مريضتي في الغرفة الأخيرة من القسم كانت تمثل لي ولزملائي الأطباء حالة خاصة جداً .. ورغم تواجدها في الغرفة الأخيرة و إضطراري للمرور عليها كآخر مريض , إلا أنها كانت أول من أشتاق للكشف و للإطمئنان عليها . زهرة صغيرة جميلة إفترسها المرض اللعين سرطان الدم .. خلايا مجنونة خبيثة تحطم وتدمر الجسم . نتائج التحاليل كانت سيئة للغاية .. والنهاية المتوقعة محبطة تماماً .. الأمل في الشفاء بعيد بعيد المنال .. أمنية غالية .. مجرد أماني و أحلام .
جلست بجوارها علي الفراش أمها السيدة الفاضلة الطيبة الحنونة , التي لم تنقطع عن الصلاة و الدعاء لإبنتها ولكل مريض , ولم تكف عن شكرنا وتقديرنا نحن الأطباء والتمريض . جاء لزيارتها و الإطمئنان عليها و الدعاء لها الشيخ السني و الشاب القبطي والعجوز اليمني والمطرب السوري و الشاعر الفلسطيني و لاعب الكرة السعودي والممثل التونسي و المناضل الليبي و القس الماروني و الفنان المغربي والطفل الأردني ..
بشر من كل الطوائف و البلدان .. و المهن و الأديان .
مختلفون في أشياء كثيرة .. ومتفقون في شئ واحد .. الدعاء !
كانت حالتها الصحية تتدهور بشكل ملحوظ و مزعج و مخيف , خاصة مع كل جرعة علاج كيميائي , لا يتحمله الجسم الضعيف .
يستمر العلاج .. يستمر العلاج .. عبارة كرهتها وتمنيت أن أبدلها بعبارة أخرى .. يوقف العلاج .. يوقف العلاج !
بصيص من الأمل – كأنه سراب – أراه بعيداً و أتمناه قريباً ..
الدواء .. الدعاء.. الرجاء .. الشفاء.
وبعد مرور أسابيع طويلة ..مريرة .. بطيئة و ثقيلة .. كانت المفاجأة . . شفاء كامل !
تفتحت الزهرة الجميلة وتبسمت .. وسجدنا جميعاً – نحن الأطباء المعالجون – شكراً لله .. القادر .. المنجي .. الشافي .
شفيت صغيرتي البريئة بفضل الله و صلوات أمها , ودعاءالبشر من حولها . كلما مررت – وكم مررت - بالغرفة الأخيرة إبتسمت .. وتذكرت.. وشكرت.