وصية ارسطوطاليس للاسكندر الأكبر
قال ارسطوطاليس للاسكندر وقد سأله أن يوصيه :
" أما بعد أيها الملك فقد سألتني الوصية وقلدتني الأمانة في ذلك وأنا موصيك بما سألتني اعلم أيها الملك ، أن مآل كل مخلوق وان طالت حياته إلى الموت وان الدنيا هي دار زوال فاختر أي الدارين تكون سكنا لك فان اخترت الدنيا فاعلم بأنك مغرور بها وان اخترت الآخرة فاعلم انك حازم في اختيارك وان ذلك توفيق لك من البارئ جل وتقدس واجعل نفسك دنية عندك ، شريفة عند من عنده عجب وكبر، وعفيفة عما في أيدي غيرك فهذا هو الشرف.
وروض فكرك في مصنوعات ربك واجعل الحكمة ملء قلبك وكلمة الحق نصب عينيك والعدل والأنصاف نعتك وصفاتك والعلم ميزانك وقائدك ومعتمدك واطلب اشرف العلوم من الحكمة فان الحكمة كما علمت أيها الملك فنون وأشرفها ما خطه القلم : أي كان آلة له ونطق به اللسان وإذا وزنت بفكرك الصحيح وجوهر عقلك التام جميع فنون الحكمة بهذا الفن وجدته الأرجح الوافر.
واستعمل نفسك وعلمك بما يغنيك عن الأسلحة وكن ضنينا بالأسرار عن أحب أولادك إليك وان وضعت لهم شيئا مما أوصلك الله إليه بواسطتي فاتبع طرق الهرامسة في ذلك وابد لهم من ذلك ما لا تفهمه العامة واجعل ما تخفه لهم مشافهة منك إذ لم يخل عن ذلك أفكارهم .. وأحسن في خطابك وحرر ما تستخرجه من هذا الفن من أجساد وأرواح .. فالخطأ يردي ويزري بكل حكيم والصواب يرفع قدر الوضيع فاللسان ترجمان القلوب والبنان ناطق بغير لسان .. والأقلام رسل الحكمة والمستخرجات جنده والمستكعبات عرفاء الخير فانظر بفكرك ما به تسلط العرفاء على الجند وما فيه تسليط لتلك القوانين الفلسفية فلا يفسد كون ما صنعت ولا نقص فيما أمرت.
والملك أرشده الله تعالى عارف بان من جملة هذا الفن طاعة كل مخلوق في كل ما تأمره به وقد أوضحت صفة ذلك فيما أبديته للملك قبل هذه الوصية مشافهة ومراسلة وعظم الأرواح والأجساد التي تنعش حرارتها وتبسط نفسها فلا روح إلا من جسد ولا جسد إلا من روح فلا تدخل روح الحيوان في الإنسان ولا العكس فكل جسد لا ينعش إلا بروحه المخلوقة منه .
فأحفظ أيها الملك ما أبديته لك في هذه الوصية وامسك على كل حكيم تراه بكلتا يديك وعض عليه بناجذيك فلا صديق اشرف من حكيم ولا علم اشرف من الحكمة واشرف فنونها كما علمت أيها الملك هو علم أسرار الحروف والأعداد فألزمه جهدك . فاسمع ما أقول تظفر بكل مأمول والله القديم يسدد رأيك ويوفق فكرك ويحفظك من الخطأ ويقودك إلى الصواب والرشاد فانه واهب العقل ومفضي الحكمة من النور المقدس الإلهي واخص السلام عليك ومن تابعك من الأخوان" .
فهذه وصية الحكيم الفاضل ارسطوطاليس للاسكندر.. وكان حكيما فاضلا وفيلسوفا ماهرا وضع الطلاسم واحكم الأشياء وكان ذلك بمدد من الله تعالى خصه به دون ملوك زمانه ومع ذلك كان يقرأ على ارسطوطاليس ويشاوره في كل الأمور ويعمل برأيه في كل أموره وكان يدعوه بالأستاذ تارة وبالوالد تارة كل ذلك شرفا للحكمة