نحو مفهوم تربوي بديل
في غمرة الجدال حول اوجه السلب و الإيجاب, المتعلقة بمدى تحقيق الاهداف والكفايات المرتجاة منها,يتبين ان هناك عدد غير قليل من الباحثين و الدارسين , يسلطون الضوء ـ بشكل او بآخر ـ على تلك المفارقات الإجتماعية و الإقتصادية التي شبت بين احضانها هاته التربية الحديثة ,ليخلصوا إلى شبه إجماع مفاده ان التربية الحديثة , ليست سوى قناع من اقنعة النظام العالمي الجديد .
...و امام هكذا حكم,ـقد يبدو غير مقبول لدى البعض ـ يبقى من المستبعد ان تحقق التربية الحديثة هدفا يرجوه الجميع . الشيئ الذي يضعنا مباشرة امام التساؤلات التالية : هل فقدت التربية الحديثة مصداقيتها و اصبحت مجرد مشروع متجاوز ؟ و هل التربية الحديثة اخفقت في اختراق الحدودالجغرافية , و لم تتمكن من أن تصبح نموذجا إنسانيا بالمفهوم الشمولي ؟ و هل التربية الحديثة قامت لتآزر التربية التقليدية , و تقوم ما اعوج في جسمها , ام قامت لتعلن عن فشل هاته التربية , وتكون بديلا لها ؟
..و مهما تكن طبيعة الإجابات التي قد نلتمسها لتساؤلاتنا تلك .فإن ما لم يعد يختلف حوله إثنان , هو ان النظرة قد تحولت من نظرة إعجاب لمفاهيم التحديث التربوي المزعوم, الى نظرة مراجعة و إعادة تقييم .,و في ظل هذه المراجعة , تمتد امامنا رقعة جغرافية لا مندوحة لنا و نحن ننظر إليها ,إلا ان نتساءل: إلى اي مدى يمكننا ان نعمل على طرح بديل تربوي , وفق منظور إجتماعي ’ عربي إسلامي‘ موحد ؟ علما بان ما تتوفر عليه الخريطة العربية و الإسلامية, من شروط التمازج الحضاري و اللغوي , و الثقافي والإجتماعي, كفيل بان يحقق صراطا تربويا من شانه ان يوصلنا إلى منهل ثر , يغترف منه المجتمع بكبيره و صغيره معين التربية الحقة.
...و لسنا نطلب الإنتكاس او التقوقع حول الذات , و اجترار التفسيرات العقيمة لمفاهيم التربية , قديمها و حديثها ,إجترارا ينبع من صميم التعصب ,والوقوف عند قشور الإسلام دون لبابه , بل نزكي كل نظرة تربوية تسعى إلى الإرتقاء الى المستويات المسايرة لروح العصر . و ليس عيبا ان ناخذها عن غيرنا , فالإسلام هو صبغتنا , وهو اولى معطياتنا الحضارية , و العروبة هي الطابع الذي يجمع عددا من الشعوب على مساحة تمتد من المحيط إلى الخليج, و غاية ما نطلبه هو توظيف الإمكانات اللغوية , و الحضارية , و الثقافية المشتركة , توظيفا يكون في مستوى طموحاتنا المشروعة نحو خلق مسيرة تنموية عربية إسلامية موحدة . و ذلك وفق إستراتيجية تجعل من العقل العربي , وعاء لوعي تربوي شامل متفتح , و ضرورة ملحة تكفل للمواطن العربي , تخطي تذبذبات المناهج التربوية , سواء التقليدية منها او الحديثة , و تضمن ترسيخ قواعد نموذج تربوي , إن لم يستجب لطموحات العالم برمته ,إستجاب على الاقل لطموحات الإنسان العربي المسلم , و ساعده على الخروج من بؤرة الصراع و التردي , إلى عالم مشرق فياض.
حسن الحاجبي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|