نتساءل عن الحب وأنماطه .. ذلك الدفق العارم الذي يُؤسر ويقيد ، ويحرر ويُعتق، ويُقهر ويُذل ، ويُفرح ويُبكي . ونحدده أكثر، فنقول : إننا نسأل عن الحب بين اثنين ، فتاة وشاب ، أنثى ورجل . فعنه كُتبت روائع الأعمال الأدبية ، وصدحت به آلاف الحناجر ، فتغنى به الشعراء على مدى الأيام .
فهل يكون الحب حب (شكل) آسر؟ أم يكون الحب حب (جوهر) يُغض الطرف عن (الشكل) ، مكتفيا بقيمة زاد (الجوهر) وبقائه؟ أم إن الحب مجرد ( شهوة ) تتزيى وتتزين تحت غطاء الحب بجميل حلو الكلام وعذبه؟
البداية ، على الغالب ، وتحديدا في فترة غليان الشباب ، يكون الإعجاب إعجاب( شكل ):
(صورة) تنحفر في حاق الذات ، فيتمحور الكون كله من خلال المحبوب . ويكون الإعجاب ، بالتالي ، بكل تفاصيل (الصورة) : ملامح الوجه ،طريقة الكلام ، نمط اللباس ، أنواع الطعام ، وكل دقائق الاهتمامات .
وساعتها، ينساح المحب مع الخدر اللذيذ ، ويشعر أنه ملك الأكوان ، وأنه ببساطة سوف يرحل إلى القمر، وسيخزن ضوء الشمس في عينيه . وقد يعارك المحب وقتها، بصلابة عزم ، كل قيود المجتمع في سائد عاداته . وقد لا يرضى أن يأسره الزمن واختلاف البيئة وفوارق الطبقات .. ودائما يردد : أنا غير أنتم ، ولن ألبس عباءة جدي .
وإذا ما تم الارتباط ،وانخرط المحب مع الناس حوله ،انفرط للأسف ،عقد ذلك كله، وابتدأت العين،بالتالي ، النظر لجهة أخرى :
(فالشكل) يصير ليس الغاية ! فهناك من هو أجمل من الحبيب وأرق وأعذب منه ! بل إن الحبيب قد يطلب ، في ساعة جنون ، نقيض من يحب ( شكلا ) ويسعى إليه بملء إرادته وجوارحه! ويظن أن هذا هو ( الحب ) الصحيح ، وما قبله وهم وطيش وجنون شباب ! وقد يلتغي ،وقتها ، كل ما أحبه في الحبيب: فتصير السكينة والألف والحميمية وساعات الانتظار وطلة الحبيب، قيدا وتدخلا مزعجا، وعبأ يريد الانفكاك عنه !
فتكبر الهوة بين الحبيبين ، وينشأ بينهما كما الجدر ، وكلاهما يتحزن على فوات زهر الأيام الراحلة ! طالبا بحسرة (رغبة ) ألق الماضي ،ولذيذ جنونه!
وقد يكون الحب (جوهرا ): شكل أسلوب حياة ، وشكل طريقة تفكير .. لكن ذلك يضمحل كله ويتلاشى مع الأيام ، وتُختلق بحكم الاعتياد : الشكاوى والأعذار وعقم الحجاج . فتُعرف اللامبالاة ، والملل ، وقرف الكلام .
وأعود للسؤال : هل هناك حب حقيقي بين اثنين :فتاة وشاب في فورة شبابهما؟ وكيف ينشأ حبهما ؟ وكم يبقى؟
وهل تختلط الرغبة وهوى النفس وحدود الدين وعادات الناس في ذلك كله ؟
بل هل الحب كذبة قديمة _ قدم التاريخ _ قيل لنا صدقوها ، فصدقناها ، وركضنا خلف وهمها أجيالا وحقب تاريخ ، ولما مارسناها وجدناها محض زيف كلام وغلافا جميلا لشهوة النفس؟!
وكل الشكر لكن، وعذرا لاقتحام خاص مملكتكن، ونبقى مع رائق الكلام ، وبانتظار كافة آرائكن .
د.منذر أبوشعر