مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
|
معارك باب الواد(من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول- المجلد الأول)
معارك باب الواد (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول –المجلد الأول):
باب الواد ممر يربط السهل الساحلي بجبال القدس وتؤدي إليه وتتشعب منه طرق القدس والرملة وبيت جبرين وعرطوف وغزة ورام الله. ويشتمل الموقع على وادي علي ومداخله , والهضاب المطلة عليه , والقرى القريبة منه كعمواس واللطرون وتل الجزر وأبو شوشة وبيت نوبا ويالو .
ولباب الواد أهمية عسكرية عظيمة , فهو مفتاح مدينة القدس, دارت فوق أرضه معارك كبرى على مر القرون. عنده صدّ صلاح الدين الأيوبي غارات ريكاردوس قلب الأسد أواخر القرن الثاني عشر الميلادي. وفي موقعه وقف المقدسيون في وجه جيش إبراهيم باشا سنة 1834م, ودارت فوق أرضه معارك دامية بين الجيش التركي والجيش الإنكليزي سنة 1917 .
وقد فطن العرب والصهيونيون إلى أهمية موقع باب الواد منذ اللحظات الأولى بعد صدور قرار التقسيم عام 1947 . وتهيأ الصهيونيون لغزوه من السهل الساحلي لضمان مرور قوافلهم إلى القدس . وعمل العرب بالمقابل على قطع الطريق عليهم , فتنادوا لشراء السلاح , وتجمّع المقاتلون من قرى عمواس ويالو ودير أيوب وبيت نوبا وبيت محسير وساريس وغيرها. وكان عددهم في البداية 300 مناضل بينهم الشيخ هارون بن جازي أحد شيوخ قبيلة الحويطات في شرقي الأردن وقوة من رجاله المتطوعين , وقد انضووا تحت لواء قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني .
كان أول عمل قامت به القوات العربية تخريب الطريق هناك , وإتلاف الأنابيب التي تمد الأحياء اليهودية في القدس بمياه الشرب من رأس العين . وأخذ العرب بعد ذلك يتصدون للقوافل الصهيونية المحروسة التي تمر بباب الواد مرة في الأسبوع , ويوقعون بها الخسائر الفادحة , أو يمنعونها من متابعة طريقها .
ففق 1/3/1948 هاجم المناضلون العرب قافلة صهيونية , وقتلوا أربعة من رجالها, وجرحوا ثمانية , وأعطبوا إحدى السيارات . وفي اليوم الثالث من آذار دمروا سيارتين صهيونيتين كبيرتين عند حوض الماء القريب من مقام الشيخ علي , وقتلوا خمسة عشر صهيونيا . وفي اليوم التالي هاجموا قافلة صهيونية , وقتلوا أربعة من رجالها وكادوا يقضون عليها لولا تدخل الجنود البريطانيين .
فجّر العرب الألغام تحت السيارات الصهيونية يومي 12و13 آذار , وقتلوا خمسة من ركابها. وفي 17 آذار اشتبكوا مع الصهيونيين عند بئر الحلو على الطريق المؤدية إلى باب الواد وأعطبوا مصفحة صهيونية . ثم هاجموا في 19 آذار قافلة صهيونية من تسع سيارات قادمة من عرطوف, وقتلوا 15 رجلا , وأعطبوا مصفحة للحراسة في المقدمة , وغنموا كمية من الأسلحة. وفي 22 آذار أعدّ العرب كمينا لقافلة قادمة من تل أبيب , وأشعلوا النار في سيارتي مؤن وقتلوا سائقيهما, كما أعطبوا سيارة ثالثة وجرحوا السائق ومساعده .
ومع اشتداد الهجمات العربية في باب الواد شعر يهود القدس بوطأة الحصار وقلة المؤن , فاستنجدوا بسلطات الانتداب التي وضعت في عرطوف قوة بريطانية من نحو 200 جندي لحماية القوافل الصهيونية . وقد استطاع الصهيونيون منذ 23 آذار أن يسيّروا قوافلهم في ظل هذه الحماية البريطانية , وأنجدوا صهيوني القدس بحوالي 1500 مقاتل .
ظلت عمليات بث العرب الألغام مستمرة ليلا. وقد قتل بنتيجتها في 24 آذار 12 صهيونيا , وجرح 30 آخرون , ودمرت ثلاث سيارات , وأعطبت ثلاث .
حاولت القوات الصهيونية ليلة 31 آذار احتلال التلال المشرفة على باب الواد والتمركز فيها لحماية قافلة قادمة عن طريق وادي الصرار . لكن المناضلين من سكان القرى المجاورة تنادوا للقتال , وانقضّوا على القافلة وحماتها قرب مستعمرة خلدة , واشتبكوا مع الصهيونيين في قتال عنيف دام طول ذلك النهار وانجلى عن عدد كبير من القتلى والجرحى من الطرفين . ورغم خسارة العرب الأكثر في الأرواح استطاعوا دحر الصهيونيين وإعادتهم إلى خلدة , وغنموا بعض سيارات القافلة .
اشتبك الفريقان يوم 1/4/1948 في القطاع الممتد بين ساريس وباب الواد , ثم اشتبكا ثانية في اليوم التالي , وقد خسر الصهيونيون في هذين اليومين حوالي 60 رجلا بين قتيل وجريح . وكانت محاولاتهم السيطرة على باب الواد مستميتة في الأيام الثلاثة ليمنعوا وصول النجدات العربية إلى القسطل من الغرب . وقد نجحوا في ذلك , وسقطت القسطل بأيديهم صباح يوم 3 نيسان . وكان ذلك كله جزءا من عملية سموها" عملية نحشون" تهدف إلى السيطرة على باب الواد واحتلال القرى العربية على جانبي الطريق من باب الواد إلى القدس . وقد احتلوا دير ياسين يوم 9 نيسان , وقرية ساريس يوم 16 نيسان . وبذل العرب الكثير في مقاومة القوات الصهيونية المتفوقة تنظيما وتسليحا وعددا .
وفي 16 نيسان قدمت من تل أبيب قافلة مؤن مؤلفة من حوالي 250 سيارة تحرسها أعدا كبيرة من الجنود والمصفحات . وقد كمن لها المناضلون العرب من أبناء القرى المجاورة تساعدهم قوة من رجال الجهاد المقدس بقيادة أحمد زونا, وقوة من البدو بقيادة الشيخ هارون بن جازي . ولما وصلت القافلة إلى قرية دير أيوب على بعد كيلومتر واحد من باب الواد أطبق عليها المناضلون بعد أن سدّوا في وجهها الطريق بالحجارة وبثّوا الألغام . دامت المعركة من شروق الشمس حتى الساعة الرابعة بعد الظهر . وسقط فيها عدد من القتلى في الجانبين , وانتهت المعركة لصالح العرب, واستطاعوا تدمير وإعطاب زهاء 60 سيارة , واستولوا على 15 سيارة أخرى وكمية من الأسلحة .
لكن الصهيونيين تابعوا دفع القوافل على طريق باب الواد. وقد مرت قافلة لهم يوم 17 نيسان دون أن يستطيع العرب التعرض لها بشكل حاسم . وتمكنت قافلة أخرى من المرور إلى القدس يوم 20 نيسان بعد أن كبّدها المناضلون خسائر فادحة . بعد ذلك نشط المناضلون لسد الطريق سداً محكماً بالحجارة الضخمة , وحفروا في عرض الطريق ثلاثة خنادق يبعد الواحد عن الآخر 150 مترا وعرض الخندق متران , وعمقه متر . وقد انتهوا من ذلك كله مساء يوم 25 نيسان ورابطت هناك قوة من رجال الجهاد المقدس والمتطوعين البدو . وبذلك أغلقت طريق باب الواد إغلاقا تاما في وجه القوافل الصهيونية .
في الوقت نفسه كانت طريق الخليل – القدس , وطريق رام الله- القدس , وطريق أريحا –القدس مغلقة في وجه الصهيونيين . لذلك أصبحت مدينة القدس محصورة من جهاتها الأربع , فاستولى اليأس على صهيونيي القدس , وأخذت القيادة الصهيونية تعدّ لضربة قوية تفتح بها طريق باب الواد . وبالمقابل أخذت قيادة الجهاد المقدس تستعد لمجابهة الأعداء وصدّ ضربتهم , فدفعت قوات جديدة إلى الميدان , وانضمت إليها في الخامس من أيار فصائل من جيش الإنقاذ بقيادة المقدم محمد مهدي صالح العاني (عراقي) مسلحة بمدفعين من عيار 6 بوصات , وانضمت إلى هذه القوات جموع كثيرة من أبناء قرى المنطقة , وتولى القيادة المقدم العاني .
بدأت المعركة المترقبة يوم 10 أيار عندما قذف الصهيونيون إلى أرض المعركة قوات كبيرة جاءت من القدس والمستعمرات اليهودية في المنطقة, وتمركزت في الأحراج الممتدة بين ساريس وباب الواد , وحاولت رفع السدود وفتح الطريق . وقد تصدّى لها المقاتلون العرب , وقصفتها مدفعية جيش الإنقاذ بشدة . وحتى يخفف الصهيونيون الضغط على قواتهم قاموا بهجوم مخادع على المرتفعات الواقعة بين بيت سوريك وبدّو والنبي صموئيل في قضاء القدس, لكنهم ردّوا على أعقابهم .
أخذ الموقف يميل إلى صالح العرب الذين خاضوا المعارك بمعنويات عالية . وقد أذاعت قيادة جيش الإنقاذ في 13 أيار بيانا جاء فيه أن معركة باب الواد ما برحت مستمرة , وأن الحرب تدور في صالح العرب , وأن مراكز الدفاع الصهيونية قد انهارت , وأن الصهيونيين خسروا حتى ذلك الوقت 300 قتيل بينهم قائد المعركة , وأن العرب غنموا 150 بندقية , وست مصفحات وعددا من الأجهزة اللاسلكية , وأنهم دّمروا وأعطبوا عدداً آخر من المصفحات والسيارات .
انتهت المعركة في 13 أيار بفشل ذريع مُني به الصهيونيون وتراجعت قواتهم عن باب الواد . وظلّ رجال الجهاد المقدس وجيش الإنقاذ يتمسكون بموقع باب الواد حتى 15/5/1948 حين تسلم الموقع الجيش الأردني .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|