لم أبرعْ يوماً في تقشيرِ فاكهةٍ، ولا تثبيتِ زرِّ قميصٍ، ولا كيّ بنطالٍ .. لكن عندما أنظر إليكِ، ممسكةً بسكّين أخشى على رقّةِ يدكِ منها، تدورين بها على الفاكهة في سرعة وإتقان علمتك إياهما قسوةُ الزمن، متمكنةً من متابعة حديثي إليك دون الالتفات والتركيز بما تعملين به.. عندما أنظر إليك والبسمةُ تملأُ وجهَك الذي قاومَ بحلاوة نورِهِ مُرَّ سنواتٍ عجاف. أنظر إليك وترتسمُ في عينيك التي تورّمت أجفانُها بكاءً وصبراً ودعاءً ذكرياتٌ قاسيةٌ تنأى بحملها مجلداتٌ. آهٍ عندما أنظر إليك وتحكي يداك مسيرةَ حياةٍ رُوِيَت دماً ودمعاً وفاض بها الارتواءُ حتى جرفت سيولُها ما كان باقياً من أيامِ سعادةٍ سقطت سهواً في حياتك.. عندما أنظر إليك ومحيّاك ينطقُ إرهاقاً وتعباً وألماً أبيتِ إلا كتمانَه في فؤادك، أسائل نفسي: لم اختارك القدرُ لتكوني الضحيةَ؟ لم اختارك القدرُ لتتقلّدي ذاك التشبيهَ البئيسَ والذي يزعمون أنهم به يُعْلُون من شأنك؟ هل كُتِب عليك فعلاً أن تكوني الشمعةَ التي تحترقُ لتنيرَ حياةَ من حولها؟
أنت التي من نظرةِ عيني تفهمين ما يمر بي.. أحاول جاهداً رسْمَ بسمةٍ زائفةٍ لا يخفى عليك ما وراءها، وحتى لو التزمتُ الصمتَ... فعندك أنت قاموسُ لغةِ الصمتِ... تلك اللغةِ التي التزمتِها رفيقةً لك حتى أصبحتِ أكثرَ الناس خبرةً بها.
ويزيد في عذاب أفكاري أني لم ولن أذوق شقاءك، فإن كان خيالي يجهد في وصفه.. فكيف بي لو عشته واقعاً ملازماً لي دهوراً من الزمن؟
كيف تكفيني منك بسمة وجهك وأرى قلبك يذرف دماً؟ كيف تسعدني كلمة رضا و أرى نفسي بها غير جدير؟
لو كان الحب بَشَراً .. لكره البشر ...لو كانت التسامح بشراً... لحقد على البشر....لو كان الصبر بشراً... لتمرد على البشر
ولو كان الحنان بشراً... لما رحم البشر..
وأنت...وقد جمعت أولئك كلهم وأكثر... كيف لي أن أحطَّ من شأنك وأدعوَك بشراً! ما أنتِ إلا ملاكٌ لا كالملائكة... فما أجبِرَت الملائكةُ يوماً على تحمّل قسوة البشر ونكرانهم للجميل...
إليك ... يا ملاكي... أطأطئ رأسي خجلاً من سموّ شأنك ورفعة قدْرك .. خجلاً من الوقوف أمام نقائك وجمالك بكل تشوهي وبشاعتي...
يا رب أحتاج لك لتعينها وتطيبَ خاطرَها وتمسحَ عنها كل كرْب... اغمر روحَها بالسعادة واكفِها إساءاتي وإساءاتِ البشر علَّها تذوقُ في الحياة غيرَ العلقم طعماً لها.