عبد المعين الملوحي يطوي أوراق العمر ويرحل
[align=justify]
أن يطل يوم 21 آذار العام 2006 مغيبا الأديب الكبير عبد المعين الملوحي ، ذلك الشاعر والمترجم والموسوعي ، وصاحب ما يقرب أكثر من مائتي مؤلف ، طبع منها كما اخبرني مؤخرا مائة كتاب وكتاب ، فهناك خلل ما في إطلالة الربيع .. إذ أن الأعوام التسعين التي عاشها الرجل – 89 تحديدا لا كما قالت الصحف لأنه من مواليد 1917 – كانت بطولها تضعك أمام أديب يسكنه الشباب ولا تفارق الضحكة شفتيه .. ولست ادري إن كان في المستطاع أن ادخل بيته الآن ، وأن ادلف إلى غرفته التي تحولت إلى مكتبة تغص بالكتب ، ليريني تلك المساحة الشاسعة التي تأخذها مؤلفاته .. وليقول بصريح العبارة : هناك كتب كثيرة يزيد عددها على المائتين ولم تطبع بعد !!.. ولنا أن نتصور الساعات التي يعمل فيها الرجل دون توقف .. تلك المكتبة ستكون من غيره ناقصة تترك في الحلقة غصة مرة .. يضحك وهو يقول :" المعارك التي أثرتها كثيرة.. لكن ها أنا أعيش الآن في هدوء ما بعده هدوء " .. !!.. يأخذني العمل الصحفي فيأتيني صوته عاتبا :" أين أنت يا طلعت منذ مدة لم أرك " ؟؟.. وأخجل من نسياني ومن غرقي في دوامة العمل دون تذكر هذا العملاق الذي يفخر الواحد منا بمعرفته .. وما أن أدخل بيته حتى يسبقني وعكازه الذي ما عاد يفارقه في السنوات الأخيرة ضاحكا ماسحا كل عتب .. ويسأل : ماذا تكتب هذه الأيام؟؟..
عندما صدر كتابه " شظايا من عمري " / الجزء الثاني / عام 2004 .. أذهلني حرصه على جمع كل صغيرة وكبيرة ، لا ينسى شيئا .. يدقق بشكل يضعك أمام صورة استثنائية لهؤلاء الأدباء الذين يسكنهم هاجس الأدب حتى العظم .. سألته مرة " هل هناك عمل تعتبره ذروة أعمالك " قال :" ذروة أعمالي الأدبية :1ـ قصيدتي في رثاء زوجتي " بهيرة " .2ـ قصيدتي في رثاء ابنتي " ورود "3ـ قصيدتي في رثاء نفسي " عبد المعين الملوحي يرثي نفسه " .وتبقى أعمالي الأخرى أولادي ـ كما قال أبو تمام .. تتساوى في حبي لها وحرصي عليها. .." سألته عن النقد وعما قدم عن أعماله / توقف قليلا وكأنه يذهب بعيدا ولا يريد أن يجيب / بعدها قال :" أرحب بالنقد إيجاباً وسلباً ، بل ربما كنت أكثر ترحيباً به إذا كان سلبياً ، ورحم الله من أهدى إلي عيوبي .. ولكنه لم يكد يقول شيئاً عن أعمالي ، ليس في بلادنا نقد ، إنه إما أن يكون :1ـ ترجمة مشوهة للنقد الأجنبي 2ـ ثناء غير متزن لصداقة شخصية . 3 ـ هجاء غير متزن لعداوة شخصية .
ليس في بلادنا نقد . ".. شعرتُ بأنّ هناك شيئا من الحزن في عينيه .. كان حزينا لأن غياب النقد حسب اعتقاده يعني موت جزء كبير من الأدب والثقافة .. تركت الترقيم في إجاباته للدلالة على حرص أديبنا رحمه الله ، على الدقة ..
من يتصور أن أديبا يكتب في كل الأنواع الأدبية ، ويكون من أوائل من أغنوا المكتبة العربية بترجمات ثرة ، إضافة إلى كتابة الشعر والنقد والتحقيق والتأريخ والجمع والتوثيق ، من يتصور أن أديبا كهذا يفاجئك بجواب يأتيك وكأنه مزحة لا أكثر .. اسأله :" هل تميل إلى أنواع أخرى من الإبداع ؟ ما هي وإلى أين وصلت في تعاملك معها ؟ ؟. يقول :" أتمنى لو استطعت أن أكتب رواية ، ولكن إمكاناتي لا تساعدني على ذلك ، ويكفيني ما أعاني من سائر أنواع الإبداع الأخرى.".. إمكاناته !!.. ولنا أن نسأل واحدا من أدبائنا الشباب مثل هذا السؤال .. لكان الجواب بعد تطويل ومدح للذات أن جائزة نوبل قد تأخرت كثيرا في الوصول إليه ، وربما كان مثل هذا الشاب صاحب عمل أو عملين !!.. وتبقى إمكانات عبد المعين الملوحي متواضعة !!..
مثل هؤلاء يعبرون مثقلين بحبات القمح .. تواضعهم يذهلك ، وعطاؤهم يجعلك تنحني لهم .. اسأله ضاحكا لظني أن من نشر كل ما نشر لا يمكن له أن يتأسف على قلة العطاء أو النشر : هل حققت طموحاتك في المجال الأدبي ؟؟.. يقول :" حققت جزءاً من طموحاتي عندما نشرت حوالي مائة أثر أدبي . وأرجو الله أن يحقق باقي طموحي بنشر 200 مخطوطة تقبع في مكتبتي تنتظر النور ينبثق من حروف المطبعة السود".. !!..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|