أسوأ سّجان
د/ ناصر شافعي
أعترف .. أنا أسوأ سجان .. لأضخم و أعنف سجن في العالم .
إمتلأ سجني عن آخره بالمساجين المظلومين من أفكار و ذكريات و آمال و طموحات و أحلام .. ضجت روحي بمطالبهم السخيفة , الملحة , المتكررة .. وضاق عقلي بثوراتهم المتعاقبة . أحكمت إغلاق السجن بالمسكنات و المهدئات و المنومات.
معظم المساجين حصلوا على إفراج و أحكام براءة منذ عشرات السنين .. و رفضت التنفيذ ! التلذذ بتعذيب النفس هواية أو الأصح إحتراف ! . ثار السجناء و إعتصموا .. إحتجوا و أضربوا .. تحولت مطالبهم المشروعة للعفو و الإفراج إلي غضب و عنف ..صراخ و تهديد ووعيد . ولأني سجان متحجر القلب لا يعرف الرحمة , رفضت الصفح أو العفو مراراً و تكراراً !
حتى جاء وقت الثورةالعارمة .. أشعلوا الحرائق و حطموا الأبواب وكسروا القيود .. وفر البعض عنوة . كنت مضطرا لإتخاذ أسلوب المهادنة و المراوغة و التهدئة .. فأعلنت على الملأ أنه سيتم الإفراج عنهم تباعاً وفق خطوات محسوبة و مدروسة . كنت أعلم عدم مصداقيتي فيما قلت , ولكنني إضطررت للتنفيذ مُرغماً مُجبراً.
بدأ خروج المساجين المساكين تباعاً .. أفكار على الأوراق .. ذكريات تمتطي الكلمات .. أحلام تعانق القصص .. آلام تحتضن الأمال .. أفكار تسابق الريح ! ولأني أسوأ سجان في العالم ندمت على ما فعلت .. و أطالب بشدة بعودة السجناء إلى محبسهم ! فهل من مُساعد .. هل من مُعين ؟