الأدب والخلط
[align=justify]
حتى الآن لا أرى أيّ مبرر أو مسوّغ يجعلنا ننسب هذا الفن أو ذاك في عالم الأدب والفن لنا أو لتراثنا وتاريخنا الأدبي ،كون ذلك لا يزيد أو ينقص من الجنس الأدبي أو تاريخنا شيئا .. فما حاجتنا منذ خرجت القصة القصيرة للصراخ أنها كانت موجودة في أدبنا منذ القديم ، ثم استتبعنا بالرواية ، وليس آخرا القصة القصيرة جدا .. حيث رأى كتاب كثيرون منهم الراحل ممدوح عدوان أنّ القصة القصيرة جدا وجدت عندنا على شكل المثل أو الطرفة وما إلى ذلك ..والسؤال الذي يلحّ فعلا يقول : لماذا وماذا نريد من كلّ ذلك ، هل لنقول إننا سبقنا غيرنا في إيجاد جنس أدبي حديث فجمعنا المجد من أطرافه ؟؟..
لماذا لا نعترف ، اعتراف الواثق ، بأن الفنون والأجناس الأدبية تتطور وتتوالد وتوجد الجديد، والمهم قبل أيّ شيء آخر، هو إتقاننا لهذا الجنس الأدبي أو ذاك دون ضرورة وضع قضية الاكتشاف على أكتافنا وكأنه فتح الفتوح .. ليكن الاكتشاف اكتشافنا أو اكتشاف غيرنا ، لكن لنكن ذوي عطاء كبير فيه ، فمن سيذكر العطاء لن يعلق لنا وسام السبق في الإيجاد .. إذ قد يختلط الإيجاد نسبة وتاريخا وأصلا ومرجعا دون نهاية .. والنتيجة الأهم باعتقادي تتحدد بأن الذي يذكر هو من كتب أو أوجد فنا رفيعا عاليا خالدا يشار له بالبنان ويقف في وجه الزمن عاليا متحديا عظيما كونه عظيم الجودة والتميز ..
عندنا ألف ليلة وليلة ، وعندنا القصص التي وردت في القرآن الكريم ، وعندنا المقامات ، والأمثال التي تحمل حكاية من نوع ما ، وعندنا السير الشعبية ،والعبر والأخبار والأيام والكثير غير ذلك .. لكن هذا شيء والفن الذي نتحدث عنه شيء آخر .. وهذا ليس عيبا ولا انتقاصا مما عندنا .. فالفن أو الجنس الأدبي الجديد يبقى جديدا ولا داعي لأن نضغط على جوانبه ومراميه ومعانيه لندخله في أدبنا غصبا عنه .. لأننا بذلك نشوه الجديد والقديم معا .. فلا أدبنا القديم يستوعب هذا الجديد بكل ما فيه ، ولا الجديد يخضع خضوع الطيـّع المستكين لقانون وتعريف جنس أدبيّ سبقه بسنوات طويلة وجاء في عصور سابقة عليه بهذا الكمّ أو ذاك من السنوات ..
الانشغال بل الوقوع تحت ضغط أنّ كلّ شيء عندنا ، أو يجب أن يكون عندنا ، يضعنا في حالة فقدان توازن حقيقي يجعلنا ندور في دائرة مفرغة لا تعطينا شيئا على الإطلاق بقدر ما تربكنا وتجعلنا نخترع ونبالغ في الاختراع لنقول بأننا أصحاب فضل أو سبق في هذا الفن أو ذاك .. مع أننا مع ما قدمنا وطرحنا وأضفنا في تاريخ البشرية ، لسنا بحاجة لاختراع شيء غير موجود ، ولسنا بحاجة لطيّ وليّ ذراع الأشياء لتكون بالشكل الذي نريد والصورة التي نرغب ونهوى...
كل يوم يأتي بجديد ، وكل زمن يأتي بمغاير لما سبقه ، وهذه طبيعة الأشياء وطبيعة التطور الذي يأبى أن يتوقف ويركن بشكل نهائي إلى الموجود .. ولأن الحركة في الأدب والفن دائمة كما في كل شيء ، فمن غير المنطقي أن نتصيد أو نرصد الجديد لنفكر بشكل مباشر بأنه لم يخرج من غير عباءة أدبنا وفننا وكأننا دون العالمين جميعا ما تركنا شيئا أتى وسيأتي إلا وكنا السباقين السابقين لمعرفته ومعرفة أنه وليد جهدنا ..هذا شيء يغاير منطق الأشياء ، ويخالف دورة الزمن .. فكل يوم يأتي بجديد وسيبقى هذا ديدن الأيام وأي مبالغة منا ومن سوانا لا معنى لها ولا فائدة ترجى منها ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|