[طلعت سقيرق]

[align=justify]
كبير حبي وتقديري
جميل أن ندخل في هذا العالم " نافذة على العالم الآخر " بثقة العارف المتقن ، والقارئ الناقد المجيد ..
هل تسمحوا لي أن أداخل الموضوع من زاويتي ؟؟..
هناك شيء يجب أن نحسمه وهو التسمية أو تحديد الجنس الأدبي ، وهو القصة أو الحكاية ، وهذا لا يحتاج إلى أخذ ورد لأن الكاتبة تسرد وتروي وتحكي .. أورد هذا لأن هناك من يقف عند حرفية معنى القص ، وهو شيء تجاوزه هذا الفن منذ أمد بعيد ..
يلاحظ في هذه النصوص ، التي حملت عنوانا عاما " نافذة على العالم الآخر " أنّ الأديبة هدى نور الدين الخطيب تضع كتلا غير مترابطة في بادئ الأمر ، أي قبل الشروع في إيقاظ النص على القص .. هي كتلة تاريخية ، كتلة روحانية ، كتلة خيالية ، كتلة مكانية مفترضة ، كتلة زمنية مفترضة ، إلى جانب استحضار شخصيات متخيلة أو واقعية ..
التعامل مع هذا الخليط صعب .. وجعله متجانسا صعب أيضا .. فماذا فعلت الكاتبة حتى توجد تجسيرا بين كل هذه الأشياء ؟؟..
كان الأمر سهلا وهينا أو قابلا للتحريك دون حدود من خلال إمكانيات الكاتبة المبدعة المتفوقة كتابيا بالتأكيد ، لو أنها ارتبطت بالخيال ليس إلا..فالأمر في هذه الحال سيكون " فانتازيا " قادرة على حمل كل شيء.. ولأن الأديبة هدى الخطيب تملك خيالا خصبا إبداعياً خلاقا ، فهي كانت ستعطي العمل الخيالي بعدا قابلا للنمو السريع والجذب والشد دون حدود.. لكن أبت الأديبة أن تكتفي بدخول " العالم الآخر " دون التسلح بهدف أو أهداف .. هنا تأتي الأسباب التي يمكن أن تعرقل مثل هذا العمل، بل توقفه عند حد ما .. فاستحضار التاريخ ، والشخصيات التاريخية ، والعبر التاريخية ، تحتاج إلى دراية وواقعية وعدم التحليق بعيدا بالخيال.. كان عليها أن تلجم الخيال .. فهناك حقائق عليها أن تقولها وترويها وتحرك الشخصيات من خلالها .. وان تكون هي كراوية ، في مواجهة هذه الشخصيات ، وهنا المأزق ، المواجهة أو الملاصقة تعني المعرفة الكلية ، وأي انزلاق نحو معلومة خاطئة ، سيجعل العمل مهزوزا غير قادر على الإقناع ..فماذا فعلت الكاتبة ؟؟..
الخطوة الكبيرة والجريئة التي قامت بها الأديبة هدى الخطيب هي انتقالها لا انتقال الشخصية، أي دخولها عالما ليس لها ، لتقابل الثقل التاريخي ، أو الرواية التاريخية، أو العبرة التاريخية .. وهذه الخطوة هامة جدا ، لأنها بالذهاب الخيالي الشخصي لم تخرج الشخصية التاريخية من ظرفها الموضوعي وبيئتها ومحيطها ، لم تنتزع الشخصية من ثقلها وأهميتها.. ولنا أن نؤكد أن زحزحة الشخصية من محيطها كان يعني كسر شيء داخل هذه الشخصية .. وإبقاء الشخصية في مكانها وزمانها ، يعني المحافظة على البيئة والعادات والتقاليد وما شابه .. خروج المؤلفة من زمن إلى زمن لا يؤثر على بنية عامة لشخصية ومحيط تاريخيين ، بينما ينهار كل شيء حين نفرغ الشخصية ونجعلها تعيش عالمنا .. ستكون غريبة بكل شيء ، ولن تكون صادقة بالحد الذي نريده ، لأننا سنصدمها بواقع ليس لها ، ونجردها من أسلحتها كلها ..
الكتلة التاريخية جامدة .. وكسر الجمود كان يحتاج إلى نافذة نطل منها على هذا العالم الذي ستأخذنا إليه .. وهنا كان عليها أن تلعب لعبتها في تحريك كل شيء ، وإيجاد أو بناء عالم كامل له شروطه الفيزيائية والموضوعية .. لذلك صار الزمن مختلفا .. الانتقال إلى العالم الآخر شيقا خياليا مؤثرا .. وقع الزمن مختلف ..وهو شيء يقول به الكثيرون ويؤكدونه من خلال التركيز على سرعة التردد .. فعالمنا تختلف سرعة تردده عن عالم الموتى ..لذلك لا يتطابق العالمان .. ولو تطابقا لكان علينا أن نعيش في تردد واحد مما يعني اختلاط الأمور .. وصولا إلى إمكانية التصادم بين العالمين .. إن اختلاف التردد ، يعني أن هناك أنّ هناك عوالم متعددة متداخلة ، يجعلها هذا الاختلاف في التردد تتداخل ولا تتصادم ..
هنا أيضا كان على المؤلفة أن تعيش هي حالة تردد أسرع لتستطيع أن تسمع وترى وتحادث الشخصيات ..كل ذلك تدخل فيه لعبة البناء الخيالي..مما يجعل الشخصية التاريخية مقبولة ، قريبة ، محببة ، منقولة إلى الذهن كصورة تتحرك وتحكي من خلال المؤلفة .. ومن يقرأ " نافذة على العالم الآخر " سيجد أن التقنيات التي تبتدع كثيرة ، وعملية التشويق شديدة الغليان .. فالكتل التي كانت متباعدة تصبح عند المؤلفة كتلا متراصة متداخلة جميلة ..
عند تحقيق الشرط المقنع ، يصبح كل ما تقدمه لنا المؤلفة من عوالم وشخصيات وعبر ، مقبولا ومحبوبا وقابلا للتصديق .. وظني أنّ المؤلفة في مثل هذه التوليفة النابضة تبتكر طريقة خاصة بها ، لتكون رائدة فيها، وبالتأكيد علينا الانتظار لتلمس بقية الطريق .. إذ الملاحظ أن المؤلفة تقدم في كل حلقة جديدا ، حتى على صعيد البناء والتوليف والإتيان بعوالم مدهشة ..

[/align]