مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
الذهاب في المكان.. - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]هو المكان بكل ما فيه من جمال وجماليات وروح.. عشقنا له لم يكن عشق رؤية ومعايشة وسكن.. الغريب أن نعشق كل هذا العشق، مكاناً جاء إلينا عن طريق ذاكرة الآخرين. هو صورة انتقلت من عين إلى عين، ومن وعي إلى وعي، ومن حافظة إلى حافظة.. الفلسطيني الذي عاش فلسطين وعايشها وخبر كل ذرة تراب فيها، حمل ذاكرة قادرة على نقل الصور والعاطفة والمشاعر والأحاسيس، وليس هناك من يملك قدرته الرائعة في جعل المكان قريباً من الجيل اللاحق هذا القرب الذي يشعرك أن الجميع كانوا في فلسطين وعاشوها وخبروا أرضها وعانقوا كل شجرة فيها..
ستون عاماً مضت.. لنا أن نتصور معنى ذلك بالنسبة للاجئين.. لنا أن نتصور كيف يكون الشوق عند الذين خرجوا من فلسطين بعد مرور هذه الأعوام علقماً وفراقاً وحنيناً.. ولنا أن نتصور كم من الأجيال عاشت البعد المزدوج عن فلسطين، البعد في الولادة خارج الوطن، والبعد حياة عن الوطن.. الحرقة هنا حرقة إنسان يولد لاجئاً، ويعيش لاجئاً، وقد يموت لاجئاً.. هذا الإنسان انتقلت له فلسطين على شكل ذاكرة.. جاءته الصور من خلال بث إنساني وصفي.. المكان يفتح أبوابه من خلال الكلمات والدموع والابتسامات.. ستون عاماً ليست سهلة بأي حال.. لكن نعي ونعرف أن شعب فلسطين يستطيع أن يوقد شعلة الحنين دائماً، هذا الحنين الذي يرسم الوطن مكاناً ولا أروع..
من ولدوا في فلسطين أصبحوا قلة الآن.. الكثير منهم خرجوا من فلسطين أطفالاً.. فالأحياء من هؤلاء يتوزعون على خارطة عمرية تفترض أن يكون الأصغر فيهم فوق الستين من عمره.. والذي في الستين وفوقها سنوات قليلة لا يعي المكان بشكل كبير.. عمره سنوات حين وقعت النكبة.. سنوات لا تجعل الوعي قادراً على حفظ تفاصيل المكان كما يجب.. من هنا أهمية الانتباه للذاكرة الفلسطينية والعمل على رفدها بالشفهي والمكتوب باستمرار..
نعرف ونعي وعي تأكد أن السنوات الماضية أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الفلسطيني يحمل المكان وينقله إلى الجيل القادم دون توقف.. الدائرة هنا مكتملة ولا تتيح لأحد كسر اكتمالها.. وحين نطالب بالمزيد، فلأن حبنا لفلسطين جد كبير متقد، وهذا الحب يدفع إلى ترسيخ الذاكرة كتابة إلى جانب الترسيخ الشفهي.. ومثل هذا الأمر يحتاج إلى جهود كبيرة متضافرة متآلفة، ولا يمكن أن يكون جهداً فردياً.. صحيح أن الأفراد يمكن أن يرسخوا ويؤكدوا، لكن من الأفضل بكثير أن نوحد الجهد في جهد واحد، يتجاوز التكرار والتشتت والبعثرة.. الجهد الفردي جهد جبار حين يوضع ضمن جهد المجموع، لأنه جهد مدروس منظم فاعل ما دام يسير ضمن خطة واضحة الملامح والأبعاد والأهداف.. المكان ذاكرة تحضر باستمرار في حياتنا اليومية، وما أروع أن ننقل هذه الذاكرة إلى الورق..