[فهيم رياض]

المطرب

يُحي أعراسنا، ومناسباتنا الجميلة إلى غاية الملل والضجر
أو الإنهيارالعصبي والإغماء .
مطربنا في تلك القرية شاب في مقتبل العمر، قنوع لا يطمع
ولا يتملق وإنما يكفيه تناول عشاء ليحي الليل كله غناءا و
طربا غاية في الخصوصية والتفرد .
مطربنا لا ينطلق في الغناء إلا إذا وضع رأسه في ركن أو
زاوية بين جدارين لحكمة لا يعرف مغزاها إلا هو لكن الظاهر
منها هو تحريك رأسه بين هذين الجدارين يمنة ويسرة تزداد
سرعتها بإزدياد رتم الأغنية وإيقاعها. يعاونه ويرافقه ضارب
على الإيقاع وآخر بملعقتين على قارورة فارغة ، وبهما يشكل
مجموعته الغنائية إضافة إلى آلة القيتار المستعملة من قبله .
لم تكتف المجموعة بالتقليد وإنما تعدته إلى الخلق والإبداع و
إنتاج أغاني خاصة بها، فعلى سبيل المثال لا الحصر تم إنتاج
أغنية جديدة بعنوان " أندير لك تليفون راغن" وتعني حرفيا
باللغة العربية " سأكلمك عبر الهاتف المبتل" وهي ترجمة
لأغنية الفنان الراحل عبد الحليم حافظ " رسالة من تحت الماء".
يشرع المطرب في الغناء أداءا قبل إستعمال الآلات الموسيقية
الأخرى كالقيتارة والطبل والقارورة الفارغة،عند إستعمال هذه
الآلات يصاب المستمع بالعجب والذهول، فالأداء يتم على منوال
معين والقيتارة على منوال آخر مختلف عنه والطبل على إيقاع
مختلف تمام الإختلاف عما ينبعث من القيتارة والأداء وكذلك
الأمر بالنسبة لإيقاع الزجاجة . فعلى سبيل المثال ومن أجل
التوضيح فقط للقاريء الكريم فإذا كان المطرب بصدد أداء
أغنية" أدي دي" لخالد يكون العزف في نفس الوقت على
القيتارة للحن " يا الرايح وين تسافر تروح تعيا وتولي"
لدحمان الحراشي أما الإيقاع فيناسب أغنية " الأطلال "لأم
كلثوم بينما الضارب على القارورة الفارغة وعندما يختلط
عليه الحابل بالنابل ويحتار في أي عازف يتبع، يشرع في
حك آلته بالملعقتين فتنطلق منها اصوات مزعجة جدا شبيهة
بصوت حك الرمل في قطعة من الورق بأصابع اليد وبمعنى
أدق فكل فرد يؤدي أو يعزف بطريقته وبرتمه أو إيقاعه
الخاص. أما بالنسبة للمتفرجين ( السميعة ) فتجدهم منقسمين
إلى مجموعات مختلفة بإختلاف كيفيات الإستماع لغناء صاحبنا
ومجموعته، فهناك التي يستغرق أفرادها في الضحك والتفكه و
التندر بما يتناهى إلى سمعهم من فن وطرب وحركة رأس قائد
الجوق، وآخرون يغوصون في نوم عميق وكأنهم تناولوا منوما
شديد الفعالية، ومنهم من يصاب بالإنزعاج والصداع وهؤلاء
سرعان ما ينسحبون إلى أماكن بعيدة ونائية أو إلى المستوصف
لقياس الضغط أو السكر في الدم وأخذ المهدءات إن أمكن، ومنهم
مجموعة المتابعين والمعجبين والمراقبين، فلفناننا مجموعة من
الأغاني يؤديها حسب ترتيب مقدّس يحرم عليه تجاوزه، وإذا ما
حدث سهوا انتهاك منه لترتيب الأغاني، قام أفراد مجموعة
المراقبين والمعجبين على أمشاط أرجلهم صارخين : " سبحان
الله ، سبحان الله..." ما يجبر المطرب على التوقف والإستفسار
عن الأمر، فيخبره هؤلاء بحدوث خطأ في ترتيب الأغاني، كأن
يتعلق الأمر مثلا بتجاوز أغنية " قلة فالفريجيدار" ( قلّة في
الثلاجة )، و هي إحدى أشهر أغانيه التي تأتي قبل أغنية
" يا كرموسة الهندي نديرك في جيبي" ( يا تينة الهند أضعك في
جيبي !! )، فيستدرك صاحبنا ويؤدي الأغنية المتجَاوزة ثم
التي تليها وهكذا...............
مطربنا معروف بسعة صدره وبقوته المعنوية الكبيرة، فإذا ما
أثيرت قضيته (المطرب) في جمع من الناس، كان فيهم، أو تم
التفكه بها يكون هو أول المنفجرين ضحكا وقهقهة وكأن الأمر
لا يخصه ولا يعنيه، هذا إضافة إلى بساطته وسمو أخلاقه و
مرحه وبشاشته وحبه للناس .