الحبيـس
لـ هيثم الشيـمى 20-2-2009
حتى أنك لا تقدر على تبين المكان.أجلس فى مكانى هذا منذ دقائق قليلة، عقب انغلاق باب زنزانتى خلفى.أشعر برهبة حتى من تبين مساحتها.تبدو لى كالقبر، ولكن رغم ذلك لازلت اتعجب من الرعب الذى يلتهم الناس عند سماعهم لكلمة"حبس انفرادى".
استدعيت شجاعتى ونهضت لأتفحص الزنزانة،سرت خطوتين ومع الثاثلة اصطدمت بالظلام.
********************
أظنه يومى الثانى فلقد قدموا لى منذ قليل وجبة الطعام .لم يتغير أى شىء بالمكان فهو مظلم كما هو ، حتى القمر ظل حبيس الخارج. سعدت كثيراًً بانفرادى بنفسى فقد أتاح لى هدوءا لم أكن لأنله فى مكان آخر ،فكانت فرصة مناسبة لأسبح فى أفكارى.
تذكرت أمى ثم أبى ثم إخوتى، تذكرت كل مارغبت فى تذكره ،لا أدرى ما الوقت الذى استغرقته فى ذلك ولكن مرت على العديد من وجبات الطعام كما أشعر بلحيةوشارب احتلا وجهى .
[align=center]*********************[/align]
دخل سجانى ليضع الطعام كالمعتاد، وعند همومه بالخروج تشبت بساقه متوسلا أن يبقى قليلا أو يقول غير كلمة "الطعام" جاهد ليتخلص من يدى ومع استماتتى قذفنى بأقذع الألفاظ فتركته يرحل وأنا فى غاية السعادة.
*********************
ظللت أهيم فى المكان كالمجنون ،أعدو الثلاث خطوات فاصطدم بعنف بالظلام ،فالتفت للخلف فأعدو فاصطدم بالظلام، جبهتى قد أسخنها سائل لعله دمائى.ظللت على حالى هذا حتى زال ظلام زنزانتى ليحل محله الظلام.
[align=center]*********************[/align]
استيقظت . شعرت بشاش حول رأسى ولم تعد ذقنى على طولها . دلف سجانى فى وقته المعتاد وكعادتى ملأت بصرى ببصيص الضوء الهارب من الخارج.
التفت إلٌى سجانى وقال:الطبيب قال أن جرحك سطحى ،وعن نفسى لا أنصحك بمحاولة أخرى للانتحار فمن يدرى فربما يكون الموت هو زائرك القادم فجلستك حددت بعد أسبوعين.
-هل أتى طبيب إلى هنا!!
-كلا لقد أخذوك إلى المشفى ثم أعادوك.
هببت من مكانى صارخاًً –أخذتمونى للخارج...ولماذا لم توقظونى .. لماذا لم يوقظنى أحد!!
وهممت بالهجوم عليه ولكن ارتطام فكى بالأرض كشف لى عن قيد يحيط كاحلى.
[align=center]**********************[/align]
لم أعد أطيق هذا الفراغ .حادثت نفسى أحياناً ولكنى لم أجد عندها ما يجذبنى، حاولت أن اختلق لنفسى صديقاً أحادثه ولكنه أبى أن يشاركنى الظلام.دعوت أمى ، أبى ، إخوتى ، الجميع تخلى عنى. جلست أحملق فى الظلام فكرت أن أصادقه.ظللت أبادله الأحاديث.
توقفت متسائلاً عمن أحادث!! حملقت فى الظلام، ثم تبينته . بذات الملبس وشعره المجعد وقميصه الأبيض المضرج بدمائه. وحتى السكين الذى طعنته به لايزال فى موضعه. اقترب منى ورائحة تعفنه قد ملأت الزنزانة .بدت لى خطواته متعثرة ، ظل يسير ويسير حتى إنه تجاوز الثلاث خطوات بخطوات ، حاولت أن أعدو إلى الظلام ولكن منعنى قيدى. ظل يهمهم بكلمات مبعثرة وعيناه تحملقان فى، ونبضات قلبى تجاهد للهرب من عينيه . نزع عن نفسه السكين وإلتف خلفى وظل يذبحنى فى بطء وتلذذ وقبل أن ينال مراده انفتح الباب ليعلن السجان عن الطعام .تأملت الظلام مندهشاًً - هل مر يوم جديد!!
[align=center]**********************[/align]
اليوم جد أمر جديد.انفتح الباب لآخره ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى ارى فيها جدران زنزانتى.تأملتها بنظرة خاطفة ثم التفت لسجانى متسائلا عما جد ؟ فأجابنى أن اليوم هو يوم نطق الحكم.اصطحبونى إلى المحكمة وأنا منشغل بملء صدرى بالضوء.وفى المحاكمة هم محامي أن يدافع عنى إلا أنى استوقفته لأتراجع عن أقوالى بالنيابة وأعترف بجريمتى. وبعد وقت نطق الحكم بإعدامى فشعرت أخيراُ بالنصر والسعادة ، وعقلى يرقص مردداً - أخيراً انتهت ليال الظلام.
[align=center]***********************[/align]
مرت أيام وأنا فى زنزانتى منشغلاً بالابتسام بسخرية إلى ظلام زنزانتى ، واليوم هو يومى المنشود، حيث أتى عدد من الضباط يتبعهم رجل دين ، أملو على كلمات لأرددها ففعلت ، ثم سألونى عن رغبة أخيرة فقلت من خلال إبتسامتى - هلمو لتنهوا ليال الظلام.
وضعوا غطاء على رأسى فأظلمت الدنيا ،ووضعوا حول رقبتى الحبل الغليظ ، ظللت أنتظر أن يرفعوا الغطاء . ولكن ، لم يزل الظلام.
[align=center]************************[/align]
تمت بحمد الله تعالى