الأدب ومفهوم العودة
[align=justify]
منذ البدايات ، وفي تماس مباشر مع عام النكبة ، كان على الأدب الفلسطيني أن يرسخ مفهوم العودة بمعناه الواضح الجليّ الذي لا يشوبه أي لبس أو مراوغة أو ابتعاد عن المعنى الحرفي لمفردة العودة التي قالت بأنّ فلسطين كلها عربية ويجب أن يعود إليها الأهل بترادف مباشر مع نفي الآخر كونه وجودا طارئا في فلسطين التي لم تكن في يوم من الأيام له ولن تكون..وعلى هذا الدرب سار الأدب الفلسطيني خلال السنوات الطويلة الماضية وما زال ، مع تأكيد مباشر وواضح بأنّ السياسة لا تغير وأن السياسي لا يفرض شيئا يتناقض مع هذا المفهوم بأي شكل من الأشكال ..
ولأن الأدب كما هو معروف ضمير شعب قبل أي شيء آخر ، فقد كان طبيعيا أن يعبر الأدب الفلسطيني عن تطلعات وآمال وتصميم الشعب الفلسطيني .. ويبقى ما هو سياسي في هذا المجال خارجا عن المسار الطبيعي لقضية شعب وتطلع شعب حين يغير في المفهوم العام للعودة القائم على أن يرجع شعب فلسطين إلى بلده وبيته وشارعه ووطنه ..السياسي هنا ، مهما كانت التبريرات ، يبقى مخالفا لإرادة شعب ، أي أنه يتصرف بما لا يحق له التصرف به من قريب أو بعيد ..فهذا المفهوم ليس مفهوما فرديا يقوم به أشخاص أو أفراد دون الرجوع إلى مجموع الشعب والذي يقرأ ببساطة من خلال أدبه المعبر عنه ..فالأدب والشعب كتلة متلاحمة تعبر عن ضمير جمعي وعلاقة قائمة على التلاحم والتداخل والتآزر والسعي إلى هدف واحد بقي حيا خلال السنوات التي مضت وهو تحرير فلسطين والعودة إليها ..
يفترض أن ننتبه ونعي أنّ الأدب الفلسطيني لا يخرج عن هذا بأي شكل من الأشكال .. والكلام عن عودة مرتبطة بالاحتلال أو بوجوده على أرض فلسطين ، يبقى كلاما غير مقبول في طرح هذا الأدب وفي توجهاته التي تحملها نصوصه ..أي أنّ الأدب يغلق الطريق نهائيا أمام المناداة بعودة إلى فلسطين بوجود الاحتلال ، وهذا أمر يفترض أن يكون مفهوما كونه يتنافى مع مرتكزات ومعنى العودة إلى فلسطين .. فكل أديب فلسطيني رسم الطريق بوضوح وجلاء حيث هناك أرض محتلة وشعب مشرد والتكامل يعني الخلاص من الاحتلال بشكل نهائي وعودة كل فلسطيني إلى وطنه كحق مشروع لا يستطيع احد أن ينفي مشروعيته ..
قد يرى البعض أنّ هناك نصوصا في الأدب الفلسطيني تنادي بالعودة إلى فلسطين مع وجود الاحتلال وأن التعايش بين الطرفين ممكن .. وتنطلق مثل هذه النصوص من القول بالواقعية وعدم الإغراق في الخيال لأن وجود الاحتلال صار أمرا لا مفر منه !!.. لكن تنسى هذه النصوص أو تتناسى أنّ العودة منسوفة وملغومة ومنفية في ظرف كهذا ..إذ إلى أين يعود الفلسطيني وفي أي ظرف وعلى أي أساس ؟؟.. ببساطة الجواب لن يخرج عن عودة الفلسطيني إلى أرضه التي بقيت في يد غيره ، وسيقبل بأن يكون جزءا في بلد يحكمه الاحتلال ويسيطر على كل شيء فيه .. وفوق ذلك سيكون الفلسطيني غريبا في بلده دون أي مبرر !!.. فلماذا نرضى بما يفرض علينا باسم العودة دون أن يكون عودة حقيقية ، لأن العودة الحقيقية لا تتم إلا بخلاص فلسطين من الاحتلال ..
قد يرى البعض أنّ الأدب حين ينادي بمثل هذه العودة الكاملة فإنه ينسف جسور العودة نهائيا، إذ نعرف أنّ سيئة الذكر " إسرائيل " ترفض مبدأ العودة جملة وتفصيلا مع بقائها ووجودها فكيف حين نطالب برحيل الاحتلال والعودة إلى كل شبر من فلسطين ؟؟..
ليكن ما يكون فتجزيء الحق تضييع له .. وعلى الأدب أن يبقى ضمير شعبه وصوته المجلجل المنادي بالعودة كاملة غير منقوصة ، وهو الشيء الذي سيتحقق وسيكون واقعا ما دمنا نصر عليه ولا نرضى بديلا عنه..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|