في السابق كان كل شيء جميل فالرسائل  التي كنت تكتبها وأنت جاثم على ضوء الفانوس وصوت القصف يرعد بجسدك ...كنت أرى التعرجات التي خطها خوفك مع كل حرف مال عن السطر ونحرف مساره... يخبرني بمشاعرك كيف كانت لحظتها ...والعطر الذي كنت ترشه عليها بعد أن تطبقها وتضعها بجيب سترتك  ..أشم ذاك العطر للآن وكأنه تشرب بروح الحروف وعشقها. 
اليوم الرسائل تبعث على جهاز الخلوي ..لتجدها بلون الأبيض والأسود معدومة الرائحة لا تحمل سوى كلام مكتوب  ليفصح عن خيبة أمل ورجاء العشاق..تمحى بمجرد أن تستبدل الجهاز أو تتزاحم رسائل أخرى لتأخذ دورها ..معلنة عن انتهاء فترة حراستها على صندوق الرسائل. 
أعظم هدية قدمتها لي  زهرة.. كنت قد قطفتها من أمام حديقة جاركم..وخبأتها بيدك اليسرى..رميتها لي عندما كان الطريق خالي من المارة ..وأنا أشك بأنه كان خالياً..فليس من المعقول أن تسير بشارع عام ولا نرى فيه أشباح المارة تلوح أمام ناظرينا ..لكن من فرطنا بالعشق لم نكن نرى سوى نفسينا معاً.  
التقطتها وكأني وضعت الكون بين يدي.. خبأتها بدفتر العلوم كنت حريصة على عدم فقدانها منه ..فلم تمل عيني من مراقبتها وهي نامت بين طيات الورق. 
كان للهدايا معنى..؟ تهب دون مقابل ...؟! 
أنت تعرف بأنني حتى عندما أبلغ السبعون عاماً ..سأبقى تلك الطفلة التي ترتمي بأحضانك لتؤنس وحشتها ..من كابوس مر مرور العمر ..وتحنوا طفقا على دقات قلبها كطفل يتيم.   
ثمة مشاعر تفصلنا عن الناس ..فتجعل منهم موتى لمقابر الذاكرة .. 
وثمة ما يفصل الأحياء عن الأموات ...فيكون الأحياء موتى النسيان ..