بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في عنوان قصيدة *صرت من عيني كحلي* للشاعرة فتيحة عبد الرحمن الجزائري
مقدمة
وأنت على صفحتك في الفايسبوك تنتبه دائما تارة الى التعليقات وتارة أخرى إلى المعجبين وطورا إلى ما ينشر على صفحتك ،لكن أحيانا لا تنتبه كونك مركزا في شيء ما فتفوتك أشياء قد تكون آسرة وأنت لا لاتعلم غير أنه لحسن حظي لفت نظري عنوان شعري جميل *:صرت من عيني كحلي* فخطف مني وقتا كنت بحاجة إليه لأبحر في عنوان بدا لي في غاية الجمال .
فتعمدت عدم قراءة القصيدة حتى أبرهن من العدم مدى فلاح نظرية اتصال العنوان بالنص ،أي أن العنوان في القصيدةالحديثة صار بمثابة الرأس من الجسد .
فهذا العنوان في الحقيقة جملة تامة بتمام عناصرها حيث :صرت :صر:فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بتاء المخاطب ، والتاء ضمير متصل في محل رفع اسم صار
من:حرف جر ،وعيني :اسم مجرور وعلامة جره الياء لأنه مثنى وهو مضاف والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة ،كحل :خبر صار منصوب وعلامة نصبه الفتحة منع من ظهورها الثقل وهو مضاف والياء ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
هذا هو التركيب النحوي لهذا العنوان الذي سيقودنا دون شك الى بنية اخرى عميقة
فصرت: فعل مسند الى ضمير الخطاب -التاء- أي أن هناك مخاطب ومخاطب .ثم أنه يدل على التحول من حالته الأولى الى حالة أخرى.
فمن هذا المخاطب الذي بدا للذات الشاعرة أنه بديل للكحل لكن هذا البديل قد أخذ شيئا ثمينا من عيني الذات الشاعرة فهل يكون هذا البديل أثمن؟.
أظن ذلك ما دام الكحل يستعمله النساء للزينة والتباهي ، فوجود الكحل يقتضي وجود العينين فالكحل خاصة العينين من هنا جاءت الشعرية من علاقة الدال بالمدلول .
ولعل سائلا يسأل عن ماهية الشيء المعطى للمخاطب وما ؟ أو من ؟هذا المخاطب الذي استحق أن يكون كحلا لعيني شاعرة ثم هل أن هذا المخاطب منفصل عن الذات الشاعرة أم أنه جزء منها ؟
يبدو لي من الوهلة الأولى أن الذات الشاعرة قد أخرجت الموجود بالقوة من عينيها لتستبدله أو هكذا بدا لها بشيء ستوجده بالفعل ،فالاستبدال هذا جاء من الذات الى الذات أي من العين الى العي *،صرت من عيني كحلي* وفكرة الاستبدال هذه التي أركز عليها جاءت من المعاني التي يزخر بها الحرف :-من-في شبه الجملة :من عيني.
ومعنى من هو كالتالي:
من :تكون لابتداء الغاية نحو خرجت من البلد،أوالتبعيض نحو:أنفقت من الدراهم.
وبيان الجنس:لي ثوب من خز،والتعليل نحو:مات من الخوف :والبدل نحو:-أرضيتم بالحياة الدنيا من الاخرة أي بدل الاخرة ،والتأكيد وهي الزائدة لفظا بشرط أن يكون مجرورها نكرة وأن يسبقها نفي أو نهي أو استفهام بهل نحو:ما جاءنا من رجل.
ومن هنا يبدو أن حرف الجر من في جملة من عيني ينطبق عليه معنى البدل أي صرت من عيني بدل الكحل .
والعينان مهمتهما النظر ومجازا يمكن أن تكو نا لمهمات أخرى كالسهر ، والذي يعطى من العينين مجازا في العادة هو النور والتعب إثر السهر كأن يكون صاحب العينين خياطا يحيك ملابس لعزيز عليه تأخذ منه شيئا من نور عينيه ،أو يكون ساهرا لكتابة قصائد بوح تأخذ أيضا شيئا من نور عينيه ، ما أجمل عنوانك ! ،وبعد هذا هل الشاعرة تمتلك مسبقا كل هذه الأدوات النحوية والبلاغية باعتبارها استعملت الاستعارة البعيدة والبعيدة جدا في عنوان قصيدتها ربما نعم لمن لا يعرف الشاعرة ،وأنا أقول لا باعتباري أعرف شيئا عن المستوى العلمي للشاعرة وهذا يثبت مرة أخرة أن الشعر ليس صناعة وإنما شعور حقيقي مترجم فهو كالوردة قبل تفتحها فإذا تفتحت شممت رائحتها العطرة من بعيد، هكذا رأيت عنوان قصيدة صرت من عيني كحلي . سأحاول بعد هذا قراءة القصيدة إن كان في العمر بقية.