شكرا لك أيها الكاتب   ورحم الله إيليا أبو ماضي حينما قال:
الطين
نسي الطين ساعة أنه طين	 حقير فصال تيها و عربد 
و كسى الخزّ جسمه فتباهى ،	 و حوى المال كيسه فتمرّد 
يا أخي لا تمل بوجهك عنّي ،	 ما أنا فحمة و لا أنت فرقد 
أنت لم تصنع الحرير	 الذي تلبس و اللؤلؤ الذي تتقلّد 
أنت لا تأكل النضار إذا	 جعت و لا تشرب الجمان المنضّد 
أنت في البردة الموشّاة مثلي	 في كسائي الرديم تشقى و تسعد 
لك في عالم النهار أماني ،	 وروءى و الظلام فوقك ممتد 
و لقلبي كما لقلبك أحلا	 م حسان فإنّه غير جلمد 
... 
أأماني كلّها من تراب	 و أمانيك كلّها من عسجد ؟ 
و أمانيّ كلّها للتلاشي	 و أمانيك للخلود المؤكّد !؟ 
لا . فهذي و تلك تأتي و تمضي	 كذويها . و أيّ شيء يؤبد ؟ 
أيّها المزدهي . إذا مسّك السقم 	 ألا تشتكي ؟ ألا تتنهد ؟ 
و إذا راعك الحبيب بهجر	 ودعتك الذكرى ألا تتوحّد ؟ 
أنت مثلي يبش وجهك للنعمى	 و في حالة المصيبة يكمد 
أدموعي خلّ و دمعك شهد ؟	 و بكائي ذلّ و نوحك سؤدد ؟ 
وابتسامتي السراب لا ريّ فيه ؟	 و ابتسامتك اللآلي الخرّد ؟ 
فلك واحد يظلّ كلينا	 حار طرفي به و طرفك أرمد 
قمر واحد يطلّ علينا	 و على الكوخ و البناء الموطّد 
إن يكن مشرقا لعينيك إنّي	 لا أراه من كوّة الكوخ أسود 
ألنجوم الني تراها أراها	 حين تخفي و عندما تتوقّد 
لست أدنى على غناك إليها	 و أنا مع خصاصتي لست أبعد 
... 
أنت مثلي من الثرى و إليه	 فلماذا ، يا صاحبي ، التيه و الصّد 
كنت طفلا إذ كنت طفلا و تغدو	 حين أغدو شيخا كبيرا أدرد 
لست أدري من أين جئت ، و لا ما	 كنت ، أو ما أكون ، يا صاح ، في غد 
أفتدري ؟ إذن فخبّر و إلاّ	 فلماذا تظنّ أنّك أوحد ؟ 
... 
ألك القصر دونه الحرس الشا	 كي و من حوله الجدار المشيّد 
فامنع اللّيل أن يمدّ رواقا	 فوقه ، و الضباب أن يتلبّد 
وانظر النور كيف يدخل لا	 يطلب أذنا ، فما له ليس يطرد ؟ 
مرقد واحد نصيبك منه	 أفتدري كم فيك للذرّ مرقد ؟ 
ذدتني عنه ، و العواصف تعدو	 في طلابي ، و الجوّ أقتم أربد 
بينما الكلب واجد فيه مأوى	 و طعاما ، و الهرّ كالكلب يرفد 
فسمعت الحياة تضحك منّي	 أترجى ، و منك تأبى و تجحد 
... 
ألك الروضة الجميلة فيها	 الماء و الطير و الأزاهر و النّد ؟ 
فازجر الريح أن تهزّ و تلوي	 شجر الروض – إنّه يتأوّد 
و الجم الماء في الغدير و مره	 لا يصفق إلاّ و أنت بمشهد 
إنّ طير الأراك ليس يبالي	 أنت أصغيت أم أنا إن غرّد 
و الأزاهير ليس تسخر من فقري ،	 و لا فيك للغنى تتودّد 
... 
ألك النهر ؟ إنّه للنسيم	 الرطب درب و للعصافير مورد 
و هو للشهب تستحمّ به	 في الصيف ليلا كأنّها تتبرّد 
تدعيه فهل بأمرك يجري	 في عروق الأشجار أو يتجعّد ؟ 
كان من قبل أن تجيء ؛ و تمضي	 و هو باق في الأرض للجزر و المد 
... 
ألك الحقل ؟ هذه النحل تجي	 الشهد من زهرة و لا تتردّد 
و أرى للنمال ملكا كبيرا	 قد بنته بالكدح فيه و بالكد 
أنت في شرعها دخيل على الحقل	 و لصّ جنى عليها فأفسد 
لو ملكت الحقول في الأرض طرّا	 لم تكن من فراشة الحقل أسعد 
أجميل ؟ ما أنت أبهى من الور	 دة ذات الشذى و لا أنت أجود 
أم عزيز ؟ و للبعوضة من خدّيك قوت	 و في يديك المهند 
أم غنيّ ؟ هيهات تختال لولا	 دودة القز بالحباء المبجد 
أم قويّ ؟ إذن مر النوم إذ يغشاك	 و الليل عن جفونك يرتد 
وامنع الشيب أن يلمّ بفوديك	 و مر تلبث النضارة في الخد 
أعليم ؟ فما الخيال الذي يطرق ليلا ؟	 في أيّ دنيا يولد ؟ 
ما الحياة التي تبين و تخفى ؟	 ما الزمان الذي يذمّ و يحمد ؟ 
أيّها الطين لست أنقى و أسمى	 من تراب تدوس أو تتوسّد 
سدت أو لم تسد فما أنت إلاّ	 حيوان مسيّر مستعبد 
إنّ قصرا سمكته سوف يندكّ ،	 و ثوبا حبكته سوف ينقد 
لايكن للخصام قلبك مأوى	 إنّ قلبي للحبّ أصبح معبد 
أنا أولى بالحب منك و أحرى	 من كساء يبلى و مال ينفد
ودي واحترامي