التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,861
عدد  مرات الظهور : 162,367,916

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة النقد الأدبي > الفعاليات والمسابقات الأدبية... > الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب
الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب مسابقات الرابطة والنشاطات التي تنظمها

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04 / 07 / 2013, 57 : 08 PM   رقم المشاركة : [1]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

Hasri القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

نخصص هذا الملف للقراءة النقدية للنصوص الفائزة والمجازة في مسابقة القصة القصيرة
نرجو من السادة الأدباء والنقاد نشر قراءاتهم هنا في هذا الملف
وشكراً

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 07 / 2013, 15 : 09 PM   رقم المشاركة : [2]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

أخاف أن يدركني الصباح:
وقتما يمتزج عنصر(الإدهاش)، وحرية (الحركة)، وحرفية إنتقاء عوالم (الرمز) القريب، بحرفية واضحة ،فذاك من تمام جودة القصة وإغناء أبعاد جمالها.
و(عندما يدركني الصباح) مزجٌ موفق ما بين غافي الحلم، وإصرار الاحتفاظ به مضيئاً في حنايا الذاكرة، ومابين قسوة الواقع وشدة ظلمه.
فنعيش - مع هذه القصة الجميلة بامتياز- مع أجواء حلم الماضي الجميل: الأم /الوطن ، والأب / التراث والهوية.
فطبيعي أن تموت الأم، فالمغتصب الحاقد دنَّس حياءها، وأخذ بوحشية عذريتها، لكنها- رغم ذلك- بقيت في ذرات كيان (التاريخ) ونَسَغ النَّفس وجوهر الوجود .
وطبيعي أيضاً أن يبقى الأب واضح الملامح، ولن يبكي (فالبكاء للنساء)، لكن في داخله مئة عين تبكي، فيقدِّم عن طواعية مهجته نداء محرقة الحرية والأمل..
وعندما نفتش بتوق عن الإصباحات الآتية، نراها ،رغم كل الأسى، تتلامح بين السطور: ساطعة دافئة تحمل إصرار مقاومة: تذرف دمعاً بعين، وتوقظ همم شباب بساعد ريَّان واعد.
مبارك جائزة الإبداع الأولى،لأخي الأستاذ الأديب عدنان كنفاني، وننتظر منه المزيد والمزيد إن شاء الله.
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 07 / 2013, 31 : 10 PM   رقم المشاركة : [3]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]تحية طيبة للجميع وبعد..
هذه القراءة الموجزة للنصوص التي سأعمد على نشرها الآن ،كتبتها أثناء تقييم النصوص وقبل الوصول إلى النتائج النهائية وإعلان أسماء أصحابها

قصة أخاف أن يدركني الصباح

أخافُ أن يُدركَني الصَباح



هل كان الأمرُ يستحق كلَّ هذا العناء.؟


تحدّثي عنّي يا شهرزاد، فأنا الحكاية.!

أذكر أمي وأغنياتها المخنوقة، تطوي قنباز أبي المقصّب عند عودته قبيل كل مساء، وتسجّيه برفق كأنه قطعة من حكاياتك، فوق صندوق خشبي محدّب.
ثم تغسل حطتّه البيضاء الحريرية، وتبقى واقفةً على عتبة باب الدار تنفضها في وجه الريح حتى تجّف، تعلقُّها على المسمار، فتنصبّ برّاقةً مثل شفرة سيف مسرور.
تفعلُ كذلك كل مساء.
يجلس والدي على حجر أسود عريض، مزروع منذ قرون في مكانه خارج باب الدار.
يصفق بيديه، فتهبط رفوف حمامِ، تملأ ألوانها الزاهية الساحة الترابية، ينثرُ حبوب الذرة، ويبدأ صراعُ حميم بين الطيور الأليفة، ويضّج الفضاء بصوت الهديل.
نخرج متراكضين وراء بعضِنا يأخُذنا حماسُ اللعب، فتفزعُ الطيورُ إلى حين، تقفزُ مرتفعةً، تدركُ أن الأمر لا يستحق، تحطُ ثانيةَ بين يديه.
يتبعنا صوتُه الأجش:
- اقلب تقلب ترضع.
فنتوارى بين أشجار الخروب البعيدة حتى نرى شبحه المسربل بالأبيض يغيب داخل الدار، ندركُ أنه سيدخل المضافة، يحمّص القهوة، ويستعدُ لاستقبالِ الرجال.
يحمل بين يديه أخي سعيد وسنوات عمره الثلاث، يسجّيه على فراش رقيق، يحرصُ أن يستقبلَ وجهه الجنوب، ويهيل على جسده حطّتَهُ البيضاء، يغلق باب الغرفة الأخيرة بالمفتاح، تلحقه أمي تضرب على صدرها، يمسكها، يكتم صوتها بكفّ يده الكبيرة.
- إذا سمعتُ صرخةً واحدةً.. أنت طالق.
كان القيد ثقيلاً يا شهرزاد.
كأنني ثور "أبو حسن" الذي جنَّ فجأة، وراح يطعن بقرنيه كل عابر سبيل.
يومها شدّوا قوائمه بقيد واحد. أربعة أساور من حديد، تجمعها جنازير قصيرة.
مطويّ على صندوق أمي المحدّب.
أطرافي الأربعة تتوجّع، وتبصقُ دماً وصديداً أصفر اللون.
كنت مثل قطّة، أنطوي تحت نافذة غرفة أمي، يتسرّب لهاثها إلى أذنيّ، أسمع أنينها المكبوت، وتلفحُني بين الفينة والأخرى أنفاسُها الحرّة.
تهمس ولا تجرؤ حتى على الحزن:
- سعيد مات يمّا، بدال ما يحضروا طهوره، يحضروا جنازته.
وتنهال على صفحة وجهها دموع ما رأيت مثل غزارتها كلَّ عمري، شممتُ رائحَتها ممسّكةً تنبعث سخيّةً من "مناسف" البرغل والرز.
يومها لم أبكِ.
بقيت صاحياً، لم أنم، وحين شقَّ صوت المؤذن حلكة العتمة، يفسح الطريق أمام زحف فجر جديد، أدركتُ أن الشمس ستستبيح بأشعتها الصفراء الساحات والدور والبيادر كما في كلِّ صباح.
صوته يضرب أذنيّ في اللحظات الحالكات.
- البكا للنسوان يابا.
لو قلتُ آه واحدة، أعطيه انتصاراً ليس له مثيل.
صدّقيني، لقد ضاقت سبل المعركة، ولم يتبقَّ في ساحتِها إلا أنا وهو.. أنا أو هو.
كنت أحمل بارودة، أعلّق على ماسورتها صبوتي، وتحدّثُني كما حكاياتِك، تركّبُ انتصاري ليلة إثر ليلة فأراه بارقاً مشعّاً، وتحمل همّي وحُلمي.
اليوم أحملُ قيدي.
تحسستُ أطرافي فوجدت فيها بقيةَ من حياة، تقول لي:
- ما زلت هنا، وما زال هنا، والمعركة مفتوحة..
عيناه الزرقاوان الغائرتان، وفمُه الصغير الصارم الخالي من الشفتين كأنه يرجوني، يقسم علي لو أقول آهِ واحدة، ليخلصّني من العذاب.
كيف أعطيه تلك المتعة، وذلك النصر.؟
كان القيد ثقيلاً يا شهرزاد.
حملتُه ثلاثين يوماً، صار قطعةً مني، مثل يدي وساقي ورأسي.
رفاقي يحشونه خلسةً بالخرق، لتفصل بين حوافيه الحادّة ولحمي.
لو قلت لك لن تصدّقي، لو ينزعونه عني سأفقد إحساساً رائعاً.
أراه يعتصر خيبتَهُ وهو يتابع خطواتي المطّوية تحت ثقل جسدي، تقول لي شفتاهُ المعصورتان حتى الاختفاء.
- لو تقول آهِ واحدة.
كان النطعُ أقرب إليك من الوريد، جمالُك يا شهرزاد ألقى بك تحت شفرةِ السيف.
ذلك المأفونُ يملك كلُّ شيء حتى رقاب الناس، وأنت في ثوبك الشفيف، ورهبَتِك وخوفك.
كيف خلقت سبيل خلاصك، وأيقظتِ شهوتَهُ ألفَ ليلةِ وليلة.؟ ثم أجهزتِ عليه.
كان الوقتُ مساءً والشمسُ تودّع النهار على حدود الأفق، يركض بفرح، يحسُّ أن الحفلَ وهذا الجمهور يعنيه، تتعثّر خطواته الصغيرة، يسقط في الحفرة المعدّة لشواء الذبائح، يأكُلُهُ الجمر ويموت.
هل يستحق الأمر كل ذلك العناء.؟
يوم غلبني نزيفُ القيدِ واستهلكَ دمي، حملوني إلى المستشفى، قالوا وهم يحسبون بأنَهم يزّفون لي البشرى، إنهم استبدلوا بمدير السجن الذي لا يحسنُ الترويض، ضابطاً جديداً.
نزعوا القيد من أطرافي، جاهدوا ليقتلعوه من لحمي الذي انغرز فيه، وترك مكانه حتى اليوم ندباً وبثوراً زرقاء وسوداء.
جلس قبالتي ينقر بعصاه القصيرة على الطاولة، ينظر في وجهي بقلق، ويقضم غيظه، ثم همهم:
- تراجعا عن إعلان الإضراب، أرسلنا طاهر إلى سجن الرملة.. ومحمود إلى مستشفى الهداسا.
ازدادت سرعة نقرات عصاه على الطاولة، كأنه يوصل إلى لهفتي رسالةً واعدة، ثم دفعها بقوة حتى لامست صدري.
- ماذا عنك..؟
يقولون إن سجن الرملة "للأوادم"، نسمع كثيراً عن حياة الترف التي يعيشُها المعتقلون فيه قياساً إلى المعتقلات الأخرى، ونعرف أيضاً ماذا يعني قضاء مدّة اعتقال في مستشفى.
الناس تنتظر شيخ البلد ليطهّر الصبي.
يومها رأيت أبي يمشي لأول مرة بانكسار وراء نعش سعيد، يخفي قنبازه المقصّب تحت عباءة سميكة، ويلّف رأسه ونصف وجهه بحطّة منقطّة غامقة اللون.
لأنني من أقدم المعتقلين، كنت واحداً من ثلاثة ننظّم حركتهم، اتفقنا على إعلان إضراب شامل واعتصامِ داخل القواويش في الخامس من أيار القادم، المصادف لأول زيارة يقوم بها وزير الأمن، ومدير السجون، والمحافظ ومجموعة من مرافقيهم.
كنت أعلم أن تراجعي يرسلني كما أرسل رفيقيّ إلى سجن "خمس نجوم.." أو إلى مستشفى مكتظّ بملاءات بيضاء ناصعة، وستائر وردية، وحسناوات.
ما قيمةُ لياليك يا شهرزاد.؟ ما قيمة ألف جرعة هوان انسفحت على جسدك، في ألف ليلة.
إن توقفّتْ حكاياتك، تموتين.
كيف أستطيعُ التراجع عن قدري واختياري ومعركتي.؟
هل أجرؤ أن أفعل وأغنيات أمي المخنوقة ببحّتها الجارحة تستحلفني.؟
ظهيرة اليوم التالي، هطلت مع انتشار الخبر المفجع غيمات ذهول فوق رؤوس الناس، وليس لهم والدهشة تمسك بتلابيبهم إلا ثوابُ مرافقة الجنازة، يوارونه الثرى، ثم ينفضّون، يعصرهم الحزن إلى بيوتهم وقراهم القريبة.
بعد أيام مات أبي، قالوا انفطر قلبه، وقتله.
حملوني فوق أكتافهم.. رفعت يدي، وصرخت:
- صامدون حتى سقوط المشروع الصهيوني.
كان القيد بانتظاري يا شهرزاد.
أخرجي يا شهرزاد من صمتك الأبدي، وتحدّثي عنّي، فأنا الحكاية.
أنا شفرة سيف مسرور المشرعة وراء الحلم، أنا القدر الآتي إذا نضب نبع خرافاتِك.
مثلما انقضوا على قبيلتك الساكنة في قلب السحاب، وانتزعوك.. قالوا أنت من خنت فراشَهُ، واستبحتِ فحولةَ سواه، وأنت أطهر من صهيل مهرة بكر، عرّوك حتى العظم، ثم صلبوك، أي ثمن تدفعينه عن خيانة غيرك.؟
أعادوني إلى المعتقل بعد رحلة الشفاء، قادوني مباشرة إلى مكتبه الوثير.
حسبتُه من أبناء العمومة، يحمل سمرتي، ويتحدث لغتي، بادرني يقول من بين أسنانه:
- أنت "أبو الهيجا" إذن..؟
ضرب على صدره بخيلاء، وأطلق صوتاً كفحيح أفعى:
- يقولون إنني الأفضل.
كان يتحدث بثقة، يحاولُ أن يعصرَ حاجبيه، فيلتويان كعقرب، يضرب بيده الثقيلة على الطاولة، فيهتز شاربه الكثّ، وينفرج عن شفتين غليظتين:
- أستطيع أن أقذفك إلى جهنّم.. هكذا (وقذف العصا إلى فوق)، لكنني لن أفعل قبل أن أحطّم هذا الرأس (وطعن بإصبعه صدغي)، وأجعل منك أمثولة.
وكأنه رتّب الأمر مسبقاً، دخل علينا رجال غلاظ، قادوني إلى الزنزانة رقم "خمسة".
تسع وتسعين ليلةً، يا شهرزاد، وأنا مطويّ مثل قنباز أبي.
السقف أقرب إلى مستوى كتفيّ، والمساحة الضيّقة التي تكاد تتسّع لغفوتي، تشاركني فيها حنفية ماء معطوبة وبالوعة صفراء، عرفت لونها من ثلاثة ثقوب في أعلى الباب الحديدي، يراقبونني منها، وأراقبهم.
يا شهرزاد، وفتحة مربّعة في أسفله لا تتسع لأكثر من دائرة صحن ألألمنيوم الطافح بالبرغل، والمغطى برغيف مقدّد، يزحف نحوي كل مساء، يحمل معه بصيص ضوء تعرفّت منه على مدى تسع وتسعون ليلة تفاصيل أصابعي المتصلّبة، وقشور قبيحة تتعربش أطرافي خلفّتها مقابض القيد القديم.
أسمع وقع خطواته، يدُقّها بقوة على الأرض، فأقفز، أراقبه من الثقوب حتى يقترب، فأخفي رأسي، أعرفُ أنه ينظر إلى الداخل ولا يرى شيئاً، يضرب الباب بعصاه، ليطمئن على وجودي حياً، فأرسل له صوتي.
- يمّا مويل الهوى يمّا مويليا.. ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا.
تبتعدُ خطواته، فأحسُّ بنسمة انتصار تقبّل وجهي.
صدّقت يا شهرزاد كيف تعودت المكان طيلة ألف ليلة وليلة، وذلك الأفّاق يسترسل بوعد الخاتمة، والسيفُ مُسلط.
صدّقت كيف تراكمين نصرك ليلة إثر ليلة.
همس لي حارس الزنزانة:
- زيارة لك..
فجأة فُتح الباب السميك، فأرسل صريراً كثيفاً، كان الضوءُ مبهراً، فأطبقتُ جفنَيّ.
جلستُ أمامه، أكاد لا أرى منه غير بذلته المبرقعة، وأشعرُ بطيف ابتسامة تتعلّق وجنتيه المتوردتين، وشاربه الغزير:
- سأسمح لك بزيارة..
سكتَ قليلاً وكأنه ينتظر فرحي، ثم تابع:
- إذا صرت "آدمي" أعدك بتكرار ذلك.
بعد ثلاث عشرة سنة، تزورني أمي.
هل تفرحين يا شهرزاد.؟
حين تسرّب اسمي بين جداول المعتقلين، ردّتني الحياةُ إليها، نَزَفَتْ فرحَتَها على عتبات مراكز الصليب الأحمر، وضباط الأمن، وحصلت على تصريح زيارة.
تحسستُ أطرافي ورأسي، وجدتُ أنني ما زلت، ورأيت أنه ما زال أيضاً، والمعركة مفتوحة.
وقفتُ يا شهرزاد.
كنتُ مطويّاّ مثل الحلم الموشّى بالقصب، لكنني جاهدت ووقفت، خطوت خطوتين في طريقي إلى الباب.
صوتي ينزلق فوق لساني، صلباً كأنني أبدأُ الآن.
- أمي ماتت من زمان.
أبي يربّت على كتفي ويتمتم:
- البكا للنسوان يابا..
وقبل أن أغيب وراء الباب، ركض ورائي صوته المعبأَ بالشك والدهشة:
- آمنة بنت صايل الزينات.؟
تريثت لحظة، حاولت رفع قامتي قدر ما أستطيع، وحرصت على أن يصل صوتي نقياً لا تخالطُه قطرات من عبرات، أحسست بطعمها المرّ يجرح حلقي..
- آمنة بنت صايل الزينات.. أمي.. ماتت من زمان.

ـ ـ

بيني وبين دارنا وبرج الحمام وغابة الخروب وقبر سعيد، جدار، وشريط، وحقل ألغام.
على جانبيه بزّات مبرقعة، وبواريد ثقيلة تترصّدني إن تقدمت خطوة.
وأنا طليق.
قالوا.. هنا حدود وطنِك الجديد.!
كيف أفهم هذا الهراء.؟
يلوح لي قنباز أبي المقصّب من نافذة دارنا الشرقية، وصوت أمي المبحوح يزّف أغنية وهي تنفض حطّته الحريرية، وهديل الحمام يشقّ صمت الأفق..
دلّيني يا شهرزاد.
كيف أنجو من هذا الاختناق.؟
----

هذه القصة الطويلة نسبياً، قصة جيدة إلى حد كبير، سواء بموضوعها المفاجئ والغريب، أو بطريقة معالجتها لهذا الموضوع، أو بالنتائج التي يمكن أن توصلك إليها قراءتُها.. هناك مستويات عديدة للسرد، تم التنسيق بينها ببراعة، وكذلك أزمنة عديدة للحدث المروي، وكانت ثمة براعة أيضاً في انتقال القاص من زمن إلى زمن، دون أن يُزعج متعة القارئ أو يُشتت انتباه.. وثمة براعة ثالثة تتبدى بالمزج بين الماضي الافتراضي المتجسد في شخصية شهرزاد، وبين الواقع الحقيقي بكل قسوته التي تتجلى في تفاصيل حياة بطل القصة وأسرته أثناء الحرب، وأثناء الاعتقال وتحت التعذيب.. هذا فضلاً عن تلك اللفتة الرائعة لقوة شخصية البطل في تحديه لسجانه وقيوده وإصراره على الصمود رغم انعدام أسباب النصر في بعض منعطفات القصة أحياناً.. وينبغي ألا يغيب عن تقييم هذه القصة أنها ذات أسلوب بسيط ولكنه، على بساطته، قادر على الإيحاء، وقادر على التأثير في القارئ.. ولعل من المثير للدهشة أحياناً ذلك التداخل بين الأزمنة، والمقاربات المستمرة بين حدث الماضي وحدث الحاضر، وبين شخصيات ماضوية أسطورية وشخصيات حديثة تعيش واقعاً مختلفاً إلى حد التناقض في بعض ملامحه، (لاحظ مثلاً الفارق بين معاناة شهرزاد للأسر في قصر شهريار، ومعاناة البطل للأسر في زنزانة).. نعم كل هذا، بالإضافة إلى لغة سلسلة قادرة على الإيصال، ترفع من قيمة هذه القصة إلى حد كبير..

[/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 07 / 2013, 48 : 10 PM   رقم المشاركة : [4]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة أين ذهب ديفيد
سماعة الهاتف تتدلى على جانب المكتب مثل يائس من الحياة غادرها لتوّه ، غير أنها تتكلم ... أصابع الهواء تعبث في أرجاء الصالة.. وأضلاع الستائر الكاليفورنية الزرقاء المترنحة لترنيمة هواء صامتة ، كانت تَشِي بفتح نافذة الجدار الخلفي للمكتب.
الصوت، الممزوج بصدى الإلحاح ، ينبعث من ثُقُب السماعة.. حيث لا يمكن فك رموزه إلا باقتراب أكثر: ((...))
أثر تفتيش غير مُـجْدٍ ــــ ربـما ـــ يبدو من خلل أوراق مبعثرة على سطح المكتب ، وأُخرى متناثرة على الأرض، و غيرها متساقطة من مصنفات زرقاء مفتوحة ، حيث لم يزل بعضها عالقا خلف الباب الزجاجي الـمحطم لخزانة من خشب اصطناعي براق ، لعلها كانت أنيقة وشوِّهت مثل باقي الأثاث للتو ــ كما يبدوــ على إثر حرب أو عاصفة مرت قبل ثوان أو دقائق من هنا.. أو.. بهكذا توحي حرارة ذلك الصوت الـمُلِـحّ: - ((...))
- هل أحمل السماعة وأكشف السر ؟ أم أغادر وأتصل بالشرطة ؟ ولكن من قال إنّ.. إن هذا أثر جريـمة أو إن في الأمر ما يستحق تبليغ الشرطة ؟!
مازالت سماعة الهاتف تتدلى وتستجدي فضوله:- ((...))
-.. الباب لم يكن مقفلا ، وليس عليه أي أثر للعنف ، ولكن عاصفة أكيدة خرجت من هنا.. قبل أن أدخل، وربما..؟ سأعرف صاحب الصوت ، أو على الأقل .. تحرك ، أفعل شيئــــــــا..
الفرصة الوحيدة للخروج من الحيرة كانت معلقة في طرف تلك السماعة ، وإلا فالعودة من حيث أتى.
- ..لا ، سيبقى السر يطاردني إذا عدت خالي اليقين .. يا الله!.. أنا متأكد أنني في... تــماما في الـموعد الذي اتفقنا عليه ، لقد طلب منـي أن آتي إلى هنا ، بالضبط كما هو اليوم ، وفي أول ساعة للعمل كما هي منذ قليل .. "رقم عشرة ، الطابق الخامس والخمسون".
صحيح ، لم نكن نلتقي في مكتبه ، إلا في المرة الأولى.. حين اخترت أن يكون هو الذي يترافع في قضيتي . شهور مضت لم يكن مكتبه مرتبا كما أرى الآن .. لا ، أقصد كما كان قبل العاصفة .. يومها مازحته بحقيقة أن اسمه أَرفعُ بكثير من مكتبه ، كما أن تلك الفوضى لم تكن أبدا لتليق بمكان يعرفه كل من رأى أو قرأ أو سمع عن هذه المدينة الشمس ، حتى إن مساعده الوحيد ضحك حينها ، وقال إنه وأغلب من مر من هنا أخبروه بذلك .. ولم يَلْقَ استفزازنا لدى حضــــــــرته أيَّ صدى .. إنه أبدا مشغول بقـــــــضايا موكليـــــه: ((.. دائما تنظرون إلى الأشكال وتغيب عنكم المعاني. عشرون عاما من الاشتغال في القانون ، علمتني أن الجوهر هو الذي يغطي المظهر وليس العكس ، ولكن فقط حين نفهم الجوهر، لأجل ذلك كنت أكسب كل قضية أقبل الترافع فيها.))
- وقد قَبِل المرافعة في قضيتي.. لا.. لا يمكن أن يكون اقتناعه بتحسين هيئة المكتب قد قلب قناعاته الأخرى فأصبحت قضيتي واحدة من هذه الأوراق ، في مهب النسيم.. وإن كان يبشر بخريف معتدل ـــ أيضا ـــ في أسواق البورصـــــــــة.. ياه ! أين أنا.. مما أرى الآن ؟! .. العنوان لم أخطئه ، كما أن مستر ديفيد لم يخبرني بتغييره في اتصال الأمس ، ولا أظنه ينسى تفصيلا مهما كهذا ، أو يغير مقر مكتبه ، رغم نفقة الكراء المتصاعدة.. الكراء ! وهل كان يدفع شيئا من حسابه لولاي .. ومثلي من عزف علينا قانون هذا البلد ؟!.
الصوت الملح : ((...)) يلوّح له بآخر فرصة ، والسماعة تكاد تتوقف عن الدوران حوله.
- عفـــوا..
- آ .. يا إلهي ، أين ذهبت ؟ ديفيد ، تركتني أصارع الظنون.. غبت فجأة دون سابق إنذار كما.. كما أن الخط بقي مشتغلا ولم ... أَعْلَمُ أن عملك مجلبة للمتاعب في كثير من الأحيان ، لكن لم يقع هذا من قبل .. تكلم أخبرني ما الذي جرى..؟
- لكن سيدتي.. أنا..
- آ !.. أنت لست ديفيد ، أين ذهب زوجي؟ قلي مستر ستيوارت ، هل التقيتما في الصباح ؟ أم ..
- ولا ستيوارت .. اهدئي سيدتي ، وسأخبرك بكل ما رأيت..
- من أنت؟ أين ديفيد ؟ وأين مساعده ؟ وأنت.. ماذا تفعل في المكتب ؟ سأخبر الشرطة .. قل ماذا فعلت بـ.. ؟ أين زوجي، أيـْـــــ..؟
- سيدتي لا فائدة ترجى من كل ما تفعلين، أرجو..
- قل أين ديفيد وإلا ..
بصوت عال:
- سأقطع الخط إذن..
- هه ! ..
- حسنا، أنا أحد موكّلي المستر ديفيد ، ضرب لي موعدَ عمل لهذا الصباح ، وحين جئت لم أجد أحدا في مكتب مساعده .. اكتفيت بإذن الموعد ، وهممت بالدخول ، وعندما...
هذه المرة ، لم تـهتم مسز ديفيد بانقطاع الخط ، بل سقطت السماعة من يدها حين صُعِقت لِذلك الدَّوي الـمفزع الأقوى على سمعها ووعيها منذ سكنت هذه المدينة .. دفعها الخوف والذهول فسحبت رجليها بخطى متقاطعة إلى الباب الخلفي لغرفة الجلوس ، وحيث الشرفة المطلة على السماء والأرض.. توقف لسانها عن بث القلق ، ولم تفهم شيئا .. تمتمت بنصف جهر:
- ..يا الله.. إنها نهاية العالم .. وديفيد كذلك ، كلنا سننتهي الآن..
ثم رسمت بين كتفيها إشارة الصليب ، ولم تتكلم..
بعدها لـم يُعلم أيُّ شيء عن رجل الأعمال أحمد حسن ولا عن المحامي الشهير "مستر ديفيد" ومساعده "ستيوارت" ، ولا حتى عن مسز ديفيد ، وهذا منذ ذلك الصباح الخريفي العاصف على سماء مَنْهَاتِن في ولاية نيويورك الأمريكية ، يوم الثلاثاء الحادي عشر من سبتمبر، عام ألفين وواحد.
***

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]قصة قوية الأسلوب، وتقنيات السرد فيها عالية، مما أكسبها قوة جذب على الرغم من موضوعها العادي، وهذه نقطة فنية تُحسب للقاص، بغض النظر عن مضمون قصته.. ومن أسباب قوة القصة أيضاً، ذلك الغموض الذي نجح القاص في لفِّ شخصياتها به دون أن يحولها غموضها إلى شخصيات غير واقعية أو شخصيات تبدو مصنوعة.. كذلك القصة بعيدة عن المباشرة، قادرة على الإيحاء بأكثر مما تقوله سطورها القليلة.
[/align]
[/cell][/table1][/align]
[/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04 / 07 / 2013, 54 : 10 PM   رقم المشاركة : [5]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

أين ذهب ديفيد:
تتحدث القصة عن إسطورة برج مركز التجارة العالمي في نيويورك في 11 أيلول سنة 2001 م بنسج محكم ، إشارة إلى لعبة زلزلة الواقع المادي، بصدمة محكمة تكسر عوالم الترف المزيفة، بل بلكمة مفتعلة ،(لغايات باتت معروفة) ساهمت بإيقاظ نوَّام غرقى البهرجة وأضواء الترف ونَسْج العلاقات الاجتماعية التي أسستها المصالح الآنية وشره تكديس المال.
و(ديفيد) وما يحمله الاسم من دلالات، وسؤال امرأته عنه، ومجيء المحامي المسكين (ربما يكون محامياً عربياً) لتكتمل به أبعاد المأساة/ الملهاة، فيكتمل (طعام الوليمة) العبثية/ المقصودة عن سابق تدبير، وعن حديث حيك بخبث ليل.
** ** **
لقد حاول الكاتب بذكاء، تحويل الخبر إلى دهشة خبر، بالابتعاد عن التقريرية والمباشرة، لكنْ بصياغة ابتعدت قليلا عن شاعرية الكلمة وشجن الدلالة،فكان عجولا قليلا، فابتعد عن آفاق شاعرية الكلمة.


توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 07 / 2013, 02 : 12 AM   رقم المشاركة : [6]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة التحدي
شاردة كعادتها تجوب أفكارها شوارع الألم، تقلب صفحات حياتها علَّها تصادف بصيص سعادة، يوما أبيض تخترق به سواد عمرها القاتم، تهرب من عزلتها، ترتدي فستان الأمل، تتسلل إلى دهاليز ذاكرتها و ما أن تجتاز بهوها حتى يوصد الباب على تلابيب غبار رماد دفنته تحت التراب.
اصطدمت المسكينة بتحامل كل من حولها عليها، و هذه دوامة عاشتها أين ما حلت و ارتحلت؛ كأنها لعنة تطاردها، أو كأنها تؤدي ثمن ذنب هي بريئة منه براءة الذئب من دم يوسف، أو كأنها فدية خطيئة لم تقترفها.
عانت من مطاردة أخ لها تصغره بحولين لا لشيء؛ فقط لأنه يحس بضعف أمام قدراتها العالية التي تفرغها في كل شيء من أبسط شيء في أي مجال صادفته.
و كان أساس كرهه لها تجاوزها له في الدراسة؛ لم يكن أقل منها في التحصيل؛ و إنما كانت أوفر منه حظا عندما استقبلتها مدرسة البنات في سن مبكرة، طبعا كانت مدرسة متميزة؛ تحظى بزيارة ملك البلاد و أمرائها. و لربما حظها هذا هو الذي جلب لها الويل عمرا.
حظي أخوها و كل أخواتها بمحبة الوالدين، كما حظي بالاستفادة من الدروس الخصوصية في كل المواد في حين رفض طلبها في التقوية في مادة اللغة الإنجليزية التي أحبتها؛ بدعوى أن الدراسة لن تنفعها وأن مصيرها القبوع في البيت لإنتاج الجنس البشري و خدمة الزوج.
هذه النقطة بالذات سوسة نخرت راحتها، سودت حياتها، و جعلت بينها و بين تحقيق ذاتها حاجزا مانعا ستجند كل طاقاتها، وستلبس أمتن الدروع لصده، و ستكسره بقبضة عناد.
فكم رفضت من عريس تقدم لخطبتها و لم ينضج تفاح صدرها بعد، كان يوصى بها أن تحجز لفلان أو لآخر من الجيران، من الأهل و من المعارف و كأنها أريكة من قرو مزخرفة توفر الراحة للآخر، أو وسيلة لتفريغ شهواته..و كانت تلاقي الويل من رفضها هذا؛ حيث اعتبرتها العائلة شؤما على أخواتها الست أو كما يراها من يكن لها المحبة شمسا تحجب النجوم؛ إذ كانت محط إعجاب الكثيرين قبل أن تستوي قامتها ويمتلئ قدها الذي كانت تظهر عليه بوادر الرشاقة و الجمال.
كان هم الأسرة هو التخلص من نحس أنجبته رغم أن ميلادها صادف هدية مؤجلة مستحقة من الدولة؛ لما كان يقوم به والدها من أعمال فدائية ضد الاستعمار.. و كان همها إتمام الدراسة وتحصيل العلم الذي سكن كيانها.. و أقامت الأسرة كل الموانع ضد تحقيقه فكانت تتجرع المرارة من صد باب أملها الوحيد، وكثيرا ما كان يسرح بها خيالها إلى شكوك لا تجد لها جوابا. فذات ليلة في زهرة شبابها و هي منطوية كعادتها من شدة السهاد في ركن غرفتها، و ذقنها فوق ركبتيها في جلسة قزمت ذاتها كما قزمت الظنون يقينها، تفكر في حالها و في صراع عنيف مع نفسها تبادرت إلى ذهنها أفكار أرابتها؛ ترفضها و هي تجثم على عقلها.
ـ هل من سر يخفي انتمائي لهذه الأسرة؟ ماذا دهاهم حتى ينبذونني؟
فعلاوة على الدور الذي كانت تلعبه كخادمة للبيت دون أخواتها والاستفادة من محاضرات التقوية في فن المطبخ.. كانت تستفز بأبشع الطرق ليلة اجتياز الامتحانات. و أهون ما كان يرتكب في حقها عندما يسلمها العياء للنوم؛ هو الصراخ المباغت في أذنها بأعلى صوت من أخيها؛ فتقوم مفزوعة مذعورة وكأن صاعقة لفظتها من عال إلى قعر مشفر الحدود؛ لتستفيق من صدمتها و غمامة بألوان خوفها تغشى عينيها على ضحكات تدوي في أرجاء غرفتها؛ التي اقتلع قفل بابها من أجل هذه المهمة السخيفة.. وعندما تجهش بالبكاء من شدة الوجع ينتصب أمامها بقامته الضخمة و عيناه الجاحظتين تنم عن كراهية منفلتة تنطوي على مكر بغيض؛ تجلى في قدرته على التحايل على الأسرة ليتولى أمرها من أجل تطويعها لتسلم أمرها و تفر إلى دار الزوجية؛ و لأجل ذلك يصب جام غضبه عليها قائلا:
ـ سأظل وراء تدميرك و سأحطمك لن تنالي مرادك ما حييت.
ـ خلي عني اتركني و شأني لن أنصاع لرغبتكم و لو قطعتموني إربا إربا.
عندها ينحّى عليها بالشتائم و تنال من السياط ما لا جسدا في مثل سنها احتمل، فتبدو ترقص من ألمها ككبش ينحر، و من حلق يبس ريقه من شدة الإرهاق تصدر أنينا متقطعا بشهقات تنبعث من فوهة صدرها؛ فيخاصم النوم جفنيها.. و تبيت تحتسي ملوحة غلا سائلها على مجرى المقل؛ لتفيض على الخدين مدرارا إلى أن ينفلق الصباح.
تعد الفطور في وقت مبكر، و تغادر إلى قاعة الامتحان دون أن تدور آلة أسنانها التي كانت تعض شفتيها المحمرتين المتورمتين من طول بكاء، و دون أن تبلل فاها و أنى لها؛ و قد ارتوى غصبا من ملوحة شققت بساط قلبها و صدعت ركائز عقلها، لقد كفتها المواد الدسمة لعصير الألم الذي تجرعته ليلا عن الإفطار.
كان عزاؤها من كل الاضطهاد و العذاب الذي مورس عليها هو ارتقاؤها الرتب الأولى، و افتخار أساتذتها بمجهوداتها التي أجهضها القدر؛ لتنتقل من حلم التحصيل إلى حلم العمل فكان لها ذلك.. و لم تستسلم لرغبة الأسرة بل أصرت على الإضراب عن الزواج ممتطية صهوة التحدي، حتى لم يبق في البيت من البنات إلا هي. و كان ذلك انتصارا لرغبتها في ضرب العقلية الجامدة، و تجاوز حدود صحراء الجهل.
انفردت بأمها لتخرجها من غياهب المعتقدات الفاسدة و تزيل وشما بصم اصطدام الأحزان على صفحة قلبها، مارست تمردها البريء من العنف بعد أن خلا لها الجو من كل عائق. والحق يقال لم تكن عاجزة عن تحقيق ذلك في حضرة الجميع؛ و لكن وكما يقول المثل الدارجي "لحمية تغلب السبع" و السبع ظل سبعا في محمية فصلت على مقاسه، وأقيمت خصيصا من أجل الحفاظ على نقاء نوعه؛ إن لم أقل من أجل الحفاظ على شرف العائلة من أن يُدنس ثمره قبل موسم الجني.
و تصالحت بتواصل منفتح مع من بقي في البيت، ائتلفت القلوب بعدما أدارت بعين فاحصة و بكل لباقة عقلياتهم إلى الوجهة الصحيحة كما كانت تدير و حدها أشغال البيت.
أحبها الجميع لكنها منعت نفسها من أن تحب أي عاشق لها؛ حرمت أحلام الفتاة في عز الشباب لا لشيء إنما تحديا لما يفرض عليها، و عاشت على تحدي ظلم و ظلام المجتمع المتمثل في أسرتها التي أعطتها أكثر مما سلبتها، و تعلمت من ظلمها الكثير عوض أن تلبسها سرابيل الظلام، و أقل ما علمتها أن تطرد الكراهية من صدرها. علمتها أن تدر على وسطها وابلا من ضرع الحب الذي حرمته منذ حداثة سنها. رفضت أن لا يغازل أوتار قلبها إلا العشق لكل من و ما حولها، و أن تجعل من قبضة شوك مجتثة على محيطها باقة ياسمين تضوع أرجاءه عطرا.
و من مولد حرارة أسرتها الذي كوى جلد حياتها في ربيع العمر، استمدت شحنة كهربائية لتحقيق ذاتها، و لم تفرغها من مبادئها وحريتها في اتخاذ قرارات قناعاتها. تلك الحرية التي نثرتها باتفاق مع شريك حياتها على بيتها و أولادها. و بممحاة العزيمة عوضت ضنكا أثقل كاهلها، صبغت سواد حياتها ببياض عاشته حياة رغيدة هنيئة، تمنى كل من أساء لها بعضا منه.
***


[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]القصة ذات لغة عذبة، وعرض سلس، على الرغم من زيادة الزخارف البلاغية في صياغتها السردية، لكن مع ملاحظة أن هذه الزيادة لم تُسئ لسيرورة سرد الحدث وفنيته..
موضوع القصة اجتماعي/عادي، لكن عرض المؤلف/المؤلفة له كان مقبولاً.. وقد حافظ المؤلف/المؤلفة على وحدة القصة، وعلى العناية بشخصيتها المركزية، وإبراز حركيتها ضمن الحدث بعيداً عن أسلوب الوصف لهذه الحركية، الأمر الذي أكسب تلك الشخصية قدراً كبيراً من القبول والحيوية.. قصة جيدة.. وكان من الممكن أن تكون أفضل.
[/align]
[/cell][/table1][/align]
[/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 07 / 2013, 13 : 12 AM   رقم المشاركة : [7]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة شجون الزمن الضائع
منذ عشرات السنين لم ير كفيه على هذه الحال المزرية. لطالما اجتهد أن تبقيا آيه في النظافة والليونة. حتى أظافره التي تعهدها بحرص تعلن عودتها لأيام الشقاوة. منذ وصل قبل شهر وضع خطه تكفل إقامه لائقة في دار أهله كلما عاد، وأخيراً أمضى مساء أمس في تلميع "معاميل" القهوة السادا المهجورة منذ سنين ثم صفها في "المنقل" وجعلها في موضعها من المضافة حيث كانت منذ وعى على الدنيا. راح يتأملها من كل جانب، وصارت تتقافز في ذاكرته وجوه كثيره ، وراح يمتلئ شوقاً إليها. أراد أن يعرك عينيه فانتبه الى اصطباغ يديه بالسناج وكلف النحاس فقرر أن يتحمم ويخلد للفراش. من جديد تناوبت قلقه أفكار وأحاسيس صارت تحاصره بإحساس خفي يسائله عن جدوى ما يقوم به. مراراً دفع هذا الإحساس بعناد، لكن سرعان ما كانت تأخذه نوبه أخرى وأخرى الى أن غيبه النوم. فتح كفيه وقلبهما أمام عينيه وابتسم. أحس برغبه في اقتعاد جذع الزيتونة الرومية القائمة الى جواره. اقترب من الجذع. تلمس خشونته وهبط. نظر الى القبر وتمتم: - إيه كم أحببتَ أن أتعلم!... أعرف اليوم كم قاسيتَ لذلك يا أبي، ثم غمر وجهه واستسلم لهواجس متداخله لا تثبت فيه الأمان. تقاعد ففكر في العوده إلى الوطن، له فيه اهل طيبون وسمعه حسنه. كان موظفاً مرموقاً بين شباب القريه وتزوج من فتاه جميله ومثقفه، ثم حمله طموحه للهجرة والعلم فباع أبوه نصف أرضه ويسر له ولعائلته الصغيرة عيشاً معقولاً في الغربة الى أن حصل على وظيفه مغريه واقتنى بيتاً يحسده عليه كل معارفه من المغتربين. امتدت به السنون ولم يزر موطنه إلا في أعراس أخواته الثلاث ومأتم والدته ثم والده. وكبر الأولاد وتعلموا ولم ترق لهم فكره العودة. كذلك زوجته لم توافقه. قالت : - أربعون سنه هنا ... صرنا من هذه البلاد... الأولاد تعودوا على هذه الحياه... لن يتأقلموا هناك. تذكر عندما ذهبنا لعرس نسرين كيف ظلوا غرباء ولم يعجبهم شيء... كانوا صغاراَ بعد ... في الابتدائية! وظلوا يتندرون بما شاهدوه لسنوات بعد عودتنا. - ارمم الدار وأهيؤها لزياراتنا اذن. قال لنفسه يوماً. وافقه الجميع على الفكرة ، وها هو منذ شهر يرمم دار الأهل ريرجع معالمها القديمة وينغمس في لذه استرجاع الأيام الخوالي ويعلن أنه من اليوم فصاعداً سيمكث نصف سنه هنا ونصفاً في بيته هناك. اليوم عند منتصف الليل سوف تقلع به الطائرة، كم مشتاق الآن للزوجة والأولاد، سيقص عليهم كم شيء ...! سوف يفرحون، ستفرح سعاد كثيراً لأنها سترى أمها وإخوتها كل سنه... سيتعرف الأولاد على أقاربهم متى شاءوا... سيتعرفون كلهم على الأقارب وسيدرك الجميع هنا أن غربته لم تكن سدى. رفع وجهه ونظر الى القبر وعدل مجلسه وقال في نفسه: - بل سيعرفون أين يرقد جدهم وجدتهم... في المرة القادمة أزرع زهوراً ونباتاً أخضر كما يفعلون عندنا. سأوصيهم بأن يدفنوني هنا... ستكون هنا زهور وخضره وروائح الأحباب!... فاضت مشاعره ودمعت عيناه فأرخى لهما العنان. شعر بعدها براحه لم يألفها في يوم من الأيام. آلمه الجذع فتململ وأخرج منديلاً ورقياً من جيب قميصه، مسح دموعه وأسند ظهره للساق وجعل كفيه تحته وضغط ليتقي الخشونة. استنشق هواء ملء رئتيه، نفخه وقرر أن يعود إلى نفسه... - سأعود، هنا أفضل. انا لن أقضي باقي العمر هناك. سيجنني ألبقاء في البيت بلا عمل. الأيام تمر مملة. على الأقل أعود كلما ضايقني الملل. الأولاد لن يعودوا.. أنا عارف أعمالهم جيده ولا تهمهم الزيارة حتى... وسعاد لن تتركهم. ولن تبقى معي هنا لأكثر من أسبوعين أو ثلاثة كما تهددني مازحه كلما ناقشتها بالموضوع. هي عنيدة وأنا متأكد من أنها تعني ما تقول.. والأولاد معها وهي تحتج بموقفهم في ذلك. إيه... وأنا وحدي هنا؟ لا لا يمكن ... لا بد من الاتفاق على شيء ما معقول. ثم إن أربعين سنه في الغربة غيرت كل شيء هنا. البيوت، الشوارع، الوجوه... حتى اللباس والطعام والكلام... كل شيء تغير. إيه... أربعون سنه مضت كلمح البصر قلبت الدنيا هنا. الكل يركض ولا وقت عند أحد. في الأسبوع الأول لوصولي تخيلت أن كل شيء على ما يرام... غمروني بفرحهم وحسبت أن ما تغير هو الوجوه والمشاهد فقط، لكن سرعان ما تبين لي أنهم مشغولون عني وأحسست من نظرات من ظل يطلطل من الأقارب والجيران استخفافاً لا أفهم مغزاه بما أحذّث وما أفعل. هل صدقت زوجتي إذن؟ تقول لما تضيق مني: - تظن أن الناس ملهوفين عليك لتعود؟ أكثرهم سمع عنك ولم يرك إنها أربعون سنه! أيه من هذا الإحساس الذي ينتابني في الأيام الأخيرة... جئت مليئا بالحماس لما عزمت عليه... أهو إحباط هذا الذي أحس به في عودتي؟ هب واقفاً. بحلق في كفيه المصبوغتين بسناج النحاس ولحظ أثر الجذع الخشن فيهما. فركهما ببعض وتقدم نحو القبر مررهما على الرخام الدافئ الذي تم تركيبه منذ أيام وانتقل إلى الآخر ومررهما بحنان وبطء... تذكر كفي أمه في مواسم قطف الزيتون فعاوده الاختناق ودمعت عيناه فأرخى لهما العنان.

***
[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]أسلوب القص ممتاز، وكذلك تقنية السرد وطريقة عرض الحدث، سواء في بعده الآني أو في امتداده الماضوي الذي يتبدى عبر سيالة الذكريات.. وحتى الصراع الذي عالجته القصة بين موقف بطل القصة وموقف زوجته وأبنائه من العودة إلى الماضي على متن الذكرى، هو صراع في منتهى القوة والتعبير عن الاختلاف بين الواقعي والرغبوي.. كذلك صراع البطل مع نفسه، وصورة الإحباط الذي انتهى إليه سعيه لإحياء ماضيه في أرض وطنه.. قصة جيدة وقوية ويمكن افتراض العديد من الأبعاد لمضمونها، ما يعني غنى في النص من الناحية الفنية أيضاً.
[/align]
[/cell][/table1][/align][/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 07 / 2013, 28 : 12 AM   رقم المشاركة : [8]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
منديل سلمى
كنت في طريق العودة إلى قريتي بعد غياب طوعي طويل. كيف ولماذا أجبرت على الهجرة والإبتعاد؟ هذه قصة يمكن اختزالها في سطور، ويمكن سطرها في مجلّد كبير إذا أردت أن أفصح عن الأسباب التي أدّت لذلك والأبعاد النفسية التي ترتّبت على هذا الفراق المجحف بحقّي وبحقّ الآخرين. حسنًا، سأعترف بأنّني كنت وما أزال عاشقًا، تصوّروا بأنّ الكثيرين كانوا يهمسون لي خجلا بين الحين والآخر بأنّ تصرّفاتي توحي بالعشق! لكنّي أرى بأنّ الشجاع والجريء فقط لا يخجل من إعلان حبّه وولهه، وإلا بدا العالم كالح رماديّ. العشق الأبديّ المقيم في روحي جعلني أرحل دون أن أحزم من أمتعتي شيئًا، بل على العكس من ذلك، بدأت الأمتعة تلاحقني قي مسيرة حياتي اللاحقة، وكنت أقوم غالبًا بتغيير خزانة ملابسي، أهدي الثلاجة والفرن لبعض الأصدقاء، أتخلّص من الأحذية القديمة السليمة غالبًا، أحاول جاهدًا عدم التعلّق بأيّ مادّة أو أثر، سوى ذاك المنديل – منديل سلمى.
أعرف بأنّها قد تزوجت وخلّفت ولدين وبنت في منتهى الجمال، أصرّ والدها على أن تحمل اسم أمّها لشدّة الشبه بين المرأتين، وهكذا أصبح في تلك القرية سلمى الأم وسلمى الابنة. لكن هل يدرك الرجل الذي سلبها من عالمي قبل عشرين عامًا بأنّه لوّعني مرّتين، الأولى حين دخلها وأصبح الوحيد المخوّل بامتلاكها، والثانية حين تسبّب بولادتها ثانية إلى هذه الدنيا، لتصبح مصدر الفتنة والعشق طوال أربعة عقود متتالية.
- محمد! هل هذا معقول يا عالم؟ إنّه والدي العجوز، لم يكن قد تقدّم في العمر كثيرًا، لكنّ الألم والحسرة التي استحوذت عليه منذ سنوات، جعلته يبدو أكبر من عمره بكثير. كنت قاسي القلب، حرمته من الكثير من الفرح المرافق لمعايشة أيامي كابنه المدلّل. كنت قد حرمته من السهر على راحتي حين أمرض، والرقص حين أحقّق نجاحًا ما. هكذا وجد الرجل نفسه خارج حسابات الوالد وكنت أنا السبب بالطبع في معاناته الشرقية. لكن يا والدي أبا محمد، أتمنّى أن تدرك كيف يشقى الرجل حين يجد نفسه ليس بعيدًا عن سلماه التي باتت ملك يمين رجل جشع نهم آخر. رجل لا يتوانى ليل نهار عن إشباع اشتياق الرجال لجسدها البضّ وامتلاك إبتسامتها صباح مساء، رجل أدرك قدرتها على استباق الشمس صباحًا بحضور أنثويّ لا يقهر. إبتسامتها وحدها هي التي هزمتني في خضمّ الحياة يا والدي.
- أنا محمد يا والدي الحبيب. أخذته بين يديّ طويلا، وسالت دموع الرجال سخيّة صامتة حرّى، طبطب على ظهري وقبّلت جبينه ورأسه الخشن. كان في تلك اللحظة يتعافى من لعنة الزمن وقسوة عقدين متتاليَيْن.
- لم تتغيّر رائحتُك يا ولدي، ما زلت ذلك الرجل العشرينيّ الذي أذكر.
كان الرجل-الوالد يعرف جيّدًا أسباب ابتعادي عن القرية التي اشتهرت بجمال نسائها، وكان يعرف مدى تعلّقي بسلمى، التي كانت تبادلني مشاعر الحبّ أيضًا، كانت تمنحني إشراقتها كلّما مررت بالقرب من منزلها، وكنت أمرّ في اليوم الواحد المرّة تلو الأخرى. مئة مرّة بل أكثر، كيف يمكن إخفاء كلّ هذا العشق يا والدي؟ لهذا وافق والدها طلب أبو ربيع لتزويج إبنه منها ورفض طلب أبي محمد ليحكم علينا بغربة طالت لعقدين من الزمان. قبل إعلان زواجها وبعد أن تأكّدت سلمى من مصيرها غير المعلن، أهدتني منديلها مضمّخًا بعطرها الذي أحببت ما امتدّ بي العمر.
- هل تزوّجْتَ يا ابني؟
سألني والدي محدّقًا في عينيّ، ربّما كان يبحث عن أثر سلمى في جيناتي.
- تزوجت وطلّقت مرّتين. لم تتمكّن إمرأة من احتلال مكانتها يا والدي.
لم أجرؤ في تلك اللحظة على لفظ إسمها.
قد يتساءل البعض عن سبب عودتي إلى القرية بعد مضيّ هذا العمر. علمت قبل سنة بأنّ سلماي قد ماتت فجأة، لم تفتح عينيها ذات صباح، فراشُ نومها كان قد برد في ساعات الصباح الباكر، دون أن تفارق الإبتسامةُ تضاريسَ وجهها.
بعد أيام قابلت صدفة سلمى الشابّة الجميلة ذات العشرين ربيعًا. كانت تعرف تفاصيل حكايتي مع أمّها بالطبع.
- عمّي محمد!
لو تغيّر مجرى الأحداث قبل عشرين عامًا لنادتني هذه المرأة الشابّة بأبي. امتدّت يدي إلى جيبي الداخلي، أخرجتُ المنديل المضمّخ بعطر المرأة التي امتلكت ذاكرتي، وخَلُدَت وتجذّرت في أعماق العاشق الكامن في وجداني.
- هذا منديلها يا سلمى، آخر ما تبقّى من ذكراها، قدّميه للرجل الذي يختاره قلبك، ولا تقبلي بأن تكوني مُلْكَ أحدٍ غيرِه.
------------------

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]القصة جيدة الحبكة والسرد، وبناء الشخصيات فيها متقن وموفق، وكذلك الحوار بمستوياته المختلفة.. ومع أن موضوع القصة مألوف ومطروق كثيراً، إلا أن القاص استطاع أن يضفي عليه لمسته الخاصة، فأتت قصته مشوقة، لا يعكر صفوها سوى تلك الأخطاء الإملائية والنحوية في الطباعة التي اشرت إليها باللون الأصفر.. قصة جيدة..
[/align]
[/cell][/table1][/align][/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 07 / 2013, 45 : 12 AM   رقم المشاركة : [9]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]
قصة عفاف
أتت إلى هذه الدنيا قبل الأوان,فكانت الفرحة فرحتين.أزاحت عنهم هما توالى لسنين عديدة فاستقبلوها كالأميرة وهكذا صممت أن تبقى.كانت كبرى إخوتها لكن لا أحد يتنازل عن حب الأميرة ,الكل يهتف قلبه بحبها ويتوددون إليها,كل على قدر رحابة صدره كانت تبادلهم نفس الإحساس فحبهم لها ما زادها إلا تواضعا ورقة.كانت تخاف على نفسها من أجلهم فهمت الدرس جيدا, لا تريد أن تخيب رجاءهم بأي حال من الأحوال...مرت سنين طفولتها أكثر من رائعة لم تعرف للحرمان طعما أبدا.مرت السنين والأعوام,شاءت الأقدار أن تعصف بقلبها الصغير ريح قوية,انحنت لتمر العاصفة بسلام لكنها أبت إلا أن تعمر وأبت هي إلا أن تسير عكس التيار. فعاشت أجمل أيام عمرها بين شد وجدب,بين نحيب وأنين,كانت غريرة حيية ,استطاعت هذه العاصفة أن تنضج قلبها قبل الأوان.فترعرع بين جنبات روحها حلم جميل بحجم الزمان لم تلجأ لتفسيره خوفا من أن يفقد بعض طلاسمه التي تدغدغ مشاعرها كلما هربت من رتابة الحياة,كلما أغلقت عينيها لتفتحهما على عالم ساحر,لتستيقظ في النهاية على حزن أبى إلا أن يعشوشب بين أحضان الشوق .انتبدت بحلمها مكانا قصيا أخفت ظفائرها واعتلت برج الصمت وتقلدت بلاءاتها,مزقت كل الشهادات إلا شهادة مزقت فيها الإنحناء فأينع الإباء,لم تنسب الذي أصابها إلى قبيلة عذرة ولا إلى أي قبيلة أخرى,بل نسبته إلى رب السماء وحده قادر أن يرفع عنها البلاء,بكت واحترقت,كتمت وعفت وانتظرت الموت,ما كانت محظوظة ضعف الطالب وعز المطلوب.أصدر القدر أمره أن تعيش بين داميس الموت البطيء,لم يعد يغرها من متاهات الدنيا شيء.منذ أن ذبح هذا القلب على أعتاب العفة والكتمان, ومنذ أن صلب هذه الروح تالوث الشوق والصبابة والحرمان,لم يبق منها إلا كتلة لحم ومجموعة عظام لكم تمنت أن تهديها للديدان حبذا قبل الأوان.لم تعد تطق الموت البطيء وفي نفس الوقت لم ترغب في إجهاض هذا الحلم الجميل الذي يضيء حناياها,فالذي بين حناياها روح والروح إذا شفت خفت وإذا فاحت فاضت وألقت ما فيها وتخلت عن جسد أشبه مايكون بالقبر إما تعود إليه بالضياء أو تكمل رحلتها فيلفه الفناء وتحتضن هي الضياء.ألا يقولون إن الأرواح جنود مجندة,لكم تمنت أن تستغفل هذه الجنود لتحظى بسر لطالما ارتقت إليه.وظلت تنتظر هفوة من هفوات الزمن تعترف لها بالذي بين حناياها,طال الزمن واختفت هفواته...أرادوا لها أن تتكاثر احتجت ورفضت وتدرعت,لم تغرها أشكالهم ولا مناصبهم,فحلمها كان الأجمل,كانت حلم الكثيرين لكن حلمها الوحيد كانه,وأصرت على الرفض وعندما انقضت الحجج والذرائع قبلت على مضض,فألقى بها الزمن في نار أخرى,تكاثرت ولم يلهها التكاثر حتى تزور حلما يسكنها وتسكنه يحفر له مكانا في كل ذرة من كيانها.استمرت رحلة الموت البطيء وتوالت السنين وما زال الجرح لم يندمل, ومازالت صورته محفورة في ذاكرة قلبها وقلب ذاكرتها,لم تستطع رياح الزمان أن تدروها,ولا اسطاع غبار النسيان أن يعلوها, ها هي تبلغ سن الرسالة ها هي تنزل من برجها لتبحت لحلمها عن هوية,تخاف أن يواريها التراب ولما تعلم هل الذي بين حناياها كان حلما أم وهما,فإذا كان حلما فما أقصر الأحلام الجميلة وإن طالت وإن كان وهما فليكن من أصدق الأوهامها هي تجهر بالذي أسرته ربع قرن من الزمن ,أنطقها الذي أسكتها أول مرة وهو على القلوب ذو سلطان عظيم,أتت به قومها تحمله ويحملها يشكوان زمنا تحامل عليهما ورمى بهما في غياهب الصمت,حتى طاغور انتفض لبكائها ولم ينزع عنها قدسية الحلم فصمتها فاق المدى وصرخة صمتها اخترقت الصدى ,ها هي تستعد أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وهالة الرهبة تحفها وموكب الحمام الزاجل يخبرها أنها لم تغادر ذاكرته طيلة هذه السنين, ما كانت تطمع في أكثر من ذلك ابتسمت وأشرق محياها وأخذت تردد ألحانا شجية..يدق قلبي من الفرح والعين تبكي حنينا داوى الزمن ما جرح زاد الروح يقينا ماتت مطمئنة على حلم توعد الزمن بكفالته,واحتضنته نسيمات الشوق...

***
[align=center][table1="width:100%;"][cell="filter:;"][align=justify]القصة جيدة البناء، على الرغم من الغموض الذي يكتنفها، والذي أظن أن القاص قد بالغ فيه إلى حد قلل من قوة قصته وقدرتها على جذب القارئ.. ولم تنفع لغة القاص الجميلة في استعادة القارئ إلى القصة، وإعادة المتعة إليه.. هذا مع أنني أرى أن تأثره بلغة القرآن الكريم قد أكسبت جملته قوة وتألقاً، لكنه اشتط في هذا أيضاً، بمناسبة وبدون مناسبة، فجاءت نتيجته غير إيجابية إلى حد كبير..
بشكل عام، القصة جيدة، وحبذا لو تلافى مؤلفها ما فيها من أخطاء نحوية وإملائية أشرت إليها باللون الأصفر، لأن القصة ستصبح أجمل حتماً بزوال هذه الأخطاء من نصها.. [/align]
[/cell][/table1][/align]
[/align]
[/cell][/table1][/align]
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05 / 07 / 2013, 53 : 12 AM   رقم المشاركة : [10]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: القراءة النقدية للنصوص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة

التحدي:
دعوة لتحدي خطأ التقاليد الموروثة، وهو موضوع هام قديم/ حديث، ما زال يتكرر في شؤون حياتنا، بصور متشابهه، ببصمات مختلفة.
لكن (السرد) أو (المذكرات) أو (المقال الأدبي) يختلف تماماً عن فن (القص)، فالقصة محورها الرئيس عنصر (الدهشة) ويتناهى بالحذق بدراية (الحبكة) وبراعة الطرح ،بتمازج روعة عرض الحدث.
وقصة (التحدي) كانت أقرب للمذكرات ،ولم تنفك من أسر رتابة تقليد الصور البلاغية، وعنصر التشويق، فلم نتساءل ،ولم ننفعل، ولم نرقب حدثاً يغير نمطية مسار الأحداث.
لكنها تبقى قصةً صرخة في عالمنا الغارق في خطأ بالي التقاليد، وما حالفها عنصر الإدهاش،وليس هذا الكلام إغماطاً ،بل النفس تطلب دائماً كمال العمل وحيويته.


توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
للنصوص الفائزة, مسابقة, القراءة النقدية


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إطلاق مسابقة القراءة النقدية لعدد من نصوص شاعرنا الكبير طلعت سقيرق هدى نورالدين الخطيب الرابطة العالمية لأدباء نورالأدب 12 30 / 09 / 2015 19 : 10 AM
النصوص المجازة في مسابقة القصة القصيرة جداً / نرجو القراءة والتصويت هدى نورالدين الخطيب الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب 13 01 / 07 / 2015 18 : 12 PM
القصص الفائزة في مسابقة القصة القصيرة وشهادات التقدير هنا هدى نورالدين الخطيب الرابطة العالمية لأدباء نورالأدب 46 16 / 07 / 2013 12 : 05 AM
نتائج الاستطلاع الجماهيري للنصوص المشاركة في مسابقة القصة القصيرة هدى نورالدين الخطيب الفعاليات والمسابقات الأدبية... 1 05 / 07 / 2013 58 : 08 PM
سأبدأ منذ الليلة وحتى الغد بإعلان نتائج القصص الفائزة بمسابقة القصة القصيرة هدى نورالدين الخطيب الرابطة العالمية لأدباء نورالأدب 6 02 / 07 / 2013 30 : 04 PM


الساعة الآن 39 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|