قمة سين سين تُداوي العيّانين !
منذ أربعينات القرن الماضي كان الحكم السعودي الجديد بعد
توحيد المملكة بقيادة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن ال سعود
ينظر نحو بلاد الشام بقلق شديد خصوصا بعد أن استولى
" الهاشميون " على الحكم في الأردن والعراق والذين عملوا
على إلحاق سوريا بمشروعهم " التوحيدي " والذي كان سيشكل
خطرا كبيرا - فيما لو تحقق - على إستقرار حكم ال سعود على
اعتبار أحقية " الهاشميون " من وجهة نظرهم حكم بلاد الجزيرة
العربية لأسباب تاريخية لا مجال للدخول في مناقشتها .
فالأسرة الهاشمية كان يحكم ابناءها كلا البلدين ، وهما يشكلان
خطرا محدقا بمستقبل المملكة إن هم استطاعوا السيطرة على سوريا
أو جرها إلى " وحدة " أو حلف ما
خصوصا والدعوات كانت قائمة على نطاق واسع من أجل تحقيق وحدة " الهلال الخصيب "/
أي سوريا والعراق والأردن ولبنان وما تبقى من فلسطين /
والمرشح لقيادة هذا المشروع من الناحية النظرية كان الأسرة الهاشمية .!
لذا ، ولتلك الأسباب أنفة الذكر، كانت السعودية تطلب ود الحكم
السوري وتغريه بكل الوسائل حتى لا تقع سوريا بيد " الأشرار " !
فالسعودية تعاونت مع عبد الناصر بداية لاحتواء ذلك البلد ، وأنها لم
تقف في وجهه عندما حقق الوحدة ما بين مصر وسوريا عام 1958
فأمّنت بذلك توازنا مع الهاشميين حتى حدوث المتغيرات الهامة التي
حدثت في العراق في نفس السنة والتي أطاحت بالأسرة
الهاشمية والتي خرجت نهائيا من بغداد ؛ فأهتز الحكم الهاشمي في الأردن
وأجبر الملك حسين على مسايرة الناصريين وتركهم يشكلون حكومة وطنية
فتأثر الوضع في لبنان واختلطت جميع الأوراق فأنتجت عنفا وتدخلا امريكي سافر ؛
فالمد الناصري كان في تلك الفترة يشكل الخطر الأكبر بل الأخطر على حكم المملكة خصوصا
بعد أن تدخل عبد الناصر عسكريا في " حرب اليمن " وعلى
حدودهما المشتركة فارتأى الحكم السعودي أن لا مناص من إعادة خلط الأوراق
والتقرب مجددا من دمشق التي وجد الانفصاليون فيها نصيرا لهم
للخلاص من عبد الناصر فنجحوا وانقلبوا على الوحدة وتحقق
بذلك الهدف المشترك لهما وهو إضعاف عبد الناصر و" الناصرية "
المنتشرة في الوطن العربي حتى جاءت الكارثة ،آ وانتهت مفاعيل تلك الحقبة بعد هزيمة
العام 67 فتقدم الدور السعودي على حساب النظامين المهزومين ..!
ومنذ ذلك التاريخ ظلت العلاقات السورية – السعودية
علاقات ودّ واحترام للمصالح إن شابتها أي شائبة يعملون
على حلها دون أن تؤثر على العلاقات المتميزة والتاريخية
بالرغم من الصداقة التي جمعت ما بين إيران " الخميني
" وحافظ الأسد أواخر السبعينات؛ وبالرغم من الصراع الدامي ما بين النظام البعثي
و " الإخوان المسلمون " في بداية الثمانينات ؛ وكانت المملكة لا تتوانى
على مساعدة ومساندة الحكم السوري خصوصا في زمن
المرحوم الملك فيصل ثم تعمقت تلك العلاقات في زمن
ولي العهد الأمير عبد الله قبل ولايته للحكم .
فالملك عبد الله شخصيا ينظر إلى سوريا ليس فقط من منظار
المصالح الشخصية إنما يعتبرها " الجدار الأخير " في وجه
التمدد الصهيوني يجب عدم إضعافها بأي حال بالرغم من
وجود مراكز قوى داخل الحكم السعودي عملت في لحظة
ما على إسقاط النظام السوري عندما تم استغلال مقتل
رفيق الحريري ثم الخطاب الشهير لبشار الأسد حين تحدث
عن " إنصاف الرجال " على أثر العدوان الإسرائيلي على
لبنان عام 2006 فتأزمت تلك العلاقات حتى أعلى مستوى ...!
لا شك في أن عوامل عديدة قد مهدت الطريق لإعادة وصل ما
نقطع ما بين الدولتين وأن أشهرا طويلة من المحادثات
والمراسلات أدت بالملك عبد الله الى زيارة دمشق في العام الماضي
والذي قال في حينه باختصار بأن الزيارة سوف تكون :
" رافعة قوية للعمل العربي المشترك "
خصوصا ضد العدو الإسرائيلي وتعنته والاتفاق على قضايا
هامة في الوطن العربي خصوصا في ملفات العراق
وفلسطين ودعم استقرار لبنان .
ان زيارة الملك السعودي بالأمس إلى سوريا ثم قيامه بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد
وقيامهما معا بزيارة لبنان يدلّ على مدى عمق التنسيق القائم ما بين
دمشق والرياض وإن اتفاقهما سوف يُعيد الطمأنينة إلى اللبنانيون عموما
وهو بالتأكيد سوف يحمي المقاومة من الهجمة الإسرائيلية الجديدة
والذي تأخذ هذه المرة صيغة قرار " ظني " من المحكمة " ذات الطابع الدولي من أجل لبنان " !
سيتهم حزب الله بمقتل رفيق الحريري مما سيعيد تأجيج الساحة اللبنانية الغير معافاة
والتي يُكتشف في كل زاية منها كل يوم عميل جديد للعدو مهمتهم التجسس على
مقاومته مصدر قوة لبنان الوحيد .
إنني كمواطن عربي وبالرغم من تجارب التاريخ المريرة
الا انني جدا متفائل لأن هذه القمم سوف تأتي بخير
كبير يعكس نفسه على قضايانا العربية مما يُسعد
قلوب ملايين العرب التواقين الى الحفاظ على الحد الأدنى
من التضامن المطلوب بينهم جميعا.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|