إحذروا ملاعيب شيحه !! ( من الأدب الساخر )
د. ناصر شافعي

لم يسبق لي من قبل التعرف على شخصية من يُسمى " شيحه " .. ولا على ملاعيبه التي يُضرب بها المثل في الخبث و الدهاء ، أو الحيلة و الذكاء . أخشى أن أذمه بما ليس فيه ، فأنال ذنوباً أنا في غنى عنها .. وأخشى أن أمتدحه بصفات و أعمال ليس هو أهل لها ، فأرفعه فوق قدره . لذا .. قررت البحث و التحري في أمهات الكتب والتراث و مواقع الانترنت المختلفة ، عن ملاعيب " شيحه" لأعرف طبيعتها و كينونتها .. ومعالم وملامح شخصية صاحبها ، المسؤول عنها .
وبعد التحري و الفحص و التمحيص ، وجدته .. أي والله وجدته .. مختبأً متخفياً ( كعادته ) بين طيات صفحات كتب الإجتماع و التاريخ المصري العامر الذاخر بالأحداث و الشخصيات . " شيحه " هو في الأصل " جمال الدين شيحه " .. وهو رجل حقيقي و كيان واقعي لإنسان عاش وإشتهر في العصر المملوكي في مصر ، في عهد الظاهر بيبرس .. وكان المدعو " شيحه " من أصدقاء و صحبة الظاهر بيبرس ..
وكان بارع في التنكر و التخفي وتغيير الشخصية ، وإبتداع الحيل و المفارقات و النوادر ، وإختلاق و تأليف المواقف و الطرائف الغريبة .
والظاهر بيبرس هو بيبرس البندقداري (1223 – 1277م) خطفه المغول وهو طفل واشتراه شخص يدعى " العماد الصايغ "، ثم بيع لأمير حماة "علاء الدين أيدكين" المعروف بالبندقدار، ثم أرسل إلى مصر حيث انضم لمماليك السلطان الأيوبي الصالح نجم الدين أيوب ، وفي عام 1250 كان من القواد الذين شاركوا في هزيمة الصليبيين في معركة المنصورة. في عام 1260 كان بيبرس قائد طليعة الجيش الذي هزم المغول في معركة عين جالوت. بعدما أصبح سلطاناً على مصر والشام في 1260م واصل جهاده ضد الصليبيين والمغول اللذين ظلا يتربصا بالعالم الإسلامي ويهددانه، وهزمهما في عدة معارك عسكرية. وصفه المؤرخ ابن إياس بأنه " كان شجاعاً بطلاً " .. تحول الظاهر بيبرس في الوجدان الشعبي المصري من حاكم إلى بطل يروى سيرته قصاصون محترفون يعرفون باسم " الظاهرية " في مقاهي القاهرة التي تخصص بعضها في سيرته والتي كانت هي الأخرى تعرف بالمقاهي " الظاهرية "، وكانت كتيبات السيرة تباع في حواري القاهرة القديمة والمكتبات التي كانت تجاور مسجدي سيدنا الحسين والأزهر.
و مع إنتشار سيرة الظاهر بيبرس .. وجد الأدباء وشعراء السيرة الشعبية في شخصية " شيحه" مجالاً خصباً لإثراء خيالهم الفكري بقصص عنه ، القليل منها حقيقي و الكثير منها وهمي تخيلي ، لإضفاء روح المغامرة و المرح و الحيلة والدهاء ، و بالتالي عنصر التشويق علي السيرة الشعبية .. وكان عنصر الجذب و الإثارة هى " ملاعيب شيحه " ..
ومع مرور الوقت و سرعة دوران ساعة الزمان ، نسى الناس " شيحه " الإنسان , وتذكروا فقط ملاعيبه و حيله و مراوغاته على عموميتها .. وليس بتفاصيلها . وكُتب الكثير عن الطرق الإحتيالية و غير السوية ، وإستخدام الوسائل و الطرق المنحرفة و الملتوية ( من قبل الكُتاب و الأدباء ) في المقالات الأدبية و الإجتماعية و السياسية ، واصفين هذه التصرفات والأعمال بصفة نكراء وهي "ملاعيب شيحه " أو كما تنطق بالعامية المصرية " ألاعيب شيحه " .
أصبح " شيحه " بطلاً خيالياً لدى العرب و المصريين .. يظهر في أي زمان ومكان .. ولا تنجو دولة أو مجتمع عربي أو دولي من " ملاعيب شيحه " .. اللهم إحفظنا و أبعدنا عن " شيحه " و ملاعيبه .
د. ناصر شافعي
29 سبتمبر 2009 - القاهرة