خبايا عالم الطفل
د. ناصر شافعي
الطفل .. إنسان صغير الحجم .. كبير الفهم .. يمارس حياته و نشاطه بطريقة تدعو إلى الإعجاب و الانبهار أو القلق و الحيرة .يظلمه الكبار عندما يرغموه على تطبيق قواعد و شروط حياتهم و يتناسون أن له عالمه الفريد العجيب الذي يعيش فيه .. عالم بدايات المعرفة ، و التجربة و المحاولات ، و الخيال و الانطلاق .. عالم مختلف تماماً عن عالم الكبار في مكوناته و معطياته و أشكاله و نظمه و أعرافه .. يحكم هذا العالم عقل فطري برئ لم يتلوث بعد بملوثات البيئة و لم يبرمج بعد على النظم و القواعد المدروسة و المخططة و احتياطات الحيطة و الحذر .
يصعب على الكثير من الكبار الدخول إلى عالم الطفل و معرفة خصائص و صفاته و أبعاده و شروط الدخول إليه و الحياة بداخله .. و نجح قلة قليلة من الكبار في اقتحام عالم الطفل و معرفة خباياه و أسراره ، فنجحوا في التعامل مع الطفل و في المعايشة معه .
الطفل في أيام حياته الأولى يمتلك عقلاً مدركاً و متفاعلاً و لكنه خالي من الأفكار و المعلومات أي خاوي الذاكرة – و كل ما يدخل إلى عالم الطفل في هذه المرحلة مجموعة من العادات و التجارب البسيطة تفرضها غرائز و أعضاء ه الجنسية .. فعند الجوع يتعود أن يبكي و يصرخ فتسرع الأم لوضع الأم حلمة ثديها في فمه .. فيتعود على استخدام هذه الوسيلة الذكية للتعبير عن حاجته للطعام .. و عند احتياجه لوجود أمه بجانبه يبحث عن وسيلة يطلبها فلا يجد سوى البكاء .. فتأتي إليه و بالتعود و التكرار يكتسب الرضيع خبرات و قدرات تختزن في عقله البرئ البسيط .
و يخلق الله الطفل الرضيع و يختصه بمجموعة من الغرائز يحكمها جميعاً حب البقاء مثله كمثل أي كائن حي .. و يعزي بعض علماء النفس – أمثال فرويد – معظم الغرائز الجنسية ..و لكن الأوقع أن غرائز الجوع و العطش و الحب و غيرها تولد مع الطفل كجزء لا يتجزأ من تكوينه و بنيانه و يساعدها في تهزيبها و تدريبها حواس الطفل المختلفة مثل الشم و الإحساس و التذوق و النظر و السمع و غيرها .. تعمل حواس الطفل في تناسق و تجانس لسد احتياجات الطفل الرضيع و كلما تدرج في النمو – تطورت هذه الحواس لتكيف الطفل مع الحياة الدنيا الجديدة .. و قد تتأخر القدرة على الإبصار ساعات أو أيام قليلة ثم تبدأ تدريجياً في إدخال المدركات المرئية شيئاً فشئ .. فيتعود الرضيع على ما حوله من أشكال و مناظر .. و يبدأ في التعامل مع البيئة المحيطة به تدريجياً .. و في حدود الشهر الثاني إلى الثالث يمكن للطفل أن يتفاعل مع العالم المحيط به عن طريق الرؤية فيبتسم لأمه أو أبيه عندما ينظر أحدهما إليه .
و في خلال الشهور الأولى من حياة الطفل الرضيع تتطور بعض القدرات العقلية لديه .. و أهم مظاهر هذه القدرات ، القدرة على التخيل . و كلما ازداد الطفل في العمر ، ازدادت لديه قدراته على التخيل .. و القدرة على التخيل هي القدرة على إضافة أشياء مختلفة إلى الواقع فينتج عن ذلك عالم مختلف في تكويناته و تركيباته و تحركاته و تفاعلاته . فعندما يرى الطفل الصغير جواداً يجرى يمكن لخياله الخصب الفسيح أن يحوله لجواد يطير و يغني .. و عندما يرى طفلاً صغيراً يبكي يمكن لخياله أن يحوله إلى مأساة بكائية و أحزان لا نهائية .
الخيال في الطفل كحقل خصب يمكن زراعته و رعايته و الاهتمام به ليعطي ثماراً و ارتفاعاً وفيراً من الإبداع و الابتكار ..
و هنا تبرز بعض الأسئلة الهامة التي تحتاج إلى أجوبة :
كيف نستطيع أن ندخل عالم الطفل ؟
كيف يمكننا – نحن الكبار – أن نعيش داخل هذا العالم ؟
كيف نساعد الطفل على تنمية خياله بطريقة إيجابية و مثمرة ؟
كيف نستفيد من خيال الطفل في حياته ؟