التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,850
عدد  مرات الظهور : 162,325,855

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > صالون هدى الخطيب الأدبي للحوار > الأقسام > صالون هدى الخطيب الأدبي للحوار المفتوح
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 04 / 04 / 2014, 00 : 01 PM   رقم المشاركة : [1]
محمد توفيق الصواف
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب


 الصورة الرمزية محمد توفيق الصواف
 





محمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really niceمحمد توفيق الصواف is just really nice

صداقةٌ أَسْهَمَتْ في توجيه مُستقبَل...

تَخَلَّلَ الأشهر الخمسة التي أعقبت لقائي الأول بطلعت، لقاءان عابران لم تزد مدة أطولهما على ربع ساعة، وذلك لانهماكي خلال تلك الفترة بالتحضير لامتحانات دبلوم الدراسات العليا التي اجتزتُها بتفوَّق أَهَّلَني لتسجيل رسالة الماجستير..
وبسبب عملي في مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية، واطِّلاعي اليومي على مجريات القضية الفلسطينية وتطوراتها ومحنة أهلها، تَمَلَّكَتْنِي رغبةٌ جامحة في اختيار موضوع للماجستير يكون ذا صلة بتلك القضية من جهة، وملائماً لمجال الأدب المقارَن الذي اخترتُ التخصُّصَ فيه من جهة أخرى..
ولأنني كنتُ ومحمد مباركة نعمل في تلك المؤسسة معاً، كان أولَ من فاتَحتُه بهذا الموضوع، فأشارَ عليَّ أن أترك له فرصة للتفكير، أكون خلالها قد وضعتُ عدَّة عناوين نناقشها معاً، ثم نعرضها على بعض الأصدقاء الأكثر منا خبرة، قبل أن نختار واحداً منها.. وبعد هنيهة تفكير، التفتَ إليَّ مقترحاً: ما رأيكَ أن نجتمع بطلعت ونشاركه في مناقشة الموضوع؟ صحيح أنه مهووس شعرٍ، لكنه صحفي أيضاً، وله اهتمام كبير بالقضية واتصالات لا بأس بها مع العديد من الأدباء والسياسيين الفلسطينيين...
استحسنتُ الاقتراح، خصوصاً وأن طعم لقائنا الأول مازال طيباً في ذاكرتي، وكذلك اللقاءَين العابرَين اللذين تَلَيَاه.. وهكذا، اتفقنا على أن يقوم محمد بتحديد موعد لقاء جديد يكون قريباً ومفتوح المدة...
في تلك الفترة من عام 1980، كانت دمشق في بداية فصل الصيف، ولذلك اقترح طلعت أن يكون لقاؤنا المنتظَر نزهةً في مكان عام.. فاتفَقَ رأيُ ثلاثتنا على أن تكون غوطة دمشق هي هذا المكان.. وبالفعل، توجَّهنا إليها ذاتَ ضحى، قاصِدِين مطعماً فيها يعرفانِه.. وفي ذلك المطعم، وحول طاولة حفلت بأنواع مختلفة من المآكل، ازداد تقاربُنا فعرَفَنا بعضنا أكثر، وقرأ كلٌّ منا في صاحبيه نقاطَ تشابهٍ في الفكر والسلوك وَثَّقَتْ عرى صداقتنا التي استمرت لأكثر من ثلاثين عاماً كانت هي ذاتُها الوقتُ الذي استغرقه إنجازُ الموضوع الذي اخترناه ــ نحن الثلاثة ــ يومها ليكون موضوع رسالتي لنيل درجة الماجستير...
اليوم، وأنا أعود بذاكرتي إلى تلك الجِلسة، في ذلك المكان الرائع والجو الأليف، أراني أُراوحُ بين الابتسام سخريةً والبكاء حنيناً إلى الكينونة الغريبة التي وُلِدَت فيها فكرة ذلك الموضوع الذي لم يتخيل أيٌّ منَّا مبلغَ صعوبته وتعقيده ومدى الوقت الذي يحتاجه والجهد الذي ينبغي أن يُبذَل لتجسيده واقعاً.. وهذا طبيعي، كما أراه الآن، على مَبعَدَة ثلاثين عاماً، لأن ولادة تلك الفكرة كانت من رحم حماسٍ مذهل تَمَلَّكَ ثلاثتَنا للمشاركة في دعم القضية الفلسطينية، وليس من رحم معرفة بطبيعة الموضوع المُختار وتعقيداته والعقبات المذهلة التي يمكن أن تعترضَ إنجازَه..
كان عنوان ذلك الموضوع الذي صَفَّق طلعت طرباً لدى سماعه (صورة البطل في الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية).. أما محمد، فأكَّد موافقته بالوقوف إلى جانبي، معلناً أنه يضع كل إمكانياته لمساعدتي في إنجاز الرسالة، وأول ما طرحه من تلك الإمكانيات وَضْعُ كلِّ ما تحويه مكتبتُه الشخصية تحت تصرفي، فإذا بطلعت ينحو نحوه قائلاً: ومكتبتي أيضاً.. وهكذا وجدتُ نفسي واقعاً في اختيارهما الذي هو اختياري أصلاً، لكنني كنتُ متردداً في الثبات عليه لولا تشجيعهما لي..
ومضى ذلك اليوم على ثلاثتنا، ونحن في حالة انتشاء وسرور باهتدائنا إلى ذلك الموضوع الرائع ليكون رسالتي إلى نيل درجة الماجستير.. وكان سرورهما بهذا الاختيار يفوق سروري، وحماسهما يفوق حماسي في الحديث عنه ونقاش جوانبه وأبعاده المختلفة... والسبب، كما أتذكَّر الآن، كان خوفي مما تصورتُه عقبات حتمية ستعيق حصولي على الماجستير بسـرعة؛ وكان أول هذه العقبات احتمالَ مطالبتي بإتقان العبرية إلى جانب لغة أجنبية أخرى كشرط لقبول الجامعة بتسجيل الموضوع..
وقد صَدَقَ حدسي وتحقَّقَت مخاوفي، وخصوصاً بالنسبة لمطالبتي بإتقان العبرية من أجل قراءة الروايات الإسرائيلية بلغتها الأصلية.. ولأنني لم أكن يومها أعرفُ من العبرية إلا النذر اليسير الذي درستُه ضمن منهاج السنتين الأولى والثانية في قسم اللغة العربية بجامعة دمشق، ولأن الجامعة قد وضَعَتْ إتقانَها شرطاً لتسجيل الموضوع الذي اخترتُه، فقد خَيَّرَتْنِي بين أمرين أحلاهما مرُّ وهما: إما تَرْكُ الموضوع واختيارُ آخر غيره، أو تأجيلُ تسجيل رسالتي سنةً كاملة أقضيها في دراسة العبرية.. ولأن هذه اللغة لا يتقنها كثيرون في سوريا، ولم أكن أعرف أياً منهم آنذاك، فقد رأيتُ أن من الأنسب والأكثر واقعية تغييرَ الموضوع، وإن كنتُ، في قرارة نفسي، غيرَ راغب بتغييره، وربما أنتظر من يُشجعني على الاستمرار فيه رغم عقبات إنجازه..
أذكرُ الآن، كيف تلقاني طلعت بعد أسبوعين، من لقائنا في غوطة دمشق، وقد رآني كاسفاً ترتسم على وجهي خيبةُ الأمل ويُطلُّ الإحباطُ من عينَي.. لقد جلس قبالتي في مقهى الروضة الذي ما زال موجوداً في منتصف طريق الصالحية بدمشق، وانتظر حتى أحضر لنا النادلُ القهوة التي طلبناها نحن الثلاثة، ثم أشعل لفافة تبغ، سحب منها نفساً عميقاً، أَتبَعَه برشفة من فنجانه، ثم سألني: ما بك؟
أبطأتُ قليلاً قبل أن أجيبَه، دون أن أنظر إليه: لقد فشلَ اختياري لموضوع الماجستير..
وبهدوء سألني: لماذا؟
فتولَّى محمد مهمة الرد نيابة عني قائلاً: لقد اشترطوا عليه إتقان العبرية لتسجيل الموضوع..
وكمن فُوجِئ بالسبب، بادر إلى سؤالي مستغرباً: وأين المشكلة؟
أجبته بأنني لا أتقن هذه اللغة، ولا أعرف أحداً ممن يتقنونها ليعلمني إياها، وحتى لو وجدتُ مثل هذا المعلم، فسيستغرق تعلُّمُها وقتاً طويلاً، يكون على حساب المدة المخصصة لإنجاز رسالة الماجستير..
أطفأ سيجارته بعصبية، واحمرَّ وجهه غضباً، ثم قال: حسناً.. الحلُّ عندي.. أنا سأُعرِّفُك على مدرس لغة عبرية... أمَّا بالنسبة للمدة، فأنا واثق أنك ستُنجز رسالتك خلالها دون أي تأخير، إذا بذلت ما تحتاجه من الوقت.. وأمَّا أن تتراجع عن موضوع كهذا، فهو ما لا أستطيع تصديقه..
اعترتني دهشة مشوبة بشيء من الغيظ، وأنا أستمع إلى كلامه يُحدِّثني وكأنه أبي أو وليّ أمري.. لكنني كظمتُ غيظي، وقررتُ إغضابه بذكر عقبة ثالثة، تهيَّأ لي أن لا حلَّ لها عنده، فقلت:
يا أخي.. حتى لو تعلمتُ اللغة، في فترة قصيرة، هناك عقبة أخرى، هي ندرة مصادر البحث ومراجعه.. قد نجد بعضَ الروايات الفلسطينية أو كلَّها حتى، هنا وهناك، لكن من أين سأحصل على الروايات الإسرائيلية؟
نظر إليَّ نظرة طويلة، ثم أجابني متحدياً: دَع الأمر عَلَي.. لديَّ أصدقاء في الضفة الغربية، يمكنهم أن يحصلوا على بعض هذه الروايات أثناء زياراتهم إلى أهلهم في الضفة.. كما أنني أعرف الكثير من الأدباء الفلسطينيين هنا في سوريا، ويمكنهم عن طريق معارفهم في الخارج أن يُوفِّروا لنا قسماً آخر من الروايات..
قال ذلك.. ثم تنفَّس بعمق، كمن أزاح عن صدره وصدري حملاً ثقيلاً.. أما أنا فأحسست أنه قد حاصرني، ولم أشأ أن أُزعجه، فأبديت اقتناعي بكلامه وتصديقي لوعوده، وإن قررتُ في نفسي تصرفاً آخر مختلفاً كلَّ الاختلاف.. وبصراحة، أعترفُ الآن أنني قررت تغيير الموضوع كي لا أخسر فترة الماجستير.. لكن حين عدتُ إلى البيت، وراجعت ما حصل بيني وبين طلعت، ساءني أن أبدو في نظره جباناً وقد قدَّم لي كل تلك الوعود، ولذلك قررتُ تأجيل اتخاذ قراري حتى أرى ما سيفعله خلال الفترة القصيرة القادمة بخصوص ما وعدني به..
ولم يَطُلْ بي الانتظار كثيراً.. فقد أخبرني محمد بعد نحو أسبوع أنَّ طلعت قد كلَّم من أجلي قريباً له يُتقن العبرية، وأقنعه بأن يُدرِّسها لي، وأن عَلَيّ أنْ أقابله اليوم.. فلم أتردد وذهبت إلى اللقاء في موعده.. لكن ذلك القريب الذي كان عجوزاً تجاوز الثمانين من عمره آنذاك، لم يطلب لقائي ليبدأ معي أولَ دروسه لي، كما تصوَّرنا جميعاً، بل ليعتذرَ لي ولطلعت عن قيامه بهذه المهمة، ولِيُحيلَني إلى مترجم يعمل بإمرته في إحدى إدارات الجيش، كَلَّمَه بشأني، فوافق على تعليمي العبرية، وحَدَّدَ لي موعداً للاتفاق معه على مواعيد الدروس وأجرتها..
ظلَّ طلعت صامتاً يومَها، يتابع حديثي مع قريبه بانتباه، حتى سمعه يذكر كلمة أجرة، فإذا به يخرج عن صمته، ويسارع قائلاً لقريبه: لكن توفيق ليس غنياً.. فابتسم قريبه العجوز، وأجابه بثقة: والأستاذ الذي ستذهبون للقائه ليس طماعاً كما سترون..
خرجنا معاً من بيت قريبه العجوز الذي بدا لي أنه أحسَّ بخذلان طلعت في مسعاه، وأنه لمَّا أحسَّ ذلك قررَ ترقيعَ موقفه بإعلانه وضعَ كلِّ ما تحويه مكتبتُه تحت تصرفي، وقتَ أشاء. وبالفعل، أرضى هذا العرض طلعت ومحمد وأرضاني، إلى حدٍّ ما، لكنه لم يصرف همَّنا بخصوص تأمين أجرة الدروس.. وحين لم نجد ثلاثتُنا لذلك الهمِّ مصرفاً، قرَّرنا تأجيلَ التفكير فيه إلى ما بعد لقائي المُنتَظَر مع مدرس العبرية، في الموعد الذي حدَّده قريبُ طلعت معه، لنرى ما سيطلبه لقاء كل درس، وبعدها نُفكِّر معاً بكيفية تأمين كلفته.. وطال حديثنا حول الموضوع، وكَثُرَت تخميناتنا وتشعَّبَت، لكن لم يَدُرْ بخَلدِ أيٍّ منَّا نوعُ المفاجأة التي أسفرَ عنها لقائي المُنتَظَر مع ذلك المدرس الرائع الذي كان يُدعى (أبو غسان)، إذْ فاقت مفاجأتُه توقعاتِ ثلاثتنا إلى درجة كبيرة..

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
محمد توفيق الصواف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مُستقبَل..., أَسْهَمَتْ, توجيه, صداقةٌ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الحلقة الثانية، صداقةٌ أَسْهَمَتْ في توجيه مُستقبَل... محمد توفيق الصواف أنا وطلعت.. حكاية عمر 2 27 / 04 / 2014 39 : 08 AM


الساعة الآن 26 : 10 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|