صدفة وحوار سأرويه كما حدث و أترك لكم التعليق!
منذ فترة اشتريت من أحد المزادات كرسياً هزّازاً مصنوعاً من خشب الورد و يتجاوز عمره المائة سنة.
ذهبتلاستلامه بصحبة صديقة لي ونقله بسيارتها الأكبر حجماً من سيارتنا و لكنّا لم نستطع إدخاله بها فطلبت لنا الإدارة تاكسي فان كبير، وصل التاكسي ولعلَ السائق سمعنا نتحدّث باللغة العربية، تقدّم منّا و بعربية واضحة قال: ((مرحبا كيف الحال؟)) ، وضع الكرسي في سيارته و ربطه بأناة و طلب منّي الركوب معه لمراقبة أي تحرك طارئ للكرسي، سألته صديقتي العراقية وعلى عادة أي مهاجر يلتقي بمن يتحدث لغته الأم: (( من أين أنت؟))، لم يرد على السؤال و انشغل أو تشاغل مجدداً بتثبيت الكرسي ولف جوانبه، ركبت معه في الخلف و انطلقت صديقتي أمامنا، بادرني: ( لم تسألي من أين أنا كصديقتك؟! ) و كي أكون صادقة خرجت إجابتي تلقائياً دون أن أفكّر بها!
قلت له: ( لأنّي أعرفكم جيداً!، العربية لغتك الأم و لهجتك مختلطة قد تكون مغربياً أو عراقياً وربّما يمنياً أو كما تُعرَفون يهودي سفارديم، ومبادرتك بالسلام والحديث ومن ثمّ تهربك من الإجابة أكدّتا لي أنك تحمل الجنسية الإسرائيلية!!)
سكت قليلاً ثم قال: " أنت ذكية جدا ً" ، قلت له: " أكيد ذكيّة و في معرفة أمثالك أنا عربية ورثت قدراً لا بأس به من فراسة أجدادي" ، هذه المرّة طال صمته أكثر حتّى جاء السؤال التالي كما توقعت تقريباً: " أنتم تكرهوننا جداً أليس كذلك؟" وعاجلته بالجواب: "نحن نشفق عليكم أيضاً"سأل مذهولاً : " أنتم تشفقون علينا؟ نحن!! أنتم؟ كيف و لماذا؟! "
قلت له: " لأنكم أكثر الفرقاء خسارة من البداية و حتّى النهاية الحتمية في قانون الطبيعة، في ما يسمى بإسرائيل أنتم العبيد الأذلاّء والمواطنون من الدرجة الثانية في مفاهيمهم وثقافتهم الاستعمارية الفوقية وأنتم الخونة المرتزقة في مفاهيمنا وأعرافنا الإنسانية، خدعوكم فصدقتم خداعهم و رضيتم أن تكونوا خناجرهم المغروسة في ظهورنا تآمرتم وخنتم وغدرتم بأهلكم و أوطانكم و خلعتم لهم جلودكم ليلبسوها عند الحاجة و يدّعوا من خلالها ساميّة و نسب مزيفان وأحقيّة كاذبة بإقامة دولة إسرائيل!!"
ثمّ سألته : " هل دولة إسرائيل المقامة فوق أكتافكم وضمائركم و التي حاربتمونا و بعتونا و خسرتمونا و انسلختم في سبيلها عن محيطكم الطبيعي هي لكم أو لكم فيها شيء؟! " سكت طويلاً وتنهد قائلاً: " لا أملك الرد"
قلت له: " ما زال عندي سؤالين ربما تجيد الردّ عليهما؟ "
أولهما : " هل تعرف لقب السفارديم عند الأشكناز؟ " أجاب : " نعم كلّنا نعرف! "
سألت : " ما هو؟ " أجاب بما معناه : " الحمير السود اليمنية "
نعم ! لقبٌ عنصري بامتياز و السؤال الثاني: " هل اليهود الأشكناز ساميين من سلالة النبي إبراهيم؟ "، وقبل أن أنهي السؤال كان قد أجاب بحزم : " طبعاً لا !"
قلت: " بالطبع ليسوا ساميين و لا حتّى شرق أوسطيين، أشكالهم تدّل عليهم وكما لا بد أنك تعلم موطنهم الأصلي جزر الخزر و أطراف بولاندا و أنّهم تهودوا في القرن السادس عشر"
قاطعني قائلاً: " أنت تجيدين قراءة التاريخ" و أكملت دون أن أعلِّق " إبراهيم ولد قبل النبي موسى و قبل ميلاد الديانة اليهودية، أي أنّه لم يكن يهودياً و ميراثه طبقاً لهذا غير خاص باليهود وتعرفون كما هم متأكدون أنه لا علاقة لهم بميراث إبراهيم وبأنّ هذا الإرث لا يتناقض مع التاريخ ، أصحاب هذه الأرض، الساميون الحقيقيون لا المزَورين و المزوِرين، أليس محمد العربي {ص} من سلالة إبراهيم ومعه المسلمين العدنانيين ولهم نصيب في هذا الميراث؟ أليس عيسو أخ يعقوب وسلالته التي تنصرّت وهم جزء من مسيحيينا لهم نصيب في هذا الميراث؟ كيف و فينا ينصهر التاريخ بميراث إبراهيم؟"
سكتّ قليلاً، وهنا قال : " كما قلتِ خدعة! و من أجل هذا كما ترين أنا في كندا و معي عائلتي، تركت لهم شهادتي و أعمل سائقاً هرباً من جنّة إسرائيل وكثيرٌ منّا ما زالوا هناك لأنهم لم ينجحوا بالهرب مثلنا"
سألت: " و الباقين؟!"
أجاب: " هم اليهود المتزمتون، و هؤلاء مثل المسلمين الذين وقفوا مع الاستعمار التركي لأنّ الأتراك مسلمون، و مثل المسيحيين الذين وقفوا مع الصليبيين والغرب عامةً لأنهم مسيحيون".
سألته: " هل زرت حيـفا؟"قال: " سكنت في حيفا "قلت: " لا.. هذا ضلال و افتراء!، السكن من السكينة، و لا سكن في أرضٍ تلعن ساكنيها، أرض حيفا لي و لقومي تنادينا من بعيد نداء الأم التي تعرف أبناءها و تحنّ إلينا كما نحنّ إليها، لأننا منها ومن تربتها وتلعنكم وترفضكم، لن تسكنوا فيها ولو عشتم على أرضها مئات السنين، طهرها يرفضكم لغدركم بها وترفض أشكنازكم لأنهم أغرابٌ عنها مغتصبون لها! "
سأل: " أنت من حيفا؟ "
قلت: " بل أنا حيفا و حيفا أنا! أنا ابنة شهيد حب من نسيج حيفا، عانى النكبة سنين حتّى قتله الألم! و عشت من بعده مرارة يتم الطفولة و طعم غدر النكبة، أعرفت من أنا؟!!..."
انتهى كلامي معه، وتركته يثرثر ما تبقّى من الطريق و يتباكى على أحوالهم وندم معظمهم والعنصرية ضدّهم إلخ...
جلاّدٌ يشكو للضحّية حاله!! بكاء التماسيح و فحيح الأفاعي!!!..
حتّى وصلنا.
أوقفت صديقتي سيارتها وانضمّت إلينا، وحمل الكرسي إلى المدخل، وكان يريد نقله حتّى باب البيت لكني رفضت بإصرار، فتحت حقيبتي وأعطيته النقود، و... فوجئت به يقبّل يدي!!
فقدت رويتي وكأنّ قذارة العالم كلها انصبّت فوق جلد يدي! ما حجم الشرار في عيوني حتّى فرّ هارباً لا يلوي على شيء؟!!
تركت صديقتي في مدخل المبنى مع الكرسي الذي كنت من قبل حريصة عليه، نوبة من البكاء والغثيان الشديد !! حين وصلت صديقتي بعد حين وهي تجرّ الكرسي الثقيل لوحدها فوجئت بوجهي المنتفخ وبالحمّام وبالدماء التي كانت تنزف من ظاهر يدي في موضع شفتيه القذرتين!!
هل أنا التي جرحت يدي لأطهرها بدمائي أو أنّ الدماء خرجت لوحدها صارخة رافضة أبيّة ؟؟!!..........
أتمنى لو تدرس الأقليات العرقية و الدينية في عالمنا العربي المستهدف أحوال يهودنا العرب و تاريخهم و حاضرهم و يأخذوا منه العبَر و يتعظوا! درسٌ قد يغيّر حساباتهم و يعيد كلّ مخدوعٍ إلى رشده !
وما زلت حتّى الآن لا أدري لماذا قبّل يدي؟! و ما زالت أيضاً آثار الجرح بقعة داكنة على سطح يدي...
نشرت في 2006-08-08