أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام
رحيل المخرج المصري توفيق صالح
رحيل المخرج المصري توفيق صالح
بدا رحيل المخرج المصري توفيق صالح في ظروف الاضطراب السياسي السائد في مصر كناية عن رحيل جيل إبداعي كانت له محاولات إبداعية ريادية وأحلام كبيرة للارتقاء بالواقع السائد منذ خمسينيات القرن الماضي وستينياته، انتهت في الغالب بإخفاقات كبيرة.وكان توفيق صالح، الذي رحل عن 87 عاما، من أبرز ممثلي هذه الجيل في السينما، بل ومن أوضح الأمثلة عن المصير المأساوي لرموزه بين أحلامهم الإبداعية الكبيرة والإحباطات الضخمة التي واجهتهم.لقد حمل مشهد تشييع توفيق صالح دلالة رمزية عن تلاشي أثر هذا الجيل في مشهد الحاضر المأزوم. وعبر عن ذلك غياب الكثير من نجوم السينما المصرية التي قدم لها بعض أهم أفلامها عن جنازته، ومجيئها في وقت تشهد فيه مصر ذروة أزمة سياسية كانت بذورها في مرحلة الستينيات والسبعينيات، التي قدم فيها صالح أبرز نتاجاته التي حملت بذور وعي نقدي مبكر لمآلات المجتمعات العربية المأزومة.
إذ لا تخلو أي قائمة لأفضل الأفلام العربية منها، كما هي الحال مع اختيار أربعة من أفلامه هي "درب المهابيل" و"صراع الأبطال" و"المتمردون" و"يوميات نائب في الأرياف" ضمن قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية التي أعدها نقاد ومخرجون بمناسبة مئوية السينما المصرية عام 1996، ظل صالح غريبا في أوساط صناعة السينما المصرية ولم يحظ في العقود الاخيرة بفرصة تتناسب مع مكانته الأبداعية الكبيرة، كما بدا غير متوائم جدا مع الاشتراطات الإنتاجية الرخيصة السائدة في المشهد السينمائي الذي تغلب عليه النتاجات التجارية.وعن غربته تلك قال صالح في إحدى مقابلاته "أنا غريب، غريب وهذا قدري. يعني أنا داخل مجتمع أقبله ولكنه لا يقبلني. ماذا أعمل؟".لقد حمل توفيق صالح معه غربته تلك، بل قل اغترابه، وأحلامه ومشاريعه السينمائية واخفاقاته، بوصفه آخر جيل الأحلام الأبداعية والآيديولوجيات الكبيرة، وترك لنا آثاره في الأجيال السينمائية اللاحقة سواء تلك التي درست مباشرة على يديه أو تأثرت بمنجزه الإبداعي، لتسيير على الدرب ذاته في مواجهة واقع تتكاثر أزماته وقيوده.