المظهر والجوهر
[align=justify]
لا حول ولا قوة إلا بالله، كنت قد فرحت كثيراً وسررت بعد أن هربت إلى هذه الزاوية، دون أن آخذ معي صاحبي شحرور الغندور الذي يصرّ على أن يكون معي في كل مكان. ولأن الزاوية أعجبته، فقد أصر على أن يقف هكذا إلى جانبي من جديد، يمد رأسه بين الحين والحين، ليقول كلمة أو عبارة، أو ليسأل سؤالاً غريباً عجيباً في بعض الأحيان. وبصراحة أعترف لكم فقد عذبني شحرور الغندور وشيبني.. وهاهو مثلاً دون أي مناسبة يسأل: لماذا لا تقول للشباب، دون لف أو دوران، بضرورة الابتعاد عن التعلق بالقشور؟؟.. ولما استغربت وقلت: أي قشور يا شحرور، وعن أي شيء تتحدث؟؟.. وضع رجلاً على رجل، وقال بكل شموخ وكبرياء: وتقول إنك كاتب، ولك عشرون كتاباً، وتتحدث في الإذاعة، وتكتب في الصحف، ثم لا تعرف ما هي القشور التي يتعلق بها الشباب، صحيح أمرك غريب عجيب!! انظر حولك، كل شيء قشور.. الشباب يأخذون المظاهر وينسون الجوهر.. قال كاتب قال..!! عليك يا حضرة الكاتب أن تقول للشباب، أن يبحثوا عن العمق في كل شيء.. لا تجلس هنا وراء مكتبك وتقول لهم أشياء لا تمت إلى الواقع بصلة..!!..
في الحقيقة ضايقتني سخرية شحرور الغندور.. لكن لا أنكر أنني فكرت في كلامه.. تعرفون أن الاتفاق بيننا، أقصد بيني وبينكم، ولا دخل لشحرور الغندور هنا، قائم على ضرورة الاختلاف وصولاً إلى الاتفاق لذلك خذوا كلامي كيفما شئتم، وبالطريقة التي أردتم.. وقولوا لي أصبت في هذا، وأخطأت في ذاك.. ومن منا لا يخطئ؟؟ وأرجوكم أن تتركوا الولد شحرور الغندور وشأنه، لأنه ولد مشاكس مشاغب، لا يهدأ على حال، ولا يكف عن طرح الأسئلة..!!..
أين كنت؟؟ أما قلت لكم ضيعني شحرور الغندور.. على كل يا أصدقائي لا بأس من الحديث عن المظهر والجوهر، وإن كانت الفكرة، فكرة شحرور الغندور الولد المشاكس.. فكثيراً ما نرى اهتماماً لا يماثله اهتمام بالمظهر مع نسيان أو تناسي الجوهر.. وإن كان المظهر هاماً دون شك، فإن الجوهر أو المضمون ذو شأن وأهمية. وحين نميل كل الميل إلى المظهر وننسى الجوهر، نسقط من حسابنا أهمية التوازن..
هاهو صاحبي المشاغب شحرور الغندور يقفز مثل أرنب بري ويقول: أين ذهبت يا ابن الحلال؟؟ أنا قصدت غير ما ذهبت إليه.. فلماذا تصر حضرتك على التفلسف والتنظير؟؟ ببساطة يا ابن الحلال أنا قلت عليك أن تطلب من الشباب أن ينتبهوا إلى أنهم يأخذون القشور.. المظاهر.. وأنا ضد ذلك.. فكيف تنصحهم حضرتك بأن يوازنوا بين المظهر والجوهر.. أنت تحرف كلامي، وتبتعد به عن جادة الصواب.. تظن أنني غير منتبه لك يا أخ..؟؟!!..
قلت: على عيني ورأسي يا شحرور.. اعتبره خلافاً بيني وبينك، ودع الشباب يحكمون ويقولون كلمتهم.. فحضرتي لا أعتبر كل مظهر قشوراً يجب الاستغناء عنها، لأن ذلك حسب رأيي غير جائز.. نحن نظلم الشباب ونحيرهم في الحديث عن هذه القشور التي يطيب لك وأنت تضع رجلاً على رجل، أن تتحدث عنها.. كل شيء قشور.. حيرتم الشباب يا شحرور.. حرام يا صاحبي.. لماذا لا تريد للشباب أن يأخذوا المظهر والجوهر.. وما المانع؟؟..
رد شحرور الغندور بغضب هذه المرة: أنا قصدت وأردت أن يبتعد الشباب عن أخذ مالا يفيد.. طلبت يا صاحبي الكاتب أن ينتبهوا إلى المظاهر التي تأتي لامعة براقة، وتضر أكثر مما تنفع.. هل عرفت قصدي يا صاحبي الكاتب.. ثم ما دخلك إن وضعت رجلاً على رجل، أو على أي شيء آخر؟؟ أنا حر يا أخي..!!.
أعترف أنكم تميلون أحياناً إلى كلمات شحرور الغندور كما أميل.. ألاحظ هذا في عيون بعضكم.. فالولد رغم كل شيء، ولد ذكي.. لا أستطيع أن أنكر هذا.. وقد أحدثكم في مرات قادمة عن صحبتي الطويلة معه.. وكيف استطاع ذات مرة أن يغازل فتاة كنت أحبها من وراء ظهري، وكيف قامت القيامة بيني وبينه.. المهم الآن أن نعود إلى ما كنا فيه من حديث عن القشور التي أراد شحرور أن يقول عنها الكثير..
سأقول لكم يا أصدقائي، وأرجو أن يبقى شحرور بعيداً الآن، إن ما نأخذه من الغير، يعبر عن شخصياتنا.. وفعلاً، فإن القشور لا تفيد.. لكن في الحديث عن المظهر والجوهر، كنت أقصد أن نوازن بين الشكل والمضمون.. وأن نرتب هذا وذاك، ليكون كل شيء مقبولاً صحيحاً.. أما القشور، فهي في كل الحالات قشور لا تفيد في شيء.. هل أحاول الاتفاق معكم، أو مع شحرور الغندور؟؟ في الحقيقة لا.. وحتى لا تقوم قيامة شحرور الغندور، ويبدأ في قول أشياء كثيرة تهاجم ولا ترحم، فإنني يا أصدقائي أنهي زاويتي وأدعه ينتظر..!!
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|