التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,860
عدد  مرات الظهور : 162,365,786

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > الله نور السموات والأرض > مرافئ الروح في رحاب الإيمان > الإعجاز.القرآني.والمناسبات.الدينية والمناظرات
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 18 / 01 / 2014, 06 : 05 AM   رقم المشاركة : [1]
عدنان أبوشعر
باحث إسلامي، يكتب الأدب الاجتماعي والقومي

 الصورة الرمزية عدنان أبوشعر
 





عدنان أبوشعر is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

- تمهيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــد:
قد يبدو بحثي هذا غريباً في طرحه بعض الشيء ويزيد في إغرابه عزوف الكثيرين عن تناوله خشية الخوض في مسائل عُدَّت من المسلمات غير القابلة للنقاش عند فريق من الناس، وعَوَصُ المسألة عند فريق آخر[1]، بيد أن ما يحثّني على أن أتجشَّمَه رغبتي في بيان الحق وإجلاء معانيه رغم عبء التبعة ووعورة الطريق، ولأنّ الأجرَ على قدر المشقّة.

- مشــــــــــــــهد استهــــــــــــــــــــــــلالي:
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً"[2].
في مشهد استهلالي آسر يملؤه الجلال وتكتنفه الرهبة، تُصيخ الأذن البشرية السمعَ لسردِ ماتع لوقائع ما يُتلى عليها من أـحرف نور تسرح بخيال سامعها بعيداً في أغوار تاريخ سحيق، فيستروح عقله مع بداية بدئه، وتأنس روحه بقربها من حضرة القدّوس العلي العظيم وهو يباهي الملائكة بهذا المخلوق المتفرِّد، ويأمرهم من ثمَّ أن يقعوا له ساجدين.. أيّ تكريم للإنسان هذا، و أيّ رفعة يمنحها له خالقه؟

- القصــــــــــــد في الخـــــــــــــــــــــــلق:
مع تسليمنا المطلق بأن حكمة الله في الخلق (غائيّة) إلا أن ذلك لا يعني بحال جلاء كل معانيها وظهور كل مقاصدها، وعلّة ذلك قصور أذهاننا عن إدراكها؛ فالمحدود محجوب عن إدراك غايات المطلق إلا إذا أُريدَ له ذلك، ودليل ذلك أنه جلَّ وعلا حين قال عن ذاته بأنه "يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ "[3] لم يُلزم نفسه بتبرير ما يفعل، فهو: " لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ"[4]، لكن هذا لا ينفي بحال غائيّة الخلق، ونستدِلّ على ذلك بقوله تعالى :"وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ "[5]، وبقوله عز وجلّ وهو يقرر انتفاء البَطَر والهَدْر في أصل إيجاداته: " وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا "[6] وذلك عينُ الغائيّة والقصد في الخلق، وهذا ما يتيح لنا سبيل فتح رَوْزَنَة نُطِلُّ من خلالها للتعرف على بعض جوانب ما خفي من أسراره.
ولعل تفاصيل المشهد الاستهلالي لتكريس خلافة آدم في سورة البقرة تكون خير قنطرة نسلكها للإطلاع على أحداث أهم نقلة في عالم ما أوجده الله من خلال رحلة في أعماق الوجود؛ حيث يقوم النص بشدّ الانتباه إلى إبداعٍ سيترتَّب عليه ما يتخطى حدود إدراك صفوة خلق الله السابقين لآدم.


- اللغــــــــــــــــــــــــة البشــــــــــــــرية:
" أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ"[7].
إن إحدى أهم مزايا الإبداع الإلهي في خلق الإنسان الخصيصة التي حبا الله بها هذا الكائن الجديد في مجال التواصل مع الكائنات الأخرى للتعبير عن رغباته ووجْدِه ومشاعره وأفكاره عن طريق تسخير آلية (الإصاتة) التي زوّده الله بها، وذلك باستخدامه لجهاز حنجرته ولسانه وشفتيه لإصدار مقاطع صوتية متمايزة. ورغم وجود هذه الأجهزة لدى كثير من الحيوانات، خاصة تلك التي تشاركنا في الجينات من الرئيسيّات[8] وما تتمتع به من مُكْنَة (الإصاتة)، إلاَّ أن الإنسان يتميز عنها بمقدرته الفريدة في تحويل هذه المقاطع الصوتية (الفونيم-phoneme)[9] إلى (كلام) مفهوم لدى من يشتركون بلغة واحدة يمكن تعريفها بأنها "ظاهرة سيكولوجية (نفسية)اجتماعية ثقافية مكتسبة، تتألف من مجموعة رموز صوتية لغوية.. وبهذا النظام الرمزي الصوتي تستطيع جماعة ما أن تتفاهم وتتفاعل"[10]؛ الأمر الذي مهّد لبناء حضارات أعظم مخلوق عرفه الوجود.


- آلية التواصل قبل آدم/ اللغة البشـــــــــرية:
إن مجرد الإيمان بوجود كائنات (فاعلة وغير خاملة) سبقت الكائن البشري(كالملائكة والجان وغيرهم مما يعلمه الله) يُلزمنا افتراض وجود نُظُم تواصل فيما بينها تسمح لها باستقبال (المُدخلات) من المعلومات والأوامر، ثم الاستجابة لها من دون إبطاء أو إعمال فكر لأنهم" لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" [11]، على عكس ما رُكِّب عليه نظام التواصل عند الإنسان الذي بُني على أساس تحليل المعلومات وتركيبها وفق منظومة اللغة؛ الأمر الذي يميز لغة الكائن البشري المنطوقة ويرقى بها عن سائر وسائط اتصال بقية العجماوات والمخلوقات الحيّة مع محيطها.
والقرآن الكريم ينقل لنا تفاصيل حوارٍ تمَّ وفق منظومة تواصل نجهلها بين الله وملائكته سبقت ولادة اللغة البشرية. ومن ثمّ صِيغَ وفق المنظومة اللغوية التي تتناسب وأفهامنا بلسان عربي مبين. لكن جلّ المفسرين وعلماء اللغة من السلف الذين تناولوا هذه المقاطع الحوارية بالتأويل أو التحليل لم يتنبهوا إلى القفزة النوعية التي أبدعها الله بإيجاد منظومة اللغة التي يتفرد بها هذا المخلوق الجديد والتي يعتبر (النطق والرمز) نقطة البدء فيها، حتى أن بعضهم اعتبرها استمراراً للغة تواضع عليها من كان قبلهم من الخلائق، وخير دليل على ذلك ما جاء في كتاب (المحصول) للإمام فخر الدين الرازي (ت سنة 606 هـ) في معرض بحثه فيما إذا كانت اللغة البشرية توقيفية أو اصطلاحية حيث قال:" لم لا يجوز أن تكون هذه الألفاظ وضعها قوم آخرون قبل آدم؟ قال تقي الدين السبكي(683-765هـ) في رفع الحاجب لسنا ندعي أن قبل آدم الجن والبن فذلك لم يثبت عندنا، بل قال القاضي أبو بكر الباقلاني(ت 403ه) في التقريب والإرشاد: جاز تواضع الملائكة المخلوقة قبله. وقال عبد الكريم بن هوازن أبو القاسم القشيري (375- 465ه): وقد كانوا قبله يتخاطبون ويفهمون".

- التــــــــــــــــاريخ والنــــــــــــص:
وفق ما تقدم، فقد أصبح بالإمكان تفكيك الحوارات المذكورة في نص القرآن إلى مستويين[12] : الأول هو مستوى (المتن الحكائي- (Fable))- وهو حوار" الحكاية كما يُفترض أنها حدثت في الواقع"[13]، والمستوى الثاني هو ( المبنى الحكائي- (Sujet) )؛ الذي عرفه (جاكبسون) بأنه "يتكون من الأحداث نفسها لكن بمراعاة نظام ظهورها في الأثر وما يتبعها من أخبار تعيِّنُها لنا"[14]، وبعبارة أخرى فإن المبنى الحكائي هو" المتن الحكائي مروياً أو مكتوباً"[15]. و يجوز لنا تبني مصطلحي تزفطان تودوروف ((T.Todorov في تفكيك النص إلى مستويين: القصة- history: أي مادار فعلياً وغاب في التاريخ، والخطاب- discourse: أي ما نقل إلينا مروياً عن طريق الوحي، ومكتوباً في صحف القرآن.

- اللغـــــــــــــة والاختيــــــــــــار:
" وَهَدَيْنَــــــــاهُ النَّجْــــــدَيْنِ"[16].
سبحان من أنعم علينا بنعمة الاختيار، وحجبها عن خلائق سبقتنا إلى عالم الوجود، فجعل من صواب اختيارنا طريقاً للقرب منه وسبباً لتفضيلنا على سائر خلقه.
ومن بالغ نعمة الله أنْ ربَط هَدْيَ الاختيار بتحليل العقل لمفهوم الحق والباطل والصالح والطالح والصواب والخطأ؛ تحليلاً لا يقوم على ساق بدون استخدام (مفردات) تميّز وتحدد كل واحد منهما. ولقد أشارت الدراسات إلى أن الدماغ البشري يقوم بسلسلة عمليات معقدة تقوم على استقراء ما رسخ فيه من دلالات الكلمة/المفردة ليصل إلى تمييز معنى (الحق) عن معنى (الباطل) ولمعرفة مدلول (الحلال) ومدلول (الحرام)؛ وهذا كله لم يكن ليدركه ويميزه لولا قدرته على التفكير وفق منظومة اللغة.
ونقطة البدء في تحديد (الحق) و(الباطل) وإباحة (الحلال) وتحريم (الحرام) كانت بتقدير الله مع ولادة هذا المخلوق المتميز(آدم)، حين نهاه ربه و(حرَّم) عليه الأكل من ثمار شجرة بعينها من بين مالا يعلم حصره من الأشجار في الجنة، فكانت تلك الشجرة تعبيراً ورمزاً للحرام وتدريباً لهذا الكائن على تركه.
ومما يؤسف له أن الكثيرين قد خاضوا في الحديث عن هذه الشجرة ومواصفاتها[17]، وابتعدوا عن الهدف الحقيقي الذي ذُكرت من أجله وهو التأريخ لبداية (الاختيار) بين الحق والباطل والصواب والخطأ وتبعات ذلك من الثواب والعقاب؛ الأمر الذي لم تعهده من قبل مخلوقات جُبِلَت على الطاعة وتنفيذ الأوامر فكانوا "لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ"[18].

- اللغـــــــــــة/اللســــان، والمنطـــــــــــــق:
في سورة (النمل) مشهد حواريٌ قصير لكنه غاية في الأهمية، ينقلنا إلى عالم كائنات تعيش في أكنافنا و نجهل طريقة تخاطبها، فتأتي الآيات ترجماناً ينقل لنا وقائع ما يدور بينها بلسان عربي مبين كي نستيقن بأن" مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ"[19]، ولكونها أمماً أمثَالَنا فإنها والحالة هذه لا بد لها من وسيلةِ تَخَاطُبٍ تتواصل بموجبها فيما بينها لا يُشترط أن تكون مماثلة للغة البشر.
وحين (ترجم) القرآن الكريم لنا ما كان يدور بين النمل من حوار بلغة نفهمها قائلاً: "قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ"[20] لم يكن يعني ألبتة أنهم قالوا تلك العبارة بمفرداتها العربية على وجه الحقيقة، بل (ترجم) لنا ما دار بينهم، وأوضح بأن النبي سليمان قد وهبه الله مَلَكَةَ فهم هذا المنطق: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا (مَنْطِقَ) الطَّيْرِ"[21]، فسمّاه (منطقاً)[22] ولم يسمه (لغة) أو (لساناً)[23]. وهذا تأكيد بالغ الدقة بأن اللغة المنطوقة محصورة بجنس البشر.

- لغــــــــــــــــــــــــات الأنبيـــــــــــــــــــــاء:
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ"[24].
بما أن الأنبياء والرسل الذين أتى القرآن على ذكرهم قد جاؤوا تترى في حقب زمنية متفاوتة البعد، فقد عرفت ألسنتهم غير واحد من اللغات واللهجات. ففي بلاد الكلدانيين في منطقة ما بين النهرين عاش سيدنا إبراهيم طفولته وشبابه في (أور) وتكلم لغة أهلها الآرامية، ثم تعلم لغة العموريين حين انتقل إلى فلسطين واستقر بها. كذلك شأن سيدنا موسى الذي تربى في حضن امرأة فرعون الناطقة بالديموقيطية وعاش معها طفولته وقسطاً من شبابه، ثم مالبث أن اختلط بشعبه وعاش بين ظهرانيهم بعد أن أتقن العبرية، ما يدفعنا للقول بأن كل الحوارات التي نقلها لنا القرآن الكريم(حوار نوح مع قومه ودعائه، حوار إبراهيم وأبيه وابنه، حوار موسى وفرعون، حوار فرعون وملئه، حوار لقمان،..) قد جرت (تاريخياً) بلغة الأقوام الذين أتى على ذكرهم القرآن، وعاش الأنبياء بين ظهرانيهم، وهذا ما نص عليه التنزيل في قوله تعالى:" وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ"[25]، ثم جاء القرآن الكريم فقدمها لنا ناقلاً فحواها ومعناها و (مترجماً) كلماتها إلى لغة عربية غاية في الإعجاز والبلاغة.

- تعـــليـــــــــــــم آدم الأسمــــــــــــــــــــاء:
" وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا"[26].
" فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ (تَنْطِقُونَ)" [27].
اختلف المفسرون واللغويون[28] على تأويل كلمة(الأسماء) التي وردت في التنزيل، فذهبوا في ذلك مذاهب شتى، لكن واحداً منهم لم يتعرض إلى موضوع دلالة الأسماء على المسميات بوصفها وسيلة تواصل جديدة تؤسس لولادة قابلية التفكير والإبداع عند المخلوق الجديد.
إن ماحدا بالملائكة لبيان عجزها عن إنباء الله بأسماء ما عَرَضَ عليها بقولها:" لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا" [29] أن الإتيان برمز صوتي لتلك الأعيان المعروضة طريقة غير مألوفة لديها ولم تعهدْها في ما جُبلت عليه وسارت بمقتضاه آلية نظام تواصلها وهذا ما حال بينها وبين الاستجابة لأمر الله: " أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ "[30].
وتعليم الله آدم الأسماء مقصود به تمكينه من التدليل على الأشياء بمسميات- وهو أمر لا تتمتع به كل المخلوقات التي سبقته- وليس تعليمه تلك المسميات بحد ذاتها. ولعل ما يعضد تأويلي لفعل (علَّم) بمعنى(مكَّنه من التعلم) آيتان من الكتاب الكريم:
الأولى :" " وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا (عَلَّمَكُمُ) اللَّهُ"[31]
والثانية: " " وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا (عَلَّمَهُ) اللَّهُ" [32].
ففي الآية الأولى نجد أن الله نَسَبَ تعليم الجوارح الصيدَ لنفسه- رغم أنه عمل بشري محض- إذ أنه هو الذي أودع في الإنسان القدرة على استئناس الحيوان وتدجينه وتعليمه وتدريبه من جانب، وسخَّر له الحيوانات والطيور لتنْفِذَ أوامره وتنصاع لرغباته من جانب آخر. ويتكرر التنبيه الإلهي إلى نعمة (التمكين) ووقوف اليد الحانية الفاعلة وراء الجهد البشري التي تخوله من تصريف كل شؤونه، لدرجة نفي فعل الفاعل ونسبة الفعل لنفسه:" أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ"[33].
ويفهم من ظاهر الآية الثانية أن كاتب العقود قد تلقى علمه من الله، وما هو بذلك، وقوله تعالى (كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ) تنويهٌ بنعمة إقدارهِ الكاتبَ على الكتابة والقيد [34].
وعلى هذا فإن أول ما يتبادر إلى أفهامنا من الآية الكريمة: "وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ"[35] هو أن "تعليم الله تعالى آدم الأسماء كان بتعريفه إياه الألفاظ الموضوعة لمعانيها وتفهيمه بالخطاب"[36]، وأجازف بالقول أن هذا كان المدخل إلى النفق المظلم الذي ولجه اللغويون خاصة ولم يخرجوا منه وقادهم إلى إشكالية خطيرة أناخت بكلْكَلها على الدراسات الألسنية حتى يوم الناس هذا، فتفرقوا بين قائل إن أصل اللغة توقيفي من الله وآخر يقول إن الناس تواضعوا عليها. وأجد بأن مذهبي في موضوع تعليم الله الأسماءَ لآدم توفيقيٌ وجامع لكلا المنهجين، فهو يثبت لله وفق ما قدمت من شواهد تزويد آدم بآليات جديدة تمكنه من التعبير والتواصل تختلف كل الاختلاف عن وسائط الاتصال المعهودة عند بقية المخلوقات، وقيام آدم بتفعيل هذه المُكْنة بالبدء بترميز ما حوله من الأشياء على شكل علامات صوتية/مفردات، إلى أن تمَّ له استعراضها بطريقة مبهرة للملائكة. ولعل هذا يلتقي مع ما جاء به (نعوم تشومسكي)[37] في (نظرية الانقطاع) التي قدمها حيث يقول:" إن تحولاً عرضياَ واحداً حدث لفرد منذ مائة ألف سنة تقريباً، مما أثار الظهور الفوري للقدرة على اكتساب اللغة ( مكون من مكونات الدماغ) بصورة "مثالية" أو "قريبة من المثالية"[38]،[39].

- خاتمـــــــــــــــــــــــــــــــــة:
قداسة النص القرآني تكمن في المتكلِّم وليس بالحروف والمفردات، وإعجاز النص من حيث اللغة يقوم على سبك معان عظيمة المبنى والمعنى لحروف ومفردات تواضع على معانيها ودلالتها البشر بإقدار الله لهم على ذلك. وهكذا جاء القرآن موافقاً للمنظومة اللغوية التي يتكلم بها سكان الجزيرة العربية: "بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ"[40]، ولو كان منزلاً على أقوام آخرين ما نزل إلا بلغتهم ولسانهم :"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ "[41]. ولو أن البشرية احتفظت بالنسخ الأصلية لِما نزل من الكتب السماوية لوجدنا فيها إعجازاً في الصياغة والسبك توازي النص القرآني لأن أصل الكلام صادر عن الله، لكن ما بين أيدينا هو نسخ محرفة أو مترجمة عن اللغة التي نزل بها الكتاب ليس لها أية مصداقية أو موثوقية تاريخية، وهي لاحقة بمئات السنين لعهد تنزيلها[42]. وشاهد ذلك ما عثر عليه من صحف العهد القديم(التوراة) في لفائف البحر الميت(قمران)[43]، وأقدم مخطوطات العهد الجديد (الإنجيل)[44].
فسبحان من حفظ آخر كتاب خاطب به البشرية: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"[45].




- الهوامش وثبت المراجع:

1 - كما جاء على لسان كريستيانسين وكيربي- Christiansen, MH and S. Kirby: موضوع أصل اللغة البشرية "أعوص موضوع يطرحه العلم"؛ Christiansen, MH and S. Kirby, 2003. Language evolution: the hardest problem in science? In MH Christiansen and S. Kirby (eds), Language Evolution. Oxford:Oxford University Press, pp. 1-15.

2 - سورة البقــــــرة: 30.
3- سورة الشورى: 49.
4- سورة الأنبيــاء: 23.
5- سورة الدخــان: 38.
6- ســـــــــــورة ص : 27.
7- ســـــورة البلـــد : 8-9.

8- فئة من الثدييات تضم الإنسان والقردة (primates).

9- (الفونيم) أو (الصوتيم): أصغر وحدة أساسية في الدراسة الصوتية الحديثة لأي لغة بشرية، تفرق بين كلمة وأخرى (مثال ذلك النون في: انكسر و انقلب). ويكيبيديا-بتصرف.

10- أنيس فريحة، نظريات في اللغة، ص14، ط1، دار الكتاب اللبناني، بيروت، 1973.

11- سورة التحريم: 6.

12- وفق تعريف الشكلاني الروسي توماشفسكي Toma Chevski ، وهو من أبرز الشكلانيين الذين اهتموا بمسألة الزمن في الحكي. ففي دراسته لهذه المسألة، ميَّز بين عنصرين أساسيين للعمل السردي هما: المتن الحكائي (Fable)، والمبنى الحكائي (Sujet).

13- فاضل ثامر: اللغة الثانية: في إشكالية المنهج والنظرية والمصطلح في الخطاب النقدي العربي الحديث، ط1، المركز الثقافي العربي، 1994، بيروت، الدار البيضاء، ص 185.

14- Roman Jakobson et autre: Textes des formalistes Russes,traduit par T.Todorov,Seuil,Paris,1965, p 268.

15- فاضل ثامر: اللغة الثانية، ص 185.
16- سورة البـــــــلد: 10.

17- يقول الماوردي في تفسير قوله عز وجل:(وَلاَ تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ): " اختلف أهل التفسير في الشجرة التي نُهِيا عنها، على أربعةِ أقاويل: أحدها: أنها البُرُّ، وهذا قول ابن عباس. والثاني: أنها الكَرْمُ، وهذا قول السُّدِّيِّ، وجعدة بن هبيرة. والثالث: أنها التِّين، وهذا قول ابن جريجٍ، ويحكيه عن بعض الصحابة. والرابع: أنها شجرة الخلد التي تأكل منها الملائكة ".

18- ســورة التحريم: 06.
19- سورة الأنعـــــام: 38.
20- سورة النمـــــــــــل: 18.
21- ســورة النمـــــــــل: 16.

22- قال محمد الطاهر بن عاشور(1879- 1973م) في(التحرير والتنوير)، ص 237:" تدل هذه الآية على أنه علم منطق كل صنف من أصناف الحيوان. وهذا العلم سماه العرب علم الحُكْل بضم الحاء المهملة وسكون الكاف. قال الحجاج وقيل ابنه رؤبة:
لو أنني أوتيت علم الحُكْـل علم سليمان كلام النـمـل

23- قال ابن‏ ‏أمير‏ ‏الحاج‏ ‏(ت 879هـ) في كتاب التقرير والتحبير: " ‏(‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‏‏)‏ أي لغة قومه الذي هو منهم وبعث فيهم ‏,‏ وإطلاق اللسان على اللغة مجاز شائع من تسمية الشيء باسم سببه العادي‏,‏ وهو مراد هنا بالإجماع ‏.

24- سورة إبراهيــــــــم: 4.
25- سورة إبراهيــــــــم: 4.
26- سورة البقـــــــرة : 31.
27- سورة الذاريات: 23.

28- قال ابن فارس في (فقه اللغة) "اعلم أن لغة العرب (توقيف) ودليل ذلك قوله تعالى )وعلم آدم الأسماء كلها( فكان ابن عباس يقول: علمه الأسماء كلها وهي هذه الأسماء التي يتعارفها الناس من دابة وأرض وسهل وجبل وجمل وحمار وأشباه ذلك من الأمم وغيرها"، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وابن فورك. أما ابن جني فقد ذهب في (الخصائص) إلى أن:" أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو (تواضع واصطلاح) لا وحي ولا توقيف".

29- ســورة البقـــــــــــرة: 32.
30- ســورة البقـــــــــــــرة: 31.
31- ســورة آل عمــران:4.
32- ســـورة البقــــــــرة: 282.
33- سورة الواقعـة: 63-64.

34- قاله أبو حيان في البحر المحيط في معرض تفسير (كما علمه الله): "وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون : (كما) متعلقًا بما في قوله: (ولا يأب) أي: كما أنعم الله عليه بعلم الكتابة، فلا يأب هو، وليفضل كما أفضل عليه".

35- سورة البقرة: 31.

36- ‏ابن‏ ‏أمير‏ ‏الحاج‏ ‏(879هـ)‏، التقرير والتحبير، فصل: المقام الثالث في بيان الواضع.

37- أفرام نعوم تشومسكي (Avram Noam Chomsky) مولود عام 1928 في بنسلفانيا- أمريكا. أستاذ لسانيات وفيلسوف أمريكي. إضافة إلى أنه عالم إدراكي وعالم بالمنطق ومؤرخ وناشط سياسي. وعن ويكيبيديا – بتصرف.

38- Chomsky, N. (2004). Language and Mind: Current thoughts on ancient problems. Part I & Part II. In Lyle Jenkins (ed.),Variation and Universals in Biolinguistics. Amsterdam: Elsevier, pp.. 379-405.

39- Chomsky, N. (2005). "Three Factors in language design". Linguistic Inquiry 36 (1): 1-22.

40- سورة الشعراء: 195.
41- سورة إبراهيــــم: 4.

42- أقدم نسخة كاملة في العالم للتوراة، تضم النص الكامل للأسفار الخمسة الأولى للكتاب المقدس بالعبرية. وقال أستاذ اللغة العبرية في جامعة بولونيا ماورو بيراني إن اختبارات أجراها خبراء، بالإضافة إلى اختبارات تحديد التاريخ بالكربون، أجريت في إيطاليا والولايات المتحدة أرجعت تاريخ اللفافة إلى الفترة ما بين عامي 1155 و1225. وكان يعتقد فيما سبق أن النسخة التي كانت موجودة في حوزة مكتبة جامعة بولونيا لأكثر من مائة عام تعود للقرن السابع عشر، وكتب عليها "لفافة 2".ويكبيديا- بتصرف.

43- مخطوطات البحر الميت (قمران) تضم مايزيد على 850 قطعة مخطوطة، بعضها مما سمي لاحقا الكتاب المقدس وبعضها من كتب لم تكن تعرف أو كانت مفقودة. عثر عليها راع فلسطيني، واكتشف المزيد بين عامي 1947-1956 في 11 كهفًا في وادي قمران قرب خربة قمران شمال البحر الميت حيث عاشت طائفة يهودية تسمى (الأسينيون) وأصابها زلزال عام 31م. وقد أثارت المخطوطات اهتمام الباحثين والمختصين بدراسة نص العهد القديم لأنها تعود لما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الأول منه. ويكبيديا- بتصرف.

44- يستطيع العلماء أن يحددوا تاريخ المخطوطات المختلفة بدقة عن طريق استخدام جهاز خاص لذلك يقوم بتحليل الحبر أو المادة المكتوب عليها وفحص ما يسمى بالكربون المشع أو الكربون رقم 13. وأول مخطوطة للإنجيل(العهد الجديد) هي لإنجيل يوحنا ووجدت في مصر وكتبت حوالي نهاية القرن الأول الميلادي، و من المعروف أن هذا الإنجيل كتب في آسيا الصغرى. وهناك نسخ أخرى مثل: مخطوطات جون رايلاند في مكتبة مانشستر (وهي تؤكد أن الإنجيل كتب حوالي نهاية القرن الأول م). ومخطوطات تشستر بيتي (200م)، وبردية بوديمر (120-200م)، والنسخة الفاتيكانية (325-350م)، والنسخة السينائية(350م)، والنسخة الإسكندرانية(400م)، والنسخة الأفرامية (450م)، والنسخة الأخمينية (400م). ويكبيديا- بتصرف.

45- سورة الحجر: 9.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عدنان أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 26 / 01 / 2014, 41 : 09 PM   رقم المشاركة : [2]
هدى نورالدين الخطيب
مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان


 الصورة الرمزية هدى نورالدين الخطيب
 





هدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond reputeهدى نورالدين الخطيب has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مدينة حيفا - فلسطين ( فلسطينية الأب لبنانية الأم) ولدت ونشأت في لبنان

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

[align=justify]
تحياتي لك دكتور عدنان
أشكرك جزيل الشكر على هذا البحث المتميز الذي يجيب على كثير من الأسئلة ويتصدى لكثير من اللغط الحاصل.
موضوع اللغة وسطحية طرح البعض ، الإصرار أن آدم عليه السلام تحدث بلغة عربية مبينة ، وحجته أن اللغة العربية القرشية هي لغة الطبيعة والملائكة وأهل الجنة ، ضارباً بعرض الحائط التطور اللغوي الطبيعي، هل يمكن أن نفهم منك بشكل مبسط هذه الجزئية لو سمحت؟؟
الشيء الآخر هو الوقوف عند معنى التكليف والاختيار من خلال الشجرة ( ما شاء الله )

كتبت الآن على عجالة لأعبر عن مدى إعجابي بعمق هذا البحث ، وسأعود بإذن الله لكتابة مداخلة
نحتاج كثيراً عقلك المستنير وفكرك

تفضل بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
[/align]
توقيع هدى نورالدين الخطيب
 
[frame="4 10"]
ارفع رأسك عالياً/ بعيداً عن تزييف التاريخ أنت وحدك من سلالة كل الأنبياء الرسل..

ارفع رأسك عالياً فلغتك لغة القرآن الكريم والملائكة وأهل الجنّة..

ارفع رأسك عالياً فأنت العريق وأنت التاريخ وكل الأصالة شرف المحتد وكرم ونقاء النسب وابتداع الحروف من بعض مكارمك وأنت فجر الإنسانية والقيم كلما استشرس ظلام الشر في طغيانه..

ارفع رأسك عالياً فأنت عربي..

هدى الخطيب
[/frame]
إن القتيل مضرجاً بدموعه = مثل القتيل مضرجاً بدمائه

الأديب والشاعر الكبير طلعت سقيرق
أغلى الناس والأحبة والأهل والأصدقاء
كفى بك داء أن ترى الموت شافياً = وحسب المنايا أن يكن أمانيا
_________________________________________
متى ستعود يا غالي وفي أي ربيع ياسميني فكل النوافذ والأبواب مشّرعة تنتظر عودتك بين أحلام سراب ودموع تأبى أن تستقر في جرارها؟!!
محال أن أتعود على غيابك وأتعايش معه فأنت طلعت
هدى نورالدين الخطيب غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27 / 01 / 2014, 04 : 03 AM   رقم المشاركة : [3]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

الأستاذ القدير عدنان..بارك الله فيك..هذا ما نحتاجه وما يجب أن نتدارسه !! شكرا لك وزادك الله من فضله..مودتي وتقديري..
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27 / 01 / 2014, 37 : 03 AM   رقم المشاركة : [4]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

تعقيب ومداخلة:

توصَّل عَلَم المُحدِّثين أبوسليمان حمد بن محمد الخطابي المتوفى سنة 398 هجرية
في رسالته " بيان إعجاز القرآن" إلى وضع نظرية في سر (فصاحة الكلام)، فقال:
إنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل. ومعنى به قائم. ورباط لهما ناظم.
وهذه الأشياء الثلاثة إذا جاءت مجموعة على أحسن ما يكون، كان الكلام المُشاد
به يصل إلى حد الإعجاز (بيان إعجاز القرآن، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز
القرآن 24 ). وحصر عناصر الجمال في العبارة في ثلاثة:
اللفظ، والمعنى الأصلي، و(نظوم تأليف العبارة). وبتمام ارتباطها يتكوَّن البيان.
وفي القرن الخامس الهجري وضع أبو الحسن عبد الجبار المعتزلي، قاضي قضاة
الدولة البويهية المتوفى سنة 415 هجرية، في كتابه (المغني 16/199 ) أسس
نظرية (النَّظم) بمعناها الدقيق، وتناول أجزاء الكلام. مؤكداً أنَّ الميزة البلاغية
أو الفصاحة لاتتعلق بالألفاظ من حيث ذواتها - أي إنها لا تكون فصيحة في نفسها
، إنما تكون فصيحة بملاءمتها لجاراتها ومتعلقها بأخواتها وارتباطها بهم، بوقوعها
في موقعها- وذلك بضم الكلمات بعضها إلى بعض على طريقة مخصوصة، لتؤدي
المعنى المراد في نفس المتلقي. ويكون ذلك بالإبدال التي تختص به الكلمات، أو
التقدم والتأخر الذي يختص به الموقع، أو الحركات التي تخص الإعراب. - يعني
معاني النحو وأحكامه وتوخيها بين الكلم - . فالمعاني (الغفل) (الخام) ليست مقياساً
للفصاحة، وإن كان لابد منها. فنحن نجد شاعرين يُعبِّران عن معنى واحد، ويكون
أحدهما أفصح من الآخر.
ومِنْ بعده أتى الشيخ عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 هجرية، فنظم نظرية
(النظم) وخصص لها كتابه المشهور " دلائل الإعجاز" ورسالته " الشافية " التي
نشرت ضمن (ثلاث رسائل في إعجاز القرآن)، فرأى أن (الناظم) إذا أراد أن ينظم
كلاماً في أيِّ غرض : يبدأ فيرتب المعاني في نفسه أولاً، ويبذل جهداً في ترتيبها،
ثم يحذو على ترتيبها الألفاظ . فإذا وجد لمعنى أن يكون أولاً في النفس، وجب
للَّفظ الدال عليه أن يكون مثله أولاً في النطق.
فالناظم يبذل فكراً في ترتيب المعاني في النفس وتنسيق دلالتها، ولا يحتاج إلى أن
يستأنف فكراً جديداً في ترتيب الألفاظ وتوالي نطقها. وبناء على ذلك، يرى أن الذي
يستحق أن نطلق عليه كلمة (النظم) هو: ترتيب المعاني في النفس لا توالي الألفاظ
في النطق، لأن النظم الذي يريده ويجعله مكان المزية، لا يتأتى إلاَّ بالفكر والروية.
ولذلك، فرَّق بين (حروف منظومة) و(كلم منظومة)، وذلك أن (نظم الحروف) هو
تواليها في النطق فقط وليس نظمها بمفض إلى معنى، ولا الناظم لها بمقتض في
ذلك رسماً من العقل يتحرَّى في نظمه ما يتحرَّاه في نسج الكلام.
(فنظم الكلم)، تقتضي في نظمه آثار المعاني، وترتبه حسب ترتيب المعاني في
النفس، فيُعتبر فيه حال المنظوم بعضه مع بعض، وليس معناه ضم الشيء إلى
الشيء كيف جاء واتفق . ولذلك كان (النظم) عندهم نظيراً للنسج والتأليف
والصياغة والبناء والوشي والتحبير وما أشبه ذلك، مما يوجب اعتبار الأجزاء
بعضها مع بعض، حتى يكون لوضع كل جزء حيث وُضع علة تقتضي كونه هناك
ولو وُضع مكان غيره لم يصلح.
فالمعاني التي يتعلق بها الفكر ويرتبها في النفس، هي معاني النفس ومعاني النحو
معاً. ولا يتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الفكر أفراداً مجردة من معاني النحو. وإذا
أردت أن ترى ذلك عياناً فاعمد إلى أيِّ كلام شئت، وأزل أجزاءه عن مواضعها
= وضعاً يمتنع معه دخول شيء من معاني النحو، ثم انظر هل يتعلق منك فكر
بمعنى كل منها = فترى أن الفكر لا يتعلق إلا بمعاني النحو التي يقوم على
أساسها ترتيب معاني الكلم في النفس، ثم تترتب الكلم على أساس ترتيب معانيها
عند تواليها في النطق.
فلا (نظم) في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضه ببعض، ويُبنى بعضه على بعض،
ونجعل هذه بسبب من تلك، ونضع الكلام الموضع الذي يقتضيه " علم النحو"
ونعمل على قوانينه وأصوله، ونعرف مناهجه التي نُهجت فلا نزيغ عنها، ونحفظ
الرسوم التي رُسمت لئلا نخل بشيء منها.
** ** **
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27 / 01 / 2014, 56 : 03 AM   رقم المشاركة : [5]
د. رجاء بنحيدا
عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام

 





د. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond reputeد. رجاء بنحيدا has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

فعلا الأستاذ الفاضل عدنان أن القرآن الكريم البليغ الفصيح نزل بلغة بلاغية إعجازية على قوم قريش أصحاب اللسن والفصاحة والبيان
ولكن الموضوع الذي طرحته أستاذي اللغة والتواصل كان ومازال موضوع النقاش والجدال والنظريات قيل حولها الكثير
كما نعلم اذاكانت اللغة وسيلة التواصل فهي عبارة عن ألفاظ يتم النطق بها فتتحول الى اصوات كلامية يعرف الجرجاني اللغة (هي الكلمات يعبربها القوم عن اغراضهم) اما قاموس larousse الفرنسي يحدد الغةlanguage المشتقة من اللاتينية langua التي تعني الكلام و الخطاب اما الكلمة اليوناية logos فهي تستخدم لعدّة معاني كاللسان الكلام الخطاب العقل لهذا اللفظ يتكون من دال و مدلول.
لقد قيل الكثير في هذا المجال فالأطروحة الأولى تقول أن (للحيوان لغة تماثل لغة الانسان)يمثل هذا الطرح الفيزيولوجي فون فريتش و المدرسة اللسانية القديمة لـ افلاطون و الالية للروسيى بافلوف و المدرسة السلوكية لـ ثرون دايك و واسطن . اذ ترى ان للحيوان لغة تماثل لغة الانسان فقط لا نفهمها.
.
أما نقيض الاطروحة فتقول :(اللغة خاصية انسانية ) يمثل الاطروحة ديكارت وأرسطو المدرسة اللسانية المعاصر ل دي سوسور و ارنست كاسير ترى ان اللغة خاصية انسانية لها خصائص تجعلها بعيدة عن متناول الحيوان.

على هذا اعتبار وضع باحثي اللغة الذين سميوا قديما اللغوين و يسمون اليوم باللسانين مجموعة من الخصائص تميز اللغة الإنسانية عن غيرها
-متعددة ومتنوعة لتنوع ثقافات شعوب العالم
-متجدّدة ابداعية فهي حركة في حركة ديناميكية مستمرة بدات بالحجة البيولوجية الى الحاجة النفسية الانفعالية كما تعبر عن العلوم
إلخ
شكرًا على الموضوع القيم
د. رجاء بنحيدا غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31 / 01 / 2014, 52 : 10 AM   رقم المشاركة : [6]
سلمان الراجحي
مهندس الكترون يهتم بالتاريخ العربي والإسلامي ويكتب الشعر

 الصورة الرمزية سلمان الراجحي
 





سلمان الراجحي will become famous soon enoughسلمان الراجحي will become famous soon enough

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: العراق

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

بارك الله في جهودكم

للحفاظ على ماتبقى لنا من أواصر

في هذه الامة وهي اللغة التي بدأت

تتناثر أشلاءها بين اللغات وعزاءنا الوحيد

في الاعجاز الإلاهي في القرآن للحفاظ على

هذه اللغة لكونها لغة أهل الجنه...

تحياتي وتقديري لجهودكم

أخوكم/سلمان الراجحي
توقيع سلمان الراجحي
 كن كالنخيل عن الاحقاد مرتفعا

ترمى باحجار لتعطي أطيب الثمر
سلمان الراجحي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 31 / 01 / 2014, 35 : 08 PM   رقم المشاركة : [7]
عدنان أبوشعر
باحث إسلامي، يكتب الأدب الاجتماعي والقومي

 الصورة الرمزية عدنان أبوشعر
 





عدنان أبوشعر is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

الأحبة المميزون بعلو كعبهم في مملكة المعرفة، الحائكون لبساط من العلم يسع الكلَّ، الزارعون لبذور الحضارة في عالم غزاه جراد الجهل، الأستاذة الأديبة الماجدة هدى نور الدين الخطيب، الدكتورة العالمة رجاء بنحيدة، الشاعر الناقد الأستاذ محمد الصالح الجزائري، الأستاذ المهندس الشاعر سلمان الراجحي، وأخي وأستاذي شمس آل أبي شعر الدكتور منذر أبوشعر.
وصلني عطر أقلامكم، وعطاء خطرات عقولكم. أشكركم من أعماق قلبي.
أقوم الآن بالكتابة مدندناً حول ذات الموضوع.. بانتظار مشاركاتكم القيمة .
عدنان أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 02 / 02 / 2014, 17 : 02 AM   رقم المشاركة : [8]
نوره الدوسري
أستاذة تاريخ - أديبة وقاصّة
 





نوره الدوسري is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: السعودية

رد: آدم واللغة/ الباحث: عدنان أبوشعر

الاستاذ القدير // عدنان أبو شعر

اقتباس
فسبحان من حفظ آخر كتاب خاطب به البشرية: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"[45].


اقتباس






بحث في غاية العمق والفائدة

بحق امتعتنا واضفت الى رصيدنا الكثير من المعرفة

زاك الله من فضله استاذنا وجعله الله ثقل في ميزانك

تقديري

نورة الدوسري
نوره الدوسري غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
أبوشعر, الباحث:, عجمان, واللغة/


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
آدم والأسماء-2/ الباحث: عدنان أبوشعر عدنان أبوشعر الإعجاز.القرآني.والمناسبات.الدينية والمناظرات 5 13 / 02 / 2014 13 : 08 PM
موت وطن/ الباحث عدنان أبوشعر عدنان أبوشعر الخاطـرة 12 03 / 07 / 2012 19 : 02 PM
علمني الحب/ الباحث : عدنان أبوشعر عدنان أبوشعر الإعجاز القرآني بكافة فروعه 5 27 / 06 / 2012 24 : 11 PM
انقذوا الفصحى من الضياع/ الباحث: عدنان أبوشعر عدنان أبوشعر لصوص الأمّة لصوص الفكر ( السرقات الأدبية ) 10 05 / 11 / 2011 14 : 10 PM
بحث الزمان والمكان في القرآن/ الباحث: عدنان أبوشعر عدنان أبوشعر الإعجاز القرآني بكافة فروعه 2 31 / 10 / 2011 32 : 12 AM


الساعة الآن 30 : 12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|