قراءة في قصيدة عذل العواذل
القصيدة لأبي الطيب المتنبي:
عذل العواذل حول قلبي التائه.... وهوى الأحبة منه في سودائه
يشكو الملام إلى اللوائم حره.....ويصد حين يلمن عن بُرَحائِه
وبمهجتي يا عاذلي الملك الذي...... أسخطت أعذل منك في إرضائه
إن كان قد ملك القلوب فإنه...... ملك الزمان بأرضه وسمائه
الشمس من حساده والنصر من..... قرنائه والسيف من أسمائه
أين الثلاثة من ثلاث خلاله..... من حسنه وإبائه ومضائه
مضت الدهور وما أتين بمثله ......... ولقد أتى فعجزن عن نظرائه
_____________________________
يلوم اللُّوم الشاعر على حبه لكنه لا يبالي بهم فقلبه رغم شدة اللوم منشغل بهواه، وتلك صورة جميلة للحب الذي يشكو منه القلب حرارة لو أحسها اللوم ذاته ما أطاقها.
ثم يعدل أبو الطيب عن مقدمة النسيب بالبيتين الشعريين لينتقل إلى مدح سيف الدولة معلنا مع بداية البيت الثالث أنه مستعد لفدائه بدمائ قلبه الذي هو روحه حيث إنه أسخط كل لوامه في سبيل مرضاة ممدوحه الملك الذي لم يملك قلوب الناس فقط وإنما ملك الزمان بأرضه وسمائه حتى أصبحت الشمس تحسده لأنه صار أعظم أثرا منها؛ أما النصر فهو حليفه إذ أصبح منصورا أينما حل وارتحل إلى أن صار اسم " السيف" من أسمائه، وهنا استعارة جميلة بجعله الشمس تحسد سيف الدولة والنصر مساندا وحليفا له، ليستهل البيت السادس من القصيدة باستفهام" أين الثلاثة...؟" وهو يقصد بالثلاثة : ( الشمس وابنصر والسيف) هذه التي صارت تبدو له أقل مكانة من ممدوحه الذي يمتاز بصفاتها أكثر مما تتصف هي بها، فالشمس جميلة تضيء الكون بالنهار وهو أشد جمالا يضيء ليل نهار، يأبى الذل حتى إن النصر هو الذي يتبعه كما أنه قاطع صارم مع أعدائه ... فأين الشمس من حسنه وبهائه؟ وأين النصر من إبائه؟ وأين السيف من مضائه؟
ويختتم قصيدته بإخبارنا أن كل تلك الأزمان السالفة لم تجد بنظيره، وأما الأزمان اللاحقة فهي أيضا تعجز عن الإتيان بمثيله.
وقد وظف شاعرنا بهذه القصيدة أساليب إنشائية منها النداء(يا عاذلي) في البيت الثالث والاستفام(أين الثلاثة...؟) البيت السادس.. وفي البيت الخامس وردت الصور في ثلاثة تراكيب متوازنة ومتوازية قوامها المساواة في عدد الألفاظ وترتيبها ووزنها:
الشمس من حساده/ والنصر من قرنائه/ والسيف من أسمائه.
أما في البيت السابع فنلاحظ توظيف لما يفيد التقرير والتأكيد(ولقد أتى...) ليقرر ويؤكد عجز الدهور بالإتيان بنظير سيف الدولة
ويلاحظ الغلو في المدح شأن جل الشعراء مما يجعلن نتساءل في مدى صدق الشعر في مدحه هذا!؟
لقد رسم شاعرنا تصريعا في مطلع القصيدة بقافية الشطر الأول مع الشطر الثاني( تائه/ دائه) وهي قافية متداركة حيث يجتمع غيها حرفان متحركان بين ساكنين؛ أما الروي فكان هاء مكسورةواستعان الشاعر ببحر الكامل حتى يكتمل المدح رغم قلة عدد أبيات القصيدة التي استطاعت أن تصور سيف الدولة الحمداني ملكا محبوبا، وفارسا شجاعا، ورجلا شهما وسيما تغار منه الشمس فتحسده
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|