[أيمن عبد الهادي]

أدب وثقافة :


توفيق زياد***

صوت شعب وضمير أمة

تقرير : أيمن عبد الهادي

أوراق من التاريح***وشهادة من الواقع

مازال الشاعر توفيق زياد حاضرا بيننا بقصائده وأشعاره**نستنهض بنبرته الخطابية وحسه الوطنى شباب الأمة نحو التحرير 0

ولد توفيق أمين زياد يوم السابع من أيار عام 1929 فى مدينة الناصرة لأبوين كادحين وبالرغم من الظروف السياسية والاقتصادية التى عاشها فقد استطاع إكمال تعليمه دون توقف ,كما تعلم مهنة التمريض أثناء وجوده فى سوريا لمدة ثلاث سنوات كتعويض عن حلمه الأول فى أن يكون طبيبا والذى حالت الظروف دون تحقيقه0

احياء التراث

والمتأمل لشعر توفيق زياد يجد فيه تعبيرا فنيا وإبداعيا راقيا بعناصره اللغوية والايقاعية والموسيقية كما ويجد فيه أداة كفاحية تحريضية وتعبوية حيث أصبحت أشعاره تلحن وتغنى فى عالمنا العربى 0
لم يقف إبداع توفيق زياد عند حدود الشعر بل إستطاع توظيف القصة الشعبية الفلسطينية فى إحياء الثراث ,حيث أخذ يتنقل من بلدة لأخرى يلتقى المسنين والمعمرين ومحبى الثراث يستمع إلى قصصهم يدونها ثم يجرى المقارنات بين الروايات المختلفة فى الحكاية الواحدة والتى عمل على جمعها فى كتاب بعنوان ؛حال الدنيا،كما وأنه كان يمتلك إلى جانب هذا الحس الشعبى حسا وطنيا مرهفا جعله يتنبأ بالعبور بعد النكبة 67فى إحدى قصائده حيث يقول فيها :
من هنا مروا إلى الشرق غماما أسودا
يقتلون الزهر والأطفال والقمح
وحبات الندى
من هنا سوف يعودون وإن طال المدى
لاتقول لى**انتصرنا
إن هذا النصر شر من هزيمة
أى أم أورثتكم ياترى نصف القنال
أى أم أورثتكم ضفة الأردن
سيناء وهاتيك الجبال
إن من يسلب حقا بالقتال
كيف يحمى حقه يوما ,إذا الميزان مال ؟
وبعد عبور القوات المصرية قناة السويس وتحرير قسم من سيناء تفجر لديه شعور بالاعتزاز بهذا الحدث العظيم مما دفع به إلى نظم قصيدة أسماها ،العبور، تمجيدا لذلك التحرير فكتب يقول :
طويلا كان الليل طويلا كان
وثقيلا كان العار ثقيلا كان
[imgl]وعميقا كان الجرح عميقا كان [/imgl]
حتى اللقمة كانت ذلا وهوان
أما الآن**الآن **الآن**
فالفرح المسقى دما
ينبت فى كل كيان وكيان وكيان
بردا وسلاما
ينبت بردا وشقائق نعمان

نشأة عصامية

يقول الأديب :أحمد دحبور
نشأ الشاعر الكبير نشأة عصامية ،فقد وجد نفسه منذ بواكير شبابه فى صفوف الحركة الوطنية إلى جانب ما تمثل لديه من نزعة قومية ورغبة فى دراسة الفلكلور الشعبى الفلسطينى والعربى على حد السواء 0
وبخصوص كتابته للشعر فقد بدأ بداية تقليدية حيث كان يكتب على نظام البيت الشعرى ثم تلتها مرحلة لاحقة تأثر فيها بنظام التفعيلة وهذا واضح فى مجموعته الأولى "شيوعيون" التى تضم الكثير من القصائد الحديثة0
وعن أهم سماته الأدبية التى تميزه عن غيره من الشعراء قال :عندما بدأ يصلنا صوت شعراء فلسطين من الجليل والمثلث والنقب تميزت أربعة أصوات كان توفيق زياد واحدا منها وهم :
محمود درويش ،سميح القاسم ،وسالم جبران
وقد تميز شعره بنبرته الخطابية وذلك إيمانا منه بأن للشعر تأثيرا مباشرا على وجدان الجمهور وهو ما كانت تحتاج إليه تلك الفترة من فترات النضال الفلسطينى كنوع من التعبئة الشعبية والوطنية 0
كما استطاع أن يخلق قاموسا شعريا خاصا به ،والذى تميز به عن غيره من شعراء المقاومة ،كما أنه اهتم بالتركيز على فكرة الصمود والتمسك بالأرض وانشغاله بقضايا جمهوره العربى 0
كما يظهر لنا من خلال عناوين مجموعاته "تهاليل الثورة والغضب "و"ادفنوا أمواتكم وانهضوا" مع اهتمامه أيضا بشخصيات عالمية متأثرا بذلك بشعراء الواقعية والاشتراكية وهناك الكثير من القصائد مهداه إلى شخصيات يسارية ماركسية معروفة 0

"حال الدنيا "

· ولكن هل تأثر توفيق زياد من خلال كتابته بالشعراء الغربيين ؟

يقول دحبور :إن صوت توفيق زياد صوت عربى خالص وإن كان قد تأثر بالشكل الحديث للشعر أو بالشعر الحديث ،فإن القاعدة العامة أن شعراء الحداثة قد تأثروا بشكل أو بآخر بأشعار غربية ،وتوفيق زياد لايشذ واستطرد الأخ أبو يسار قائلا:
لقد اهتم توفيق زياد إلى جانب الشعر بالفلكلور الشعبى مما دفعه إلى وضع كتاب خاص به على شكل مجموعة من القصص بعنوان "حال الدنيا" وهى مجموعة مكونة من ثلاث عشرة قصة مستوحاة من روح الثراث الفلكلورى الشعبى ذات نبرة
تحريضية تعبوية تخدم مرماه الوطنى مثل أغلب قصائده بطبيعة الحال 0
كما لجأ الى الأغانى الشعبية لاعادة صياغتها بلغة فصيحة أى إعادة نظمها نظما فصيحا مثل"عذب الجمال قلبى ***عندما اختار الرحيل "ومن تلك الأغانى هذه المقاطع المشهورة له:
عن جدنا الأول
قد جاء فى الأمثال
واوى بلع منجل
ومثلا :
لقد طرق الهوى عينى
فمن يعطى حبيبا عينى
كما نجح عدد من قصائده فى أن تصبح مضربا للأمثال ،حتى وإن كثيرا من المواطنين كانوا يرددونها دون معرفة أنها له منها مثلا :
أناديكم
أشد على أياديكم
وأبوس الأرض تحت نعالكم
وأقول أفديكم
وأهديكم ضيا عينى
ودفء القلب أعطيكم
فمأساتى التى أحيا
نصيبى من مآسيكم
*كيف تصنف توفيق زياد من حيث الواقعية التقليدية والرومانسية؟
يقول دحبور :مدرسة الواقعية الاشتراكية بحد ذاتها ،التى التزم بها الشعراء الماركسيون الملتزمون أمثال توفيق كانت تأخذ نصيب من بعض المدارس الرومانسية أو الرمزية ،فالمدارس الأدبية ليست غرفا مغلقة على ذاتها وفى وجه بعضها البعض ،فمن الممكن أن يكون الشاعر واقعيا اشتراكيا ،وأن يكون أيضا رومانسيا بإعتبار أن الرومانسية فى أحد أوجهها تأخذ طابع التمرد والثورة أحيانا
والرومانسية عندما بدأت فى أوروبا بدأت احتجاجية وساخطة على الهوان وعدم العدالة فى المدينة 0
أما الرمزية فإننا لانستطيع أن نقول أن توفيق كان رمزيا بالرغم من أنه استخدم الرموز فهناك بالطبع فرق ،ولنضرب هنا مثلا قصيدة "سرحان والماسورة "
وهى قصيدة تنتمى إلى مجال الملحمة الشعرية حيث جعل من شخصية البدوى انموذجا للوعى البكر الفطرى الذى يتشكل بحكم الممارسة 0
وسرحان هنا –حسب القصيدة – شاب يعيش حياته بالطول والعرض بينما بلدته محتلة من قبل الانجليز يضطهدون الناس ويسطون على كل شىء وعندما كان أهله يحرضونه لأن يفعل شيئا كان يقول "مادام بلدى سالما مالى ومال الآخرين "لكن عندما يمسك المحتل بسرحان شخصيا وضربه وآذاه أدرك مدى خطورة الاحتلال وبشاعته ففكر بأن يفجر ماسورة البترول فى أرض الحارثية ،ومن المعروف دلالة البترول فعندما فجر العملية كان هو بمثابة ثورة مقترحة على مستوى الوطن العربى
فقد جعل الشاعر من هذا البدوى البسيط رمزا للثورة الغاضبة فى الوطن كله 0
كما أنه جعل من المقطع الثانى من هذه القصيدة الملحمية أهازيج مستقاة من الأغانى الشعبية برثاء أمه له ورثاء نساء بلدته ،وهنا يمكن القول بأن سرحان كان رمزا ،إلا أنه لايمكن اعتبار الشاعر ممن ينتمون إلى المدرسة الرمزية لأن شروط المدرسة الرمزية تختلف عن المسلك الواقعى الذى اتبعه توفيق زياد فى تعامله مع معطيات الواقع الثقافى التى أصبحت جزءا من الخطاب الثقافى السائد 0

ضمير الأمه

*وماذا عن شخصية توفيق زياد؟
- توفيق زياد شخصية متعددة المستويات من الممكن الدخول إليه من مداخل كثيرة فهو الزعيم المناضل ورئيس البلدية الذى صان العشب فوق تراب أسلافه حسب تعبيره الجميل فى إحدى قصائده ،وأيضا حارس الفلكلور الشعبى الذى طالب بصياغته كما أنه الشاعر الجماهيرى وشاعر القصيدة الملحمية والأهم من ذلك كله أنه رمز من رموز الصمود وشكل من أشكال الاستجابة للمقاومة 0
فقد كان واثقا بالنصر ولم يغب عنه يقين النصر لحظة واحدة رغم كل المحبطات ،ونستطيع أن نقول ان الشاعر توفيق زياد كان بمثابة ضمير الأمه0

قائد سياسى

أما خالد عطيه رئيس نقابة مستخدمى بلدية الناصرة فقال لنا أثناء زيارته لغزة :
فى الواقع إننى أعرف الشاعر توفيق زياد منذ الصغر وقبل أن يتسلم رئاسة بلدية الناصرة ** لقد عرفه شباب الناصرة من خلال نضالاته ووجوده كقائد فى الحزب الشيوعى الاسرائيلى وبعد ذلك كقائد فى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة إلا أنه فى تاريخ 1975 حدث انقلاب تاريخى وذلك بعدما تسلم رئاسة البلدية فلم يعد قائدا لشعب الناصرة فحسب وإنما قائد سياسى لكل الجماهير العربية فى إسرائيل ومن ضمن القادة السياسيين الثوريين فى العالم العربى كما عرفناه قائدا وشاعرا وأديبا مناضلا 0
أما عن حياته النضالية فكانت مليئة بالاعتقالات والمواجهات مع الاسرائيليين والحكم العسكرى ،ومن التغييرات التى حدثت بعدما تسلم رئاسة البلدية انطلقت المؤسسات الوطنية وتنامى الحس الوطنى خصوصا بعدما كان لنا مواجهات حقيقية عنيفة ومقارعات شبه يومية مع الاسرائيليين بسبب الحصار المادى على بلدية الناصرة مستهدفين من ذلك كسر شوكة هذا القائد مما يعنى كسر شوكة العديد من القادة بين الجماهير العربية 0
أما من حيث إنجازاته داخل مدينة الناصرة :
فقد عمل على تطوير الكثير من الخدمات البلدية وكان شعاره فى البلدية :الكرامة حيث لايمكن لنا أن نأخذ حقوقنا ونحن مطأ طئو الرؤوس وكان يقول:يجب أن تكون قاماتنا مرفوعة لكى نأخذ حقوقنا ونحصل عليها فهذا حق لنا بأن نكون مواطنين أسوياء داخل إسرائيل ودامت مسيرته هكذا حتى وفاته 5-7-1994 0
أما بالنسبة لأمنياته بشكل عام فكانت أن يرى دولة فلسطينية بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية حيث نادى قبل تسلمه رئاسة البلدية بقيام دولتين لشعبين ،إلى جانب أمنيته بأن يرى الشعب الفلسطينى ينعم بأرض وعلم ودولة بعيدا عن الاحتلال الذى فرض عليه لسنوات عديدة 0
أما على المستوى المحلى فأمنيته أن يرى مشروع الناصرة (2000 ) الذى يجعل من الناصرة محط جميع أنظار السياح الأجانب من العالم أجمع وقد تحقق ،والناصرة معروفة بأنها ناصرة المسيح بالاضافة إلى أنها مدينة تاريخية بجانب مدينة القدس الشريف 0
ومن حيث صفاته الشخصية ومن خلال معرفتى واحتكاكى به منذ 25 عاما فقد كان إنسانا عاديا متواضعا يحب البسمة على وجوه الأطفال ،وقد كان يقول :(أعطى نصف عمرى لمن يجعل طفلا باكيا يضحك ) وكان يشارك فى جميع المهرجانات الشعبية والدينية إلى جانب أنه كان يحافظ على مستوى مادى متواضع بعيدا عن المزايا التى تعطى لمن يكون فى موقع مركزى مؤكدا على أن نظافة اليد هى رصيدنا الذى يجب أن نعتز به كما كان يقول 0
والتقينا رفيق دربه الأخ عبد الله حامد أبو العطا حيث قال :إن الحديث عن الشاعر توفيق زياد يطول ومهما تحدثت عنه فإننى لاأستطيع أن أفيهحقه وهو المناضل البارز ،فقد أمضى حياته دفاعا عن الوطن والأرض ببسالة فائقة وجند الجماهير فى العمل والبقاء على أرض الوطن كما حارب التمييز العنصرى ونهب الأراضى وقد تعرض للأذى والضرر فى سبيل قناعاته وإيمانه بالوطن والشعب والكرامة وإذا أردنا أن نتحدث عن توفيق زياد المبدع والفنان فهو مناضل متمرس ربط بوعى كامل بين الوطن والتاريخ والانسان ربطا جدليا 0
توفيق زياد إنسان متواضع شهم وكريم كان يستقبل الناس بروح عاليه وباحترام شديد كما كان يجذب إليه الجميع بحديثه وأسلوبه 0
إن توفيق زياد هو السهل الممتنع ،صعب وصلب فى الدفاع عن الحق والوطن قوى فى الاقناع ،وحدوى من الطراز الأول يحب الناس وتحبه *0