الحيطة و الحذر
الحيطة و الحذر
من بين الأساطير التي كانت تروى في الأزمنة الغابرة، يحكى أنّ رجلا يسمى صالح كان يعيش مع ابنته الوحيدة رقية بأحد القرى النائية، اذ عِرف هذا الرجل بكرم أخلاقه و شدة شهامته، وقد كانت ابنته فائقة الجمال، يعيش معها في هدوء و سلام ولا يعكر صفوهما أي شيء، ولكن القرية التي كانا يعيشان بها قليلة المساكن والناس، وتسودها الكثير من الأماكن الخالية التي كان يشاع بأنها ملك للجن، وقد كانت الشابة الجميلة – رقية (عادة ما يكلِّفها أبوها صالح برعى قطيع الغنم)، فكانت تنهض في الصباح الباكر وكلها نشاط وحيوية، تقوم بأعمال المنزل وما يلزمها ووالدها، ثم ينطلق والدها إلى البستان وتذهب هي لترعى القطيع، كانت تأخذ قطيعها وتذهب به إلى تلك الأماكن الخالية وتظل وحدها مع القطيع لساعات طويلة، وهي لا تعلم أن جنيا من هذه البقاع كان يتربصها لشدة جمالها، إذ اعجب بها هذا الجني كثيرا وكان يعتزم أخذها، لكنه لم يكن يفلح في كل مرة إلى أن جاء ذلك اليوم، كان يوما شديد الصفاء، والشمس ساطعة وفجأة وفي منتصف النهار، عندما اشتد الحرّ قليلا، ظهر الجني في صورة والد ها، فتفاجأت المسكينة وهرعت إليه قائلة :"ما الذي أتى بك يا أبي في هذه الساعة، هل ألم بك مرض أم تريد شيئا أحضره لك؟" نطق الجني متظاهرا بأنه والدها :"لا تقلقي يا ابنتي أنا بخير ولكن جئت كي أصطحبك ونعود إلى البيت، فقد اشتدّ الحرّ اليوم وارتأيت أن نعود للبيت كي نرتاح" ،فردت رقية: قائلة: "حسننا يا ابي، ولكن انتظر حتى أجمع القطيع "،فردّ الجنيّ قائلا :"اتركي القطيع يا ابنتي، إنّه بأمان، أريد أن اصطحبك معي إلى البستان لأريك كيف أثمرت بعض الأشجار التي غرسناها سويا، ثم سنعود لاحقا لجمع القطيع والعودة به إلى المنزل". ذهبت المسكينة رقية مع الجني، وهي لا تعلم أنه ليس والدها ولم تكن المسكينة تعلم أن ذهابها هذه المرة سيكون من غير رجعة، فأخذها الجني إلى عالمه، وهكذا رحلت رقية تاركة وراءها والدها المسكين و قطيعها.
عاد صالح في المساء إلى منزله فلم يجد ابنته أو القطيع، فكاد يغمى عليه من شدة الصدمة عندما لم يجد غاليته رقية، خرج مهرولا يبحث في كل مكان في أنحاء القرية، وأخذ يسأل كل من يصادفه في طريقه، لكن دون جدوى، فحزن الرجل حزنا عميقا وكره الدنيا بما فيها، ولكن أمله في ايجاد فلذة كبده ما زال قائما، إلى أن عثر في أحد الأيام على شيخ كبير وكان رجل دين، فذهب إليه المسكين والحزن والأسى تغمرانه على وحيدته الغالية رقية، التي ضاعت من بين يديه بسبب عدم مراعاته لها و تركها تذهب لوحدها. قصّ صالح قصته كاملة على الشيخ فرد الأخير: "آه يا ولدي سوف أفعل ما بوسعي لمساعدتك، وأدعوا الله فهو الوحيد القادر على كل شيء". أنت تعلم بأن الجنّ يهابون قراءة القرآن ويبتعدون عن قراءته لذى سأتلو شيئا منه فهو طريق الصواب .
ثم بدأ الشيخ بتلاوة القرآن الكريم، واستمر في ذلك مدة من الزمن إلى أن ظهر الجني الذي اخذ رقية، طلب منه الشيخ إعادة الفتاة لوالدها المسكين فردّ الجنيّ بنبرة عالية وحادة :"لن يحصل ذلك أبدا، لقد صارت رقية زوجتي وهي الآن تنتمي لعالمنا، فاطلب من والدها أن ينسى أمرها"، وهكذا ظل صالح المسكين وحيدا إلى الأبد فقال له الشيخ الحكيم: "إن من يقرأ الأمان يا ولدي يصبح في عالم النسيان وأنت لم تنتبه لجمال ابنتك الفتّان ولم تحترس من الإنس والجان.
لكن لا تنس يا ولدي أنّ أمر الدنيا كله بالقضاء والقدر وهذا قدرك يا ولدي، إن قدر الانسان يأتيه على كل حال والصبر للقضاء والقدر أفضل حال.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|