأخرى، أو ابتسامتها، أو حتى حركة خصرها..!

(3)

حين دلفنا إلى القاعة، إثر خروجنا من لدن الطبيب النسائي المختص، اقتربت زوجتي من جانيت. انتحت بها جانباً قريباً من مدخل القاعة. انهمكتا في حديث خافت، ثم تبادلتا قبلات ودودة، وعبارات وداع دافئة، تنبئ عن وطيد العلاقة، وعميق الصداقة المستجدة بينهما. لم يفت زوجتي أيضاً إعطاءها رقم هاتفنا، بل أيضاً رقم جارتنا (هدى) من قبيل الحيطة في حال كان هاتفياً معطلاً، أو مفصولاً لأسباب مالية..! ثم مستحلفة إياها بالله أن (تهاتفنا) في أقرب وقت مستطاع لديها..!
وما إن غدونا المشفى حتى بادرتُ زوجتي بالسؤال:
ـ اخبريني يا زينب، فيم كنتما تتحدثان طوال هذا الوقت أنت والصديقة جانيت..؟
توقفت زوجتي للتو في مكانها. قطعت خطوها فوراً حيث كنا في الشارع.. وضعت كلتا يديها على خاصرتيها وهي تقول باستنكار عاصف:
ـ وما دخلك أنت (يا حبيبي) فيما كنا نتحدث فيه؟ إنها شؤون نسائية لا علاقة لكم بها أنتم الرجال.. أفهمت..؟
لزمت الصمت. لم أنبس ببنت شفة (أو ابنها) إزاء عبارتها القامعة.. ومضينا في الطريق إلى بيتنا بعون الله ورعايته كأن على رأسينا الطير..

(4)

لم نلبث إلا قليلاً.. دقائق معدودة عقب وصولنا، حتى كان رنين الهاتف يتردد في غرفة الجلوس.. هرعت زوجتي إليه.. كانت جانيت على الطرف الآخر.
Ò
[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
د.يوسف جاد الحق غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 08 / 2009, 33 : 12 PM   رقم المشاركة : [2]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: الصديقة

قصة ممتعة أخي جاد الحق جمعت بين التشويق و روح الدعابة و الفكاهة المميزة دون أن تغفل بعض السهام التلميحية هنا وهناك .
استمتعت بقراءة نصك أخي وزادت لهفتي لمعرفة الآتي و أظنه سيأتي ما دامت القصة تحمل رقم 1 مما يعني أنه الجزء الأول .
أما أنا فقد بدأ ذهني يعمل لمعرفة ما سيحدث مسبقا ، وسأعرف إن كنت مصيبا في ذلك حين أقرأ الجزء الثاني ، إن وجد .
شكرا أخي .
ودمت بكل الود
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 08 / 2009, 00 : 01 PM   رقم المشاركة : [3]
ميساء البشيتي
شاعر نور أدبي

 الصورة الرمزية ميساء البشيتي
 





ميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond reputeميساء البشيتي has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: القدس الشريف / فلسطين

رد: الصديقة

بالأمس همست لإبنتي لماذا يقولون المرأة غامضة ويصعب فهمها

أنا أفهم اية إمرأة أما الرجال فمن الصعب أن أفهم اي أحد منهم فمن هو الصعب

والغامض أليس الرجل ؟

ضحكت ابنتي وقالت أنت إمرأة يا ماما لذلك تفهمين على المراة أما الرجل فصعب

عليه ذلك .. وأنت اليوم استاذي الكريم د. يوسف تعرض لنفس النقطة .. المرأة تفهم

المرأة بلمح البصر ولكن مع كل هذا فالصداقة التي تظهر بهذا الشكل المريب

لا أتوقع لها الإستمرار ولكن ما باليد حيلة سأنتظر التتمة بفارغ الصبر

قصة رائعة بالفعل وقلم يستحق باقة من الفل

شكرا لك أخي الكريم د. يوسف جاد الحق

وبارك الله فيك وفي قلمك الجميل

توقيع ميساء البشيتي
 [BIMG]http://i21.servimg.com/u/f21/14/42/89/14/oi_oay10.jpg[/BIMG]
ميساء البشيتي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
((( .. ألست .. الصديقة .. ))) عادل سلطاني شعر التفعيلة 25 06 / 01 / 2011 10 : 09 PM
الصديقة :: شعر :: صبري الصبري صبري الصبري الشعر العمودي 6 06 / 07 / 2010 32 : 01 AM
رسالة الى الصديقة عنات جوب.. زياد خداش مازن شما رسائل في مهب العمر 0 06 / 12 / 2008 08 : 06 AM


الساعة الآن 27 : 02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|