حبر القصيدة
[align=justify]
للقصيدة سرها الخاص الذي يختلف عن أي سر آخر، حيث تحمل الأجناس الأدبية أسرارها التي تختلف ولا تأتلف كون كل جنس أدبي يعبر عن عالم قائم بذاته لا يمكن أن يشبه أو يصب في معنى الجنس الآخر..
والشعر من خلال فهم حبر القصيدة، أو محاولة قراءة ملامحه، يسبح في فضاء غير محدود من الحضور والغياب معاً.. وإن أنت داخلت ذات الشاعر في لحظة الكتابة، أو اصطدته في لحظة مكاشفته للقصيدة، سترى ملامح انسان يلم النجوم في برهته الإبداعية ويختصر المحيط كله بما يشكل من مفردات تزهر وتورق وتتفتق وكأنها في رحلة غريبة شديدة الغليان والفوران والامتداد نحو آفاق بعيدة لا ترى ولا تلمس ولا تمس، لأنها آفاق من حلم وخيال وفوضى ونظام وتلاق وافتراق إلى ما لا نهاية..
لا شيء يشبه الشعر إلا الشعر.. ولا شيء يشبه القصيدة إلا القصيدة.. كل شيء تتعامل معه لك أن تتركه وتهجره وتبتعد عنه في مجال الفنون والثقافة، إلا الشعر فأنت تقرأ القصيدة وتترنم بها وتعود إليها بين الحين والحين وأعني القصائد الجميلة والشعرالحقيقي.. هذا لا يتعلق بالشعب العربي فحسب بل بكل الشعر في العالم وكل الشعوب، لأن الشعر يملك مفتاح الدخول إلى الروح والقلب والعقل، كما يملك الوقع والإيقاع اللذين يمكنانه من تشكيل الذاكرة الاسترجاعية.. ونعرف أن أكثر ما نتذكر ونعود إليه في مجال الفنون هو الشعر، وأكثر ما نستشهد به أو نتغنى به أو نتكئ على امتداده هو الشعر.. فالشعر هو الإنسان في كل حالاته، وصعب أن يتخلى الإنسان عن حضور واستحضار الشعر..
ما السر إذاً في الشعر ولماذا يكون حاضراً إلى هذا الحد؟؟ ما الإغراء الذي يجعل كل كاتب يطمح لأن يدخل ملكوت الشعر؟؟ لماذا يكون الشعر أغنية الإنسان في كل زمان ومكان بعيداً عن التحديد في هذا الشعب أو ذاك هل للشعر حبر خاص يختلف عن أي حبر امتصته الفنون الأخرى لماذا يرسخ الشعر في العقل والوجدان ويبقى حاضراً مهما مر من زمن؟؟ لماذا نجد الشاعر هو الوحيد الذي يبقى في ذاكرة الزمن رغم مرور سنوات طويلة جداً في كثير من الأحيان، أو في كل الأحيان إن كان الشاعر مبدعاً حقيقياً؟؟
هناك خصوصية للشعر، وليس غريباً أن يرتبط الشعر بالإلهام وشيطان الشعر والغياب أو العالم السحري وما شابه.. فحبر الشعر مصنوع من مادة كامنة في المشاعر والأحاسيس وحضور العاطفة بشكل طاغ في الحرف الذي يكتبه الشاعر.. وهذه الخصوصية لم تختلف من زمن إلى زمن، فالشاعر انسان يرحل في الحضور والغياب معاً ويمسك دفة الحرف بيد ترتعش وجداً بالحروف.. والشاعر صائغ ماهر لصورة قد لا تخطر على بال أي فنان آخر وهو يوائم بين المفردات بشكل يجعل المفردة المعروفة والبسيطة والملموسة، بعيدة سحرية مدهشة ولأنه كذلك فهو مسكون بحبر القصيدة كما حبر القصيدة مسكون به ليكون الشعر شعراً مدهشاً..
القصيدة إذاً أو الشعر عالم مفتوح على عوالم أخرى في آفاق الإلهام والخلق والإبداع.. هذه العوالم مسكونة بأشياء لم يستطع حتى الشعراء تفسيرها أو شرحها أو ضبط أبعادها فلجؤوا إلى ما هو غيبي للاتكاء على التصور والمعنى، هروباً من الشرح الذي لن يصل إلى شيء في كثير من الأحيان لأنه غير واضح في ذهن الشاعر أو هو غائم لا يعطي كل جوانبه، حيث يكون اللجوء إلى ما هو غيبي علاجاً أو تفسيراً لما هو غائم غير واضح.
--------
نشرت في صحيفة تشرين ... صباح الخميس 3/2/2011
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|