التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,838
عدد  مرات الظهور : 162,281,019

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > هيئة النقد الأدبي > نقد أدبي
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 13 / 06 / 2011, 46 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
عبد الحافظ بخيت متولى
كاتب نور أدبي متألق بالنور فضي الأشعة ( عضوية فضية )

 الصورة الرمزية عبد الحافظ بخيت متولى
 





عبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond reputeعبد الحافظ بخيت متولى has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

لتجريب وتوظيف تراث البيئة المحلية قراءة فى المشروع الراوئى لعبد الجواد خفاجى

التجريب وتوظيف تراث البيئة المحلية
قراءة فى المشروع الراوئى لعبد الجواد خفاجى

يستطيع الباحث أن يكتشف أن تأصيل الرواية العربية اتخذ مسارين: أولهما سعى إلى توظيف تراث البيئة المحلية، وثانيهما توجه إلى توظيف التراث السردي، والملاحظة تثبت أن توظيف البيئة المحلية سبق زمنياً توظيف التراث السردي، فبكّر الأول في الظهور، وتأخر الثاني إلى السبعينات من القرن العشرين،فلقد اتجهت الرواية العربية بعد الفترة الرومانسية إلى تصوير الواقع، فظهرت بوادر الرواية الواقعية على أيدي أعلام بارزين من أمثال نجيب محفوظ في روايتيه "القاهرة الجديدة" و "خان الخليلي"، وحنا مينة في روايته "المصابيح الزرق". وقد التصقت هذه الروايات بالمجتمع وقضاياه، وعبرت عن همومه وتاريخ أناسه، وبدا أن الروائيين بدؤوا يتخصصون بتصوير البيئة التي يعيشون فيها، فعرف نجيب محفوظ بتصويره للحارة المصرية، ووجد حنا مينة في البيئة البحرية مادة خصبة، أقام عليها معمار أكثر من رواية، كرواية "الشراع والعاصفة"، و "حكاية بحار" وغيرهما. ولم يقتصر توظيف البيئة المحلية على نجيب محفوظ وحنا مينة، بل امتد حتى شكل ظاهرة ملفتة للانتباه في تاريخ تطور الرواية العربية، فظهر روائيون كثر التصقوا ببيئاتهم المحلية، واستخدموا محتوياتها، ونذكر هنا –على سبيل المثال لا الحصر- الطيب صالح في روايته "عرس الزين"التي تحمل خصوصية البيئة المحلية السودانية، فكل سطر فيها يفوح برائحة القرية السودانية، بعاداتها وتقاليدها، ومعتقداتها، وقد نقلنا الروائي من لوحة إلى لوحة أخرى، فثمة لوحة العرس، وثمة لوحة الولي.. إن رواية عرس الزين –كما يرى أحد النقاد- رحلة "داخل الذات الإفريقية، وهي رحلة معاكسة للرحلة الخارجية في رواية الطيب صالح "موسم الهجرة إلى الشمال، وكأن الطيب صالح أجاب من خلال روايتيه أو رحلتيه: الخارجية، والداخلية، عن السؤال الذي يتعلق بالموقف من الصدام بين حضارة أصيلة ومحلية، وأخرى عالمية وغريبة
لقد تتابعت الروايات العربية ذات الحمولة المحلية، بعد روايات الطيب صالح، ونذكر هنا رواية هاني الراهب "الوباء" ورواية حنا مينة "بقايا صور"، ورواية حنان الشيخ "مسك الغزال"، ورواية فاضل الربيعي "عشاء المأتم"، ورواية يوسف أحمد المحمود "مفترق المطر".وإبراهيم الكوني، واهتمامه الشديد بالتراث المحلي لقبائل الصحراء الليبية الكبرى في جميع رواياته، مما شكل ظاهرة لافتة للنظر، ورواية عبد الحميد بن هدوقة "الجازية والدراويش" لأن كاتبها لم يهتم بتسجيل عادات المجتمع الريفي الجزائري، وتقاليده ومعتقداته فحسب، بل رصد أيضاً الصراع بين القديم والجديد ثم ياتى عبد الجواد خفاجى ليؤسس لمشروع روائى يخرج من البئة المحلية ويخرج عليها ايضا من خلال مجموعة من الرويات تعمقت فى البيئة المحلية الصعيدية هى ( بغل المجلى/ أرض الخرابة/ عودة الفلوص)
. و قبل أن نتساءل: هل حقق المشروع الروائى لعبد الجواد خفاجى فى صعيد مصر منجزا روائيا يمكن أن يشار إليه كجزء من المتن الروائى المصرى أو العربى؟وذلك لا بد أن نقف على الدوافع والمؤثرات التي كانت وراء توجه عبد الجوادإلى توظيف تراث البيئة المحلية.
الدوافع الخارجية:
حين نتحدث عن ظاهرة توظيف تراث البيئة المحلية عند الكاتب لابد من أن نأخذ بعين الاعتبار تأثير الرواية الأمريكية اللاتينية التي اهتمت بالمكان، فصورت بيئات كانت مجهولة، وغاصت في أعماق التاريخ، حتى وصلت إلى الأساطير والحضارات القديمة، كحضارة "المايا" التي تحدث عنها الروائي ميكيل آنجل أستورياس في روايته "أناس من ذرة ولا ينبغي لنا –ونحن نتحدث عن الرواية الأمريكية اللاتينية – أن ننسى الروائي الكولمبي جابرييل جارسيا ماركيز الذي تبدو رواياته، ولا سيما "مئة عام من العزلة" شديدة الارتباط بالبيئة المحلية، بسبب عودتها إلى حكايات الأجداد وأساطير الأسلاف، والإفادة منها في تشييد عوالمها.
فهل قرأ عبد الجواد هذه الرويات وبخاصة رواية"مئة عام من العزلة"، أو غيرها من الروايات المترجمة؟ اعتقد ذلك وهو المثقف الكبير والناقد الجميل والروائى الجيد، ولكن مجرد القراءة لا يعني التأثير، فنجيب محفوظ –على سبيل المثال- قرأ روايات ماركيز، ولكنه قرأ أيضاً حكايات ألف ليلة وليلة، وإذا كان ماركيز أثر فى هؤلاء الروائيين، فتأثيره لا يتعدى التحريض على تناول المحلي والغوص في الأساطير والحكايات القديمة، وإذا سلمنا جدلاً أن الروايات التي صدرت بعد ترجمة الرواية الأمريكية اللاتينية إلى اللغة العربية، تأثرت بشكل من الأشكال، في توجهها إلى البيئة المحلية، بروايات ماركيز أو غيره، فإن التناول الفنى لابد انه مختلف أن البيئات فى الصعيد تختلف عن غيرها من البيئات الأخرى وهذا ما حدث مع عبد الجواد فهو يخالف ماركيز وغير ه حتى من الروائيين العرب الذين وظفوا بيئاتهم المحلية فى متون روايتهم لأنه انطلق من بيئة ذات خصوصية خاصة وهى البيئة الصعيدة مما دعفه إلى اختيار قوالب سردية خاصة ايضا تتناسب وطبيعة هذه البئية التى تاثرت جغرافيا بمناخ خاص افرز شخصيا صعيدية تختلف عن كل الشخصيات ولأن البئية الصعيدية تتميز بمناخ متطرف لا يعرف التوسط فهو إما حار جاد وإما بارد جدا وجغرافيا أيضا لا تعرف التوسط فهى غما ضخرية جدا أو سهلية جدا من هنا كانت الشخصية الصعيدية تحمل تلك الثنائية فالصعيدى إما عاطفى جد البكاء أو غاضب حد القتل وهذه الشخصية بهذا التكوين تفرض على من يتناولها فنيا طابعا خاصا فى التناول ولذلك يختلف عبد الجواد فى تناوله الحكائى عن كل الذين كتبوا عن بيئاتهم المحلية
الدوافع الذاتية: ثمة دوافع كثيرة وراء توظيف البيئة المحلية في الرواية العربية، منها:
1- يمكن أن يكون الإخلاص سبباً عاماً دفع الروائي إلى تناول بيئته المحلية.
2- رغبة الروائى في إطلاع الآخرين على البيئة التي ربي فيها.
3- الحنين والشوق إلى البيئة المحلية في حالة كون الروائي مبعداً عنها أو بعيداً.
4- البيئة المحلية خامة حكائية جيدةومثيرة لشهوة المتلقى.
5- رغبة الكاتب في فضح بيئته الغارقة في التخلف وليدين هذا التخلف حين يعرضه فى شكل فنى ولا يمجده
6- يبقى الدافع الأهم إلى توظيف البيئة المحلية هو طرح الهوية الخاصة في سبيل قطع الصلة بالرواية الغربية، والتأسيس لرواية ذات صبغة عربية شكلاً ومحتوى
7 رغبة الروائى فى ظهور البيئة الصعيدة لتحتل مكانتها فى السرد الروائى بين البيئات الأخرى داخليا وخارجيا
8-تمجيد الماضى القيمة على حساب الخحاضر التشتت
المتن الروائى وعلاقته بالبيئة
تراث البيئة المحلية في روايات عبد الجواد خفاجى
لقد رصد عبد الجواد خفاجى في رواياته المعالم الجغرافية، والحياة الاجتماعية، والروحية في البيئة الصعيدية، وتتميز رواياته عن غيرها من الروايات التي تناولت هذه البيئة باهتمامها بالعودة إلى الماضي السحيق ، والكشف عن أساطيرها ورموزها، ورمالها التي سطّر عليها الأسلاف تعاويذهم، ورقاهم، وتمائمهم السحرية. لقد استمد خفاجى مكونات عوالمه الروائية من البيئة المحلية، وهذه المكونات هي: الصوفية، وعادات القبائل وتقاليدهم، وأساطيرهم، ومعتقداتهم الدينية.
الصوفية: تشكل الصوفية أحد أهم مكونات العالم الروائي لدى عبد الجواد خفاجى، وهي مظهر واقعي يشيع انتشاره في البيئة الصعيدية، بوصفها كانت مجتمعا معزولا ترطته الحكومات المتعابقة رهنا للتخلف ولم تمتد اليه يد التطوير وكانه سقط تاريخيا وتنمويا واقتصاديا من سهوا من حسابات الحكومات المصرية، مما جعلهابدائية الحياة ، وكذلك بعدها عن الحياة الصاخبة، ومراكز التجمعات البشرية، تشكل مكاناً خصباً لنمو هذا النمط من النشاط الروحي الذي تمارسه مجموعة من الناس، تقطع صلتها بملذات الحياة الدنيا، وتعود إلى البدائية، من أجل الوصول إلى الاتحاد بالمطلق وكنوع من التعويض النفسى فى مقابل الاهمال الانسانى من حكومات مصر بالاضافة الى الموروث التاريخى للحركات الصوفية الذى اكثر التصاقا بالصعيد من غيره.
يشير الراوي في رواية "بغل المجلى" إلى مشهد مألوف في هذه البيئة، وهو حفلات السمر الليلية التي يقيمها "الدراويش من أتباع الطرائق الصوفية الذين يطوفون على النجوع، ويهيمون في البرية وفى رواية " أرض الخرابة"، يشير مولد سيدى ابى العسران وما يدور فيه وسيدى المبروم وما يصاحبه من صقوس صوفية بينما تاتى الاشارة على استحياء فى رواية" عودة الفلوص" حين يعلن ابو الدهب السمسار ان الفلوص جاءه فى المنام وطلب منه ان يبنى له مقام فى وسط البلد
ثمة طريقتان لتوظيف الصوفية في روايات عبد الجواد خفاجى،
أولاهما: التوظيف الخارجي، وهو ذو صبغة تعليمية، ويقوم الكاتب في هذه الطريقة بتوظيف تراث البيئة المحلية لإعلام القارئ، وإطلاعه على ما يفترض أنه مجهول بالنسبة إليه، ويتخذ الكاتب في التوظيف الخارجي للصوفية دور المؤرخ، فيسرد دون تدخل أو تغيير.
لقد أوكل خفاجى في رواية "بغل المجلى إلى الراوي المحايد مهمة تقديم معلومات للقارئ عن الصوفية المنتشرة في الصحراء فى البيئة الصعيدية، وقام الكاتب بشرح ما يتعلق بالطرائق الصوفية، فى فصل المقام فى رواية ارض الخاربة من حيث وجودهم لاحياء ذكرى عبد الفضيل وما يدور معم من اعمال وطقوس تبدا بتهيئة المكان وتنتهى باقامة حلقات الذكر،
أما الطريقة الثانية التي اتبعها الكاتب لتوظيف الصوفية في رواياته، فهي التوظيف العضوي، حيث يذوب النص الموظف في الرواية، ويشكل خلفية لأحداثها، ورؤاها وأفكارها، ومواقف شخوصها. وقد استخدم الكاتب هذا الشكل من توظيف التراث في روايته "ارض الخرابة التي بناها على مغهوم صوفى يبرر معضلات التفكير عند الناس ومنها اختفاء ام اسماعين الذى ارتبط بمولد سيدى ابى العسران ومنها تهيئة المناخ لمبروك ليصبح قطبا ومنها طقوس تخليد ذكرى عبد الفضيل ليصبح له مقام وغير ذلك والتظيف للصوفيه هنا توظيف مقصود من الروائى ليخلق منه معادلا نغسيا وتفسيريا للظواهر المعقدة التى لا ترقى اليها عقول ابناء هذه البيئة وهو هنا يكشف عن هذه العقلية احد افرازات التخلف والجهل والفقر والجوع واهمال الانظمة الحاكمة لها
وربما شكلت هذه الرؤية الفكرية التي ترتكز إلى الصوفية نسيج العمل الروائي او لعبت دورا مهما فى نسيج العمل الروائى فى روايتى" بغل المجلى وارض الخرابة"وقد تبدو الصوفية تبدو المرجعية الفكرية التي تستند إليها الرواية في نقدها لتعلق الإنسان بالمادي الذي شوه، من وجهة نظر الرواية، الطبيعة الإنسانية، وسبب للإنسان العذاب والشقاءلقد طرحت الرواية الصوفية، بأيديولوجيتها الداعية إلى الانعتاق من أسر المادة والفناء في الذات الإلهية بديلاً لما أصاب الطبيعة الإنسانية من تشويه بسبب ارتباطها بالعرضي والزائل
العادات والتقاليد والمعتقدات: لا تصور روايات عبد الجواد خفاجى البيئة الصعيدية، بوصفها مكاناً جغرافياً فحسب، بل تعنى بالحياة الاجتماعية والروحية للناس، فتعرض لعاداتهم ومعتقداتهم الموروثة والمقدسة. إن كل شيء في حياتهم مقدس ، بدءاً من اللباس، وانتهاء بطقو.س الممارسات اليومية وقد عرض عبد الجواد في رواياته لهذه العادات والمعتقدات والتقاليد، بدافع تعريف القارئ بما يجهله من حياة الشخصية الصعيدية وتراثها، مركزاً اهتمامه على بانوراما البيئة المحلية وما يمور فيها من تطلع او تخلف او معتقدات او عادات تتحكم فى آلية التفكير ورسم ملامح هذه البيئة وسلطات تتحكم فى هذه الشخصية سواء سلطات اجتماعية او سياسية او بيئية.
فرواية "بغل المجلى تصور لنا سلطة المعتقد والخرافة ومدى سيطرتها على آليات التحراك الاجتماعى فهى تنقل " عالما خاصا مملوءا بالقبح والخداع والجريمة ومتميزا بخصوصية الواقع واللحظة التاريخية التى تصورها وليست اللحظة التاريخية التى كتبت فيها الرواية فالرواية تمتد الى خمسة وعشرين عاما هى جزء من تاريخ هذه البقعة فى صعيد مصر التى يكتنفها الغموض الذي يشكل عالماً فسيحاً ومجهولاً كعالمالبيئة الصعيدية لا بد أن يطلق العنان لمخيلة الإنسان، فتتراءى له الأشياء على صورتها الحقيقية. ولعل هذا أن يكون تفسيراً لظهور الحكايات التي تدور حول القوى الخفية التي يقوى الاعتقاد بها في المجتمعات البدائية. وقد عجت رواية بغل المجلى بالخارق واللامنطقى فى سية هذا البغل الذى صار مقدسا وصاحب سلطة، مما يدل على مدى تغلغل هذه المعتقدات في وعي أبناء هذه البيئة فالقوى الخارقة موجودة في كل مكان فيها، ولها قدرات خارقة ليست للبشر. ويجب على الإنسان –كي يأمن إيذاءها- أن يتحصن بالتعاويذ والرقى، والحجب او يخضع لسلطانها وكذلك استطاع الكاتب ان يضمر من خلالها تاريخ مصر فى عصر الاتراك وذلك بذكاء فنى حين يتعرض لتاريخ أسرة العمدة ابو دراع التى نجحت فى أن يحصل احد افرادها على لقب بك وفى هذا انفتاح لفضاء الرواية على لحظة تاريخية واسعة المدى وفيه ذكاء فنى من الكاتب فى تحقيق الدهشة الكامنة فى الربط بين التاريخ المركزى والتاريخ الهامشى ومن تقنيات الحداثة فى هذه الرواية الاشارة الى تكرار الزمن ونمطية الحياة فى هذه البقعة من صعيد مصر وهذا التصوير يجعل الكاتب صاحب رؤية واضحة وموقف فكرى ملتزم فيه بقضايا مجتمعة مما جعل روايتة بانورامية شاملة وموقفة يكشف عن انتماء حقيقى انه انتماء يستمد من البؤس والعجز ومنطق الخرافة والدجل قوة وأيمانا وصلابة من اجل مستقبل مشرق لاهله وابناء جلدته فلا غرو اذن ان يهدى روايتة الى كل ابناء الصعيد الذين تطحن القبلية عظام حياتهم وللأسف فان الحياة خلف ظهورهم فيسخر من واقعهم الانسانى الكسول عن الخروج من هذه الشرنقة القاتلة الى عوالم ارحب تظهر فيها انسانية الانسان الصادقة ويتضح فيها شفافية العلاقات الانسانية وتطرح من داخلها منطق الخرافة والاسطورة المفروضة عليها ليحل محلها منطق العلم والوعى والتقدم
وإن الإنسان الذي يعيش في مجتمع بدائي يغيب عنه العلم والمعرفة، لا بد أن يفسر ظواهر الطبيعة تفسيراً خرافياً، ولا بد أيضاً أن يسند إلى القوى الخارقة مهمة القيام بأفعال كثيرة. وقد ألمحت رواية بغل المجلى وارض الخرابة وعودة اتلفلوص" إلى ما رسخ في المخيلة الشعبية للبيئة الصعيدية من تمتع القوى الخفية بقدرات خارقة فحين عجز اهل القرية عنالعثور على حثة اسمعين الذى غرق فسروا ذلك بان الجنية هى التى خطفته وبدات المخيلة الشعبير سرد القصص حول هذه الجنية التى تخرج فى الظلاموتبرق لمن يمر حتى يراهاومخالبها الطويلة التى تشبه المسلات وغير ذلك
ج- توظيف الأساطير: أدى اهتمام خفاجى بالمعتقدات الشعبية للبيئة الصعيديةإلى توظيف الأساطير، بوصفها تحتل مكانة بارزة في الماضي السحيق لمجتمع الصعيد من جهة، ولتأثيرها بعمق في وعي الناس من جهة أخرى. ولعل الدافع إلى توظيف الأساطير في رواياته هو اهتمام الكاتب بتصوير المجتمع بنظامه القبلي الذي يشبه النظام البدائي، بوصفه تربة خصبة لنمو الأساطير.
ويلاحظ الباحث وجود مستويين لتوظيف الأسطورة في روايات عبد الجواد خفاجى، أولهما رصد الأسطورة من خلال تشكلها من جديد في وعي الجماعة، وذلك من خلال الكشف عن مدى تأثيرها في الحاضر الذي يبدو مشدوداً، وبقوة إلى الماضي السحيق الذي ينظر إليه أهل الصعيد نظرة تقديس.
تشير رواية "عودة الفلوص" الى اسطورة المخلص او اله الخير المتمثل فى الفلوص طوق النجاة الذى اذا عاد الىا القرية فان الخير سوف يعم على الجميع وتحل مشاكلهم ذلك الرحجل المبروم الذى استأثرت به القاهرة ليجعل الخير فيها فهو امل الجميع حيث يذكر الراوى" وقد استأرت به القاهرة مؤخرا وهو الان فى معية الاكابر من رجالات الدولة والحكومة جميعهم يتباركون به وهم يصعدون الى المناصب العليا بسره الباتع ربما ان القاهرة لولا الفلوص لاجدبت فيها الحياة؟
والمستوى الثانى هو تمجيد الاسطورة باعتبارها معادلا للوعى التاريخى وصابعة للذاكرة الجمعية وقد عبر الراوى بوضوح فى رواية " ارض الخرابة عن هذا الوعى بقوله"على الاقل كان لدينا ما نرويه لكم على الاقل كانت لنا ذاكرة تستدعى تاريخها على الاقل كانت لنا اساطيرنا التى تزاحم حياتنا ومعتقداتنا كان لدينا الكثير مما ليس لديكم ايها الابناء"
توظيف المكان التراثي
لا بد للباحث، وهو يتحدث عن المكان في الرواية، أن يأخذ بعين الاعتبار ما يتعلق بهذا المصطلح، من أمرين أصبحا ملازمين له، وهما: غموضه، وأهميته في العمل الروائي. وقد تفاوت النقاد والباحثون فيما بينهم في فهمهم للمكان، فبعضهم نظر إليه على أنه المكان الجغرافي، وبعضهم نظر إليه على أنه فضاء الصفحة، وبعضهم نظر إليه من زاوية المدلول الثقافي، وبعضهم نظر إليه من زاوية المنظور البلاغي، بالإضافة إلى خلط النقاد بين المكان والفضاء
وتأتى أهمية المكان في الرواية من كونه العنصر الذي لا يمكن الاستغناء عنه لتداخله مع المكونات الروائية الأخرى، كالشخصيات، والأحداث، والزمن التي يتحدد وجودها بوجود المكان. ويكتسب المكان التراثي مشروعية وجوده في الرواية من أنه "لا يوجد مكان خاص بالرواية، فكل الأماكن صالحة لأن تكون مكاناً نصياً، أي مكاناً خاضعاً لطبيعة الفن الروائي.
إن ما ينطبق على المكان الروائي بشكل عام ينطبق على المكان التراثي، فثمة ثلاثة أدوار يمكن للمكان التراثي أن يقوم بها، فإما أن يكون مجرد إطار تزييني للأحداث فقط، وإما أن يمهد للأحداث، وإما أن يساهم في إنتاج المعنى داخل عالم الرواية، ونجد الدور التزييني والدور التمهيدي في الرواية التقليدية، حيث ضعف البناء الفني، وحيث الاهتمام بالحدث على حساب المكونات الروائية الأخرى، وإخضاع كل ما في الرواية للحدث الذي يؤطره المكان التراثي، ويمهد له، ويشيع هذا النمط من المكان التراثي في الرواية التقليدية، ولا سيما الرواية ذات الحمولة التاريخية التي استخدمت المكان التراثي مسرحاً للأحداث، فأدارت الأحداث في أماكن تراثية شكلت الإطار المكاني لها، أما الدور الثالث، وهو مساهمة المكان التراثي في إنتاج المعنى داخل عالم الرواية، فنجده في الرواية المعاصرة، حيث التماسك الفني الناتج من تضافر المكونات الروائية وتعاضدها. إن المكان في الرواية المعاصرة لم يعد مجرد إطار تزييني للأحداث، أو تمهيداً لها، بل هو عنصر أساسي، يتداخل مع العناصر الأخرى، ويشارك في إنتاج المعنى. وعلى هذا الأساس طرح الروائيون المكان التراثي في عالم الرواية، فأصبح المكان التراثي قضية أساسية، يطرح من خلالها الروائي جملة من الأسئلة، والمشكلات التي تتعلق براهن الإنسان، والحاضر المعيش.
لم يكتف الروائيون بتصوير المكان القديم ذي البعد التاريخي، كالحمّامات والقلاع والبيوت القديمة، بل صوروا أيضاً المكان التراثي المصنوع، إذا صح التعبير، أي الأثاث القديم الموجود في المكان الجديد.
أ- سرد تاريخ المكان القديم: إذا لم يكن للمكان القديم تاريخ رسمي مكتوب فإن المعلومات المتوافرة عنه ستعوزها الدقة، وستكون ناقصة، وسيكتنف الغموض تاريخ المكان القديم. إن المعلومات التي يقدمها الراوي عن " الخرابة"، في رواية "ارض الخرابة" قليلة جداً، وتنقصها الدقة، فهي مستقاة من أقوال الناس، ورواياتهم , ومشاهدات الراوى نفسه لكنها مكان فاعل ربط الماضى بالحاضر فهى تشير الى وجود الانجليز فى هذه البقعة وربما سميت بالخرابة بعد هجره الانجليز وهى مكان له حمولا تاريخية كاشفة ومضيئة لخصائص البيئة الصعيدية ومؤكده على سيطرة الخرافة والاسطورة على هذه البئية منها يبدا تاريخ هذه البئية واليها ينتهى وهى تشير الى ربط هذه البقعة من صعيد مصر بالاحدث العالمية كالاحتلال الانجليزى لمصر كما انها شكلت فضاءا روائيا جميلا اتاح للسارد مساحة كبيرة لتحريك الاحداث وتطوعيها لاخدمة العمل الروائى ففيها تم العثور على فردة الحذاء الأولى لعبد الفضيل ذلك الحذاء الغريب والذى كانت له دلالة فاعلة فى الكشف عن شخصية عبد الفضل وفيها تم دفن عبد الفضيل وفيها كانت تتم الخصوبة حيث كانت تمارس كلبة الفضيل الجنس وفيها تم العثور على فردة الحذاء الاخرى ومنها تطور تاريخ هذه البقعة وتشكلت ملامح هذه البيئة فقد حملت الخرابة تطورات العصر وفوران التاريخ والتى اصبحت الان مساكن شعبية
وفى رواية عودة الفلوص ياتى المزلقان البذى يبدا عنده التاريخ وينتهى ايضا فالمزلقان يؤرخ لحياة هذه المنطقة التى تبدا من شخصية العتقى الفاعلة فى تحريك الاحداث والتى عندها بدا تاريخ الفلوص وانتهى ومن يبدا تاريخ القرية بما يحمل من تحولات فاعلة
ولقد تعددت علاقة الشخصية الروائية بالمكان عند عبد الجواد خفاجى فهى
علاقة نفعية" حيث الخص فى رواية بغل المجلى المحتوى الفاعل لتقديس البخل والكوبرى الحد الفاصلب بيين عهدين والمحطة فى رواية عودة الفلوص مصدر الرزق من عتالة حقائب المسافرين ومقام سيدى ابى العسران لقضاء الحاجات والمصالح وعودة الغائب
- علاقة حميمية فدوار العمدة هو ملاذ الفلوص بالدفء الانسانى والجمال فى رواية عودة الفلوص والقصر هو مملكة المجلى فى رواية بغلة المجلى وبيت عبد الفضيل هو مركز الحياة وفاعليتها بالنسبة لعبد الفضل
ولقد وظف عبد الجواد المكان بشكل عام فى رواياته للكشف عن ثنائية الحضارة القديمة فى مقابل الحضارة الحديثة او التاريخ القديم بما يحمل من عبق ووحدة فى مقابل الجديد بما يحمل من تففك وانهيار وانتهازية انه هنا يكشف عن روح الانسانية فى القديوما تحمل من صفاء وتعاون وتماسك تجلت فى الجانب الاخلاقى حيث يقول الراوى فى رواية ارض الخرابة
" والحقيقة وكما ترون ان كل شئ قد تبدل او ربما الحياة برمتها قد مسخت فانتم ترون حى البساتين كما تسميه الحكومة او ارض الخاربة كما يسميه الناس لاشئ فيه ولا اثر لما ذكرته لكم لا اثر حقيقة لتلك الحياة التى استدعتها ذاكرتى لكم وقد اضحت المنطقة التى كانت براحا حول الخرابة تعج بالبشر والكراكيب واكداس القمامة وعمارات الاسكان الشعبى ومياه المجارى الطافحة واللافتاتا المتهرئة للمرشحين التى تهفهف فوق الرؤوس هذا ما تباهى به حكومتكم ايها الابناء"
، فهويعرض لثنائية تجمع بين القديم والجديد، فالمكان الروائي عنده يمتد على مساحة واسعة تجمع بين القديم الذي بدأ ينحسر والجديد الذي راح يزحف تدعمه الآلات المعاصرة التي لا تعرف شفراتها الفولاذية الحادة الرحمة:
ويؤرخ عبد الجواد ايضا في المقبوس السابق لانهيار القديم، ونهوض الجديد، فثمة حضارة حديثة تنهض على أنقاض حضارة قديمة، وثمة مكان قديم يكاد يندثر، وتكاد معالمه تزول، تحت وطأة الآلات المعاصرة. إنها معركة يواجه فيها القديم مصيره أمام عدو لا يرحم، هو المجتمع الاستهلاكي المبني على التافه والمزيف والنفعي والعبثي. ويبدو أن الإنسان هو الخاسر الوحيد في هذه المعركة، فانتصار الجديد والاستهلاكي والعبثي والنفعي إنما هو استلابنا أمام التقنية الغربية، أو أمام أنفسنا، إنه فقد لطفولتنا، لبراءتنا، لأصالتنا التي تذوب رويداً رويداً أمام مد الزيف وسلطة الأقنعة. ولا بد لنا هنا أن نتساءل عن موقف الكاتب تجاه ما يحدث، وإلى أي طرف ينتصر؟ أينتصر للقديم أم للحديث؟ ينحاز عبد الجواد خفاجى، بشكل صريح للقديم، ويدعو للعودة إليه، والتمسك به، ويهاجم بالمقابل المكان الجديد، ويظهر قبحه ومساوءه وعيوبه، وتأثيره السلبي في حياة الناس. إن القديم في أدب خفاجى هو الجميل دائماً، رغم تآكله، أما الجديد فهو القبيح دائماً، رغم جدته وحداثته.
ولما كان القديم ينتمي إلى لحظة تاريخية مضت، في حين أن المكان الجديد ينتمي إلى الحاضر، فإن الصراع بين المكان القديم والمكان الجديد يصبح صراعاً بين الماضي والحاضر، بين الماضي الذي يمثل الأصالة والجمال والألفة والمحبة والحاضر الذي يمثل الزائف والتافه والاستهلاكي والنفعي
إن ثنائية الماضي/ الحاضر لا تأتي عرضاً في روايات عبد الجواد خفاجى، بل تشكل الأساس الذي ينهض عليه العالم الروائى عنده، فهناك دائماً الماضي والحاضر، والشخصيات الخيرة والشخصيات الشريرة، المُستغِل والمُستغَل، والغني والفقير، والأصيل والزائف
إنه من خلال المشروع الروائى يرصد عالماً تنهار فيه قيم الخير والجمال والحق أمام قوى الشر والقبح والظلم، ويدرك أن الوقت لما يحن لانتصار قوى الخير، لذا يكون مصير أبطال رواياته الموت او الاختفاء او الفناء
ومن هنا ارانى امام مشروع روائى رصد بعناية حياة جزء مهم من جغرافيا مصر وهو الصعيد رصدا تاريخيا ربما يبدا من نهاية الحكم العثمانى وينتهى عند عصر السادات وخلال هذه الفترة استطاع خفاجى ان يرصد تلك الحياة الانسانية لهذه البقعة وما يمور فيها من احداث صانعة لتاريخ هذه البقعة وكاشفة عن معالم شخصيتها فيما يشبه ثلاثية نجيب محفوظ وان كان التناول الفنى مختلفا وهنا ناتى الى دور الفن فى التاصيل للتاريجى والانسانى لهذه البقعة
جماليات المتن السردى
لقد نحج عبد الجواد خفاجى فى ان يقدم لنا فنا روائيا يسهم فى تاصيل الشكل الروائى الحديث من خلال مشروع روائى خطط له الكاتب بشكل جيد فى ذاكرته معتمدا على التطور الزمنى والتاريخى لصعيد مصر رابطا فى ذلك بين الاحداث العامة وبين هذا الصعيد منتتصرا لشخصيته القديمة ساخرا من الدور الحكومى المتعنت لمحو تاريخ هذا الصعيد واهماله له كاشفا عن الوضع الساسيى العام فى مصر والانظمة الحكومية الفاسدة التى تعتبر الصعيد مزرعة منبها الى اننا نملك القدرة على مجابهة هذا لفساد واننا قادرون على صنع مستقبلنا ساخرا ايضا من ذلك الركود المميت فى تكوين الشخصية الصعيدية وعدم فاعليتها بما تملك من خصائص انسانية واجتماعية تؤهلها لان تعلب دورا تاريخيا فى النهوض بهذا المجتمع
والجميل فى الامر ان عبد الجواد خفاجى يعى تماما طبيعة فنه الروائى ويعى تماما كيفية توجيه الخطاب الروائى بشكل مرحلى معتمدا على تشابك الفضاء الزمانى مع المكانى فى خلق مشروع روائى امتد على مساحة ثلاث روايات تبدو وكانها رواية واحدة وهى روايات "بغل المجلى" التى ترصد حقبة معينة كانت الخرافة تسيطر عليها بشكل عام وتشكل السلطة الحقيقية فى بناء الشخصية ومن ثم جاءت الشخصيات الروائية فى هذه الرواية وسنانة والحياة الاجتماعية لا مركزية لها وانما تقع تحت سلطة الدجل والخرافة والشعوذة بما يشى بوجود مجتمع بكر يتوقف عنده التاريخ و يجابه ايضا ركود الجغرافيا فالمجلى استطاع ان يخلق سلطة موازية تتحكم فى بؤرة الحياة وتصبح محورا لها من خلال ذلك البغل الذى يشبه عجل ابيس ومن ثم ظلت هذه الحياة مغلقة لا علاقة لها بالتاريخ العام فلم ياتى ذكر للوسائط الثقافية المختلفة كالجرائد والراديو والقطارات او السيارات وغيرهما بما يشير الى العزلة التامة لهذا المجتمع النفى فى زوايا العالم دون ان يشعر به احد لكنه يملك قانونه الخاص
ولذلك اعتمد الكاتب فى فى هذه الرواية على استخدام الاسلوب المشهدى فى توظيف الثقافة الشعبية توظيفا ساخرا لحل شفرة اللغز الوجودى الذى يكتنف ابناء هذه البقعة من الصعيد ويكشف عن زيف الوعى الاجتماعى فى استجابة الرواية لاطروحات الحداثة الجديدة فى فن الرواية من خلال البحث عن ما هو انسانى مشبع بالمحلية وعن ما هو فنى يحول اليومى والمالوف الى نص منفتح يشعر القارئ منذ صفحاته الأولى ان الكاتب يعتمد الأسلوب المشهدى المتماسك لإبراز التراكيب الاجتماعية والنفسية لشرائح مختلفة من الشخصيات ويعتمد هذا الاسلوب على الجمع بين ما هو شفاهى وبين ما هو فن روائى ونسوق فى ذلك مثلا يوضح الاسلوبية المشهدية فى هذه الرواية فى مشاهد مثل حكاية المجلى مع الحجوب والعمدة ابودراع والبطاح والحضرة الزكية واللحظة الفارقة وكلها مشاهد تتعتمد على البنى اللاواعية للتركيب الاجتماعى لقرية الطرابشة ليس باعتبارها فضائا ضيقا فى صعيد مصر ولكن باعتبارها فضاء واسعا لحركة الاحداث والشخوص ووعاءا للأفعال اليومية لكل قرى مصر او لكل قرية فى هذا الكون يحكمها مثل هذا المنطق السحرى .
واستطاع الكاتب ان يشكل شخصياته فى الرواية بطريقة فنية جديدة اذ لايفصح عن الشخصية الا من خلال دورها الحقيقى والمحدد لها بوضوح فى الرواية ولا يقدم الكاتب شخصياته من وجه نظر تسجيلية او بطريقة وصفية سردية وانما تتخلق الشخصية من خلال دورها فى بناء الحدث وادارة الحوار تارة وتارة اخرى بالحديث مع النفس او استخدام المونولوج الداخلى ولهذا تخلو هذه الرواية من الشخصية المحورية والشخصية الثانوية فكل شخصيات الرواية ابطال دفعهم الى البطولة المطلقة فن التعاقب بين الاصوات ولذلك فاننا نجد فى هذه الرواية اكثر من راو فهناك الراوى الكلى والعليم وهو نسخة من المولف يتولى السرد لكل كبيرة وصغيرة ويظهر ذلك فى ما تيسر من تاريخ البغل حيث يصف فى اسهاب تاريخ ةفرسة الريس تركى والصراع حولها بينه وبين عبدالنبى الذى اشتراها منه ويلتقط التفاصيل من هنا وهناك ويعتلى منطق الحدث ويدرك ما يدور بخلد الناس ويصل الى كل المشاهد حتى عبر جدران المنازل .
ثمة ملاحظة اخرى وهى ان الراوى فى هذه الرواية كان لصيقا باحداثها مشاركا فيه مؤكدا على هذه الاحداث وكانه يراها من زاوية اليقين وان اتسمت هذه الراوية بالفردية فافعال الشخصيات فيها سلطوية تخلو من روح الجماعة انتهازية فعبد البنى والمجلى والعمدة وابو البطاح وسكينة والدراويش كل منهم يلعب دورا فرديا لان طبيعة المرحلة فى ذلك الوقت تفرض هذا الدور من اجل التعايش والصراع فى الفراغ الانسانى الذى يفتقر الى مشروعية الحياة او وجود مشروع قومى محدد الملامح بحكم النفى فى العراء وزوايا العالم كما اسلفنا من قبل
وفى رواية "ارض الخرابة" يضعنا الكاتب امام انماط من الشخصيات ذات الحس الجماعى تتعاون من اجل خلق حياة مؤثرة ولذلك تكثر فى الرواية الاحداث الجماعية فغرق اسماعيل يكشف عن طبيعة الروح الجمعية التى دفعت الجميع للتعاون من اجل العثور على جثته وموت عبد الفضيل استدعاء لروح الفريق ومولد سيدى ابى العسران علامة للتجمع الروحى والانسانى وغياب ام اسماعين كاشف عن الهم المشترك الكامن فى الشخصية الصعيدية واشتراكها فى ذاكرة واحدة تجاه قضية المراة ان الراوى هنا يضعنا امام بيئة جدية اكثر تطورا من بيئة بغل المجلى واكثر انفتاحا عن العالم فاذا كان الفضاء المكانى فى بغل المجلى محصورا فى قرية الطابشة فانه فى ارض الخرابة منفتح على افضية اخرى وقرى اخرى مجاورة كشفها غياب ام اسماعين
والشخصيات هنا اكثر وعيا واكثر اقترابا من الزمن الحديث تقف على مشارف حياة جديدة مغايرة حتى ان الراوى نفسه هنا يخرج علينا فى نهاية الرواية واعظا ملمحا لحياة جديدة سوف تحل محل الحياة القديمة مستشرفا المستقبل من خلال قراءته لتطورت التاريخى والجغرافى فالمقدس هنا يطفوا على المدنس الذى كان شائعا فى رواية بغل المجلى والوعى العام للشخصيات اكثر تطورا من رواية بغل المجلى والرواى هنا ايضا لصيق بالحدث شاهد عليه وجزء منه وهذه الرواية يمكن ان تكون الرواية الوسطى والحد الفاصل بين اليقين المطلق المتمثل فى الماضى بما يحمل من ثرة الاساطير المشكله للوعى والصانعة للتاريخ والشك المطلق ايضا المتمثل فى حياة جديد منبتة النسب لا حقيقة مطلقة فيها ولا تاريخ ولا اسطورة ولا قدرة على الاستشراف لانه قائم على النفعية والانتهازية
حتى ان الراوى هنا يمهد بذكاء للجزء القادم فى استكمال هذه المشروع الروائى او بما يشبه حسن التخلص فى الشعر العربى القديم فليس صدفة ان ياتى فى نهاية الرواية قول الراوى
"ان كل ما ناسف له الان اننا ادركناكم جيلا بلا تاريخ وبلا ذاكرة وبلا اسطورة لقد كنا افضل حالا منكم ايها الابناء وان كنا مثلكم فى خطوة سابقة نسير نحو هذا الفراغ الذى تتدافعون اليه الان تدافعا اسطوريا بلا معنى المؤسف ان نراكم هكذا قطعانا عاطلة تتسكع بازياء غريبة وقصات شعر اغرب ولهجات رقيع ومؤخرات مصرورة لاحكومة معنية بتعطلكم ولا مصنع ولا مؤسسة ولاحتى الغيطان انتم صالحون لها"
ان هذا المقبوس يحمل عمقا فلسفيا تجاه الحياة التى كشف عنها الراوى ووضعها هنا وهى الحياة التى نراها الان وربما يظن احد ان هذا الجزء مضاف الى الرواية فى تعنت او غير مبرر فنيا وعلى العكس فالكاتب هنا كان فى منتهى الوعى انه يضعنا فى اتون التساؤل بهذا الجزء ذلك التساؤل القلق : وماذا بعد؟
ثم تاتى رواية "عودة الفلوص مجيبة" عن سؤال وماذا بعد؟ لتقدم لنا الجزء الثالث من هذا المشروع بشخصيات اكثر وعيا وحياة اكثر انفتاحا على الثقافة حتى نتعرف على القطارات والمحطات والراديو والجرائد والحزب الاشتراكى والحزب الوطنى الديمقراطى وشخصيات مسبسة بشكل جيد والبرلمان والقضية الفلسطينية وغير ذلك وتبدو الانماط الشخصية هنا منحوته نحتا لتناسب طبيعة المرحلة والشك المطلق فى وجود مشروع يفضى الى التقدم والنهوض بالحياة فالعتقى نحت من اسمه الى رسمه الى ممارساته ليشكل شخصية محورية تلعب دورا مهما فى تزييف الواقع والعمدة عب الجبار شخصية تكشف دلالة اسمها عن القهر السلطوى والفلوص نمط جديد يكشف عن الزيف والخداع الذى ملا الحياة وذلك الراوى الاعمى الذى يقدم المشروع السياحى والذى يرى فيه الخلاص لازمة هذه البئية الصعيدية وسخرية الكاتب من الواقع الساسيى الهش وعدم يقينيته فى شئ حتى انه يختلف فى مستوى السرد فبعد ان كان الراوى فى رواية بغل المجلى ورواية ارض الخرابة جزءا من الحدث لصيق بها هنا يحاول ان يبتعد عن هذا اليقين مقاربا من الشك ولذلك فى يصدر معظم مرواياته بجملة " يقولون" او ينهيها بجملة " والله اعلم" ان لهاتين الجملتين دلالة الشك المطلق الذى يقدمة لنا عبد الجواد خفاجى فى يقينية الحياة وجدواها بعد فسادها الذى اسهم فيه الصعيد نفسه او الشخصية الصعيدية التى تخلت عن هويتها وابتعدت عن تاريخها وخصائصها الجغرافية والتاريخية فذابت فى اتون مجمتع انتهازى وسقطت فى براثن لعبة الاخر المتربص بمصر فهذا النائب سليم الذى ما ان يحصل على عضوية المجلس حتى يستقر فى القاهرة
اننا هنا امام تجربة روائية شديدة الخصوصية ومشروع روائى جميل استطاع الكاتب من خلال ان يقدم لنا ذاكرة بقعة مهمة فى صعيد مصر
تماهي الراوي مع شخصيات المكان وثقافتهم داخل نصه الروائي
تمكن الكاتب عبر تماهي راويه مع ثقافة و شخصيات الفضاءات المكانية المذكور
من طرح الرؤى المناسبة لتلك الشخصيات وكان ذلك يتم على مستويين
مستوى أول هو مستوى الحوارات الشخصية للشخصيات والتي تعكس ثقافتها ومكونات تفكيرها من خلال خطاباتها الشخصية المباشرة عبر ما يخرج من حواراتها بشكل مباشر، أو غير مباشر.
المستوى الثاني وهو يتم عن طريق الراوي الذي يستخدم ضمير الغائب (صيغة الخطاب المسرود) في سرده وفي الصور التي يشكلها والذي كان يعكس باستمرار ثقافة ورؤى أهل المكان، ولقد كان يتم عبر عدة مستويات متشابكة :
أ) استسلام الراوي في رواية "بغل المجلى" للوعي الجمعي للجمهور في أوصافه .
ب) استسلام غير معلن هنا من خلال تصور الشخصية والتماهي معها وهي تتماهى مع المكون الثقافي للمجتمعكما فى ارض الخرابة.
ولقد أسس الراوي في رواية "بغل المجلى ورواية ارض الخرابة" خطابه الروائي عبر العديد من التقنيات الخطابية وكان بعض تلك التقنيات تمثل تجربة جديدة في الرواية فيما تعتبر بعضها الأخرى تقنيات متداولة ضمن أعمال سابقيه من الروائيين وهي كما يلي :
تقنيات على مستوى الزمن أستخدم الراوي تقنيات الاسترجاع الروائي لبناء الشخصيات وكان المميز في هذه التقنية المتداولة بكثرة هو ما سأجازف بتسميته جمالية النقلة السردية اعتماداً على منطق نقلة سردية متميز من زمن لزمن بحيث كانت كل الانتقالات تتم بسلاسة ودون شعور المروي لهم بحدوث شي نشاز داخل الخطاب الروائي كذلك استفاد الروائي من تقنيات التواتر والخلاصة حيث كان في بعض مراحل بناء الشخصيات يستخدم تقنية التواتر للحدث لكي يغطي مرحلة زمنية من عمر الشخصيات كما فعل مع المجلى وعبد الفضيل والفلوص كما أستخدم أيضا تقنية الخلاصة لخلق تسريع للسرد، مثل عركة المسطع فى رواية ارض
تقنيات على مستوى الصيغة السردية
تقدم روايات عبد الجواد الخلط المستمر على طول الخطاب الروائي بين نوعين رئيسين من الخطاب، الأول الخطاب الواقعي الذي ينعكس من خلاله كافة المكونات الثقافية والاجتماعية مع الخطاب الغرائبي بحيث تتحول الرواية بهذا الشكل لما يعرف برواية الواقعية السحرية، ويضاف لهذين الخطابين خطاب ثالث كان يظهر أمامنا ويختفي من الحين للأخر.
آلية حضور الخطابات المتداخلة في داخل نطاق عقد التعامل بين الكاتب والقارئ ومنها
الخطاب الواقعي: لم يكن الكاتب محتاجاً لخلخلة عقد التعامل العادي هنا وهو يؤسس خطابه الروائي فالخطاب الواقعي خطاب متداول ومعتاد ضمن سياق الرصيد الروائي وضمن ما اتفق على تسمينه انه رواية. كما لاحظنا فى رصد واقع القرية فى بغل المجلى والحياة فى ارض الخرابة والمجتمع فى عودة الفلوص
الخطاب الغرائبي : والذي تأسس من خلال ما يلي:
*ممارسة بعض الشخصيات للأفعال الخارقة للمعتاد .
*الشخصية الغرائبية أو الشخصية الخارقة للمعتاد.
*نمط ممارسة جماعي اتفق عليه كل الأهالي.
*الخطاب الساخر أو السخرية الخفية من كل الشخصيات.
وبهذا نستطيع ان نقول باطمئنان اننا اما كتاب روائى جيد يضاف الى رصيد الرواية العربية التى نجحت فى تجريب الشكل وتأصيل الخطاب الروائى الحديث

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
عبد الحافظ بخيت متولى غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لتجريب, المحلية, البيئة, تراث, وتوظيف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
التجريب وتوظيف التاريخ والموروث فى رواية الجنوب عبد الحافظ بخيت متولى نقد أدبي 0 04 / 12 / 2011 06 : 12 PM
الأجنحة طلعت سقيرق القصص 10 08 / 06 / 2011 00 : 03 PM
قراءة فى رواية "بغل المجلى" لعبد الجواد خفاجى عبد الحافظ بخيت متولى نقد أدبي 1 28 / 10 / 2010 36 : 05 PM
البطل عبد الجواد محمد مسعد ابراهيم خليل ابراهيم رجال ونساء في تاريخنا 0 29 / 09 / 2009 25 : 11 PM
السؤال المشروع طلعت سقيرق كلمات 0 09 / 07 / 2009 33 : 08 PM


الساعة الآن 10 : 08 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|